كُتّاب الموقع
الانسحاب الاميركي من شرق سورية ... خطوة في اطار تصعيد ميداني؟

د. جمال واكيم

الجمعة 28 كانون لأول 2018

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزمه سحب الجنود الاميركيين من قواعدهم في شرق سورية لغطا كبيرا حول ما اذا كانت الولايات المتحدة قد أقرت فعليا بفشل مشاريعها في سورية، أم أن هذا الانسحاب ما هو الا مناورة اعلامية لن تستتبع بخطوات ميدانية.


حتى تتضح الصورة لا بد ان نراها ببعدها الاشمل من منظار السياسة الاميركية العامة. حتى الآن فإنه قد مر عامان على انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وبالتالي فإن الرئيس الأميركي قد أنهى عامان من ولايته ويتبقى له عامان آخران. وبما أنه يحتاج في العام الرابع والأخير من ولايته للتفرغ للإنتخابات الرئاسية فإن العام الحالي وهو الثالث من ولايته يعتبر العام الحاسم في رئاسته والذي يبغي خلاله الضغط على من يعتبره خصوما للولايات المتحدة، أي الصين وروسيا وإيران، للحصول منهم على تنازلات، في مقابل عدم قدرته على تقديم تنازلات يمكن أن تضعف موقفه في الانتخابات الرائسية المقبلة التي يبغي من خلالها الفوز بولاية ثانية.


وبالتالي فإن العام الحالي يعتبر عاما للتصعيد ما يبعد احتمال أن يكون الانسحاب الاميركي الذي تم الاعلان عنه من شرق سورية اعترافا من واشنطن بفشل سياساها في هذا البلد وفي الشرق الأوسط  بشكل عام، وأن الأمر يجب أن يفهم على أنه خطوة تكتيكية في سياق سياسة تصعيدية ستعتمدها الولايات المتحدة. ولا شك أن هذه الخطوة تأتي على حساب جماعة سورية الديمقراطية بقيادة صالح مسلم وآماله بإقامة كيان كردي في منطقة شرقي الفرات بذريعة التعددية، ولصالح تركيا التي تنظر بعين الريبة لمساعي الاكراد لاقامة كيان سياسي خاص بهم في سورية يكون قاعدة لتشجيع المساعي الانفصالية لاكراد تركيا والعراق وسورية.


ويجب الاعتراف بأن مقاربة ترامب لأدوات سياسته في الشرق الأوسط تختلف جذريا عن سلفه أوباما. فترامب لا يحبذ الاعتماد على اللاعبين ما دون الدول في قيادة السياسات التي تحفظ مصالح واشنطن، ويفضل عليها الرؤساء الاقوياء، وهذا كان له الدور الابرز في تخلي الولايات المتحدة عن الرهان على الاخوان المسلمين لاستلام السلطة في العالم العربي، وتفضيلها دعم قادة مثل محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية وعبد الفتاح السيسي في مصر ورجب طيب اردوغان في تركيا. وما التخلي عن الورقة الكردية في سورية الا ازالة لآخر حجر عثرة في سبيل اعادة اللحمة للعلاقة بين واشنطن وانقرة والتي كانت قد تصدعت في العامين الماضيين. وقد تكون العثرات التي وقع بها محمد بن سلمان واخرها قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي هي ما جعل ترامب لا يراهن فقط على المملكة العربية السعودية وينوع تحالفاته بتوزيع الادوار على السعودية ومصر وتركيا.


من هنا فإن الاعلان عن انسحاب القوات الاميركية من شرق سورية اقترن باعلان تركيا عزمها التدخل في تلك المنطقة بذريعة "محاربة الارهابيين الكرد وداعش"، كما اقترن باعلان ترامب بأن السعودية ستساهم في اعادة اعمار سورية، في الوقت الذي كان مسؤزل الامن القومي السوري اللواء علي مملوك يزور القاهرة ويلتقي نظيره المصري. وبما أن المرحلة هي مرحلة تصعيد فقد تكون خطوة الولايات المتحدة بالانسحاب من شرق سورية ما هي الا مناورة تحضيرا للتصعيد الميداني والسياسي. واذا كان فك الارتباط الاميركي جاء في شمال سورية فقد يكون هذا تحضيرا لتصعيد في الجنوب في مواجهة حزب الله وسورية وايران تكون اسرائيل رأس حربته. فهل أن الانسحاب الأميركي من الشمال قد يكون مقدمة لعدوان اسرائيلي على لبنان وسورية في الجنوب؟  


المصدر: أخبار961