كُتّاب الموقع
لا نفط في لبنان بعد سنة من المفاوضات.. هل خدعت “إسرائيل” حزب الله؟

هانم جمعة

الخميس 7 كانون لأول 2023

لم يدخل لبنان النادي النفطي بعد، رغم وجود أبحاث وحفريات قديمة العهد تثبت امتلاكه النفط والغاز، وقد أكّدت آخر الدراسات أن بحر لبنان يعوم على غاز يفوق 122 تريليون قدم مكعب، و30 إلى 40 بليون برميل من النفط الخام.
 
لكن يقابل لبنان الكثير من العقبات لاستخراج كنوزه، منها أسباب مالية لوجستية وأخرى بسبب أطماع “إسرائيل” بموارده، كما يراهن لبنان على الدور الذي يمكن أن تلعبه إيرادات حقول النفط والغاز، المنتظر اكتشافها في المياه الإقليمية اللبنانية، في إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها منذ 4 سنوات.
 
يعوَّل على الغاز اللبناني المنتظر، ليكون مصدرًا آمنًا للطاقة، كونه أقل ضررًا للبيئة وأدنى ثمنًا من النفط، وقد يساهم هذا الغاز في معالجة مشكلة النقص في الكهرباء، كما سيلعب دورًا في دعم نمو الاقتصاد اللبناني، والطلب الإجمالي على الطاقة واحتمال وجود موارد هيدروكربونية يشيران إلى إمكانية تأمين حاجة لبنان من الطاقة للسنوات القادمة.
 
أحلام كثيرة ذهبت أدراج الرياح بسبب نتائج التنقيب، ففي خضمّ ذلك دخل لبنان مفاوضات طويلة مع “إسرائيل” عام 2020 بوساطة أمريكية، وبعد مرور سنتين وانتهاء المفاوضات وتقسيم الحقول، ها هي “إسرائيل” تصدّر الغاز إلى أوروبا وتقبض ثمنه، بل تعتبَر من أكبر المصدّرين في منطقة حوض البحر المتوسط.
 
في المقابل، صُدم لبنان بعدم خروج أي نوع من الموارد، ليدور في الأروقة أحاديث عن تعرُّض لبنان لخديعة أمريكية-إسرائيلية، خشية منافسة “إسرائيل” في المنطقة، وبطلها شركة توتال إنرجيز المسؤولة عن استخراج النفط.
 
في المقابل لم يفلح “حزب الله” في قيادة المفاوضات لصالح لبنان بل وقع ضحية، وخرج خاسرًا هو ولبنان من المفاوضات التي لم ينتج عنها برميل نفط أو غاز واحد.
 
حقول لبنان النفطية 
 
 
للبنان باع قديم في عمليات حفر الآبار، لكنه لم يفلح لحدّ الآن في استخراج أي مصدر للطاقة، ويبقى السبب مجهولًا، ففي 10 أغسطس/ آب 1955 حصلت شركة ‏الزيوت اللبنانية على أول امتياز لتطوير الآبار واستخراج البترول، بعدها تم حفر 5 آبار في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية، بلغت كلفتها مع ‏الأبحاث حوالي 5 ملايين دولار.
 
وهذه الآبار هي ‏‏بئر يحمر في البقاع، بدأت أعمال الحفر فيه عام 1956، وظهرت فيها ‏تسربات أسفلتية وبوادر للغاز، لكن تم ردمها من دون معرفة السبب؛ ثم بئر القاع في البقاع بدأ حفره عام ‏‏1960، ورُدم دون معرفة السبب أيضًا، وذلك بعدما اخترق الحفر رواسب أسفلتية وعُثر على كميات من الغاز والنفط.
 
هناك أيضًا بئر عدلون قرب صيدا، بدأ حفره في نوفمبر/ ‏تشرين الثاني 1960 ورُدم في فبراير/ شباط 1961، وفي حين تقول مصادر إن الخزّانات بدت مشبعة بالماء، أشارت أخرى إلى وجود غاز فيها. 
 
‏وبئر سحمر في البقاع بدأ حفره في يونيو/ حزيران 1963 ورُدم ‏في أغسطس/ آب بلا سبب وجيه؛ وهناك بئر تل ذنوب في جنوب البقاع الأوسط، بدأ حفره في سبتمبر/ أيلول 1963 ورُدم في ديسمبر/ كانون الأول، ولم يقابل الحفر أي دلائل بترولية أو ‏غازية.
 
كل الآبار التي عوّل عليها اللبنانيون كانت فارغة بحسب الشركة، وتحوم الشكوك حول وجود مؤامرة أو ربما قرار دولي بعدم استخراج لبنان لأي موارد. ‏
 
هذا على اليابسة، أما في البحر وفي العهد الحديث، تحديدًا في الفترة الممتدة بين عامَي 2009 و2010، اُكتشف حقلا تمار وليفياثان للغاز الطبيعي في المياه البحرية الإسرائيلية، وبين عامَي 2011 و2013 عُثر على المزيد من الحقول في المياه العميقة، بما في ذلك حقلا كاريش وتانين القريبان جدًّا من لبنان. 
 
إن القرب الجغرافي بين لبنان و”إسرائيل” يزيد من ثقة الخبراء والمحللين في وجود حقول مماثلة في المياه اللبنانية، فإن حقلي كاريش وتانين يبعدان بضعة أميال عن المياه الإقليمية اللبنانية، وتقدَّر احتياطاتهما بـ 2.35 تريليون قدم مكعب من الغاز، و33 مليون برميل من سوائل الهيدروكربونات الخفيفة.
 
وتتضمّن المياه البحرية اللبنانية 10 رقع أو بلوكات تعرَض للمزايدة تباعًا، من خلال دورات تراخيص تنظمها الدولة اللبنانية، حيث إن استخراج الغاز الإسرائيلي وتصديره بسهولة وقربه من المياه اللبنانية، دفع لبنان إلى دخول مفاوضات جدّية مع “إسرائيل” رغم العداوة، لترسيم الحدود وحلّ الخلاف حول حقل كاريش الذي يدخل جزء منه في المياه اللبنانية، وحقل قانا في بلوك 9 الذي تنوي “إسرائيل” الاستفادة منه.
 
تم حفر في وقت سابق أيضًا بلوك 4 المتواجد في مياه الشمال اللبناني، بعد أن أثبتت الدراسات وجود الغاز فيه، لكن توتال خيّبت آمال اللبنانيين، وصرحت بعدم وجود أي موارد، لينتهي الحفر في البئر عام 2020 دون وجود أي علامات للغاز. 
 
مفاوضات لبنان و”إسرائيل” حول حقل كاريش-قانا بلوك 9 
 
 
بما أن البحر الأبيض المتوسط شبه مغلق، فإن المادة 123 من الجزء التاسع من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تنص على “أنه على الدول في هذه المنطقة الالتزام بالتعاون عند مواجهة أي خلاف”، لكن في المقابل لبنان لا يعترف بـ”دولة إسرائيل”، بل هو في حالة حرب مستمرة معها، ما أدى إلى مواجة صعوبات في التعاون والتنقيب وحل الأزمة بطريقة ودّية، كما أيضًا يُمنع بطبيعة الحال اعتماد إجراءات قانونية بموجب القانون الدولي كالمفاوضات المباشرة بين الدولتَين.
 
دخلت أمريكا على الخط، وبدأت هي المفاوضات كطرف أو وسيط عام 2020، حيث بدأت عملية ترسيم الحدود والتي استمرت عامَين، وصلت بعدها لبنان و”إسرائيل” إلى اتفاق حول حقل كاريش وقانا، وبموجب الاتفاق الجديد يصبح حقل كاريش بالكامل للجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان كامل حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفَين. 
 
وأوضح مسؤول إسرائيلي أن رسومًا ستُدفع لـ”إسرائيل” مقابل أي غاز يستخرَج من الجانب الإسرائيلي لحقل قانا، فيما أكد مسؤولون لبنانيون أن شركتَي التنقيب ستدفعان هذه الرسوم.
 
من جهتها، ستشكّل الرقعة رقم 9 حيث يقع حقل قانا، منطقة رئيسية للتنقيب من قبل شركتَي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية، اللتين حصلتا عام 2018 على تراخيص التنقيب.
 
ويقع جزء من حقل كاريش ضمن المياه الحدودية اللبنانية بحسب خريطة لبنان، ويعتقد أن هناك اتفاقًا أُجري من تحت الطاولة تنازل خلاله “حزب الله” عن هذه المنطقة، مقابل امتيازات يحصل عليها الحزب من أرباح حقل قانا وتكون الأولوية له ولجمهوره والعاملين معه، هذا في حال خروج الغاز الذي اعتقد الكثير أنه سيخرج بعد أسابيع من التنقيب، فهل تمّ خداع “حزب الله” من قبل “إسرائيل”؟
 
لم يخرج النفط حتى الآن
 
 
بدأت شركات النفط الموكلة أعمال الحفر الاستكشافية في البلوك 9 في 24 أغسطس/ آب 2023، ويقع البلوك 9 في بحر لبنان الجنوبي على الحدود مع “إسرائيل”، وقد بدأت أعمال الحفر في هذه الرقعة كنتيجة لاتفاق ترسيم الحدود الذي تمّ إبرامه بين لبنان و”إسرائيل” في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد مفاوضات شاقة كادت أن تشعل حربًا.
 
ويسمّى أيضًا بلوك 9 بحقل قانا، حيث سُمّي عمدًا على اسم القرية المواجهة له على اليابسة: قانا، والتي ارتكبت فيها “إسرائيل” عدة مجازر بحقّ الأطفال والنساء، أبرزها عام 1996 في عملية “عناقيد الغضب” الشهيرة، والتي راح ضحيتها أكثر من 106 شهداء من المدنيين.
 
وبعد عمليات الحفر والتنقيب، خرجت شركة توتال لتقول: “لا غاز في حقل قانا”، صادمة الشارع اللبناني وضاربة بأحلامه عرض الحائط، وعدم وجود ثروة نفطية في البلوك 9 يعدّ ثاني خيبة أمل تصيب اللبنانيين، لناحية إمكانية تحول بلدهم إلى دولة منتجة للنفط، بعد أن أظهرت أعمال الحفر الاستكشافية في البلوك 4 الواقع في بحر شمال لبنان، عدم وجود مكمن للغاز بكميات تجارية كافية.
 
إذًا لا نفط في لبنان لحدّ الآن، لا من برّه ولا من بحره، فالنتائج كلها جاءت بعكس المسوحات والدراسات التي أكدت وجوده، وتحوم الكثير من الشكوك حول مصداقية شركة توتال، لكن العقود المبرمة ما زالت سارية.
 
وأصبح مستقبل اكتشافات النفط والغاز في لبنان على المحك بعد النتائج المخيبة للآمال، لكن هناك بصيص أمل أكّده عدد من الخبراء اللبنانيين في تصريحات جديدة، أنه رغم فشل جولة التراخيص الأولى بالمربعَين 4 و9 في التوصُّل إلى نتائج إيجابية للحفر، فإنه لا يزال هناك أمل ينتظر استكشافات المربعَين 8 و10.
 
 
 
المصدر: نون بوست