كُتّاب الموقع
"طوفان الأقصى": تحولات فشلت إسرائيل في تجاوزها

ماهر الخطيب

الخميس 16 تشرين الثاني 2023

على الرغم من المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، منذ إنطلاق عدوانه على قطاع غزة، هناك تحولات فرضتها عملية "طوفان الأقصى" لم ينجح في كسرها، ما يدفعه إلى البحث عن "إنتصار" يستطيع أن يقدمه أمام الرأي العام الإسرائيلي، لتفادي التداعيات التي من الممكن أن تترتب على ذلك في المرحلة المقبلة.
 
من حيث المبدأ، باتت القيادات السياسية والعسكرية، في الأيام الماضية، تعلن صراحة أنه لم يعد لديها الكثير من الوقت قبل الموافقة على الذهاب إلى وقف لإطلاق النار، في حين هي لم تنجح في تحقيق الأهداف التي كانت قد وضعتها في الأيام الأولى من الحرب، في ظل التقلبات التي شهدها الموقف الغربي واعطاها "الحق" للقيام بما تريد، حيث بادر العديد من رؤساء الدول لزيارة تل أبيب من أجل التضامن معها، أما اليوم فإن الدعوات إلى وقف إطلاق النار تتزايد بشكل يومي.
 
في هذا السياق، فانّ قراءة حجم التحولات التي فرضتها "طوفان الأقصى" تتطلب العودة إلى المشهد العام قبلها، حيث كان العنوان الأساسي على مستوى المنطقة هو إحتمال الذهاب إلى تطبيع على مستوى العلاقات السعودية الإسرائيلية، الذي لو حصل، لكنّا شهدنا تداعيات كبرى على مستوى القضية الفلسطينية، التي لم تكن بنداً أساسياً على جدول أعمال المجتمع الدولي، في حين كانت إسرائيل تتجاهل كل الدعوات إلى حل الدولتين.
 
في الوقت الراهن، لن يكون من السهل، على الأقل في وقت قريب، إحياء المسار التطبيعي العربي الإسرائيلي، لا بل حتى الدول التي ترتبط بإتفاقات مع تل أبيب وجدت نفسها، خلال هذه الحرب، محرجة، في حين أن الدول التي ترتبط معها بمعاهدات سلام، كمصر والأردن، اضطرت إلى أن تتصدى، على المستوى الإعلامي والدبلوماسي، إلى المشاريع الإسرائيلية التي تستهدف سكان القطاع، على إعتبار أنها ستكون تهديداً لأمنها القومي، وبات صمود حركة "حماس" في الميدان مطلباً أساسياً لها، بغض النظر عن خلافاتها السياسية معها.
 
بالإضافة إلى ما تقدم، كانت إسرائيل ماضية في مشاريعها التهويدية في الضفة الغربية وإسرائيل، معتقدة أنها تحقق نجاحات كبيرة في هذا المجال، في حين أن "طوفان الأقصى" فرضت معادلة جديدة لن يكون من السهل تجاوزها، تتعلق بجوهر نظرية أنها تستطيع أن تكون الوطن الآمن، الأمر الذي سيمثل تحدياً حقيقياً للقيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية من مختلف التوجهات، وهو ما يعتبر عائقاً يحول دون تساهل الحكومة الحالية، برئاسة بنيامين نتانياهو، في التعامل مع الحلول التي تقدم لها، على إعتبار أن ذلك سيكون دون أي فائدة، في حال لم تنجح في إستعادة الصورة الماضية.
 
في هذا الإطار، هناك تحد آخر مرتبط بالواقع الأمني الذي فرضته "طوفان الأقصى"، لكن تداعياته قد تكون أكبر، يتمثل في معادلة المواجهة على جبهات متعددة في أي حرب مقبلة، بغض النظر عن دور كل جبهة وحجمها وتأثيرها، فالحرب لم تعد تقتصر على ساحة واحدة، كما كان يحصل في الماضي، الأمر الذي قد يعزز المخاوف التي لدى المستوطنين حول مستقبلهم، بينما تل أبيب لن تكون قادرة على توجيه قوتها العسكرية نحو ساحة محددة، لأنها مضطرة إلى وضع أخرى في مواجهة باقي الساحات.
 
وفي حين من الممكن الحديث أيضاً عن تداعيات ماليّة وإقتصادية لن تكون إسرائيل قادرة على تحملها، لا سيما أن الإستثمارات الخارجية التي كانت تنتظرها لن تكون كما كانت سابقا، بسبب حجم المخاطر الذي كشفته الحرب الحالية، ومن الضروري الإشارة إلى معادلة كانت تسعى تل أبيب، بالتعاون مع الولايات المتحدة، تقوم على أساس حاجة الدول العربية إلى التحالف العسكري والأمني معها، كمقدمة نحو مستوى أكبر من العلاقات، بينما "طوفان الأقصى" أثبت فشلها في هذا المجال، سواء كان ذلك عسكرياً أو إستخباراتياً.
 
في المحصّلة، حجم الدمار والمجازر التي ترتكبها إسرائيل في العدوان على غزة، يخفي خلفه حالة من القلق تسيطر على قياداتها السياسية والعسكرية، التي سيكون عليها، بعد إنتهاء الحرب، مواجهة واقعاً صعباً لن يكون من السهل تجاوزه، ما قد يدفعها إلى الإستمرار في الحرب لأطول فترة ممكنة.
 
 
المصدر: النشرة