كُتّاب الموقع
تيودور هرتزل... الفلسطيني

نبيه البرجي

الأربعاء 6 آذار 2019

حتى في موسكو التي حاولت لملمتهم تبعثروا على الورق بعدما تبعثروا على الأرض.

اذاً، متى يظهر تيودور هرتزل، أو دافيد بن غوريون، الفلسطيني؟ هو شي منه الذي عمل حمالاً في باريس، وكان يتباهى بجدته وهي تحمل «تلال» القش على ظهرها، تمكن من توحيد 14 فصيلاً مقاتلاً تحت مظلة «الفيتكونغ».

بالارادة الحديدية تمكنوا من قتل 58 ألف جندي أميركي وجرح 300 ألف، اضافة الى 2773مفقوداً، دون أن نغفل الـ10390 أميركياً الذي قضوا لأسباب شتى على الأرض الفيتنامية.

أرقام تكاد تكون خيالية في الحرب التي دامت منذ عام 1964 وحتى عام 1973. عدد الطائرات التي أسقطت، بما في ذلك قاذفات «بي ـ52» العملاقة، 3719 و4869 طائرة هليكوبتر.

واشنطن التي تلاحق عربياً لأنه ألقى بعجوز أميركي قي البحر، عقدت أوثق العلاقات مع فيتنام التي تنتشر فيها صور جنيفر لوبيز والفيس بريسلي، حتى أن 38 في المئة من العاملين في وكالة الفضاء الأميركية هم فيتناميون.

هوشي منه، بقامته النحيلة، وبوجهه الطفولي، فعل كل ذلك مع رفيق الميدان الجنرال فو نغوين غياب. حين كان ياسر عرفات الذي تدفقت عليه المليارات من بلدان الخليج (بلغت موجودات منظمة التحرير عشية الاجتياح عام 1982 ما يزيد عن 14 مليار دولار)، أنشأ 12 جهاز استخبارات، على الطريقة العربية اياها، للتجسس على بعضها البعض لا لرصد الدبيب الاسرائيلي.

لنتذكر ما كتبه يوري أفنيري عن الحجارة التي تطارد القنابل النووية. من أوقف انتفاضة الحجارة التي أعادت الى الأرض الفلسطينية ألقها، وأعادت الى القضية وهجها، قبل أن تدفن تحت ثلوج أوسلو (وتهال عليها الورود الكثيرة)؟ في ذلك الاتفاق السريالي، تم تسليم المفاتيح الفلسطينية المتبقية الى اسحق رابين في حديقة البيت الأبيض.

كثيرون يتغنون بالمبادرة الديبلوماسية العربية التي تم اقرارها في قمة بيروت عام 2002. هذه المبادرة التي صاغها الصحافي الأميركي (اليهودي) توماس فريدمان، وطرحها على القمة الملك عبدالله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد، خلت من كلمة «العودة». وحين أضيفت اليها هذه الكلمة، باصرار من لبنان وسوريا، ماتت مكانها، ولم تصل الى نيويورك تبعاً للتعهد الأميركي.

هل نجافي الحقيقة حين نقول ان هناك قادة فلسطينيين كانوا قد وافقوا على صيغة فريدمان، على أن يتم توطين فلسطيني الدياسبورا في الدول المضيفة.

الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني يبدو، في بعض وجوهه، أكثر حدة من الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. على مدى سنوات نرصد ما يتردد حول مفاوضات المصالحة بين غزة ورام الله. مصالحة من مع من؟ الضحايا مع الضحايا. اجترار ميكانيكي للكارثة.

هذا مع اقتناعنا بأن الحجارة أكثر أهمية من الصواريخ. سؤالنا قد يصدم الكثيرين. ما جدوى مئات، بل آلاف، الصواريخ في غزة اذا ما بقيت الأمور في سياقها الراهن؟ حصار بري، وحصار بحري، وحصار جوي. زنزانة. العرب شركاء في الحصار، والا لماذا الأنفاق؟

لا نتصور أن العرب سقطوا بتوقيع أنور السادات على اتفاقية كمب ديفيد، أو بتوقيع الملك حسين على اتفاق وادي عربة. العرب سقطوا من أكثر من ألف عام. حتى الساعة ما برحوا يتدحرجون من قاع الى قاع.

ألم يكن اليهود قبائل وتوحدوا؟ الحروب بين مملكة اسرائيل ومملكة يهوذا، اثر وفاة سليمان، دامت لعشرات السنين. اليهود كانوا جاليات موزعة في أصقاع الدنيا، وحتى في أكواخ القش في أثيوبيا (الفالاشا الذين يعتبرون أنفسهم نتاج ذلك الزواج الغامض بين سليمان وبلقيس، ملكة سبأ)، ثم التقوا في «أرض الميعاد».

لماذا لا تكون فلسطين «أرض الميعاد»، بعيدون جداً عن المفهوم الكلاسيكي، أو عن المفهوم اللاهوتي، للخلاص. نتوقف عند اسحق دويتشر، صاحب كتاب «اليهودي واللايهودي الذي قارب من أكثر من جانب «اللغز اليهودي», أو «العبقرية اليهودية» التي عزاها الى «الشيزوفرانيا الخلاقة». التواجد داخل حضارة ما وعلى تخومها.

اليهود في فلسطين وضعوا حجر الأساس لمعهد «التخنيون» (المعهد التقني) في عام 1912، ليباشر العمل في عام 1924. أين كنا نحن؟

هذا المعهد يقارن بمعهد ماساشوستس الشهير في الولايات المتحدة. في عام 2004، حاز افرام هيرشكو وأهارون تشيخانوفير، وهما من كلية الطب في «التخنيون»، جائزة نوبل في الكيمياء لاكتشافهما الجهاز البيولوجي المؤدي الى تحليل البروتينات في الخلية.

لا ننسى أن الاسرائيليين عرضوا رئاسة الدولة على ألبرت اينشتاين الذي اذ رفض، تسلّم المنصب حاييم وايزمان، وهو عالم بارز اخترع الأسيتون، البالغ الأهمية في صناعة الكوردايت كمادة متفجرة استخدمها الانكليز في الحرب العالمية الأولى.

حين لا تستطيع الفصائل الفلسطينية التي التقت مع سيرغي لافروف أن تصدر بياناً، مجرد بيان، هل من مجال للرهان على بلورة رؤية، أو استراتيجية، تضغط في اتجاه القضية وفي اتجاه الدولة؟

الفلسطينيون ممنوعون حتى من اللجؤ الى الحجارة. مثل أي حالة عربية أخرى. شيوخ القبائل، بثقاقة القرن التاسع عشر، وحتى بثقافة القرون الوسطى، هم من يحددون خطانا. هكذا الاصرار على أن نكون في نقطة التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة القبائل، ما دون الأمم. ما دون القبائل...



المصدر: الديار