كُتّاب الموقع
في إستراتيجية “الحروب المتنقلة”… إبحث عن واشنطن

أمجد إسماعيل الآغا

الأربعاء 21 تشرين الثاني 2018

من يظن بأن واشنطن ستكف عن مشاريعها التقسيمية في الشرق الأوسط فهو واهم، فهي تسعى دائماً للبحث عن ذرائع تمكنها من تهيئة الظروف والوقائع لضمان استمرار تواجدها أو تدخلها في المنطقة. من هنا، يمكننا القول بأن واشنطن تحاول تطوير استراتيجيتها بناء على المستجدات الأخيرة في سوريا والعراق واليمن، وبالتالي فإنها لم تشكل فقط السبب بعدم الإستقرار، بل السبب الرئيسي للتوترات والأزمات التي عصفت في المنطقة خلال السنوات الماضية. وعليه، يبدو من الصعب الإمساك، موضوعياً، بمسارات وتوجهات السياسية الأمريكية التي تعتمد أساسا على المراوغة.

لذا، من الأهمية بمكان التفريق بين السياسة الثانوية للإدارة الأمريكية وبين السياسة التكتيكية الإستراتيجية طويلة الأمد، خاصة بأن واشنطن تسعى لتوظيف خساراتها في سوريا بملفات ذات أهمية في الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد فيما يخص إيران والقضية الفلسطينية.

 


من سوريا إلى إيران… واشنطن وتدوير الزوايا

بناء على معطيات ونتائج الميدان السوري، فقد أعلنت واشنطن في وقت سابق نيتها سحب قواتها من سوريا بناء على اعتبارين:

الأول: خسارتها في الميدان السوري وكسر خططها وتجاوز خطوطها الحمراء. بالتالي وكنتيجة طبيعية لإنتصارات الجيش السوري، لم يبق لديها أوراق ضغط ميدانية تمكنها من توظيفها في أية مكاسب سياسية.

الثاني: الضغط الروسي والدولي على الإدارة الأمريكية حيث أن تواجدها في سوريا هو أمر غير شرعي كونه جاء من دون التنسيق مع الحكومة السورية. لكن واشنطن دائماًما تختلق الذرائع كمنهج لسياستها، فهي، وبحسب ادعاءاتها، ترى أن بقاءها في سوريا ضروري وذلك من أجل محاربة الإرهاب، والتصدي للتواجد الإيراني وكبح تمدده في سوريا.


لكن وضمن الإعتبار الثاني، تحاول واشنطن تدوير الزوايا عبر دعم ما تبقى من إرهابيي تنظيم” “داعش”. فمن خلال المعلومات، يبدو أنها تشكل “الحاضن” الرئيسي لهؤلاء حيث قامت بنقل قيادات التنظيم من الصف الأول إلى مناطق متفرقة بغية إعادة توظيفها في سياسة الحروب المتنقلة، واستثمار هذه الحروب في إطالة أمد تواجدها في الجغرافية السورية أكثر فترة ممكنة.

أما فيما يخص الجمهورية الإسلامية، فقد اتخذت واشنطن اجراءات “عقابية “ضد طهران. فالعقوبات الإقتصادية جاءت نتيجة سياسة إيران في الوقوف ضد الأطماع الامريكية في المنطقة، إضافة إلى الدعم المطلق للقضية الفلسطينية. وما بين العقوبات الامريكية وتهديد الإدارة بشن حرب ضد طهران وكنوع من إعادة تدوير الزوايا، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، نيته الحوار مع القادة الإيرانيين من دون شروط مسبقة، “نعم دون شروط مسبقة”، بل وأكثر من ذلك، فقد لمَّح إلى إمكانية توقيع اتفاق جديد في المضمون والتفاصيل مختلفة عن الإتفاق النووي السابق.

لكن ما أعلن عنه الرئيس ترامب لم يعر له القادة الإيرانيين أي اهتمام، فمن باب أولى أن تحترم واشنطن الإتفاقات والمعاهدات الدولية. إن القادة في طهران يدركون بأن واشنطن تعتمد المراوغة نظراً للسياسة الأمريكية التي تعتمد على الهيمنة والتعدي على سيادة الدول كمنهج في أي حوار أو تفاوض وهذا ما لا يتفق مع السياسة الإيرانية المبدئية والواضحة تجاه قضايا المنطقة وخاصة فلسطين.

وعليه، إن العقوبات الأمريكية التي فرضت على إيران لا تعتمد التضييق على الموارد الإيرانية فحسب، بل تسعى وعبر الإستراتيجية الأمريكية طويلة الأمد إلى خلق شرخ بين الشعب الإيراني وقيادته بغية تفجير الأوضاع الداخلية، على غرار الزج بخلايا إرهابية مدعومة خليجياً، لخلق نوع من البلبلة وعدم الإستقرار.

 


إستراتيجية واشنطن الصامتة

التصعيد العسكري الذي يشهده الشرق الأوسط هو تصعيد مدروس ومخطط له بدقة ويتناول أبعاداً واسعة تتولاه منظمات مدربة أمريكيا. هذه المنظمات تنتشر في بلدان الشرق الأوسط، تظهر وتختفي بناء على متطلبات ومصالح أمريكية. هذه هي استراتيجية الحروب المتنقلة التي اعتمدتها واشنطن إبان احتلال العراق، حيث جاءت نتيجة الخسائر الكبيرة التي منيت بها قواتها، فكان لا بد من تطوير الإستراتيجيات لضرب الإستقرار في الدول التي تعارض سياسيتها في المنطقة، ودون خسارة أي جندي مريكي، فالخصوصية في هذه الحروب المتنقلة تعتمد على نخبة سرية مؤثرة وبدعم مباشر من الإستخبارات، وتكون هذه المنظمات مستعدة للإنتقال إلى أي جهة تختارها وكالة المخابرات المركزية الـ “CIA”، وما انتقال قيادات “داعش”، بمروحيات أمريكية من سوريا إلى العراق وأفغانستان وبالعكس، إلا دليلاً وتجسيداً واضحاً لسياسة الحروب المتنقلة التي تعتمدها واشنطن.

 


السياسة الأمريكية بين النجاح والفشل

النوايا الأمريكية واضحة لجهة ضرب استقرار الدول التي لا تسير في ركب سياسيتها، حيث أن تحويل القوة الأمريكية إلى قوة صامتة يتم استثمارها عبر تنظيمات إرهابية يدلل على عدم الوثوق في أي تحرك تتبناه السياسة الأمريكية، وأي اتفاق مع إدارة الرئيس ترامب هو اتفاق “ملغوم” ويعتمد المقامرة منهجاً. وبالتالي، فإن حالة عدم الإستقرار التي نشهدها المنطقة تبرز رغبة أمريكية واضحة في ذلك، إذ لا بد من مواجهتها بالعمل المسلح المضاد، وضرب الخلايا الأمريكية أينما وجدت.

 


المصدر: مركز سيتا للدراسات الاستراتيجية