كُتّاب الموقع
مساءلة السنيورة بداية طبيعية لفتح ملفات الفساد

حسين إبراهيم

الجمعة 1 آذار 2019

بالتأكيد ليس فؤاد السنيورة الوحيد الذي تحوم تساؤلات حول إدارته للسلطة التنفيذية في هذه الجمهورية التي بنيت كلّها على أسس فاسدة.

لكن السنيورة أصبح حكما بعد المؤتمر الصحافي للنائب حسن فضل الله، مطالبا بتفسير وتبرير المخالفات المرتكبة خلال توليه رئاسة الحكومة ووزارة المالية. ولا يمكن أن يحصل ذلك، إلا بمثوله أمام القضاء.

الفترة التي كان فيها السنيورة رئيسا للحكومة، هي سياسيا وأمنيا واقتصاديا، أكثر فترة اشكالية في تاريخ لبنان كلّه. إذ شهدت عدوان تموز 2006، الذي وصلت بعده مليارات الدولارات كمساعدات للبنان، وتحوم شبهات حول وجهة صرف بعضها. لا سيما بعد خروج الوزراء الشيعة من الحكومة، ليشكلوا مع التيار الوطني الحر أغلبية وطنية، كانت غائبة عن سلطة القرار، وإن حاضرة في الشارع من خلال الاعتصام الذي دام سنة ونصف السنة في وسط بيروت، حتى العام 2008 واتفاق الدوحة.

وما أبرزه النائب حسن فضل الله من وثائق،  حصل عليه من وزارة المالية، ولم يخترعه. فإما أن تكون هذه الوثائق صحيحة وبالتالي فإن المطالب الأول بتبريرها هو رئيس الحكومة ووزير المالية في تلك الفترة. وإما أن تكون خاطئة وبالتالي يستطيع السنيورة أن يظهر بالوثائق، الأرقام الحقيقية للإنفاق ويجيب عن كيفية صرف الـ 11 مليار دولار. وبالتالي يبرّيء ساحته. وربما يعيد فتح الآفاق أمام مستقبله السياسي، الذي أغلقه أمامه رئيسه في تيار المستقبل سعد الحريري، عندما رفض ترشيحه للنيابة في الانتخابات الأخيرة. بعد أن لعب دورا سلبيا خلال رئاسته لكتلة المستقبل، حين اعتقل الحريري في السعودية في تشرين الثاني نوفمبر من العام 2017، على يد محمد بن سلمان.

أما أن تبدأ حملة تهدف إلى إيجاد حماية طائفية حول السنيورة، حتى من دون أن يسمّيه النائب فضل الله، ويُزجّ فيها بأسلحة ثقيلة من نوع أن المستهدف هو إرث الشهيد رفيق الحريري، وعملية إعادة الإعمار، فهذا مؤشر إلى مسعى من مؤيدي السنيورة لتعطيل عملية مكافحة الفساد قبل أن تبدأ.

باستثناء بيان كتلة المستقبل الذي ربما ما كان بإمكان المستقبليين إصدار غيره، أو حتى الامتناع عن إصداره، يمكن القول أن الحملة جاءت من غلاة المتطرفين، من أمثال أشرف ريفي وفارس سعيد، وطبعا بولا يعقوبيان التي جزمت بأن السنيورة لديه وثائق بكل نصف ليرة صرفها. وهؤلاء يصبّون في مصب واحد. وهم الفريق الصغير للسنيورة الذي جرى عزله عن بيئته التي كانت سابقا تتمثل في كل فريق 14 آذار.

فلم يبد الحريري نفسه، ولا أي من رؤساء الحكومات السابقين مثل نجيب ميقاتي وتمام سلام، ولا دار الفتوى، حماسا فوريا للدفاع عن السنيورة.

سعد الحريري قد يكون أمام أزمة في بداية انطلاقة حكومته التي تأخر تشكيلها تسعة أشهر. ولكنه قد يكون أيضا أمام فرصة ليشارك في قيادة عملية مكافحة الفساد التي ما عاد يمكن للبنان المضي من دونها، والتي يجب تصل نهاياتها، وأن تطال كل الفاسدين إلى أي طائفة أو تنظيم انتموا. وهو حتى الآن لم يوضح وجهته في هذا المجال. بل أن زيارته المتكتّمة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، قد تؤشر إلى نيته الانفتاح على معالجة معقولة للمسألة، اللهم اذا استطاع إلى ذلك سبيلا.

فإذا ألقى الحريري بثقله خلف السنيورة ظالما أم مظلوما، يكون قد أطلق رصاصة على رجله، كرئيس لأول حكومة بعد انتخابات برلمانية تعطلت تسع سنوات، وجعل من شعار “إلى العمل” و”تشمير السواعد” و”تخطّي كل من يقف في وجهه”، عناوين لها. أما إذا ترك القضاء يأخذ مجراه، فقد يسجّل اسمه بين رجال الدولة الحقيقيين، كمساهم رئيسي في إخراج البلد من براثن الفساد.

ما كشفه النائب فضل الله، وما سيكشفه لاحقا، مهم جدا لمصير لبنان. وهو تقريبا اصبح ملكا للرأي العام قبل القضاء. وبالتالي سيكون ما بعده غير ما قبله. إذ لم يعد ممكنا إعادة الأمور إلى الوراء، لا سيما في ظل الحال المالية التي يعانيها البلد.

أما الكلام عن محاكمة إرث رفيق الحريري أو عن استهداف طائفي في الملفّات، فهو كلام في غير مكانه. فلا أحد يمكنه محاكمة إرث أحد. ورئيس الحكومة في لبنان هو ببساطة رأس السلطة التنفيذية التي تباشر الإنفاق وتجبي الواردات، وهو سني. فهل كلما سُئل رئيس حكومة عن شبهة مخالفة قد يكون هو أو غيره مسؤولا عنها، ستقوم الدنيا ولا تقعد تحت عناوين طائفية؟

الفساد في لبنان نوعان، يوجد ترابط وثيق بينهما لكنهما يختلفان في درجة المسؤولية. الأول هو هدر المال من خلال تنفيع المحازبين والمنتمين إلى طائفة الفاسد على حساب غير المحازبين من الطائفة نفسها وعموم اللبنانيين. وهذا الفساد قد لا يمكن استثناء إلا قلة قليلة من قوى السلطة منه. وتندرج ضمن هذا الفساد عملية التوظيف الأخيرة لأكثر من 5 آلاف شخص وغيرها الكثير. والنوع الثاني هو السرقة المباشرة من قبل المسؤولين لإثراء أنفسهم، عبر الحصول على عمولات من المقاولين عن العقود التي ينفذّونها لمصلحة الدولة، أو من خلال إصدار أوامر دفع وهمية أو مكررة، على النموذج الذي عرضه فضل الله في مؤتمره الصحافي.

المحاسبة الأشد يجب أن تطاول النوع الثاني أكثر، تمهيدا لأن تعاد الأموال المنهوبة أو جزء منها، إذا قيّد لهذه العملية أن تمضي قدما.

عملية مكافحة الفساد التي أطلقها حزب الله، لن تكون سهلة. وستواجه تحديات محلية وخارجية، تنطلق من العداوة التي تكنها له أطراف محلية، وكذلك دول مثل أميركا والسعودية، والتي ستسعى بلا شك إلى إفشاله. لكن لا يستهيننّ بالأوراق التي يملكها الحزب، ولا بالإصرار الذي أظهره أمينه العام السيد حسن نصر الله على المضي في هذه الحملة، لا سيما وأنه وعد الجمهور اللبناني المتعطش بها. فهو في وضع استراتيجي جيد جدا، يمكنّه من إدارة هذه العملية، بلا خوف من ارتدادات سلبية عليه.




المصدر: المحلل