كُتّاب الموقع
ورقة الأسرى ونهاية الحرب.. من يقول "آخ" أولاً؟

محمد فرج

الثلاثاء 14 تشرين الثاني 2023

"عمليات الإنقاذ المسلحة تبدو بديلاً جذاباً من المفاوضات، لكنها تعمل بصورة أفضل في أفلام هوليود"؛ هذا ما قاله براين مايكل، المستشار الأول في مؤسسة راند البحثية، المعروفة بارتباطاتها في دوائر صناعة القرار والاستخبارات الأميركية.
 
بعد مرور 37 يوماً على عملية "طوفان الأقصى"، والتي انتهت بأسر عدد من المستوطنين والعسكريين الإسرائيليين. ما زالت الصيغة الممكنة لإطلاق سراح هؤلاء الأسرى لدى المقاومة غير محسومة. هل تتم من خلال الطريق الوحيد والممكن، والذي نعرفه، وهو صفقة تبادل، أم أن "الإسرائيلي" ما زال يراهن على خيار عملية إنقاذ عسكرية، لا يرى براين مكاناً لها أفضل من هوليود؟
 
استمرّت الصدمة الإسرائيلية ساعات بعد أن وصلت أخبار الطوفان، التي جاءت بدفعات متناوبة على إيقاع الأنظمة التكنولوجية التي غرقت في فضاء تشويش المقاومة في غلاف غزة.
 
لم يشكّ أحد في أن الرد الإسرائيلي الانتقامي سيكون إجرامياً، لكن شكّك كثير من المحللين في أن تتجاهل "إسرائيل" أولوية إطلاق أسراها إلى هذا الحد، ليس بسبب أدبيّاتها الرفيعة بشأن حقوق الإنسان، وإنما نتيجة حساسيتها المفرطة للعامل البشري، والذي يشكل جوهر وجودها. فالتجاهل، بهذا الحجم، يعني أن تتعاظم شهية المستوطنين إلى المغادرة، وتتصاعد مؤشرات الهجرة العكسية، الأمر الذي يعمّق جوهر المشكلات الإسرائيلية، الذي لا يقل أهمية عن أزماتها في ميدان القتال. 
 
اليوم، بعد 37 يوماً على العدوان الهمجي، والذي ترك وراءه أكثر من 11 ألف شهيد، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، تقف "إسرائيل" أمام المرآة باحثة عن إجابة عن السؤال المرّ: "كيف نستعيد الأسرى؟"، وتجد نفسها أمام عدد من الخيارات، الممكنة، الخيالية وغير المعقولة:
 
1.  "عملية إنقاذ عسكرية": لا يمكن للعملية البرية أن تضمن للإسرائيلي إمكان الوصول إلى أماكن (وليس مكان) الأسرى.  حتى لو تمكنت قوات الاحتلال من الوصول إلى عدد من مداخل الأنفاق، فهي لا تحتمل مغامرة السير في شبكاتها المعقّدة والمتداخلة. ولو تمكنت من الوصول إلى مقربة من الأسرى "وهو أمر بعيد الاحتمال"، فلن تتمكن من استرجاعهم أحياء.
 
التجارب السابقة في التاريخ لا تشي بإمكان نجاح عمليات هوليوودية من هذا النوع، لا من خلال الحروب، ولا من خلال عمليات تؤديها "فرق متخصصة". لم يحدث ذلك بعد أسر شاليط في غزة عام 2006، ولا الجنديين الإسرائيليين قبيل حرب تموز/يوليو 2006، ولا "الضيوف المميزين" عند صدام حسين بداية التسعينيات، ولا الأسرى الأميركيين والكنديين في كوبا، والتي اضطرت واشنطنـ بسبب الحادثة، إلى وقف المساعدات العسكرية وإمدادات السلاح لنظام باتيستا، الذي حارب الثورة الكوبية، ولا أزمة الرهائن الدبلوماسيين في إبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران، عندما عجز كارتر وبريجينسكي عن تحريك أي عمل عسكري يعيد الدبلوماسيين.
 
مع كل تجارب التاريخ هذه، ما زال الإسرائيلي يحاول بيع الأوهام لجمهوره بشأن إمكان تحقيق عملية من هذا النوع، شراءً للوقت لا أكثر !
 
2. "استبدال شروط التبادل": صحيح أن الحرب الوحشية كانت تسعى لتحقيق هدف "إسرائيل" المعلن، والمتمثل بتدمير حماس، وصحيح أنها كانت تسعى لاستعادة صورة الهيبة المفقودة للإسرائيلي، إلّا أنها أيضاً تسعى لاستحداث شروط جديدة للتفاوض، أو استبدال شروط التبادل المتعارف عليها.
 
فبدلاً من صيغة تبييض السجون في مقابل إعادة الأسرى الإسرائيليين، تكون الصيغة إطلاق سراحهم في مقابل وقف القصف، وتحسين شروط الوضع الإنساني في غزة. هذه الفرضية، التي تعمل عليها "إسرائيل" اليوم، ويمكن القول إن الوضع الإنساني والقصف الجوي المستمر والمستشفيات والوقود هي المناظر الموضوعية لـ"ثغرة الدوفرسوار" في حرب أكتوبر.
 
فالشروط التفاوضية، التي فرضتها "إسرائيل" بعد هذه الثغرة، لم تكن كما قبلها. لكن استحداث شرط الوضع الإنساني يعمل بطريقة معاكسة للرغبات والطموحات الإسرائيلية، فكلما اشتدت الظروف أكثر على الغزّيين، تمسكوا أكثر برفض صيغة تبادل غير متكافئة. الغزيون الآن ينظرون إلى الأسرى ثمناً لآبائهم وأبنائهم الشهداء والمفقودين والمصابين، ولا يجوز التنازل عنهم بسهولة، أو بثمن أقل!
 
3. "تجاهل الأسرى كأولوية وورقة ضغط": ليس من السهل أن تخوض "إسرائيل" حربها، كأنها من دون أسرى، وكأن ورقة الضغط القاتلة غير موجودة هكذا ببساطة. مع كل تواطؤ منصات الإعلام والتواصل الاجتماعي لمصلحة الاحتلال، إلا أن العمل على تعزيز ضغط ورقة الأسرى ممكن، الأمر الذي يمكن إدراجه تحت عنوان "التكنولوجيا وصناعة الدراما".
 
فمشاركة فيديوهات للأسرى وهم يتحدثون، وتصويرهم قبل القصف وبعده، قبل الموت وبعده، قبل الإصابة وبعدها، عوامل تعزز الشقوق الداخلية الإسرائيلية، وتضغط على مراكز القرار في إدارة الحرب وتحرجها.
 
من جهة أخرى، يحاول الاحتلال التخفّف من أعباء عدد من الأسرى، وتوزيع حصص مطالبة المقاومة الفلسطينية بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة و"إسرائيل"، بحكم "ازدواجية الجنسية". من الممكن جداً أن تلجأ "إسرائيل"، بالتنسيق مع هذه الدول، إلى استصدار جوازات سفر للأسرى، وهو الأمر الذي لا بد من أن المقاومة تيقّظت له من خلال جرد معلوماتي دقيق للأسرى، بما في ذلك الجنسيات التي يحوزونها.
 
وفي ظل عدم إمكان التواصل مع الأسرى، فإن أي تضارب في المعلومات المعلنة بخصوصهم، بما في ذلك الجنسيات، يبرر للمقاومة استثناء وتحييد المعلومات المتناقضة، ومنها الجنسية.
 
الوضعية الميدانية والشروط الحالية تضع الاحتلال أمام الخيارين التقليديين جداً في أحداث مشابهة: "دفع الفدية" أو الذهاب إلى الحرب. ذهبت "إسرائيل" إلى حرب طاحنة ومتوحشة، وحتى هذه اللحظة تحاول تجنب "دفع الفدية" (تبييض السجون)، وهو الأمر الذي لا يعمل مع الفلسطينيين، ولا يمكن المحيد عنه، وتحديداً بعد هذا الإفراط، المصور عالمياً، في الإجرام. الرهان الإسرائيلي على التجريف والقتل ينفد، ولم يبقَ أمامه سوى خيارات "دبلوماسية الرهائن" بقيادة ويليام بيرنز، قبل بلينكين. هذا هو الخيار الوحيد والممكن، والذي يجنب "إسرائيل" خيار الحرب الشاملة!
 
وصلت الحرب، في كل آلامها ومتاعبها، إلى مرحلة متقدمة من جولات "عض الأصابع"، وعدّاد الصبر على الكفّتين يعمل بسرعة. "إسرائيل" تسابق الضغط الداخلي لإطلاق الأسرى، أحياءً قدر الإمكان، وتهرب إلى الامام من انقساماتها الداخلية، والتي أخذت استراحة موقتة من ساحات الاحتجاج على التعديلات القضائية، وتحاول التعامل مع الانقلاب في الرأي العام العالمي ضدها، بعد انتهاء صلاحية موجة الاستعطاف التي بثتها، وتحاول ضبط عمليتها العسكرية على نحو لا يجرّ المنطقة إلى حرب إقليمية، لا تريدها الولايات المتحدة، ولا تستطيع فيها تلبية كثير من الوعود.
 
وفي الكفة الثانية، تصبر المقاومة (المتمرسة في ميدان الصبر) على الوضع الإنساني، الأكثر من حرج، وعلى شحّ الوقود وانقطاع الماء والكهرباء. 
 
من يقول "آخ" أولاً سيعلن الخطوات الأولى لنهاية الحرب. الفم الإسرائيلي هو الأقرب دائماً، ليكون لسان حاله: "سئمنا الحلول الخيالية، دعونا نتبادل الأسرى"!
 
 
المصدر: الميادين