كُتّاب الموقع
ميناء بايدن... مؤامرة أم نظرية مؤامرة

شاهر الشاهر

الثلاثاء 12 آذار 2024

من غير المقنع لأحد أن يتوقع أن الهدف الأميركي من إقامة الرصيف البحري هو إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة فقط، وخصوصاً أن المعابر البرية موجودة، وليس هناك من يعرقل عملها سوى الكيان الصهيوني.
 
تضاربت الأنباء عن الميناء أو الرصيف البحري الذي تعتزم الإدارة الأميركية بناءه قبالة سواحل غزة وعن الهدف المرجو منه، وهل الدوافع وراء بنائه مجرد دوافع إنسانية أم أن وراء الأكمة ما وراءها. 
 
صراع كبير ومشاريع جيوسياسية واضحة لا غبار عليها، وخصوصاً أن الفكرة لقيت انتقادات واسعة من روسيا والصين. 
 
أحد أهداف هذا الميناء هو أن الولايات المتحدة الأميركية تريد قطع الطريق على روسيا والصين، باعتبار المنطقة منطقة نفوذ تاريخي لها.
 
التشكيك في الموقف الأميركي له مبرراته. أما الحديث عن الدوافع الإنسانية، فهو حديث ضعيف وغير مقنع لأحد، فكيف للدولة التي تقدم السلاح والذخائر لقتل المدنيين في غزة أن تكون هي ذاتها من يقدم لهم الطعام والمساعدات الإنسانية؟!
 
أكثر من مئة صفقة سلاح عقدت بين أميركا و"إسرائيل" منذ طوفان الأقصى، لم يتم الإعلان إلا عن اثنتين منها، وهي الصفقات التي عرضت على الكونغرس.
 
هذا العدد من الصفقات يعكس دور الرئيس بايدن شخصياً ودعمه لـ"إسرائيل"، ذلك أن أي صفقة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار ستحتاج إلى موافقة الكونغرس. أما الرئيس، فيحق له التوقيع على الصفقات التي تبلغ قيمتها أقل من مئة مليون دولار من دون الحاجة إلى موافقة الكونغرس عليها.
 
إن اختيار ميناء لارنكا في قبرص يعيدنا إلى العام 1982، حين تم ترحيل نحو 8000 من الفلسطينيين من لبنان إلى قبرص، ثم بعد ذلك إلى تونس، وتم تهجير باقي الفلسطينيين إلى عدد من الدول العربية.
 
كثرت التوقعات عن طبيعة هذا الميناء: هل يكون ميناء بحرياً دائماً أم مجرد رصيف مؤقت للسماح بإفراغ حمولة السفن التجارية إلى سفن أصغر منها؟ ثم إن الحديث عن إدخال وجبات جاهزة للفلسطينين لا يحل المشكلة، فهي مجرد وجبات تكفي لعامل أو جندي ميداني، فيما المتطلبات الحياتية للأسر والأطفال تختلف كثيراً عن ذلك.
 
ولماذا الحديث عن مستشفيات عائمة قادرة على معالجة مليوني شخص، ومنازل عائمة لإخراج أهالي القطاع، وهو ما يجعلنا نعتقد أن فكرة التهجير باتت أمراً واقعاً، وأن الدول المجاورة أرادت أن تنأى بنفسها عن تهجير الفلسطينيين من أراضيها!
 
كل المبررات مشروعة للتشكيك في تلك الخطوة الأميركية، فنظرية المؤامرة يبدو أنها أصبحت مؤامرة، وأن القادم يحمل خطوات عملية على صعيد التهجير.
 
التعويل فقط على صبر الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم لم يعد كافياً، فصبرهم وتحملهم فاق كل التوقعات، والعجز العربي والدولي لم يكن متوقعاً أن يصل إلى كل هذا الحد.
 
مشروع أميركي وموافقة صهيونية وتمويل عربي
فكرة بناء الميناء طرحت قبل 10 سنوات، لكنها قوبلت بالرفض من الجانب الإسرائيلي في حينه. أعيد طرح هذه الفكرة بعد طوفان الأقصى من قبل وزير خارجية الاحتلال، وأعلن عن قبول قبرص واليونان تلك الفكرة.
 
يجري التقليل من أهمية الميناء بالقول إن القضية لا تتجاوز بناء رصيف لتفريغ السفن يربطه باليابسة جسر مؤقت. تبلغ مساحته 6 كيلومترات مربعة، ويبعد عن قبرص نحو 370 كم. 
 
تحتاج السفن إلى 18 ساعة تقريباً من قبرص إلى غزة، وسيشرف على بنائه مهندسون عسكريون أميركيون من عناصر لواء النقل السابع الأميركي، يقدر عددهم بألف مهندس وعسكري.
 
السماح لـ"إسرائيل" بتفتيش تلك الشحنات في قبرص قبل إرسالها يعكس انعدام الثقة بين أميركا و"إسرائيل" ومدى الضعف الذي تشعر به الإدارة الأميركية، رغم قناعتنا بأن أميركا و"إسرائيل" متفقتان على الأهداف، لكنهما مختلفتان في الوسائل.
 
الدعم الأوروبي للفكرة مع بعض الدول العربية يزيد من المخاوف والشكوك في ذلك المشروع، فالدول الأوروبية قادرة على استقبال المهاجرين الفلسطينيين، كما فعلت من قبل مع اللاجئين السوريين. لم يكن الحديث عن بناء رصيف بحري أميركي مقابل ساحل غزة حدثاً مفاجئاً، لكنه شكل تجسيداً لحالة العجز والفشل لإدارة بايدن في فرض إرادتها على الكيان الصهيوني، رغم كل المساعي الأميركية للتوصل إلى هدنة مؤقتة في غزة خلال شهر رمضان المبارك، تجنباً لاستفزاز المسلمين في الشهر الكريم، وفي ظل المخاوف من انفجار الأوضاع في الضفة الغربية وباقي المدن الفلسطينية، بل وحتى في بعض الدول العربية. 
 
السعي الأميركي إلى "هدنة رمضان" كان استجابة لنصيحة عربية من أصدقاء عرب مخلصين لأميركا والكيان الصهيوني، وهدفهم تجنيب المنطقة انتفاضة جديدة كل المؤشرات تنبئ بحدوثها.
 
الحديث عن الرصيف الأميركي في غزة لن يكون لدواعٍ إنسانية، بل إنه يعيدنا إلى المخاوف التي جرى الحديث عنها بعد عملية طوفان الأقصى والمساعي الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين؛ فبعد رفض مصر والأردن فكرة التهجير، وإغلاق حدودهما تجنباً لخروج الفلسطينيين الفارين من إجرام الكيان الصهيوني، كان الحديث عن السماح بخروج الفلسطينيين عن طريق البحر.
 
تلك الفكرة تزامنت مع طرح ما سمي بالهجرة الطوعية، التي هي في حقيقتها ليست سوى تهجير قسري بعدما فقدت غزة كل المقومات اللازمة للعيش فيها. 
 
الاستثمار عبر البوابة الإنسانية
من غير المقنع لأحد أن يتوقع أن الهدف الأميركي من إقامة الرصيف البحري هو إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة فقط، وخصوصاً أن المعابر البرية موجودة، وليس هناك من يعرقل عملها سوى الكيان الصهيوني، فلماذا لا توافق "إسرائيل" على إدخال المساعدات عن طريق البر، فيما رحبت بإدخالها عن طريق البحر، رغم أنها قادرة على تفتيش المساعدات قبل السماح بدخولها براً!
 
ثم إن فكرة الحديث عن بناء الميناء تتناقض مع التصريحات الأميركية التي تنادي بوقف الحرب، بل تؤكد استمرارية الحرب لعدة أشهر قادمة، وخصوصاً أن الوقت المتوقع لإنجاز المشروع يحتاج إلى شهرين.
 
فشل بايدن في الضغط على "إسرائيل" جعله يبحث عن وسائل أخرى الهدف منها تخفيف حدة الانتقادات الموجهة إليه من قبل الناخب الأميركي أولاً، ومن باقي الدول العربية والإسلامية والغربية. 
 
تأكيد بايدن في خطابه السنوي عن حالة الاتحاد على دعمه المطلق لـ"إسرائيل"، وعلى أن تاريخه يثبت ذلك، يؤكد مدى فاعلية وتأثير اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة، وينهي النقاش أو التعويل على الولايات المتحدة لوقف الحرب.
 
إدارة بايدن التي كانت تشكك دائماً فيما تقوله المقاومة الفلسطينية حول أعداد الشهداء والجرحى في قطاع غزة، عادت لتؤكد تلك الأرقام وتتبناها، إذ تحدث بايدن عن أكثر من 30 ألف شهيد فلسطيني، وعشرات الآلاف من الجرحى من النساء والأطفال. 
 
فك ارتباط قطاع غزة بمصر
هناك تشكيك أميركي وإسرائيلي في الدور المصري، واتهامات لمصر بأنها تقف وراء إدخال السلاح إلى حماس عبر المعبر، إن لم يكن بموافقة الحكومة المصرية، فعن طريق الفساد الموجود هناك، على حد وصفهم.
 
بعض التقارير تشير إلى وجود كميات كبيرة من الأسلحة الأميركية بيد المقاومة في غزة، استطاعت شراءها من أوكرانيا وإدخالها إلى القطاع. لذا، فإن الولايات المتحدة باتت تشعر بالحرج مما يجري في أوكرانيا، وخصوصاً أن الهزيمة باتت محققة بالنسبة إلى الجيش الأوكراني.
 
وتشير بعض التقارير إلى دور قوات فاغنر الروسية في مساعدة حركة حماس في الحصول على السلاح، إن لم يكن بسبب الموقف السياسي لموسكو، فنتيجة لتقاطعات المصلحة والرغبة في الحصول على المال. 
 
استهداف مصر ودورها في المنطقة لم يكن مطلباً أميركياً وإسرائيلياً فقط، بل كان رغبة عربية لدى بعض الدول التي كانت تعاني، وما زالت، من "عقدة الصغير".
 
إضعاف مصر هو إضعاف للعرب، ولن تستطيع أي دولة عربية أن تؤدي هذا الدور وتتحمّل الأعباء التاريخية التي تحملتها مصر. التقارب المصري الإيراني هام جداً، ويصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية بكل تأكيد، ويسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، فدور إيران يختلف كثيراً عن الدور التركي على سبيل المثال، باعتبار تركيا وإيران أكبر دولتين إسلاميتين في المنطقة، فبينما كانت تركيا تاريخياً أول دولة إسلامية تعترف بـ"إسرائيل"، ما زالت الجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعم الأكبر لفلسطين ودول محور المقاومة حتى اليوم.
 
الاتهامات الأميركية لمصر بأنها تقف وراء منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة، عاد بايدن وتراجع عنها في خطابه عن حالة الاتحاد، معتبراً أن "إسرائيل" هي من يمنع دخول الطعام إلى المدنيين في غزة. 
 
حل الدولتين شعار لا قيمة له
الحديث الأميركي عن حل الدولتين لا يتعدى حالة من النفاق واستمرار للأكاذيب الأميركية، ففكرة حل الدولتين تم الاتفاق عليها قبل 30 عاماً (منذ اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993)، لكنها لم تتحقق.
 
هل يستطيع الرئيس بايدن القول للعالم من الذي عرقل حلّ الدولتين؟ وماذا عن قضيتي القدس والمستوطنات؟ هل يستطيع أن يتعهد بالقدس عاصمة لفلسطين؟ تلك القضايا وغيرها تجعل من الحديث عن حل الدولتين أوهاماً يتم طرحها لكسب المزيد من الوقت.
 
اعتقدت الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ومن خلفها الإدارات الأميركية، أن الحل يكون بممارسة المزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية لإجبارها على المزيد من التنازلات، فكانت صفقة القرن التي كان الهدف منها إنهاء القضية الفلسطينية. 
 
لقد تراجعت أهمية القضية الفلسطينية، واعتقد البعض أنها باتت شيئاً من الماضي، وسط تطبيع عربي تمثل بما سمي بالاتفاق الإبراهيمي مع دول ليست في حالة صراع أصلاً مع الكيان الصهيوني.
 
لقد جاءت عملية طوفان الأقصى لتوقف مسار التطبيع العربي وتعيد إلى القضية الفلسطينية ألقها، إذ انتقلت من كونها قضية عربية وإسلامية، فباتت اليوم قضية إنسانية تعني جميع الشرفاء في العالم، ورأينا مواقف الدول الأفريقية ودول أميركا اللاتينية التي كانت متقدمة في كثير من الأحيان على الموقف الرسمي العربي.
 
وكان حجم التظاهرات في عدد من الدول الأوروبية أكبر بكثير مما حدث في الدول العربية. وقد عرف الجيل الجديد من الشباب تلك القضية، وأدرك حجم الظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على يد من ادّعوا أنهم كانوا الضحية في يوم من الأيام.
 
الحرب مستمرة، ومن يعتقد أن قرار وقف الحرب بيد الولايات المتحدة جداً، فالولايات المتحدة مشاركة في هذه الحرب وداعمة لها. الإدارة الأميركية اليوم تختلف عن إدارة فورد ووزير خارجيته هنري كيسنجر، إذ استطاعت تلك الإدارة إجبار "إسرائيل" على الانسحاب من سيناء والدخول في مفوضات مع مصر انتهت بتوقيع اتفاقية للسلام بين البلدين. 
 
كانت تهديدات كيسنجر في حينها واضحة لحكومة الاحتلال الصهيوني بقيادة غولدا مائير، فإما القبول بالمقترح الأميركي وإما القيام بخفض المساعدات الأميركية لـ"إسرائيل" وإعادة تقييم العلاقات بين البلدين، مع الإشارة هنا إلى أن ذلك الموقف كان حرصاً على "إسرائيل" وحماية لها من مواقف مسؤوليها الذين كانوا أيضاً هم المسؤولين عن هزيمتها في حينها، وبات واضحاً أن نهايتهم السياسية اقتربت. 
 
 
المصدر: الميادين