كُتّاب الموقع
حداثيون مكتومون – الصراع على السياسات الشرعية في المملكة العربية السعودية

منى سكرية

الخميس 9 آب 2018

ربما، بضعة أسطر في خاتمة الكتاب بين أيدينا (ص207) قد تساعدنا على فهم ما توصلت إليه  مضاوي الرشيد  إذ تقول: ".. ربما من السابق لأوانه في السياق السعودي رسم تُخُوم واضحة لحركة  اجتماعية تكتسب الزخم حول عدد من المنظّرين والنشطاء"، بعد أن اقتصرت محاولتها على إقتفاء "تاريخ من الأفكار والسِيَر والحراك لعدد من المفكرين والنشطاء الذين برزوا في السعودية"(ص207).

 


*******
 

في الفصل الأول بعنوان "عرائض واحتجاجات عشية الانتفاضات العربية"، تقول:" كان من المحتم على الإسلاموية السعودية أن تنشق وتنقسم إلى مسارات متعددة في مواجهة القمع التي أعقبت 11 ايلول/سبتمبر 2001"(ص49)، وأصبحت "وفق الخطاب العام الذي ترعاه الدولة سبباً لمشكلات متعددة ومتنوعة من التطرف والتزمُّت والتعصب، إلى البطالة والعنف والتمييز بين الجنسين"(ص50)، وإزاء ذلك، "انشغل كثير من الإسلاميين بهدفين رئيسيين:أولاً: دافعوا عن أنفسهم ضد اتهامات الإرهاب، ثانياً، طوروا استراتيجيات وخطابات جديدة تطالب بالإصلاح السياسي"(ص51)، فلجأوا إلى كتابة العرائض  التي "كتبها الإصلاحيون وقدموها إلى القيادة بين عامي 2003 و2008 في ذروة موجة الإرهاب التي إجتاحت البلاد"(ص52)، دعوا فيها "إلى إقامة مَلَكية دستورية واحترام الحقوق المدنية  والسياسية والإنسانية"، لكن " حُكم على كثير من الإصلاحيين الذين شاركوا في كتابة العرائض وشجعوا الآخرين على توقيعها بالسجن عدة سنوات"(ص 53). ما لبثت الإنتفاضات العربية  أن دفعت  "كثيراً من الإصلاحيين إلى بدء جولة ثانية من تقديم العرائض، بأمل أن يستجيب الملك تحت ضغط الإضطراب في المنطقة"(ص54)، وفي شباط 2011 "نُشرت عدة عرائض جديدة على الشبكة الإلكترونية  تدعو إلى الإصلاح السياسي"، لكنها "عُدّت وثيقة ليبرالية"(ص55)،وكانت ضمّت "إثنتي عشرة نقطة تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وقضائية جوهرية.. وتطبيق حكم القانون، والمساواة، وحماية الحقوق المدنية والإنسانية، والمشاركة السياسية، والتنمية المتكافئة، ومحاربة الفقر والفساد، وبانتخاب جمعية وطنية. والأهم أن الموقعين أرادوا دستوراً مكتوباً، ومجتمعاً مدنياً مستقلاً فعلاً، وحكومات محلية منتخبة في المناطق"(ص55).


وتشير الرشيد  إلى وثيقة ثانية في شباط 2011 أعادت هذه المرة الإلتزام بالمبادئ الإسلامية من دون الدعوة الصريحة إلى المَلَكية الدستورية أو الحكومات المحلية في المناطق، وشملت "الأسماء الصحوية الشهيرة مثل الشيخ سلمان العودة،.."، لافتة إلى عريضة ثالثة في العام 2011 أتت من شبان مجهولين وحملت عنوان مطالب الشباب السعودي"(من ص 56)، قابلها وفي "تغاير مع العرائض الثلاث المذكورة، بيان الدعوة للإصلاح من علماء الدين السلفيين"(ص57).


كما لفتت إلى "يوم الغضب الرقمي في السعودية" عندما "ظهرت فجأة جماعات "رقمية" مثل الإئتلاف الوطني وحركة الشباب الأحرار على موقعي فايسبوك وتويتر"(ص62)، وكان" الإحتجاج الرقمي على الشبكة الإلكترونية تمهيداً للدعوات إلى تظاهرات جماهيرية حاشدة على أرض الواقع"، واختار الجيل الجديد من مستخدمي الانترنت السعوديين يوم 11 أذار/مارس للحراك الجماهيري"(ص63)، ... وفي "يوم الغضب الموعود حلقت المروحيات على علو منخفض في سماء الرياض".. لكن "متظاهراً وحيداً تجرّأ على تحدي حظر التجول غير المعلن رسمياً.وقف خالد الجهني أمام مراسلة تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية".. اعتقل الجهني لاحقاً وأودع السجن"(من ص68)، مع تذكير الرشيد إلى أنه بعد أسبوع من يوم الغضب المُجهَض أعلن الملك عبدالله يوم 18 أذار/مارس 2011 " حزمة من المكاسب الاقتصادية للسعوديين بلغ عددها عشرين وكلفت نحو 93 مليار دولار"(ص73).


في الفصل الثاني بعنوان " جمعية مدنية في دولة مستبدة"، ذكرت "أن ثورة هادئة كانت تحدث في السعودية منذ عام 2009 سبقت الانتفاضات العربية"(ص79)، متحدثة بالتفصيل عن ولادة "جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية" المختصرة ب "حسم"، والتي "أعادت إبتكار الإسلاموية في صيغة حراك المجتمع المدني"(ص79)، ف"اشتبه النظام منذ البداية بأنشطتها وحراكها"(ص80)، وهو "ما أدى إلى سجن معظم أعضائها المؤسسين عام 2013"(ص80)، وقد "خاضت "حسم" معركتين في الوقت نفسه، واحدة ضد مؤسسات الدولة التي حمّلتها مسؤولية القمع، والأخرى ضد علماء الدين الذين برروا هذا القمع في فتاواهم الدينية أو أحكامهم القضائية".. وقد " مثلت "حسم" مبادرة هجينة اعتبرت أنها تتجاوز خط الانقسام الاسلامي- الليبرالي"(ص81)، مع أنها "لم تعمِّر طويلاً" (2009-2013)، كما "أن موقفها من الانتفاضة البحرينية خالف الرأي العام في السعودية، الذي اعتبرها مؤامرة شيعية ضد السنة، فضلاً عن ذلك، أكدت إدانة الجمعية لإطلاق النار في المنطقة الشرقية واعتقال عدد من النشطاء السلميين بعد عام 2011"(ص84).


وتشير الرشيد إلى أن "محاكمات (عبدالله)الحامد والقاضي (سليمان)الرشودي و(محمد)القحطاني وكثير من المؤيدين والأنصار الآخرين  تحولت إلى فرص سانحة لهم للحديث بإسهاب عن معنى حقوق الإنسان في الاسلام وحقوق السجناء والحكومة العادلة والقضاء المستقل والحكم الثوري، وحين دافعوا عن أنفسهم إستعملوا اللغة خطاباً عاماً لتفكيك سطوة الدولة وهيمنة اللغة الدينية لقضاتها"(ص98)،(جرت المحاكمات علانية)، آسفة بقولها " أن وجود جمهورعريض على الشبكة الالكترونية لا يعني بالضرورة أن "حسم" تمتعت بدائرة واسعة من المؤيدين الحقيقيين المستعدين للتعبئة والتحرك للدفاع عنها وتنظيم التظاهرات  ضد الأحكام الجائرة وعقوبات السجن الطويلة التي تلقاها المؤسسون. في الواقع لم يحتج سوى أقربائهم وذويهم ضدها"(ص100)... لكن، تقول، "أنه من الصعب كبت لغة الحقوق بعد التجربة القصيرة لهذه الجمعية المدنية الناشئة، ولا ريب أن موقف "حسم" من الإحتجاج السلمي أثّر في واحد من الإسلاميين النافذين: الشيخ سلمان العودة الذي بلغ حد تبرير قيام ثورة سلمية في سياق سلفي"(ص103).


تفحّص الفصل الثالث وعنوانه "عن الثورة"  رد فعل أشهر الإسلاميين السعوديين الشيخ سلمان العودة الذي عرضت كتاباته عن الثورة نموذجاً واضحاً  للتحولات الفكرية  التي حدثت في السعودية بعد الانتفاضات  العربية"(ص106)، فتنقل عنه: إستحسن العودة  الإحتجاج السلمي  وتبريره طريقا ثالثا بين الموقفين الدينين اللذين وجدت السعودية أنها محاصرة في إسارهما: طاعة المشايخ وعصيان الجهاديين(ص107).."بدأ عقب الانتفاضة السورية عام 2011 يعارض دعوة الشباب السعوديين إلى الإنضمام إلى الثوار، والاكتفاء بتقديم الدعم المالي والإغاثي والإنساني"، "بينما التزم العودة الصمت إزاء الانتفاضة البحرينية وبقيت آراؤه عن الشيعة متجذرة في التراث السلفي الذي لا يقبل مساواتهم مع السنَّة ، لكن خلافا لأغلبية السلفيين يُظهِر إستعاداداً للتسامح معهم بوصفهم أقلية ضمن أمة الإسلام"(ص124)،الخ.


وركزت في الفصل الرابع بعنوان "بين الإجبار والاختيار مجادلة الشريعة في سياق سلفي"، على تجربة الشاب عبدالله المالكي "الذي أطلقت كتاباته المثيرة للجدل ردود فعل عدائية في الأوساط السعودية.نقل المالكي الجدل أبعد عبر مساءلة حسنات فرض الشريعة بالقوة في مرحلة ما بعد الثورة"(ص129)، كما اقترح أن يكون  شعار "سيادة الأمة هي الحل" بدل شعار الإخوان المسلمين بأن  "الإسلام هو الحل"(ص142).  وتناولت في  الفصل الخامس بعنوان "تفكيك الجذور الدينية للاستبداد"، رؤية  "جيل من المفكرين السعوديين الشبان مصمم على تفكيك الركيزة المؤسسة للحكم الاستبدادي المطلق"(ص153"، ومن هؤلاء محمد العبد الكريم الاستاذ المساعد لأصول الفقه  في جامعة الامام محمد بن سعود، والذي اعتقل في كانون اول/ديسمبر 2010 مدة شهرين بعد أن نشر مقالاً ناقش فيه المستقبل الذي لا يمكن توقعه  للسعودية إذا انخرطت أجنحة الأسرة الحاكمة في صراع على الخلافة"(ص154)، إضافة إلى رأيه " أن التراث السلفي السعودي مسؤول عن تأبيد الحكم الاستبدادي"(ص177)، وأنه وفقا لرأيه "فقد تطور الفقه السُنّي على مر القرون لحماية الحكام وتبرير الاستبداد وعزل الأمة عن عملية صنع القرار"(ص177).


وتختار الرشيد للفصل السادس وعنوانه "الديموقراطية ضد أسلمة الاستبداد"، شخصية محمد الأحمري لأنه  "واحداً من أكثر الإسلاميين المدافعين عن الديموقراطية في البيئة السعودية، وهو موقف وضعه في بؤرة الجدل والخلاف والنقاش"(ص179)، كما دخل في مجادلات حامية الوطيس مع علماء الدين السلفيين حول عدد من القضايا الخلافية ولا سيما إدانتهم للشيعة، وموقفهم من حقوق المرأة"(182)، داعياً الى التخلي عن التحليل العقدي(التحليل بالرغبة وليس بالمعرفة) عند تقييم وضع سياسي مثل الهجوم الاسرائيلي على لبنان ومحنة اللبنانيين في جنوب لبنان عندئذ، مؤكدا أن السلفيين الذين حرّموا التضامن مع شيعة جنوب  لبنان منخرطون في تحليل عقدي إعتماداً على إدانتهم للمذهب الشيعي"(ص183)، لكنها تشير إلى تخلي الأحمري عن جنسيته السعودية وتبني الجنسية القطرية، "وبرره بأنه تعبير عن رغبته في العمل في بلد يحترمه كمفكر"(ص185)، مع أنه لم ينخرط في الجدل حول الشؤون المحلية القطرية"، مبررة له ذلك بالقول "ربما لتجنب الصدام مع القيادة والاستفادة من موقفها المتعاطف مع الإسلاميين أمثاله"(ص189).


خلاصة:


تبدّى من خلال النص أن الفارق ما بين طموح الكاتبة  بحداثة  حداثوية  كما نشأت وشاعت في الغرب بفعل ظروف وعوامل وكبار مفكرين تحققت معها وبها وبهم نتائج تلك الحداثة، وبين تلك "الحداثة السعودية وفهمها وفقاً لشروطها الخاصة وفي منطقتها المحددة"(ص40)، إذ لا يكفي – برأينا - لاستدلال منطوق الحداثة في نصوص وعرائض إصلاحيين وخطاباتهم التطويرية- كما لمسنا في الأفكار المُدرَجة لهؤلاء في الكتاب – أن نضعهم في خانة الحداثويين التغييريين. فالحداثة لديهم لم تبتعد عن سياق المطالبة بالتطوير من ضمن سياق النص الإسلامي، أو حتى السلفي الإسلامي كما عند الشيخ العودة، ولم نقرأ في ما طرحوه أي مقترحات في ميادين العلوم الإنسانية، والاقتصاد، ومدى استخدامات وسائل التكنولوجيا، أو في تعدد مدارسهم الفكرية التي لم تبرح الخطاب الإسلاموي، ولا حتى في التصدي لمسألة الانتاج كواحد من شروط الحداثة بهدف التغيير ، كما أنهم لم يغادروا في سياق إدعائم التغيير المفاهيم المتوارثة والتي نرى أنها تتناقض كلياً مع مفهوم الحداثة مثل المساواة بالمواطنة ، إذ تَشَارك من عرضت لأفكارهم بالعداء للشيعة – بالرغم من وجود مواطنين سعوديين شيعة – (باستثناء حركة حسم والأحمري)، وأيضاً من مواقفهم تجاه الانتفاضات العربية حيث أعربوا عن تأييدها في أي مكان، وصمتوا عما جرى في البحرين رغم استخدام المملكة لقمع ذاك الحراك السلمي بالقوة العسكرية..


  ولنا  أن نلحظ هنا أن الكاتبة التي اعتمدت "على المصادر النصية والشفاهية التي أنتجها عدد من علماء الدين والمفكرين الإسلاميين"، أنها لجأت إلى منهج  التحقيب الزمني لما طرحوه من أفكار، وردود السلطة السياسية عليهم، ولم نلمس تدخلاتها في مناقشة ما طرحوه، مع اكتفائها بالإشارة إلى عدم تبني بعض من أفكارهم.


ترى الكاتبة أن الحداثة وفق هؤلاء الذين عرضت لتجاربهم "تبقى مؤسسة على الإسلام ونصوصه، فالديموقراطية بالنسبة إليهم ليست علمانية بالضرورة، بل يمكن دمجها بالدين، والمجتمع المدني بجمعياته الأهلية ليس مفهوماً غريباً بل نسخة جديدة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحرية من جانب مهم من الإسلام الذي يسعى إلى تحرير الناس من الاستبداد.."(ص40)..

 
ولنا أيضاً أن نسأل عن غياب تفسيرها النفس- سوسيولوجي ل اللامبالاة  الشعبية  بعدم الإلتفاف حول ما عرض له هؤلاء المفكرون، ولما تعرّضوا له من سجن واعتقال؟   إضافة إلى نقدنا لها باستخدام الأحمري نموذجاً: فهل هو سعودي أم قطري؟ ولماذا إكتفى بانتقاد السعودية وأغمض عينيه عن قطر التي لجأ إليها؟