كُتّاب الموقع
كيف تعمل خرائط غوغل على محو فلسطين؟

كيو بوست

الثلاثاء 9 تشرين الأول 2018

تفيد التقارير الحديثة أن سياسة تخطيط الخرائط في “غوغل مابس” في الأراضي الفلسطينية المحتلة تستخدم أساليب تخدم مصالح الحكومة الإسرائيلية بشكل حصري، بما يتناقض مع التزامات الشركة المعلنة إزاء حقوق الإنسان.

عندما يرغب المواطن الفلسطيني بالقيام برحلة من نابلس إلى رام الله، فإن خرائط غوغل “لا تستطيع العثور على طريق” لمسافة تبلغ 36 كيلو مترًا، وبدلًا من ذلك، يضطر الفرد إلى اتّباع مسارات مستوطنة يهودية محاذية من أجل الوصول إلى الوجهة المطلوبة. وحتى مع ذلك، تقوم الخرائط بتوجيه الفلسطينيين إلى طرق لا يسمح لهم باستخدامها على الإطلاق.

خرائط غوغل لا تعترف بفلسطين، وتعتبرها “أرضًا غير مصنفة” عبر المتصفحات، وتتجاهل واقع الاحتلال بشكل كامل. وبهذا، فإن شركة غوغل تنتهك التزاماتها بالقانون الدولي الإنساني، وفقًا لتقارير حديثة. تدّعي غوغل أن مهمتها هي “تنظيم معلومات العالم” وجعلها “مفيدة”، لكن خرائطها تعطي أولوية قصوى لاهتمامات الحكومة الإسرائيلية، وتخدم في غالب الأحيان المواطنين الإسرائيليين حصرًا.

وبرغم أن دولة فلسطين حصلت على الاعتراف عام 2012 من قبل 138 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن خرائط غوغل لم تقم بتصنيفها مطلقًا حتى اليوم. وفي الجهة المقابلة، منحت خرائط غوغل إسرائيل مسمى دولة، وميزت القدس بأكملها كعاصمة لإسرائيل، متجاهلة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181، الذي منح القدس منزلة دولية، واعتبرها قضية من قضايا الحل النهائي. وما يثير الغرابة كذلك أن غوغل لا تستخدم في خرائطها عبارة “الضفة الغربية”، بل تُظهر المستوطنات الإسرائيلية القائمة في الضفة الغربية على أنها داخل حدود دولة إسرائيل.

ومن الملاحظ كذلك أن سياسة تخطيط الخرائط في غوغل تتساوق مع سياسات إسرائيل الجغرافية إلى حد كبير؛ فالقرى الفلسطينية غير المعترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، سواء في الأراضي الفلسطينية أو داخل الخط الأخضر، إما خضعت للشطب والاستبعاد بشكل نهائي من خرائط غوغل، أو جرى تحريفها وتزييفها. وفي المقابل، تظهر أسماء ومواقع المستوطنات الإسرائيلية بشكل ملحوظ وواضح. وبينما تظهر المجتمعات اليهودية الصغيرة بشكل جلي في الخرائط، لا يمكن رؤية القرى الفلسطينية الكبيرة إلا عند تكبير الخرائط.

وخلافًا للمدن والقرى الأخرى، فإن مجتمعات البدو في النقب، التي أقيمت قبل تأسيس إسرائيل، جرى تسميتها في الخرائط بأسماء القبائل القاطنة بدلًا من أسمائها الفعلية. وبما أن هذه القرى تخضع لخطر الهدم المستمر من قبل السلطات الإسرائيلية، فإن سياسة تحريفها أو حذفها من خرائط غوغل أصبحت طريقة لاستئصال الأماكن الفلسطينية غير المعترف بها.

وبالإضافة إلى سياسة رسم الخرائط المتحيزة، تمنح غوغل المواطنين الإسرائيليين أولوية من ناحية المسارات والطرق. في الواقع، تتجاهل خرائط غوغل نظام فصل الطرق، وما نتج عنه من قيود على التنقل، مثل نقاط التفتيش وحواجز الطرق التي تؤثر على حركة الفلسطينيين. على سبيل المثال، عند التنقل من بيت لحم إلى رام الله، فإن جميع المسارات المقترحة في خرائط غوغل تتطلب العبور من الضفة الغربية إلى القدس أولًا، ثم العودة إلى الضفة الغربية مرة أخرى. وبالطبع، لا يستطيع التنقل عبر هذه المسارات سوى من يحملون هويات إسرائيلية أو جوازات سفر أجنبية. القوانين الإسرائيلية لا تسمح بمرور الفلسطينيين من الطرق المخصصة للإسرائيليين في الضفة الغربية، التي تربط المستوطنات، وتعتبر ذلك غير قانوني، وجريمة، وتعتقل وتحتجز المخالفين، وتصادر سياراتهم كذلك.

في عام 2016، أثيرت مسألة إزالة تسميتي “الضفة الغربية” و”قطاع غزة” من خرائط غوغل، واندلع نقاش حاد على الإنترنت، ما جذب الانتباه إلى حقيقة أن الشركة قد أبقت فلسطين خارج خرائطها منذ انطلاق الخدمة عام 2005. حينها، أصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بيانًا حادًا، وصفت فيه حذف الضفة وغزة بالـ”جريمة”، وطالبات الشركة بالاعتذار للشعب الفلسطيني.

يقول البروفيسور الباحث في علم الجغرافيا، يتسحاق شنيل: “من المفترض أن تكون الخرائط تمثيلات دقيقة للعالم المادي، لكن التحيز السياسي أمر حتمي، حتى في الخرائط الواقعية جغرافيًا”. وأضاف أن “الخرائط تلعب دورًا هامًا في تطوير الوعي الجماعي”. ووفقًا له، “يعترف رسامو الخرائط أن وجود المعايير الدولية لا يضمن مطلقًا الموضوعية في رسم الخرائط”.

وحسب شنيل: “هنالك حربا خرائط في آن واحد: حرب بين إسرائيل والفلسطينيين من جهة، وحرب بين اليسار واليمين في إسرائيل من جهة أخرى. الخرائط الفلسطينية تسلط الضوء على التوسع اليهودي بمرور الوقت، أما الخرائط الإسرائيلية فتصور إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة على أنها منطقة واحدة (غير محتلة).

منذ عام 1997، اعتمدت وزارة الدفاع الوطني الأمريكية قانونًا يدعى (Kyl-Bingaman Amendment) يقيّد وصول الجمهور إلى صور الأقمار الاصطناعية عالية الدقة في أراضي فلسطين – إسرائيل، أخذًا بعين الاعتبار “مخاوف الأمن القومي الإسرائيلي”. وبالطبع، هكذا تقييد لا ينطبق على بقية دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن خلال تمويه الصور الجوية بشكل متعمد، فإن القانون الأمريكي المذكور يشكل عوائق خطيرة جدًا، ليس على التراث الثقافي فحسب، بل كذلك على إمكانية تحميل إسرائيل المسؤولية عن مصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والنشاط الاستيطاني المتنامي.

الخلاصة

على شركة غوغل أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تلتزم بمعايير القانون الدولي وحقوق الإنسان. وينبغي عليها، على سبيل المثال، أن تشير بوضوح إلى المناطق (أ) و(ب) و(ج) في الأراضي المحتلة، وأن تحدد كذلك المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية وفقًا لاتفاقات جنيف. علاوة على ذلك، على خرائط غوغل أن تمثل القرى الفلسطينية بمستوى التفصيل نفسه الذي تمنحه للمستوطنات الإسرائيلية.

يمكن لشركة غوغل أن تحترم قرار الجمعية العامة لعام 2012، وأن تعترف بفلسطين كدولة، وأن تعترف كذلك بالوضع الخاص للقدس، دون الإعلان عنها كعاصمة حصرية لأحد الطرفين. وبالنسبة لتخطيط المسارات، ينبغي على خرائط غوغل أن تعرض بوضوح جميع القيود المفروضة على حركة الفلسطينيين، وأن تميز الطرق المتاحة فقط للمواطنين الإسرائيليين، وأن توفر طرقًا بديلة للفلسطينيين.


المصدر: كيوبوست