كُتّاب الموقع
تفاهمات اللاحرب

د. حياة الحويك عطية

الأربعاء 3 تشرين الأول 2018

قد تكون هذه الفترة الفاصلة هي فترة الضغوط الأشدّ سواء على إيران أو على سوريا أو على الفلسطينيين. وقد رأينا الإعلام الأطلسي يعود إلى التهديد بتحريك مقاتلي الجنوب خاصة في درعا، وذلك بحجّة أن انسحاب الروس سيجعلهم عرضة لانتقام النظام. كذلك، ربما ترك المجال مفتوحاً لمزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية أو الإرهابية.

الولايات المتحدة لن تستعمل القوّة العسكرية لإخراج الإيرانيين. ولكنها تعتمد على الروس لتحقيق ذلك، هذا ما يعلنه الأميركي بشكلٍ واضح. والروسي بدوره يعلن إن حربه في سوريا هي ضد الإرهاب ولحماية القواعد الروسية. ويوضح في كواليس الدبلوماسية إنه غير مستعد لخوضِ حربٍ مع الغرب لأجل سوريا، بل أن مسعاه الدبلوماسي إنما يتمحور حول إقناع الغربي بالشراكة. وعليه حاول اجتذاب ماكرون وميركل وربما غداً بقيّة القوى. فيما شكّل التفاهم مع تركيا نموذجاً لهذه الشراكة التي تحلّ بعد عداء.

شراكة لا شكّ أنها تطال الاقتصادي بما فيه من ثروة طاقة وبما فيه من خطوطٍ لهذه الطاقة، وبما فيه من كعكة إعادة إعمار. ولكنها أيضاً تطال السياسي، حيث المشروع الغربي واضح ومُعلَن ويتقاطع بشكلٍ أساسي مع الاقتصادي.

في قلب هذا المشروع السياسي الغربي تقع إسرائيل وبالتالي تقع طبيعة الأنظمة والهياكل المطلوبة حولها ومن هنا يتوزّع الضغط على صعيدين:

الأول موجّه إلى سوريا نفسها، وبوضوحٍ دقيقٍ يُعدّد الأميركي شروطه في تصريح رسمي: مراجعة الدستور، لجنة الدستور، الانتخابات على أساس الدستور الجديد. وبعدها يتغيّر بالديمقراطية ما لم يتغيّر بأدوات الإرهاب. في هذا التصريح، تتّضح الإحالة إلى النموذج العراقي، إذ يتحدّث عن إمكانية إزاحة الأسد كما أُزيح المالكي:  من خلال الدستور، بحسب قوله. ما يؤشّر إلى أهمية البؤرة المفصلية المُتمثّلة بالدستور، وبصوغه على الطريقة العراقية، فيما يمضي إلى المحاصصة وإلى الفدرَلة وإلى شكلٍ معيّنٍ من توزيع السلطات وذلك ما يفضي إلى نقضٍ كاملٍ لصيغة الدولة المدنية الموحَّدة السيّدة.

كانت لبنَنَة العراق هدفاً أميركياً عام 1990 والآن تصبح عرقَنة سوريا هدف 2019. وفي كلا الحالين يندرج الأوروبي والتركي في المشروع، ولنا أن نسأل عن موقع الروسي.

الهدف الثاني يتعلّق بإيران. وذلك في واقع التوازن الاقليمي الذي سيستقرّ بعد الحرب. فإذا كان سقوط العراق قد أدّى إلى تنامي النفوذ الإيراني، فإن الحرب السورية قد أدّت إلى تثبيت هذا النفوذ، وهذا ما لا يريد الغرب بأيّ ثمنٍ القبول به. ليس لأنها إيران، ولا لأنها إسلامية، بل لأنها واحدة من القوى الاقليمية الثلاث التي تشكّل خريطة المنطقة إلى جانب إسرائيل. وهي من بين هذه الثلاث (التركية والعربية والإيرانية) الوحيدة التي لم تسلّم سياسياً بقبول إسرائيل كما هي وكما تريد أن تكون، ولم تسلّم اقتصادياً باستباحة اقتصادها وثرواتها للأميركي. وأبرز دليل على ذلك استعادة تجربة مصدق الذي لم يكن إسلامياً ولا خارج حُكم الشاه. هنا يأتي أيضاً خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة واستهدافه لإيران والمقاومة.

هنا أيضاً يبرز السؤال المركزي: ماذا ستفعل روسيا في هذا المضمار طالما أن الأميركي يقول بوضوح إنه يعتمد عليها في هذا الملف؟

وكيف سيتحدّد هذا الموقف وإيران تعمل وحيدة على حلّ مأزقها مع أوروبا للالتفاف على الأميركي؟ كما تعمل في الخط نفسه باتجاه الشرق.

كيف ستترجم الشراكة الروسية الغربية التي تسعى إليها موسكو، إذا ما انفصل الغرب الأوروبي عن الغرب الأميركي تجاه إيران؟ وهل سيتحقّق هذا الانفصال أيضاً بشأن سوريا؟ وهل هو ما يترجم عودة التقارُب التركي الأوروبي بدءاً من ألمانيا التي تستعدّ لاستقبال أردوغان بالطبول، بعد أن استقبلت بوتين ووزيره بالحرارة نفسها؟ وهل كان الترتيب المتعلّق بإدلب اتفاقاً تركياً روسياً في الواجهة، وأوروبياً أميركياً روسياً في الخلفيّة؟ وماذا سيحصل بعد شهرين عندما تنتهي المهلة الممنوحة لأردوغان لحل مشكلة "الإمارة الإسلامية الإرهابية". وسيتبيّن أن أقصى ما حقّقه هو إنقاذ التابعين له هناك وتهريبهم إلى أمكنة مطلوبة أخرى، وترك الآخرين لمعركة لعلّها الأصعب في تاريخ الصراع؟ أو تركهم حجّة لا حل لها لتبرير بقاء قواته والقوات الأميركية على الأرض السورية؟

بالتالي، لقد وضعت إسرائيل منذ بداية التسعينات خطة تراتبية للتخلّص من الدول الراعية للمقاومة وبلورها نتنياهو في كتابه: أمن وسلام. وبحسب هذه التراتبية، فإن الدور الآن يتّجه إلى هدفين: إيران والدولة الفلسطينية، الأولى بتحجيمها وضربها إن لم يكن عسكرياً فحصاراً، والثانية بفصل غزّة عن الضفة وتجاوز أوسلو – على رداءته – إلى صفقة القرن. ما يطرح السؤال الخطير حول طريقة تناول الرئيس عباس في الأمم المتحدة لموضوع حماس.

قد تكون هذه الفترة الفاصلة هي فترة الضغوط الأشدّ سواء على إيران أو على سوريا أو على الفلسطينيين. وقد رأينا الإعلام الأطلسي يعود إلى التهديد بتحريك مقاتلي الجنوب خاصة في درعا، وذلك بحجّة أن انسحاب الروس سيجعلهم عرضة لانتقام النظام. كذلك، ربما ترك المجال مفتوحاً لمزيد من الضربات الجوية الإسرائيلية أو الإرهابية.

أما الرهان الدائر حول نشر الأس 300، فهو رهان مفصلي عسكرياً، منذ سنوات. لكن نظرة إلى مواقع النشر المُزمَعة توضح أنها لا تغطّي كامل الأراضي السورية. في حين تغطّي المياه الاقليمية وقبرص وسواحل اليونان، أي مناطق القواعد الروسية وحقول الثروة النفطية. من دون أن تغطّي مناطق الشمال والشرق حيث الأميركيين، وربما حيث الممرات الإسرائيلية.

هي مراحل الضغط ستتوالى من دون حروبٍ مباشرة، فليس هناك مَن يريد الحرب، وليس هناك مَن يريد التخلّي. وعضّ الأصابع يشتدّ.  




المصدر: الميادين