كُتّاب الموقع
كلام الحرب الأميركية على إيران.. مخادع

فيصل جلول

الإثنين 30 تموز 2018

ليست المرة الأولى التي تتبادل فيها الولايات المتحدة الأميركية، عبارات التهديد والوعيد مع إيران، فقد سبق للبلدين، أن تخاطبا بعبارات شبيهة بتلك التي صدرت عنهما قبل أيام، إذ حذر الرئيس حسن روحاني الإدارة الأميركية، من أن الحرب مع أميركا إذا اندلعت ستكون "أم الحروب، لذا حذار من اللعب بذيل الأسد"، فجاء الرد الأميركي من الطبيعة نفسها، إذ قال الرئيس ترامب "ستأتيكم عواقب قلما تعرض لها شعب في التاريخ"!

يبدو هذا التهديد وكأن "الحرب أولها كلام" وأنها على الأبواب، بيد أن كلاماً من الطبيعة نفسها ورد من قبل، ولم يفضِ إلى حرب مباشره بين الدولتين، وإنما أفضى إلى توتر مستمر وحروب بالواسطة، إلى أن اتفقت واشنطن في عهد أوباما وإيران روحاني، إلى وقف هذه السيرورة، أو تجميدها على الأقل، بعد توقيع الاتفاق النووي قبل عامين بصيغة 5+1.

وعد ترامب بتحطيم هذا الاتفاق خلال حملته الانتخابية، وقد فعل، بقي السؤال الكبير مطروحاً. عندما تحطم اتفاقاً سلمياً فهذا يعني أنك تريد شيئا آخر غير السلام. تريد الحرب؟ أو اللعب على حافة الحرب؟ أو الخداع؟ وبالتالي حمل خصمك أو عدوك على الاستسلام أو التنازل خوفاً أو رعباً أو خضوعاً لضغوط داخلية؟

حتى الآن تبدو استراتيجية ترامب تسير في إتجاه فرض عقوبات على إيران، تؤدي إلى نقمة داخلية، ومن ثم إلى تنازلات تقدمها حكومة الرئيس روحاني الموصوفة في الغرب بـ "المعتدلة"، وإن تم ذلك يكون ترامب قد حقق نصراً من دون حرب مباشرة.

 لكن لماذا تذعن إيران؟ وهي لم تذعن من قبل لاوباما ولمن سكن البيت الأبيض قبل، أوباما؟ هل ازددات الولايات المتحدة قوة مع ترامب؟ هل شطبت حروبها الفاشلة وخسائرها الباهظة خلال الثلاثين عاما الماضية؟ هل هزمت إيران في البلدان التي تلعب أدواراً فيها؟ أم انحسر نفوذها؟ ألم يتوسع إلى أماكن كان فيها معدوماً أو ضعيفاً للغاية من اليمن مثلاً؟

الشيء الجديد الذي أضافه ترامب في الصراع مع إيران هو تهديداته عبر "تويتر". هو اليوم في مواجهة طهران أضعف بمالا يقاس من باراك أوباما. هو معزول عالمياً، خسر للتو الحرب في سوريا، يصفي الحرب الكورية بشروط كيم جونغ أون بعد تهديداته الشهيرة بإلغاء كوريا الشمالية من الخريطة. صحيح أن الاقتصاد الأميركي يحقق تقدماً ملحوظاً للمرة الأولى منذ بعض الوقت، لكن ليس إلى الحد الذي يتيح تمويل حرب مع دولة لم يتمكن جيمي كارتر قبل أكثر من 30 عاماً من مهاجمتها بعد فشل عدوانه على صحراء "طبس" بهدف تحرير الرهائن الأميركيين الذين احتجزهم الحرس الثوري في السفارة الأميركية في طهران .كانت أميركا حينذاك أقوى من اليوم ولم تهزم في أي من حروبها الخارجية بعد فييتنام.

لا يخاف الإيرانيون من تغريدات ترامب، فبعد كل تغريدة هجومية يرد "المعتدل" روحاني  وليس قاسم سليماني، بالقول "يجب أن تخرج أميركا من منطقتنا أو سنخرجها بالقوة" أو "إذا منعنا من تصدير نفطنا فلن يخرج نفط آخر من المنطقة". وهذا التهديد لم يتأخر كثيرا فقد أعلنت السعودية عن تجميد إرسال ناقلاتها النفطية  عبر "باب المندب"، وتدرس دول أخرى خليجية إجراءً مناسباً بعد صاروخ أطلقه أنصار الله مؤخراً على أحد البواخر السعودية بمقابل ميناء الحديدة اليمني. أضف إلى ذلك الصعوبات الجمّة التي تواجهها الولايات المتحدة في توفير البدائل التي يمكن أن تنجم عن حظر تصدير النفط الإيراني في السوق العالمية تحت طائلة ارتفاع الأسعار وبالتالي معاقبة أسواق الطاقة بدلاً من إيران.

لكن لماذا تخشى واشنطن الحرب المباشرة مع إيران؟ ولماذا شنّت حربين على حدودها المباشرة من دون التعرض لها؟ فضلاً عن الحرب على سوريا التي نظمتها واشنطن وحلفاؤها، من أجل تركيع إيران، بين أهداف أخرى على رأسها وتوجيه ضربة قاصمة لمحور المقاومة في المنطقة؟

الخشية ليست ناجمة عن توازن الترسانات المسلحة بين البلدين، فالقوة البحرية الإيرانية قد لا تصمد كثيراً في مجابهة مباشرة مع الأسطول الخامس الأميركي. الخشية ناجمة عن كون طهران قوة إقليمية تملك أوراقاً ومصادر قوة متنوعة ولا يمكن لأحد تجاوزها، بحسب خلاصة توصل إليها منذ سنتين تقرير داخلي لمجلس الشيوخ الفرنسي. والخشية ناجمة عن الموقع الاستراتيجي الفريد.

لنتابع معاً هذا الموقع بالتفصيل الموجز. تشترك إيران مع الصين في ما يعرف تاريخياً بـ "إمبراطورية الوسط" وهي تقع على مفترق استراتيجي مع العديد من القوى الإقليمية المهمة. تلتقي مع العالم العربي من الجنوب والغرب ومع تركيا في جسر نحو أوروبا في الشمال الغربي ومع القوقاز وروسيا من جهة الشمال، ومع آسيا الوسطى باتجاه الصين في الشمال الشرقي، ومن ثم تلتقي مع العالم الهندي عبر أفغانستان وباكستان في الشرق والجنوب. تملك نفوذاً في أفغانستان عبر إثنية الهزاراه الشيعية واثنية الطاجيك السنية ذات الثقافة الفارسية، ولا يمكن تجاوز إيران في الأزمة الأفغانية، تقيم علاقات ممتازة مع أرمينيا رداً على العلاقات الاذربيجانية مع الولايات المتحدة الأميركية، تحتفظ بعلاقات ممتازة مع الروس، رغم التنافس بينهما على بحر قزوين، تحتفظ بعلاقات قوية مع تركيا إردوغان الذي أعلن مؤخراً أنه لن يقاطع النفط الإيراني ويرغب البلدان في لعب أداوراً قيادية في العالم الإسلامي.

لإيران علاقات وثيقة مع أفريقيا ومع أميركا اللاتينية في حديقة واشنطن الخلفية، هذا من دون أن ننسى لتحالفات التي عقدتها طهران في العالم العربي مع العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، فضلاً عن نفوذها المعروف في البحرين وهو على تماس مع الأسطول الخامس الأميركي.

هذه القوة الإقليمية الفريدة من نوعها في جيوبوليتيك الشرق الأوسط لا يمكن تطويعها وحملها على الإذعان بتغريدات تدعي الجنون، فلا تمضي بضعة أيام حتى يلوح وزير الخارجية الأميركي بكلام مغر "نريد اتفاقاً مع إيران" أفضل بكثير من الذي وقعه أوباما". إذاً كلام الحرب في وسائل التواصل الاجتماعي خلبيّ. وما دامت أميركا غير قادرة على شن الحرب وإن شنتها فهي لن تربحها فهذا يعني أن سلاح العقوبات لن يحسم المجابهة بين الطرفين وسيكون الأفق مفتوحاً على المزيد من الخسارة والتراجع الأميركي والمزيد من النفوذ والتقدم الإيراني.

المصدر: الميادين