كُتّاب الموقع
هل اخافت القمة العربية المرتقبة اسرائيل؟

طوني خوري

الإثنين 13 تشرين الثاني 2023

منذ ايام، بدأت وتيرة الحدّية تتراجع نسبياً في المواقف السياسية وتمهّد للوصول الى هدنة (وليس وقف اطلاق نار كما يحلو للاسرائيليين والاميركيين التشديد عليه)، سمّيت بالانسانيّة فيما الواقع على الارض يظهر ان هذه الكلمة تمّ محوها من قاموس اللّغة المعتمدة لدى المسؤولين الاسرائيليين ومن يدعمهم. وكي لا نكرر المواقف والتصريحات التي تم اطلاقها، نتوقف عند ما تقوله قلّة قليلة جداً من ان القمة العربية التي تستضيفها السعودية الاحد قد نجحت في فرض هدنة في غزّة. لا اعلم ما اذا كان من يطلق مثل هذا الموقف مقتنع به ام انه يحاول اظهار حس المرح عنده، فاذا كان الوضع هو للسخرية، فلا حاجة الى التعقيب، اما في حال كان الوضع جدياً وهناك من يصدّق فعلاً مثل هذا الكلام، فإنّ المصيبة اكبر بكثير من مصيبة الكارثة في غزة.
 
ليس هناك من مخفي، فالمواقف واضحة على مدى اكثر من شهر على عملية "طوفان الاقصى" وتداعياتها، وطوال هذه الفترة لم تنجح اي دولة عربية في رفع السقف مع اسرائيل. طبعاً ليس المطلوب اطلاق النفير وفتح الحدود والدخول في حرب شاملة ضدها، فهذا امر من غير المنطقي القيام به، ولكن ألم يكن من الاجدر اتخاذ خطوات عملية قاسية تجبر تل أبيب والغرب على اعادة النظر بمواقفهم اقلّه في الموضوع الانساني؟ لو كانت الكلمات تقتل، لكان المسؤولون العرب ارتكبوا مجزرة بحق الاسرائيليين، لكن الكلمات لم تنفع لا في ردع اسرائيل عن اجرامها ولا في اعادة الحياة الى آلاف الاطفال والابرياء الفلسطينيين، لا بل زادت الامور تعقيداً مع الحديث عن ابقاء مسار التطبيع بين السعودية واسرائيل على قيد الحياة، وابقاء التواصل على حاله مع الدول الحديثة العهد في التطبيع، حتى ان كلاماً اثير عن مشاركة دول عربية في كسب الاموال على حساب الغزاويين وارواحهم. فما الذي يمكن انتظاره من القمة العربية؟ ما سيصدر لن يشكل مفاجأة لاحد، وهو سيكون مبنياً على الادانة والاستنكار من جهة، والدعم الكلامي والمواقف الرنانة من جهة ثانية، والطلب (وليس فرض) اسكات الآلة الاجرامية الاسرائيلية لفترة، ونفض الغبار عن المبادرة العربية للسلام ووضعها في مكان متقدم من البيان، مع طمأنة الفلسطينيين الى رغبة العرب في اعادة اعمار ما تهدم. هل ستتخذ الدول العربية خطوات جريئة تهدد بها مصالح الغرب والاسرائيليين؟ حتماً لا، ولكن لو كان الموضوع يتعلق بـ"تمرد" دولة عربية مهما كان اسمها، وطلب الاميركيون والغرب معاقبتها، لكانت الاجراءات انهالت عليها من كل حدب وصوب، ولشرب العرب كلهم حليب السباع واظهروا جبروتهم وسطوتهم على كل من تسوّل له نفسه من العرب "التمرد" عليهم، وبالاخص اذا كان هناك طلب غربي في هذا الشأن.
 
آن لنا جميعاً ان نعلم ان انياب العرب قد تم اقتلاعها منذ عقود، ولم يعد لمواقفهم اي تأثير، واجتماعاتهم لا تغدو اكثر من كونها لزوم ما لا يلزم، فهل يمكن القول بعد ذلك ان اسرائيل خافت من اجتماع العرب وسارعت الى ارضائهم عبر التوجه نحو هدنة انسانية؟ انها احلام بعيدة المنال، اذ ضمنت اسرائيل ان العرب، في غالبيتهم، اصبحوا في صفّها، وهي اصلاً لا تقيم لهم ايّ وزن أكان على الصعيد السياسي ام الدبلوماسي ام حتى العسكري، وما تفكر فيه هو كيفية مشاركتها الغرب سلب اموالهم ومقدار الحصة التي ستكون من نصيبها في هذا المجال.
 
من المضحك سماع البيانات والتعابير الصادرة عن المسؤولين العرب، وبالتحديد بحثهم الاوضاع والتطورات في غزة والاراضي الفلسطينية المحتلة، وكأنّهم يبحثون عن نفوذ ضائع وعن هيبة تم دفنها عميقاً بحيث بات من المستحيل ايجادها. لا احد يعوّل على القمة العربية، فلتبق الانظار مشدودة الى ما سيقرره الغرب مع ايران، والى الاوضاع الميدانية فقط.
 
 
المصدر: النشرة