كُتّاب الموقع
وقاحة الاميركيين في الدفاع عن اسرائيل وحاجة المنطقة اليهم

طوني خوري

الجمعة 12 كانون الثاني 2024

يتفهم المرء ان يدافع شخص ما عن آخر حليف له او تربطه به علاقات قربى او صداقة او غيره، وان يستّر عن بعض العيوب التي يمكن تغطيتها ببعض العبارات او الذرائع، ولكن حين يكون هذا الحليف او الصديق او القريب قاتل ومجرم لا يعرف للقيمة الانسانية أي اعتبار، ولا يقيم وزناً لامرأة او طفل او شيخ، فكيف يمكن التستّر عن فظائعه، واي كلمة تقال عندها لمن يدافع عنه اقل من وقاحة؟.
 
هذا ما تفعله الولايات المتحدة الاميركية مع اسرائيل، فبالامس خلال انعقاد جلسة لمحكمة العدل الدولية بطلب من جنوب افريقيا (مشكورة علماً انها ليست دولة عربية ولا تعنيها القضية الفلسطينية والصراع العربي- الاسرائيلي)، صدر موقف عن الخارجية الاميركية مفاده ان "الادعاءات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية لا أساس لها من الصحة". هكذا، وبكل بساطة، محت واشنطن الفظائع الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، لا بل بحق الانسان بشكل عام، وضربت عرض الحائط كل المواثيق والشرائع والاتفاقات والاسس التي تروّج لها يومياً لجهة احترام الحياة وتقديسها والحفاظ عليها، الا اذا اعتبرت اميركا ان الفلسطينيين ليسوا كغيرهم من البشر، ولا يستحقون بالتالي الحياة او مساواتهم ببقية الناس على كوكب الارض! إنّها الوقاحة بحدّ ذاتها، وكأن الـ23 الف قتيل واكثر من 35 الف جريح لا يدخلون ضمن معادلات حقوق الانسان، او ربما يجب ان يصل الرقم الى مليون او اكثر كي يمكن اعتبار ما يحصل بمثابة إبادة جماعية، ولكن السؤال هو: لو تمّت هذه الفظائع في صفوف الاسرائيليين، او الصينيين، او الاوروبيين، او اي دولة عربية او اجنبية ترتبط بمصالح مع الولايات المتحدة، هل كانت سكتت عنها واشنطن وقللت من شأنها؟.
 
هذا على خط محكمة العدل، اما على خط الوضع الميداني، فلا بد من الاعتراف ان المنطقة بحاجة الى اميركا لكبح جنون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومن المؤكد ان الجهد الاميركي لا يأتي من اجل الفلسطينيين او اللبنانيين او حتى المصريين والاردنيين، بل من اجل الاميركيين والاسرائيليين فقط. وتعلم الادارة الاميركية ان اي اتساع لرقعة الحرب، سيعني توريطها بشكل مباشر وغير مباشر بالاعمال العسكرية، اي ارتفاع حصيلة الجنود الاميركيين القتلى الذين سيعودون الى بلادهم ليتحولوا الى زلزال سيهزّ اسس العلاقة بين السياسيين والشعب وبالاخص الحزب الديمقراطي الذي سيجد نفسه تحت وطأة الغضب والنقمة والغياب عن المشهد السياسي اقله لثلاث سنوات مقبلة، ناهيك عن خطر امكان تحويل كل مواطن اميركي اينما كان في العالم، الى هدف انتقامي، وكل ما يترتب من تعقديات دبلوماسية وسياسية وتقليص نفوذ، والاهم والاخطر هو فقدان مركزها كقوة عالمية وحيدة، بحيث قد يعود مشهد التوازن العالمي الى ما كان عليه قبل انتهاء الحرب الباردة، ولو ضم لاعبين جدداً هذه المرة.
 
من هنا، يأخذ مشهد الجولات المكوكيّة للمسؤولين الاميركيين حجماً وبعداً مهمين، وخصوصاً المبعوث آموس هوكشتاين الذي يهندس المفاوضات ويعمل على ربط الخطوط كي لا تتلاشى المبادرات والاقتراحات، حتى انه متفائل في ان يصل الى ارضيّة مشتركة تسمح بايجاد حلّ لمشكلة طال البحث عن انهائها منذ القرن الماضي. ولا شك انّ حظوظ قيام حلّ على اساس دولتين فلسطينية واسرائيليّة، لم تكن يوماً اعلى مما هي عليه اليوم، بفعل التطورات التي تتسارع والاحداث والتعقديات التي خلقتها الحرب الدائرة في غزة، التي أنست العالم حرب روسيا واوكرانيا.
 
بالنسبة الى الكثيرين، فإن اميركا تحوّلت الى شر لا بد منه، لان دفاعها الاعمى عن اسرائيل هو كارثة، انما وجودها لضبط المسؤولين الاسرائيليين هو الى حد ما، "نعمة" على امل ان تبقى المصالح الاميركية مرتبطة بالابتعاد عن الجنون الاسرائيلي، والا سيكون مصير المنطقة مشابها لما يحصل في غزة.
 
 
المصدر: النشرة