كُتّاب الموقع
الاتفاق النووي الإيراني والنموذج الكوري

سركيس أبوزيد

الأربعاء 20 حزيران 2018

 اكتسب لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي عُقد مؤخراً في سنغافورة، صفة “قمة تاريخية” معيدا الى الأذهان قمة تاريخية مماثلة عُقدت عام 1988 بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان والرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف لمناقشة تقليص الأسلحة النووية. أطلق هذا اللقاء عملية تفاوضية صعبة ومعقدة بشأن الترسانة النووية لكوريا الشمالية للوصول الى اتفاق شامل ونزع الأسلحة النووية مقابل سحب القوات الأميركية من شبه الجزيرة الكورية، وتقديم ضمانات مالية واستثمارية لكوريا الشمالية.

تراقب إيران بحذر مدى نجاح هذا اللقاء وصورة انعكاس “الاتفاق النووي” الجديد الأميركي ـ الكوري على “اتفاقها النووي” المعلّق. لذلك عملت طهران على تحذير كوريا الشمالية بدعوتها الى اليقظة الكاملة والتعلم من التعامل غير المنطقي وغير المسؤول لترامب مع إيران .

كذلك فعل أيضاً بوتين حين بعث بوزير خارجيته سيرغي لافروف إلى بيونغ يانغ، وهي أشبه برسالة إلى المعنيين في الإدارة الأميركية ومفادها أن روسيا يمكنها أن تؤدي دوراً في القضية الكورية. وحرص الزعيم الروسي على لقاء قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، عشية قمة سنغافورة. حيث تجمع البلدين مصلحة مشتركة في الوقوف معاً لانتزاع موقع ندي لواشنطن في إدارة شؤون العالم. وفي حين تقيم الصين على أبواب حرب تجارية مع الولايات المتحدة، تخوض روسيا مواجهة مع الأخيرة تبدأ في أوكرانيا ولا تنتهي في سوريا.

أما “إسرائيل” فقد تصرفت كما لو أنها طرف مباشر معني بنتائج قمة سنغافورة بين ترامب وكيم. وهو ما برز في مواقف مسؤوليها الذين رحّبوا بالتفاهم الذي تم الإعلان عنه. فقدرات وعلاقات كوريا الشمالية، تشكل مصدر قلق في تل أبيب. يعود ذلك إلى كونها تتمتع بعلاقات تبادلية مع طهران ودمشق، وبالتالي فإن خضوعها التام لمعادلة “الضمانات مقابل نزع الأسلحة النووية”، قد ينعكس إيجابا من منظور إسرائيلي في ساحات أخرى. من هنا، تأمل تل أبيب من أن يدفع الاتفاق وتنفيذه، طهران إلى تغيير قناعاتها والقبول بالعودة إلى طاولة المفاوضات لبحث اتفاق نووي جديد، على أسس مغايرة لتلك التي تم الارتكاز عليها في اتفاق عام 2015.


في المقابل كشفت مصادر أمنية في تل أبيب عن مصادقة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خطة واسعة لتعزيز قدرات “إسرائيل “وجيشها، والتي ستشمل زيادة عدد الوحدات العسكرية الأميركية في “إسرائيل” وتوسيعها بشكل منتظم، وزيادة قدرة “إسرائيل” الدفاعية لتفوق الصواريخ الباليستية الإيرانية. وتزويد واشنطن سلاح الجو الإسرائيلي بعدد كبير من طائرات “بوينغ 46 KC للتزود بالوقود، التي ستمكن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي من العمل لفترة أطول وأكثر مرونة، مع الأهداف التي تقع على مسافات بعيدة من” إسرائيل”.

أما خليجياً، فقد رأت مصادر أن وضع إيران بالنسبة إلى ترامب مختلف عن وضع كوريا الشمالية، إذ إن إيران تتمتع بالنفوذ في منطقة الشرق الأوسط وتهدد أمن دول أساسية في حلفها مع واشنطن منها” إسرائيل” والسعودية.

من جهة اخرى “هناك تعويل كبير في إيران على تباين بين الموقفين الأميركي والأوروبي، وعلى الأوروبيين أن يكونوا أكثر وضوحا، إذ أن الخلاف مع واشنطن ليس من مصلحتهم”. فالموقف الفرنسي من الملف الإيراني يتسم “بالثنائية”، فمن جهة قلق فرنسي من التهديدات التي تشكلها إيران بالنسبة لأمن المنطقة، ومن جهة اخرى لم يتغير موقف فرنسا من الرغبة في المحافظة على الاتفاق النووي المبرم مع ايران في عام 2015 .

لكن، أوروبا تتحدث عن “خرق خطأ” إيراني بسبب ما بدرعن طهران مؤخراً لجهة عزمها على زيادة قدراتها التخصيبية لليورانيوم، في حال فشلت العواصم الأوروبية الثلاث، باريس ولندن وبرلين، في تقديم الضمانات الاقتصادية والقانونية التي تطالب بها طهران للاستمرار داخل الاتفاق. وهذا ما دفع الأوروبيين منذ اللحظات الأولى على حث طهران على الامتناع عن أي تصرف يمكن أن يفسر على أنه انتهاك لالتزامات طهران في موضوع التخصيب .

لكن السؤال هنا، هل يمكن للنموذج الكوري الشمالي أن يتكرر مع إيران ويطبّق عليها؟!

يمكن هنا، إيراد لائحة طويلة من التساؤلات عن دوافع مرونة ترامب في التعامل مع النووي الكوري. لكن الاعتبار الرئيسي لتلك المرونة هو التفرغ مرة ثانية للاستدارة نحو الشرق الأوسط، لا سيما إيران، مع العودة المظفرة لقطب المحافظين الجدد جون بولتون وتسلمه الامن القومي لرئيس من دون بوصلة.

فترامب سلم الفريق الصهيوني قيادة السياسة الخارجية، ويتفق معه أن الشرق الأوسط هو البطن الرخو للنظام الدولي، ويمكن تحقيق إنجازات واختراقات كبيرة فيه، خصوصاً مع انهيار النظام الاقليمي العربي. كما يتفق معه أن المواجهة مع إيران، المحاطة بحلفاء واشنطن في الخليج، أسهل من المواجهة مع كوريا الشمالية التي يلوح شبح الصين خلفها في أيّ خيار يتجاوز خيار سنغافورة. ولذلك تعمل إدارة ترامب للسيطرة الكاملة على الشرق الأوسط كمدخل لترسيخ السيطرة على العالم. لكن هذه الاطماع تواجهها توازنات دولية جديدة وصعود المقاومة وانتشارها ضد الاستكبار .

 



(ان كافة الآراءَ الواردة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع)