كُتّاب الموقع
العام الجديد ينطلق على رهانات متجدّدة... موجات التفاؤل "مفتعلة"؟!

النشرة

الثلاثاء 2 كانون الثاني 2024

بين الخوف المشروع من حربٍ عسكريّة تمتدّ من الجنوب إلى كامل التراب اللبناني، في ظلّ التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة، على وقع معادلات "الردع" التي يتمسّك بها "حزب الله" في إطار "الحرب النفسية" التي يمضي بها، والقلق المشروع أيضًا من أزمة اقتصادية تعيد البلاد إلى زمن انهيار 2019، الذي لم يستفيقوا منه بعد، وإن تأقلموا مع ظاهرة "الدولرة الشاملة"، استقبل اللبنانيون العام الجديد، وهم يأملون أن يحمل معه الخير الذي يحتاجون إليه.
 
لكنّ العام الجديد الذي ينطلق على "مخاوف حقيقية" لدى اللبنانيين، الذين ما عادوا قادرين على تحمّل الأزمات، ولا سيما تلك التي تنعكس بصورة مباشرة على واقع حياتهم اليومية، يفتتح أيضًا على موجات "تفاؤل" قد تكون مُستغرَبة للبعض، على مستوى الاستحقاق الرئاسي، في ظلّ حديث عن "تقاطع" مبادرات داخلية وخارجية، ستجد طريقها إلى الضوء في غضون أيام قليلة، وقد تفضي إلى تصاعد "الدخان الأبيض" في وقت قريب، وربما قبل نهاية الشهر.
 
 
يقول العارفون إنّ موجات التفاؤل تستند إلى جملة "مؤشّرات" بدأت بالبروز في نهاية العام الماضي، وتحديدًا بعد الجلسة التشريعية الأخيرة التي شهدت على "توافق أضداد" قد لا يكون مسبوقًا منذ فترة طويلة، لكنّها تنطلق أيضًا من "رهانات" على حراك خارجيّ قد يتكثّف في الأيام القليلة المقبلة، مع زيارة متوقعة للمبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، قد تسبقها أخرى للموفد القطري، وإن كان مرجّحًا أن تبقى بعيدًا عن الأضواء.
 
ويترافق كلّ ذلك مع حديث عن "نيّة" رئيس مجلس النواب نبيه بري الدخول من جديد على الخطّ، وهو الذي أعلن صراحة قبل أيام أنّ الاستحقاق الرئاسي بات "شغله الشاغل"، ما أوحى برغبته بتدشين "محرّكاته الرئاسية" من جديد، فهل يعني ما تقدّم أنّ الاستحقاق الرئاسي سينهض من كبوته في الأيام القليلة المقبلة، وصولاً لانتخاب رئيس قريبًا، أم أنّ موجات التفاؤل المستجدّة، لا تختلف عن سابقاتها، بل قد تكون "مفتعلة" مع افتراض حسن النوايا؟!.
 
يتحدّث العارفون عن جملة عوامل ومقوّمات عدّة دفعت إلى "الرهان" على تغيير عمليّ في مقاربة الاستحقاق الرئاسي مع بداية العام الجديد، قد لا تكون جلسة التمديد الشهيرة لقائد الجيش العماد جوزاف عون بمنأى عنها، بعدما أعادت "فرز" القوى السياسية داخل مجلس النواب في مكانٍ ما، معطوفة على الحراك الإقليمي والدولي النشِط على الساحة اللبنانية، والذي وصل لحدّ "الربط" وربما "المقايضة" بين الرئاسة والأمن، وفق بعض التسريبات المتداولة.
 
فعلى المستوى الداخلي، يؤكد العارفون أنّ الجلسة التشريعية "فعلت فِعلها"، عندما أعطت انطباعًا بأنّ التقاطع بين مختلف الأفرقاء ممكن، وأنّ التفاهم غير مستحيل، فكما تلاقت "القوات اللبنانية" ومن خلفها قوى المعارضة، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومن خلفه "حزب الله" بشكل أو بآخر، يمكن أن يتكرّر "السيناريو" نفسه على المستوى الرئاسي، خصوصًا إذا ما اقتنع الجميع بضرورة الذهاب إلى "خيار ثالث"، وهو ما لا يبدو بعيد المنال.
 
ولعلّ بعض المواقف التي أعقبت جلسة التمديد، والتي أوحت بوجود "مرونة" في بعض المواقف، عزّزت هذا المنحى، فرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مثلاً، الذي كان يشهر الفيتو في وجه الحوار بكلّ أشكاله، وأسمائه "الحركية" إن جاز التعبير، اختار بنفسه مصطلح "المشاورات الجانبية" للتعبير عن رغبة بالتفاهم، ومثله فعل رئيس حزب "الكتائب" سامي الجميل، الذي وضع الكرة في ملعب الفريق الآخر، وجهوزيته للتخلّي عن مرشحه المُعلَن.
 
وإذا كان هناك من دفع نحو "استنساخ" تجربة التمديد لقائد الجيش، رئاسيًا، عبر التوافق على انتخابه رئيسًا، وهو ما قد يكون اللقاء بينه وبين رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، والذي وُصِف بـ"الودّي"، مهّد له بصورة أو بآخر، فإنّ الحراك الخارجي المتصاعد تجاه لبنان عزّز الأجواء "التفاؤلية"، ولو أنّ هذا الحراك بدا في المرحلة الأخيرة مركّزًا على الملف الأمني، في ضوء الاستنفار الإقليمي لتفادي حرب مدمّرة في جنوب لبنان، بموازاة الحرب على غزة.
 
وتشير المعطيات في هذا السياق، إلى أنّ "جبهة الرئاسة" ستُفتَح من جديد على خطّ الحراك الإقليميّ، في ظلّ الحديث عن زيارات "مكوكية" للموفدين الفرنسي والقطري، باسم مجموعة الدول الخمس، بل إنّ هناك من يكاد يجزم أنّ زيارة لودريان المرتقبة هذا الشهر، ولو لم يحدَّد لها موعد دقيق بعد، لن تكون كسابقاتها بالضرورة، بل إنّ الرجل سيكون "حازمًا" هذه المرّة، وسيحمل في جعبته خطوات عمليّة وفعليّة طال انتظارها.
 
لكن، بين الحراكين الداخلي والخارجي النشطين على خط الرئاسة اللبنانية، ثمّة من يرى أنّ الأمر لا يعدو كونه "حركة بلا بركة"، أو "جعجعة بلا طحين"، طالما أنّه لم يقترن لغاية تاريخه، برغبة حقيقيّة بمقاربة مختلفة للملف الرئاسي، وهي مقاربة تتطلّب "تنازلات متبادلة" لا يبدو أنّ أحدًا بوارد "التطوع" لتقديمها أولاً، وبالحدّ الأدنى، قبل انتهاء الحرب على غزة، التي يعتقد كثيرون أنّ نتائجها يمكن أن "تخلط الأوراق" على أكثر من صعيد.
 
في هذا السياق، يتحدّث العارفون عن جملة من "العقبات" قد تحبط المسعى الرئاسي المستجدّ، إن وُجِد أصلاً، من بينها أنّ ما جرى في جلسة التمديد التشريعية، لا يسري بالضرورة على أيّ جلسة انتخابية، فالانطباع القائل بأنّ من صوّتوا لصالح التمديد لقائد الجيش، يمكن أن يدعموا انتخابه رئيسًا، لا يبدو واقعيًا، بل إنّ بين هؤلاء من يعلن صراحةً رفضه مثل هذا الخيار، بل يعتبر أنّ التمديد له "أنهى" فرصه في الوصول إلى قصر بعبدا.
 
أبعد من ذلك، يلفت العارفون إلى أنّ "حزب الله" ليس في وارد تكرار السيناريو نفسه رئاسيًا، فهو لم يعلن بعد التخلّي عن مرشحه رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، ولن يفعل ذلك إذا لم ينسحب فرنجية من تلقاء نفسه، وهو يعتقد أنّ فرص الأخير ارتفعت خلافًا لسائر المرشحين، والأهمّ من ذلك، وفق هؤلاء، أنّ الحزب يرفض سلفًا السير بأيّ سيناريو من شأنه إقصاء "التيار الوطني الحر"، أو تركه وحيدًا، كما حصل في ملف التمديد، الذي ترك ذيوله على العلاقة.
 
وإذا كان الحزب لا يبدي "تصلّبًا" بحسب العارفين في مقاربته، كما أنّه لا يرفع شعار "فرنجية أو لا أحد"، الذي يرفضه رئيس تيار "المردة" نفسه، الذي يقول إنّه سيكون "مسهّلاً" لأيّ توافق متى حصل، فإنّ مقوّمات "التسوية" التي يمكن أن يقبل بها الحزب وفرنجية لم تنضج بعد وفق العارفين، علمًا أنّ الحوار الذي يدعو إليه هذا الفريق ينطلق من قاعدة صريحة وهي "رفض الشروط المسبقة"، ما يعني أنّ الفريق الآخر هو المعنيّ بتقديم التنازلات.
 
هكذا، تبدو الصورة غير واضحة، إن جاز التعبير، بين التفاؤل "المُبالَغ فيه" بفرجٍ رئاسيّ قريب، والرهان "المسبوق" على حراك إقليمي ودوليّ، لا ينفع إذا لم يقترن بإرادة داخلية حقيقية لا تزال غائبة وفق كل المؤشرات، وبين تصلّب على مواقف لا تزال "تراوح نفسها"، وإن تستّرت بعنوان "المرونة والليونة"، التي لا تبدو كافية بالمُطلَق للانتقال فعليًا إلى مربع "الحلّ" الذي ينتظره اللبنانيون، بل سئموا وهم ينتظرونه!.