كُتّاب الموقع
كيف ستغير "صفقة القرن" الأردن

العرب اللندنية

الثلاثاء 9 تشرين الأول 2018

محاولة الرئيس الأميركي فرض ضغوط على الأردن لتجريد اللاجئين الفلسطينيين من وضعهم أن تزيد في غضب الأردنيين، خاصة أن الخطوة تتزامن مع صعوبات اقتصادية تعيشها المملكة.

عبر اتخاذ قرارها بوقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أظهرت الإدارة الأميركية أن هدفها الأساسي هو حل منظمة الأونروا بأي ثمن، وتجلى ذلك عبر ما سرّب من عرض قدّمه جاريد كوشنر للمملكة الأردنية مفاده تسليم الأردن الملايين من الدولارات التي تمنحها الولايات المتحدة سنويا للأونروا مقابل استيعاب المسؤولية الكاملة للاجئين الفلسطينيين، وهو ما رفضه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وما أثار موجة غضب صلب المملكة.

عمان- كشفت العديد من التقارير الإخبارية مؤخرا أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني “رفض بشكل مباشر وبوضوح اقتراحات كان طرحها مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر تقضي بتسليم الأردن المخصصات التي تمنحها الولايات المتحدة سنويا لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مقابل استيعاب وتحمل المسؤولية الكاملة عن اللاجئين الفلسطينيين”.

واعتبر مراقبون أن الخطة التي رفضها الملك عبدالله الثاني أتت في سياق تجنيب الملف الفلسطيني عواقب إنسانية وسياسية كانت ستكون على الفلسطينيين والمنطقة عموما، وهو ما أكده من قبل وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي قال “إن مثل هذا التحرك كان ستترتب عليه “عواقب إنسانية وسياسية وأمنية بالغة الخطورة بالنسبة للاجئين والمنطقة برمتها”.

وفي هذا السياق اعتبر تقرير في مجلة “فورين بوليسي” لصاحبه خليل جهشان أن من شأن محاولة ترامب فرض ضغوط على الأردن لتجريد اللاجئين الفلسطينيين من وضعهم أن تزيد في غضب الأردنيين، خاصة أن الخطوة تأتي تزامنا مع صعوبات اقتصادية تعيشها المملكة. ويعتبر الأردن موطنا لما يقرب من 2.2 مليون لاجئ فلسطيني مسجل، وهو أكثر من أي دولة في المنطقة.

وعندما تم طرد الفلسطينيين من وطنهم أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين خلال الحرب التي أدت إلى استقلال إسرائيل، رحبت المملكة باللاجئين ومنحتهم حق المواطنة لتخفيف العبء الإنساني، ولكن بشكل محدود حتى لا يؤثر ذلك على تطلعات الفلسطينيين أو مستقبلهم السياسي.


أيمن الصفدي: الخطة الأميركية ستترتب عليها عواقب إنسانية وسياسية وأمنية خطيرة

ولا يزال الفلسطينيون “عديمي الجنسية” وفي انتظار العودة إلى الوطن، على النحو المنصوص عليه في الالتزامات القانونية والإقليمية والدولية للأردن. وستظل عبارة “الأردن ليست فلسطين” عبارة عن مصدر قلق حيوي للأمن القومي في المملكة. وعلى مدار ما يقرب من سبعة عقود، كانت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تتولى رعاية أفقر اللاجئين في الأردن. حيث تدير الأونروا حوالي 171 مدرسة في الأردن وتخدم أكثر من 121 ألف طالب. وتستقبل مراكز الصحة الأولية الخاصة بالأونروا والبالغ عددها 25 مركزا، أكثر من 1.5 مليون زيارة في السنة، كما أن 10 مخيمات معترفا بها للاجئين تؤوي حوالي 370 ألف لاجئ.

ويهدف البيت الأبيض، من خلال رسائل البريد الإلكتروني الداخلية من غاريد كوشنر إلى زميله جيسون غرينبلات التي استطاعت “فورين بولسي” الحصول عليها، إلى عرقلة الأونروا وإزالة حالة “اللاجئ” عن كل الفلسطينيين باستثناء الفلسطينيين القلائل الذين فروا من فلسطين أثناء الانتداب البريطاني في عام 1948، وهي خطة تكشف عن جهل عميق بالمشاكل السياسية والاقتصادية الحالية في الأردن.

ويبدو أن كوشنر مقتنع بأن الأونروا “لا تغير في الوضع الراهن شيئا، وأنها منظمة فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على سير عملية السلام”. من هنا يتضح كيف أن صهر الرئيس دونالد ترامب يفتقر إلى أي خبرة دبلوماسية ذات مصداقية في شؤون الشرق الأوسط، معربا عن وجهة نظره التي تقول إنه “في بعض الأحيان، عليك أن تخاطر بشكل استراتيجي بتكسير الأشياء من أجل الوصول إلى هدفك”.

ولكن ما فشل في فهمه هو أن خطته تقوض شرعية وسيادة الأردن، وهو أقرب حلفاء واشنطن وشريكها في الشرق الأوسط. وبهذا المعنى، فإن إخراج قضية اللاجئين من مائدة المفاوضات، يشبه، كما يحب ترامب أن يقول دائما، من يقطع أنفه من أجل إيذاء وجهه.

وعلى الرغم من المساعدات الخارجية السخية التي تتلقاها عمان، وفي ظل قدوم مساعدة جديدة من دول الخليج هذا الأسبوع، فإنها لا تزال تعاني من أزمة اقتصادية تغذيها عوامل محلية ودولية، بما في ذلك تأثرها بالصراعات المجاورة في العراق وسوريا.

وقد ساهم التهرب الضريبي على نطاق واسع في زيادة دين الأردن إلى 95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أدى نقص التمويل إلى تضخم جامح في وقت تكافح فيه الدولة لتوفير الغذاء والماء لـ670 ألف لاجئ سوري يعانون من الفقر.

وقد أدت الإصلاحات الضريبية المقترحة وارتفاع الأسعار هذا الربيع إلى إضراب النقابات العمالية، مما أسقط رئيس الوزراء هاني الملقي. وتتوقف شعبية رئيس الوزراء الجديد، عمر رزاز، على ما إذا كان سيواجه التآكل السياسي الذي يحدث الآن في الأردن.

وفي خضم هذا المناخ السياسي المتوتر، وفي ظل هدف حل الأونروا بأي ثمن، ورد أن كوشنر عرض تسليم الأردن الملايين من الدولارات التي تمنحها الولايات المتحدة سنويا للأونروا مقابل استيعاب المسؤولية الكاملة للاجئين الفلسطينيين.

ورفض العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني العرض مباشرة وقد ينظر بعض المسؤولين في إدارة ترامب بسذاجة إلى أن الأردن ضعيف للغاية بحيث لا يمكنه أن يقاوم ضغوط الولايات المتحدة لقبول أوامر البيت الأبيض. لمجرد إرضاء واشنطن.

ومن المحتمل أيضا أن يخطط البيت الأبيض من أجل زعزعة استقرار حليفه، حيث يحتضن القادة المدنيون الفلسطينيون في الأردن الأونروا كحامية للأموال الفلسطينية وضامنا لكسب قوتها في مواجهة الفساد الراسخ في الحكومة الأردنية.

يبدو أن كوشنر مقتنع بأن الأونروا “لا تغير في الوضع الراهن شيئا، وأنها منظمة فاسدة، وغير فعالة ولا تساعد على سير عملية السلام”

ومن شبه المؤكد أن يكون تحويل أموال الأونروا بالجملة إلى تلك الحكومة بمثابة انتزاع مالي من قبل بيروقراطية مفترسة، مما سيؤدي إلى اندلاع احتجاجات عنيفة يمكن أن تتسبب في انهيار الحكومة الجديدة في عاصفة من الحماس المعادي للسلطة، مما سيمهد الطريق نحو حدوث دمار ومعاناة لا يمكن تصورهما.

واتهم ترامب الأونروا بإدامة أزمة اللاجئين من خلال توفير الخدمات الأساسية، بينما ينتظر اللاجئون إعادتهم إلى أوطانهم بدلا من العمل على إعادة توطينهم بشكل دائم في مكان آخر، لكن الأونروا مع ذلك لا تمتلك سلطة إعادة توطين أي شخص، حتى لو أراد ذلك، ومحاولته من جانب واحد لإضفاء قوة على الأردن في الاتفاقات متعددة الأطراف الموقرة تظهر جهلا بالواقع السياسي على أرض هذه الدولة.

وفي اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، أعلن ترامب أنه سيكشف عن خطته للسلام الإسرائيلي الفلسطيني في غضون أربعة أشهر. وقد أغلق البيت الأبيض مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وقام بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وهي خطوات تؤكد الانحياز المؤيد لإسرائيل وتضمن عدم التعاون الفلسطيني.

كما أن إقصاء حليفه، الأردن، من الممكن أن يزيد من الصراع الأميركي المتزايد مع الدول العربية ويقوض آفاق السلام. وإذا حجبت الخطة المزيد من المساعدات الدولية للفلسطينيين فإن الأزمة الإنسانية ستتفاقم في جميع أنحاء المنطقة، بما فيها إسرائيل، وسيعقبها اندلاع أعمال العنف في كل مكان.

وإذا نجحت خطة كوشنر فإن الدول المضيفة في نهاية المطاف مثل الأردن سوف تتحمل عواقب حل الأونروا. وهذا ما يفسر القيادة الحماسية التي قام بها الملك عبدالله والدبلوماسيون الأردنيون في الجمعية العامة لجمع أموال بالملايين من الدولارات للأونروا لتحل محل تخفيض التمويل الأميركي ولتجنب انهيار وكالة اللاجئين.




المصدر: العرب اللندنية