كُتّاب الموقع
ما الذي يمكن لإسرائيل أن تتعلمه من إخفاقات المخابرات الأميركية

العرب اللندنية

الأربعاء 3 كانون الثاني 2024

لا تزال تفاصيل جديدة عن الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي الهائل الذي سبق الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 أكتوبر تتكشف تباعا، ما يظهر أوجه قصور عدة في المجتمع الاستخباراتي الإسرائيلي.
 
وأفادت تقارير مؤخرًا بأن رئيس المخابرات العسكرية لقوات الدفاع الإسرائيلية اللواء أهوران حاليفا، الذي اعترف سابقًا بأن المديرية الخاضعة لقيادته فشلت في التحذير من هجوم حماس الوشيك، سوف يستقيل.
 
وقالت هالي بارتوس أستاذة السياسات والأمن القومي في جامعة كارنيغي ميلون في تقرير نشره موقع ناشونال أنتريست “إن إسرائيل كانت تمتلك ما يكفي من المعلومات الاستخباراتية في الوقت المناسب لتقييم أن حماس كانت تخطط لتنفيذ هجوم واسع النطاق، لكنها فشلت في توظيفها واستغلالها”.
 
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً أن إسرائيل حصلت على مخطط تفصيلي من أربعين صفحة لهجوم حماس، والذي أطلق عليه اسم “حائط أريحا”، من قبل مسؤولين إسرائيليين قبل عام على الأقل.
 
وعلاوة على ذلك التزمت هجمات 7 أكتوبر التزاما وثيقا بالمخطط العملياتي لجدار أريحا.
 
وتؤكد بارتوس أن المشكلة الرئيسية ليست فشل المخابرات الإسرائيلية في جمع معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ، بل تكمن في كيفية تحليل تلك المعلومات الاستخباراتية والتعامل معها وكيف تلقت الأجهزة الأمنية هذه المعلومات.
 
ومنذ أحداث 7 أكتوبر أجريت الكثير من المقارنات مع هجمات تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001. وبعيداً عن حجم وجرأة الهجومين فإن التشابه الأكثر إقناعاً يتلخص في فشل كل جهاز أمني في كشف واستباق الهجمات الإرهابية.
 
وعلى غرار مجتمع الاستخبارات الأميركي بعد أحداث 11 سبتمبر، ترى بارتوس أن جهاز الأمن الإسرائيلي يحتاج إلى إجراء تحقيق جنائي شامل في فشل الاستخبارات في 10 سبتمبر والتعلم من أخطائه.
 
وتشير إلى أن إسرائيل تحتاج إلى إعادة هيكلة نظامها لتحليل المعلومات الاستخباراتية في أعقاب أحداث 7 أكتوبر.
 
وفي هذا الجهد يمكن لإسرائيل أن تنظر بشكل مثمر إلى تجربة الولايات المتحدة في ما يتعلق بالدروس المستفادة والإصلاحات التي أعقبت الإخفاقات الاستخباراتية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
 
وعانى مجتمع الاستخبارات الأميركي من “تدقيق شامل” وخضع “لتغييرات جذرية” في أعقاب إخفاقين استخباراتيين كبيرين موثقين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
 
هجمات سبتمبر وحرب العراق
 
قبل شهر واحد فقط من هجمات 11 سبتمبر 2001 نشرت وكالة الاستخبارات الأميركية مقالا في الموجز اليومي بعنوان “بن لادن مصمم على ضرب الولايات المتحدة”.
 
وعلى الرغم من أنه لم يقدم تفاصيل أو يحذر من هجمات 11 سبتمبر على وجه التحديد، إلا أن مكتب التحقيقات الدبلوماسي قدم تفاصيل مثيرة للقلق عن أعضاء تنظيم القاعدة الذين يعيشون في الولايات المتحدة. ومن الأمور الإشكالية أن تبادل المعلومات الاستخباراتية بين المنظمات واجه مشكلات هائلة، مما ساهم في الفشل في التحذير.
 
وكان الخطأ الرئيسي في إخفاقات الاستخبارات الأميركية في حرب العراق هو إدراج استنتاجات خاطئة حول برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي في تقديرات الاستخبارات الوطنية لعام 2002.
 
وقد تم تسييس هذه الاستنتاجات إلى حد كبير من قبل إدارة الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش لتبرير قرار غزو العراق والإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
 
وكانت الأخطاء ترجع جزئيًا إلى الإخفاقات التحليلية التي لم تصدر أحكامًا تحليلية صارمة، مما دفع المحللين إلى إجراء تقييمات “موثوقة نسبيًا” لبرنامج أسلحة الدمار الشامل على الرغم من الإشارة إلى أنهم يفتقدون أجزاء مهمة من اللغز.
 
ولدى إسرائيل وزارة استخبارات، على غرار مكتب مدير الاستخبارات الوطنية ولكن على عكس نظيرتها الأميركية، لا تشرف الوزارة على إنتاج التحليلات لرئيس الوزراء أو تقود تقديرات الاستخبارات الوطنية.
 
وفي ضوء النتائج التي توصل إليها تقرير لجنة 11 سبتمبر، والذي حدد، من بين إخفاقات أخرى، نقص التنسيق بين وكالات الاستخبارات المنعزلة، تم إقرار قانون إصلاح الاستخبارات ومنع الإرهاب في عام 2004 لإنشاء منصب مدير الاستخبارات الوطنية من أجل “تخفيف مشكلة التنسيق بين وكالات الاستخبارات”.
 
ومكتب مدير الاستخبارات الوطنية مكلف بقيادة مجتمع الاستخبارات الأميركي والإشراف عليه، ويعمل مدير المخابرات الوطنية كمستشار استخباراتي رئيسي للرئيس.
 
والغرض من وكالة الاستخبارات الحاكمة هذه هو تبسيط تحليل المعلومات الاستخباراتية وجمعها ومنع التلاعب بها جزئيًا من خلال إنشاء أربعة مراكز تكامل، وهي المركز الوطني لمكافحة الإرهاب والمركز الوطني لمكافحة الانتشار والأمن البيولوجي والمركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن ومركز تكامل استخبارات التهديدات السيبرانية.
 
ويمكّن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية العديد من الوكالات من التعاون على تبادل المعلومات الاستخباراتية وتجميعها معًا (أكثر من 40 في المئة من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية يتناوب من وكالة استخبارات أخرى)، بهدف منع حالات الفشل مثل أحداث 11 سبتمبر التي لم تقم فيها الوكالات بربط المعلومات الاستخباراتية.
 
ويسعى مكتب مدير الاستخبارات الوطنية أيضًا إلى الحماية من تسييس تحليل المعلومات الاستخباراتية، ويقوم مجلس الاستخبارات الوطني التابع له (وهو شيء لا تملكه إسرائيل) بإدارة منتجات الاستخبارات المركزية مثل تقييم الاستخبارات القومية، مما يضمن نقل المهارة والغموض في التقييمات بدقة إلى صناع السياسات؛ بهدف منع أخطاء مثل تلك التي تم ارتكابها في تقرير التقييم الوطني العراقي لعام 2002 بشأن أسلحة الدمار الشامل.
 
ومثل الولايات المتحدة، لدى إسرائيل وكالات استخبارات متعددة، بما في ذلك جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت)، وجهاز استخبارات أجنبي (الموساد، أي ما يعادل وكالة المخابرات المركزية)، ومديرية المخابرات العسكرية، وهي خدمة مسلحة متميزة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي تضم الأبحاث بما في ذلك الوحدة 8200، التي تجمع استخبارات الإشارات.
 
ويضم جهاز الأمن الإسرائيلي أيضًا قوات أمنية أصغر حجمًا تتولى بعض مسؤوليات المراقبة، مثل فيلق الدفاع عن الحدود.
 
ومن الناحية النظرية تهدف وزارة المخابرات الإسرائيلية، التي تأسست عام 2009، إلى الإشراف على مختلف وكالات الاستخبارات وإدارتها. لكن مديرية المخابرات العسكرية تقع تحت إشراف وزارة الدفاع. وهناك مؤشرات واضحة على وجود مواسير في المواقد ومشاكل في الاتصال.
 
ووفقا لمحللين، على الرغم من أن وزارة الاستخبارات، من الناحية النظرية، يمكنها التوسط بين المنظمات، إلا أن هذا نادرا ما يحدث.
 
وبالرغم من الإشارات التحذيرية التي ظهرت في الأيام والساعات التي سبقت السابع من أكتوبر، أعيد بالفعل انتشار قوات جيش الدفاع الإسرائيلي من غزة إلى الضفة الغربية في الخامس من أكتوبر.
 
وحتى المناقشات التي دارت في اللحظة الأخيرة ليلة السادس والسابع من أكتوبر حول التعبئة غير العادية لحماس لم تؤد إلى التوصل إلى اتفاق. وافترض المشاركون في المحادثات أن الأمر كان مجرد تدريبات لحماس.
 
وفي عام 2015 خلصت دراسة إلى أنه يجب على إسرائيل تنفيذ أفكار من نهج كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في تحليل الاستخبارات، مثل الحاجة إلى وجود محور منظم لعرض التقديرات وتوضيح الخلافات قبل النقاش في مقر الحكومة.
 
ولو كانت هذه العملية قد تمت قبل أحداث 7 أكتوبر لكان من المعقول أن الأجهزة الأمنية وصناع القرار ربما اضطروا إلى زيادة الحصار الأمني الإسرائيلي حول غزة.
 
ولم تصل الدراسة إلى حد توصية إسرائيل بإنشاء “هيئة مركزية للوقوف فوق أجهزة الاستخبارات” خوفًا من أن يؤدي هذا النموذج إلى تقييمات أضعف بينما تكافح الوكالات للتوصل إلى توافق في الآراء، مما يمنح هيئة الإشراف قدرًا كبيرًا من السلطة.
 
ومع ذلك فإن قيام منظمة إشرافية بتجميع آليات للتنسيق والتعاون في الأحكام التحليلية، جنبًا إلى جنب مع الدقة التحليلية المحسنة، من شأنه أن يقلل مخاطر التقييمات المسطحة.
 
تنفيذ معايير أعلى
 
 
نظرا إلى التقييمات الخاطئة للتهديدات والتعامل مع المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بحماس قد يحتاج تحليل الاستخبارات الإسرائيلية أيضاً إلى تقييم عملية تحليل المعلومات الاستخباراتية والحاجة إلى زيادة الدقة التحليلية على غرار التجربة الأميركية.
 
وتم تكليف مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بمهمة تجديد كيفية إجراء وإنتاج تحليل الاستخبارات، مما أدى إلى تنفيذ توجيه مجتمع الاستخبارات في عام 2015.
 
وجزئيًا، يُجبر محللو الاستخبارات على الالتزام بخمسة معايير تحليلية محددة وتسعة معايير مهنية تحليلية. وتم تصميمها لزيادة دقة تقييمات الاستخبارات. وقد نتجت هذه الصرامة عن الدروس المستفادة من إخفاقات المخابرات الأميركية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
 
ومن بين المعايير التحليلية الموضوعية المصممة للتخفيف من تأثير التحيز التحليلي الذي يتضمن التحيز التأكيدي -وهو أمر يلعب دورًا في فشل إسرائيل في اكتشاف هجوم حماس وردعه- معيار الحرفية الذي قد يساعد في تخيل العقود المستقبلية المحتملة للتخفيف من المفاجأة والمخاطر.
 
وكان التحليل الأكثر منهجية للبدائل سيخلق فرصة لتحدي وجهات النظر والسرديات السائدة؛ مثل فكرة أن حماس في موقف ضعف، وبالتالي لن تنجز جدار أريحا.