كُتّاب الموقع
الرئاسة "مؤجَّلة" إلى أيلول... أيّ حظوظ لـ"مشاورات" لودريان المنتظرة؟

النشرة

الأربعاء 2 آب 2023

لم تحظَ زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان الثانية إلى بيروت بـ"الطنّة والرنّة" اللتين رافقتا زيارته "الاستطلاعية" الأولى، ولا حتى بالاهتمام الإعلامي اللازم، بعدما خطف استحقاق "حاكميّة مصرف لبنان" الداهم الأضواء منها، على وقع تكهّناتٍ بالجملة حول "سيناريوهات" ما بعد انتهاء ولاية رياض سلامة، التي لا يبدو أنّ معالمها ستتبلور بشكل كامل ونهائي، قبل مغادرة الأخير فعليًا لمنصبه.
 
وإذا كان هذا الاستحقاق "همّش" زيارة لودريان إلى حدّ بعيد، فإنّ هناك من يعتقد أنّ بعض القوى السياسية أسهمت في ذلك، بـ"فتور" استبقت فيه وصول الموفد الرئاسي الفرنسي، الذي اعتبر كثيرون لقاءاته في بيروت "لزوم ما لا يلزم"، بعد اجتماع المجموعة الخماسية بشأن لبنان الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، والذي اعتبر كثيرون أنّه أفرغ مهمّته من مضمونه، بعدما نعى ما عُرِفت بالمبادرة الفرنسية، بل أغلق الباب على الحوار.
 
لكن يبدو أنّ "المكتوب لم يُقرَأ من عنوانه"، إذ يبدو أنّ من اختاروا التعامل بـ"برودة" مع زيارة لودريان، عادوا ليستبشروا خيرًا بـ"الجديد" الذي حملته، أو ما وصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري بـ"الكوة التي فتحت في جدار" الملف الرئاسي، والتي تبيّن أنّ قوامها "مشاورات"، يبدو أنّها "الاسم الحركي" للحوار المرفوض، ولكن بصيغة جديدة قد تكون أكثر قبولاً، بحيث تكون "سريعة ومحدّدة"، وبالتالي محصورة، على أن تليها "جلسات انتخابية متتالية".
 
وفي حين يُنتظَر موقف قوى المعارضة من الطرح المستجدّ وما إذا كانت ستتجاوب مع "المبادرة الفرنسية" بصيغتها المستجدّة، إن جاز التعبير، ثمّة أكثر من مفارقة يتوقّف عندها البعض، لعلّ أهمّها تأجيل "المشاورات" إلى أيلول المقبل، فهل يعني ذلك أنّ الفرنسيين يعطون المسؤولين اللبنانيين "إجازة" في شهر آب، فيما يقترب الفراغ الرئاسي من "سنويته الأولى"؟ وهل من "حظوظ حقيقية" للمبادرة، التي وصفتها بعض الأوساط بـ"الفرصة الأخيرة"؟!.
 
يعتقد العارفون أنّ مبادرة "المشاورات"، أو "اجتماع العمل" كما يحلو للفرنسيّين تسميتها، قد تنجح حيث فشل الحوار، ليس بالضرورة بمعنى الوصول فعليًا إلى "الخاتمة السعيدة" المنتظرة عبر انتخاب رئيس، ولكن بالحدّ الأدنى عبر جمع "المتخاصمين"، سواء على طاولة واحدة، أو وفقًا للآلية التي سيرسو عليها الفرنسيّون في نهاية المطاف، بعيدا عن "الطابع التقليدي" للحوارات، التي يشكو الكثيرون من أنّ مقرّراتها بقيت حبرًا على ورق.
 
بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ "مشاورات لودريان" تحمل بين طيّاتها العديد من "مقوّمات النجاح"، قد يكون من بينها تجنّب الرجل استخدام كلمة "حوار" في توصيفها، ولو كان الجميع يدركون في قرارة أنفسهم أنّها ليست أكثر من "صيغة جديدة" للحوار، ولو أنّها صيغة "منقّحة"، إن جاز التعبير، علمًا أنّ هذه الصيغة تراعي "هواجس" البعض عبر اشتراط أن تكون المشاورات "سريعة ومحدّدة"، ما يعني منع "توسّعها" لحدّ البحث بتركيبة النظام مثلاً.
 
ويشير العارفون إلى نقطة أخرى في متن المبادرة قد تجعلها أكثر "متانة" من الحوار بمعناه التقليدي، باعتبار أنّها شكّلت "خلطة" بين طلبات الفريقين المتنازعين، فهي انطلقت من فكرة "التحاور" الذي يركّز عليها "حزب الله" وحلفاؤه، من أجل التفاهم، وبلا شروط مسبقة، لكنّها أقرنتها بفكرة "الجلسات الانتخابية المتتالية" التي ينادي بها خصوم الحزب، سواء حصل الاتفاق بنتيجة المشاورات، أم لم يحصل، ولو أنّ البعض قد يسأل عن "ضمانات" في هذا الإطار.
 
ويبقى الأهمّ، وفقًا للعارفين، في الطرح الفرنسيّ المستجدّ، ليس فقط أنّه يُخرِج من التداول ما سُمّيت بـ"المبادرة الفرنسية" سابقًا، والقائمة على "مقايضة" بين انتخاب سليمان فرنجية رئيسًا وتسمية مرشح محسوب على "14 آذار" رئيسًا للحكومة، ولكن أنّه يستند إلى "قوة دفع" من الدول الخمس المعنيّة بالشأن اللبناني، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، بعدما كان يُحكى سابقًا عن "تحفّظهما" على أداء باريس في هذا الملفّ.
 
لكن، في مقابل هذه الانطباعات "الإيجابية" برأي البعض، ثمّة من يطرح في المقابل علامات استفهام عن سبب "ترحيل" المشاورات إلى أيلول المقبل، ما قد يؤدي إلى "هدر" المزيد من الوقت، فضلاً عن مدى إمكانية "الرهان" على مشاورات في تقريب وجهات نظر متباعدة أصلاً، خصوصًا إذا ما حُدّدت بوقت زمني قصير، وطالما أنّ المواقف المعلنة لا تزال على حالها، مع تمسّك كلّ فريق بموقفه، ورفضه التنازل عنه، وهو ما لمسه لودريان في لقاءاته.
 
هنا، يقول العارفون إنّ تحديد موعد المشاورات في أيلول المقبل وليس بشكل فوري ليس محض صدفة، وليس من أجل أن "يتنعّم" المسؤولون اللبنانيون بـ"إجازة صيفية"، وهم الذين منحوا أنفسهم ترف "الإجازة" منذ أشهر طويلة، ولكن لإفساح المجال أمام نضوج الظروف المناسبة لهذه المشاورات، علمًا أنّ هناك أكثر من حراك نشط في الكواليس لتحضير الأرضيّة اللازمة للتفاهم بالحدّ الأدنى، قبل الوصول إلى شهر أيلول.
 
ويُحكى في هذا الإطار عن دور تلعبه قطر بشكل خاص في هذا الوقت "المستقطَع" إن جاز التعبير، وهو قد يتكثّف في الأيام المقبلة مع مختلف الأطراف، ولو أنّ هذا الدور ليس بجديد، لكنه ينطلق هذه المرّة من "شبه تفويض"، علمًا أنّ اتصالات الدوحة لن تكون محصورة بالقوى السياسية الداخلية، بل ستشمل بعض الجهات الإقليمية، وعلى رأسها طهران، التي سبق أن أبدت انفتاحها على أيّ "مساعدة" يمكن أن تقدّمها لحلّ الأزمة الرئاسية.
 
في كلّ الأحوال، يبدو الأكيد أنّ استحقاق الرئاسة "رُحّل" إلى شهر أيلول بالحدّ الأدنى، فيما تتصاعد الخشية من أن يستمرّ التأجيل سيّد الموقف، طالما أنّ المرونة غائبة عن مواقف الطرفين المتنازعين، اللذين يتمسّك كل منهما بموقفه، بل يريد "إقناع" الآخر به، بدل الوصول إلى "قاسم مشترك" معه، علمًا أنّ "تمرير" استحقاق "الحاكمية" بالتي هي أحسن اليوم، قد يعقبه ما هو "أخطر" على صعيد قيادة الجيش، في غضون أشهر قليلة فقط!.