كُتّاب الموقع
ذكرى الغزو العراقي للكويت: المنطقة المتغيّرة وأحوالها!

رامي الرّيس

الثلاثاء 8 آب 2023

فجر الثاني من آب 1990 غزت قوات الجيش العراقي الكويت، وفي غضون ساعات قليلة كانت أحكمت السيطرة على الإمارة الصغيرة وأحدثت تحوّلاً كبيراً في موازين القوى في الشرق الأوسط، بقيت مفاعيله تتردّد حتى يومنا هذا.
 
لم تفلح الجهود العربيّة والدوليّة في ثني صدام حسين عن قراره الاستمرار باحتلال الكويت، لا بل عمد إلى ضمّها إلى العراق معتبراً إياها محافظة من محافظات بلاده، وأنه بهذه الخطوة استعاد حقوقاً تاريخيّة وأرضاً مسلوبة. وأتت هذه الخطوة المفاجئة بعد نحو عامين من انتهاء الحرب العراقيّة - الإيرانيّة (1980- 1988) التي أدت إلى خسائر بشريّة واقتصاديّة هائلة ولم يتمكّن أي طرف من هزيمة الطرف الآخر وثبت مرّة أخرى أن الشعوب دائماً هي التي تدفع الثمن.
 
وبمعزل عن تلك الرواية الشهيرة التي نُشرت عن الاجتماع الهام الذي جمع صدام حسين بالسفيرة الأميركيّة في بغداد يومذاك أبريل غلاسبي وأنها أشارت اليه بشكل أو بآخر إلى أن واشنطن غير معنيّة بالخلاف مع الكويت وإلى أن المسألة عربية داخليّة، فإنّ كلّ الخطوات التي تلت كانت مدمّرة للمنطقة بأكملها وللعراق بالدرجة الأولى.
 
لقد منح صدام حسين الذريعة لواشنطن للانقضاض عليه بعد أن كانت مهدت على مدى سنوات بأنه يبني أحد أقوى الجيوش في العالم وأن القدرات العسكريّة العراقيّة قد بلغت مرحلة متقدّمة وهو ما يُشكّل تهديداً للمصالح الاستراتيجيّة الأميركيّة في المنطقة ولمصالح حليفتها التاريخية إسرائيل، التي سبق لها أن دمّرت المفاعل النووي العراقي الذي كان يبعد نحو 17 كلم عن العاصمة بغداد وحصل ذلك في عمليّة «أوبرا» في العام 1981.
 
المحطتان البارزتان في مسار قراءة موازين القوى الإقليميّة كانتا إتفاقيّة كامب دايفيد سنة 1977 التي خرجت بموجبها مصر من الصراع العربي - الإسرائيلي (ولو أن شعبها المقاوم يرفض التطبيع لغاية اليوم)، وحرب الخليج الثانية التي فتحت أبواب المنطقة للدخول العسكري الغربي المباشر للمرّة الأولى منذ أن تحرّرت دول المنطقة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي عقب انتهاء الحرب العالميّة الثانية.
 
لقد شكلت الاتفاقيّة المصريّة - الإسرائيليّة التي عقدها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، منعطفاً هاماً وكبيراً في مجريات الصراع الإقليمي لما تُمثله مصر من وزن وثقل سياسي في المنطقة، كما أدّت إلى إحداث اهتزاز كبير في العلاقات العربيّة - العربيّة حيث صدرت القرارات الشهيرة بإخراج مصر من الجامعة العربيّة وعزلها وتعليق عضويّتها فيها، واستمرّ هذا الوضع على ما هو عليه لغاية ما بعد الغزو العراقي للكويت.
 
لطالما كان محور بغداد - القاهرة - دمشق يتعرّض للكثير من الهبوط والصعود في العلاقات السياسية والاقتصادية. وأدّى إنقسام البعث إلى عداوة كبيرة بين النظامين السوري والعراقي، ولم تعد الخلفيّة العقائديّة تجمعهما، بل على العكس إختارت دمشق التحالف مع طهران المنغمسة في حرب ضد العراق وصمد هذا التحالف طويلاً حتى إلى ما بعد رحيل الرئيس السوري حافظ الأسد في العام 2000.
 
إن استذكار هذه المحطات التاريخيّة إنما يُنعش الذاكرة ويتيح لها مقارنة أكثر وضوحاً مع الواقع المختلف تماماً عمّا هو اليوم، لا سيّما لناحية التطبيع الذي تقوم به بعض الدول بمعزل عن التطورات الشديدة السلبيّة التي تشهدها القضيّة الفلسطينيّة على ضوء تقدّم اليمين الصهيوني المتطرف الذي وصلت بعض الأصوات فيه للمطالبة بمحو قرى عن بكرة أبيها، فعكست بذلك جانباً من سياساته اليمينية المتعجرفة التي لا تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني لا بل تسعى إلى إبادته.
 
المنطقة تغيّرت كثيراً منذ غزو العراق للكويت سنة 1990، ولكن أليست السياسة متغيّرة دائماً؟
 
 
 
المصدر: نداء الوطن