كُتّاب الموقع
نقاط ضعف الصين في المحيط الهندي «كعب أخيل» في سيناريو حرب تايوان

الشرق الأوسط

الجمعة 15 كانون لأول 2023

في كل يوم، تبحر ما يقرب من 60 ناقلة نفط عملاقة محملة بالكامل بين الخليج العربي والمواني الصينية، وتحمل حوالي نصف النفط الذي يُغذي ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ومع دخول السفن بحر الصين الجنوبي، فإنها تبحر في المياه التي يسيطر عليها بشكل متزايد الجيش الصيني المتنامي، من بطاريات الصواريخ والمطارات في قواعدها على الجزر المتنازع عليها إلى مدمراتها الخفية من طراز 055، وفق تقرير مفصل لـ«رويترز».
 
ولكن عند عبور المحيط الهندي، وانضمام إليها ناقلات أخرى متجهة إلى الصين من أفريقيا والبرازيل، تفتقر هذه الناقلات إلى الحماية في مسرح بحري تهيمن عليه الولايات المتحدة.
 
يقول العشرات من الملحقين العسكريين والباحثين إن نقاط الضعف تخضع الآن للتدقيق، حيث يقوم الاستراتيجيون العسكريون والأكاديميون الغربيون بطرح سيناريوهات حول كيفية تطور أو تصاعد الصراع مع الصين بشأن تايوان، أو أي مكان آخر في شرق آسيا.
 
ناقلات النفط الصينية في خطر
 
قال الباحث الأمني في الجامعة الوطنية الأسترالية، ديفيد بروستر، إنه في حالة نشوب حرب كبرى، فإن ناقلات النفط الصينية في المحيط الهندي ستجد نفسها معرضة للخطر للغاية. وأضاف أن «السفن البحرية الصينية ستكون محاصرة فعلياً في المحيط الهندي... ولن يكون لها سوى دعم جوي ضئيل أو معدوم لأنه لا توجد قواعد أو منشآت خاصة بها يمكن (الصين) الاعتماد عليها».
 
وقال أربعة مبعوثين وثمانية محللين مطلعين على المناقشات في العواصم الغربية والآسيوية، بعضهم تحدث شرط عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع، إن هذا الضعف الدائم يمنح خصوم الصين سلماً من الخيارات التصعيدية، خاصة في صراع طويل مثل حرب روسيا على أوكرانيا.
 
وتتراوح هذه السيناريوهات بين عمليات المضايقة والاعتراض ضد السفن الصينية التي يمكن أن تحول مسار السفن البحرية الصينية إلى المنطقة، وصولاً إلى الحصار وما بعده.
 
وقال ثلاثة محللين إنه في حرب واسعة النطاق، ستكون الناقلات - القادرة على حمل مليوني برميل من النفط - بمثابة جوائز يمكن إغراقها أو الاستيلاء عليها، وهو ما يعكس العمليات البحرية في القرن الماضي التي استهدف فيها المقاتلون الموارد الاقتصادية لأعدائهم.
 
ومن الممكن استخدام هذه الخيارات لثني الصين عن اتخاذ أي إجراء، أو في وقت لاحق لرفع تكاليف غزو تايوان.
 
ويدرك الاستراتيجيون الصينيون المشكلة، لكن في النهاية سيتخذ الرئيس شي جينبينغ أي قرار بشن عمل عسكري، وفقاً لوثائق جيش التحرير الشعبي وضباط متقاعدين.
 
وأصدر شي تعليمات لجيش التحرير الشعبي بالاستعداد لغزو تايوان بحلول عام 2027، حسبما قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية ويليام بيرنز في فبراير (شباط) الماضي. وتزيد الصين من المناورات العسكرية قبل انتخابات الجزيرة في يناير (كانون الثاني) المقبل.
 
ومنذ توليه السلطة في عام 2013، شدد شي وغيره من قادة الحزب الشيوعي الصيني على أهمية وجود جيش حديث يمكنه إبراز قوته عالمياً وتأمين طرق التجارة الحيوية للصين.
 
لكن وسط مخاوف من نشوب صراع، قال بعض المحللين إن الصين ستكافح لحماية شرايين الحياة هذه حتى مع زيادة احتياجاتها من الطاقة، مما يجعل من الصعب الحفاظ على حرب طويلة الأمد على تايوان.
 
وتظهر البيانات الرسمية أن الصين استوردت 515.65 مليون طن من النفط الخام في 11 شهراً حتى نوفمبر (تشرين الثاني)، أو 11.27 مليون برميل يومياً، بزيادة سنوية قدرها 12.1 في المائة. ويقدر البنتاغون أن حوالي 62 في المائة من نفط الصين و17 في المائة من وارداتها من الغاز الطبيعي تمر عبر مضيق ملقا وبحر الصين الجنوبي، وهما المدخلان الرئيسيان للمحيط الهندي.
 
هذا وتتجه الصين إلى تنويع الإمدادات، حيث تمثل ثلاثة خطوط أنابيب من روسيا وميانمار وكازاخستان حوالي 10 في المائة من وارداتها من النفط الخام في عام 2022، وفقاً لبيانات الجمارك ووسائل الإعلام الحكومية. كما دفعت العقوبات الغربية على موسكو بعد غزوها لأوكرانيا الصين إلى تخزين مزيد من النفط الرخيص من روسيا، أكبر مورد لها.
 
الصين ضعيفة في المحيط الهندي
 
تمتلك الصين شبكة واسعة من الأقمار الصناعية العسكرية، لكنها لا تملك سوى قاعدة عسكرية واحدة مخصصة، ولا يوجد لديها غطاء جوي من الأرض أو البحر لعمليات الانتشار البحرية في المحيط الهندي.
 
وفي تقريره السنوي الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) عن الجيش الصيني، أدرج البنتاغون 11 قاعدة صينية محتملة على أطراف المحيط، بما في ذلك باكستان وتنزانيا وسريلانكا. وتعكس هذه المواقع التواصل الدبلوماسي والتجاري الصيني في إطار مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها شي.
 
لكنّ الملحقين ودبلوماسيا آسيويا قالوا إن هذه لم تظهر بوصفها أصولا عسكرية صلبة، مع عدم وجود دائم لجيش التحرير الشعبي الصيني ولا ضمانات معروفة علناً للوصول في الصراع.
 
ويشير تقرير البنتاغون، باللغة المستخدمة لأول مرة هذا العام، إلى أن الصين لا تزال تتمتع بقدرة ضئيلة على استعراض القوة في المحيط الهندي.
 
وافتتحت القاعدة الخارجية الأولية للصين في جيبوتي، على الطرف الغربي للمحيط، في عام 2017 وتستضيف 400 من مشاة البحرية، مما يعكس التوجه الصيني. لكن القاعدة لا يوجد بها مطار وتحيط بها منشآت عسكرية لسبع دول أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. ولا يزال الوجود الأميركي في المحيط الهندي في تناقض صارخ، مما يعكس تراكم الحرب الباردة.
 
ويقع مقر الأسطول الأميركي الخامس في البحرين بينما يعمل الأسطول السابع الذي يتخذ من اليابان مقراَ له من دييغو جارسيا، وهي جزيرة مرجانية تديرها المملكة المتحدة مع مدارج للقاذفات بعيدة المدى وبحيرة تم تكييفها لإيواء حاملات الطائرات الأميركية.
 
وفي الشرق، تعمل أستراليا على زيادة دورياتها باستخدام طائراتها من طراز «إف - 8 بوسيدون» لصيد الغواصات، كما تعمل على توسيع قاعدة الساحل الغربي للغواصات البريطانية والأميركية التي تعمل بالطاقة النووية، وفي نهاية المطاف، للقوارب الأسترالية التي تعمل بالطاقة النووية.
 
سعي لتعزيز الوجود العسكري
 
قال العقيد الكبير المتقاعد في جيش التحرير الشعبي الصيني والزميل الأمني في جامعة تسينغهوا في بكين، تشو بو، إنه على علم بالمناقشات الخارجية حول نقاط الضعف في الصين، لكن السيناريوهات كانت افتراضية.
 
وأشار إلى أنه في حال اشتبكت الصين والغرب عسكرياً في المحيط الهندي، فإن مثل هذا الصراع بطبيعته سيكون «غير قابل للسيطرة تقريباً» من حيث الحجم والموقع. وقال: «في هذه المرحلة هي حرب كبرى تشمل الكثير من الدول». ومع ذلك، فإن الصين ستوسع تدريجياً عمليات الانتشار وتستند إلى الخيارات لتعزيز موقفها.
 
ويقول ملحقون عسكريون ومحللون يتتبعون عمليات الانتشار في المحيط إن الصين تحتفظ عموماً بأربع أو خمس سفن مراقبة وعدد مماثل من السفن الحربية وغواصة هجومية في أي وقت. لكن الصين لم تختبر بعد أقوى أصولها فيه، حسبما قال محلل استخباراتي غربي سابق.
 
ويتوقع بعض المحللين أن يتغير ذلك، خاصة وأن وثائق جيش التحرير الشعبي تؤكد أهمية دوريات القرصنة في حماية خطوط إمداد المحيط الهندي. يمكن للصين توسيع دورياتها إذا مارست «الدول المهيمنة» السيطرة على طرق العبور الحيوية، وفقاً لعلم الاستراتيجية العسكرية لعام 2020، وهي ورقة رسمية تحدد الأولويات الاستراتيجية للصين.
 
وبينما تحتفظ البحرية الصينية بغواصاتها الصاروخية الباليستية المسلحة نوويا بالقرب من قاعدتها في جزيرة هاينان، من المتوقع أن تتراوح غواصاتها الهجومية على نطاق أوسع مع تحسينها، وهو تحد للولايات المتحدة.
 
وقال الأدميرال الأميركي المتقاعد مايكل ماكديفيت، الذي توقع في كتاب صدر عام 2020 وجوداً عسكرياً صينياً كبيراً في نهاية المطاف لحماية الممرات البحرية في المحيط الهندي: «يمكننا أن نرى أنهم يتوخون الحذر، وبالتأكيد أكثر حذرا مما كان متوقعاً».
 
وأضاف «لا أقول إنهم لن يصلوا إلى هناك، لكن يبدو أنهم غير مرتاحين بعد، خاصة مع حاملات طائراتهم، وسيكون توسيع الغطاء الجوي أمراً حيوياً بالنسبة لهم في الصراع».
 
في مواجهة حصار شحنات الطاقة
 
يقول بعض المحللين إنه حتى لو لم تتمكن الصين من تحقيق الهيمنة، فإن بعض العوامل قد تكون في صالحها. ومن الصعب تنفيذ الحصار نظرا لسيولة التجارة، حيث يتم تداول النفط في بعض الأحيان في الطريق.
 
وسيكون تتبع الشحنات ومراقبتها مهمة ضخمة، حيث ستحتاج العمليات ضد الصين إلى تأمين الشحنات إلى وجهات مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.
 
وقال بروستر: «لا يمكنك الإفلات من حظر شحنات خصمك والسماح لشحناتك بالاستمرار».
 
ويواصل المؤرخون مناقشة فاعلية الحصار ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى واليابان في الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، تعلمت الصين بعض الدروس. ولديها نحو 60 يوما من الاحتياطيات الاستراتيجية والتجارية من النفط الخام، وفقاً لشركتي التحليلات «فورتيكسا» و«كبلر». ويتم تخزين احتياطاتها النفطية جزئياً تحت الأرض ولا يمكن تتبعها بواسطة الأقمار الاصطناعية. ولديها فائض قليل من الغاز الطبيعي ولكنها تسحب كميات متزايدة من خطوط الأنابيب عبر روسيا وآسيا الوسطى وميانمار.
 
هذا وتتمتع الصين بالاكتفاء الذاتي إلى حد كبير في إنتاج القمح والأرز، وتحتفظ بمخزونات كبيرة من كليهما، على الرغم من أن الكميات تظل سراً من أسرار الدولة.
 
وفي عام 2022، طلبت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية في واشنطن من البنتاغون إعداد تقرير سري حول المتطلبات العسكرية للحصار المفروض على شحنات الطاقة الصينية، وهي تفاصيل لم يتم الإبلاغ عنها سابقاً.
 
وقالت اللجنة: «يجب أن ينظر التقرير أيضاً في مدى قدرة الصين على تلبية احتياجاتها من الطاقة خلال أزمة أو صراع من خلال المخزونات وتقنين الإمدادات والاعتماد على الشحنات البرية».