كُتّاب الموقع
قارئة الفنجان ، والمتربصون

سعد ابو بكر

الإثنين 30 تموز 2018

قادنا الفنجان لنصبح عبيد التمنيات والأوهام .

في احد الاعوام وبجلسة قادتني اليها ارجلي بالصدفة ، كانت هناك سيدة تضحك وتمرح وتتباهى بقدرتها على قراءة الفنجان في تلك السنة كانت الاحداث المؤلمة كبيرة والمشاكل عديدة في البلدان ، إلا ان الحضور تناسوا بلحظات ضعف العقلانية ليتماشوا مع اوهامهم الوردية لينصتوا بكل جدية لقارئة الفنجان الساحره الوهميه ، والتي كانت تعمل صحفية .


غرق الجميع بسماع الاحلام ومستقبل الاوهام من سيدة الفنجان التي كانت تمرح وهي تسوقهم في عالم غاب فيه العقل وبقيت التمنيات والأحلام  ، فقد كانت تسرد الحلو وشيء من المر لكل شارب فنجان وتشير له كيف سيكون طريقه المرسوم من بقايا حبات القهوة البرازيلية المطحونة التي تم اعدادها بالطريقة التركية .


المهم ان من تواجد بالجلسة كان يصدق ما تقول وبدأ يبني طريقة على الحان ونغمات قارئة الفنجان ، وشعرت للحظة وكأنها كانت تعمل على تنويم الحضور بشيء ما وضعته بالقهوة ، لكن  الاغرب انني شعرت بشعورهم وغرقت لبعض الوقت بلحن غريب لامس عقلي من كلامها ألا معقول المصحوب برنة صوتها الشاحب لكبر سنها بالإضافة لسطوة لسانها وطريقتها الجذابة .


دون تفكير قلت لها انا اجدر منكي بقراءة الفنجان ، انبهرت لكنها استعجلت وقالت اذا اقراء لي الفنجان ، تم الامر بعد ان حضرت وقدمت جولة جديدة من فناجين القهوة ، طالبت منها ان لا تقدم القهوة وتضع الصينية على الطاولة ، وطلبت من كل شخص ان يختار فنجانه وتم الامر ، اصرت على ان تكون هي اول من اقرأ لها الفنجان وقبلت بكل سرور لأنني اخذت الامر كله على انه وقت للضحك والمرح .


انتهينا من شرب القهوة وأنا اراقب الجميع الذين استعجلوا بشرب فناجينهم ، إلا هي فقد كانت ترشف ببطيء شديد ، قاطع متابعتي احدهم وطلب مني قراءة فنجانه واعتذرت وقلت بصوت مسموع للجميع يجب ان اقرأ فنجانها اولا ، بهذه اللحظة زاد استغرابها ، وقلت لها لا تتعجلين بالانتهاء من شرب القهوة لان الاستعجال سيجعل التفاصيل بقراءة الفنجان بسيطة ، بقيت حتى الرشفه الاخيرة اراقبها وكلما شارفت على الانتهاء كان يدها ترجف .


انتهت من شرب القهوة ، قلت لها اقلبي الفنجان وطلبت من الحضور نفس الشيء ، بعد قليلا من الوقت رفعت فنجان القهوة الخاص بها وبدأت اسرح فيها واسرد ما عرفته عنها وعن شخصيتها مسبقا وركزت على تخوفها الذي لاحظته حين كانت ترشف القهوة ببطيء .


رسمت لها الاوهام عن مستقبل رنان ومشاكل بطريق الاحلام وقرارات مصيرية يجب ان تقودها الى الأمام ، لم تتردد لحظة في اعجابها بما قلت ، وقالت ان هذا صحيح وبدأت الابتسامة العريضة تظهر على وجهها ، لكني قاطعتها وقلت ان كل ما قلته لكي هو اختراع مني وليس فيه شيء من الحقيقة ، لكنها لم تصدق وكذلك الحضور الذين تناسوا ما قلت عن اختراعي للوهم وطالبوني بقراءة فناجينهم ، تابعت وقرأت فناجينهم وكلهم اكدوا على صحة ما قلت رغم انني كررت مرارا ان كل ما ذكرته هو نسخ من الخيال لكنهم ارادوا مجتمعين ان يغلقوا سمعهم ليسبحوا في بحر الاحلام لعدم مواجهة الواقع المرير .


ذكرت هذة القصة بعد ان ارسلت لي سيدة رائعة بعض الكلمات كتوصيف للأحوال الحالية ، وهي : ( نمسح الجرائد بالشباك ونقرأ الاخبار بالفنجان ) والوصف صحيح من وجهة نظري ونظر من قالها .


هذه الجملة البسيطة هي مخزون احتقان رافض للواقع المرير الذي نعيشه ، فقد انبهر الغالبية بالمؤثرات الخارجية عبر وسائل الاعلام والسوشل ميدا المسيس الذي يقود المدمنين عليه الي قناعة بأنه يعيش في عالمه الخاص الوردي المعلن " اي الذي ينشره او يعلنه " ويصف نفسه بأنه صاحب الفضائل بكل شيء وبحقيقة الامر هو عكس ذلك لكن ساقته المؤثرات التي ذكرنا لإنكار الواقع المرير لتجبره لعيش الخيال والأحلام دون ان يفعل شيء لأنه لا يريد ان يري حقيقته ضعفه وكأنه تأثر بسحر قراءة الفنجان او قارئ الفنجان انا ايام زمان .


إلا ان الوضع اسوء من ذلك فهؤلاء تأثروا فعلا وغرقوا بالأوهام وأصابهم العجز وتوقف تفكيرهم الايجابي وابتعدوا عن العمل ليكون همهم الوحيد التظاهر بما ليس فيهم ، فقد وصلوا الى هذه النقطة بفعل سياسة الانفتاح بالسوشل ميدا عبر كيبلات الاوهام المنتشرة بكل العالم ، فقد اصبح هؤلاء اصفار على الهامش ابتعدوا او ابعدوا بفعل سياسة الفنجان لينقض المتربصون لتمرير مخططاتهم .