كُتّاب الموقع
هل يكون الممر الهندي بديلا غربيا لطريق الحرير الصيني

العرب اللندنية

الأربعاء 13 أيلول 2023

 تصاعدت المنافسة الجيوسياسية بين الهند والصين، مع الإعلان خلال قمة مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي عن ممر جديد يربط منطقة المحيطين الهندي والهادئ بالشرق الأوسط وأوروبا، ما يضع مستقبل فاعلية مبادرة الحزام والطريق الصينية (طريق الحرير) محل منافسة وربما تشكيك.
 
وفي القمة التي استضافتها نيودلهي في التاسع والعاشر من سبتمبر الجاري، وقعت الهند والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفرنسا وألمانيا وإيطاليا مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، المستهدف منه زيادة التجارة وتوفير موارد الطاقة وتحسين الاتصال الرقمي، في خطوة أزعجت الصين.
 
وفي حين أن الدول الموقعة على المذكرة، لم تقدم التزاما ماليا ملزما، إلا أنها وافقت على إعداد “خطة عمل” لإنشاء الممر في غضون شهرين.
 
وسيبدأ المشروع، الذي يشبه طريق التوابل القديم، من مومباي بالهند بحرا إلى ميناء دبي بالإمارات، ومن هناك إلى منطقة الغويفات الإماراتية بالسكك الحديدية.
 
ويمتد المسار إلى السعودية، ويصل إلى جنوب الأردن، ثم يصل إلى مدينة حيفا الساحلية الإسرائيلية، ومنها إلى ميناء بيرايوس اليوناني بحرا، ومنه إلى أوروبا برا. ويختصر هذا المسار في حال تنفيذه طريق التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40 في المئة.
 
ويهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع. وكذلك تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
 
ووصف الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق بأنه “سوف يغير قواعد اللعبة”، في وقت تشدد فيه الولايات المتحدة من قواعد التجارة مع الصين وتفتح اتفاقات للتبادل التجاري في مناطق حول العالم، مثل الاتفاق مع فيتنام، وهي مناطق تخشى الإدارة الأميركية من أن تقع أسواقها تحت نفوذ الصين.
 
مبادرة الحزام والطريق
 
يطرح الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مستقبل وفعالية مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي يهدف إلى زيادة تجارة بكين مع آسيا الوسطى وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا.
 
ويطلق على مبادرة الحزام والطريق، التي أعلنها الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارته إلى كازاخستان في عام 2013، اسم “خطة مارشال” الصينية.
 
وتهدف المبادرة التي أصبحت شريكة لأكثر من 150 دولة ومنظمة دولية في العقد الأخير، إلى زيادة القوة التجارية لبكين في منطقة جغرافية تغطي ثلثي سكان العالم. كما يعتبر المشروع الذي يشمل مسارات بحرية بالإضافة إلى السكك الحديدية والطرق البرية، مبادرة تربط الصين بالعالم.
 
ويتكون هذا الممر، الذي من المقدر أن يغطي أكثر من 2600 مشروع في أكثر من 100 دولة، من 6 طرق رئيسية، ومن هذه الطرق مشروع “الممر الأوسط” الذي يبدأ من تركيا ويصل إلى الصين.
 
ويصل هذا الطريق إلى جورجيا وأذربيجان وبحر قزوين على التوالي عبر وصلات السكك الحديدية والطرق، انطلاقا من تركيا، ومن هناك إلى الصين باتباع مسار تركمانستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وكازاخستان باستخدام معبر قزوين.
 
ومن المتوقع أن تؤدي مبادرة الحزام والطريق إلى زيادة التجارة العالمية بأكثر من 6 في المئة، ويقدر الخبراء أن الأموال التي ستنفقها الصين على هذه المبادرة قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2027.
 
وترى بعض الدول في هذا المشروع فرصة اقتصادية كبيرة، فيما تعتبره دول أخرى خطرا.
 
وبفضل هذه المبادرة، زادت الصين علاقاتها السياسية والتجارية مع دول الشرق الأوسط وأفريقيا، كما زاد نفوذها في المنطقة بشكل ملحوظ.
 
وبالتوازي مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، هناك ممر آخر تقوده الهند في المنطقة وهو ممر النقل الدولي شمال جنوب.
 
وتم إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، بموجب الاتفاقية الموقعة بين روسيا وإيران والهند في الثاني عشر من سبتمبر 2000.
 
وفي السنوات التالية، انضمت 10 دول أخرى، بما في ذلك أذربيجان وتركيا، إلى هذا المشروع.
 
ويهدف ممر النقل بين الشمال والجنوب إلى تقليل وقت نقل البضائع من الهند إلى روسيا، وكذلك إلى شمال وغرب أوروبا.
 
ويحظى الممر، الذي لم يعمل بكامل طاقته بعد، بمكانة مهمة في العلاقات الثنائية والتجارية بين روسيا وإيران، الخاضعتين للعقوبات الغربية.
 
البديل الهندي
 
بعد الإعلان عن اتفاقية الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فسرت أوساط دولية أن الهدف من المشروع هو كسب الهند إلى جانب الغرب، وتطوير بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
 
وإذا تم تنفيذ هذا البرنامج، فإنه سيعمل أيضا، من وجهة نظر الولايات المتحدة، على تعزيز العلاقات التجارية بين شركائه في الشرق الأوسط مع الهند بدلا من الصين.
 
وحظي تطور العلاقات التجارية والسياسية بين دول الخليج والصين في السنوات الأخيرة بمتابعة وثيقة من قبل إدارة واشنطن.
 
وتنظر الولايات المتحدة إلى المبادرة الصينية على أنها خارطة طريق، ستعزز نفوذ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لاسيما في أفريقيا والشرق والأوسط، وبوسعها أن تفتح منافذ جديدة أمام الصين للوصول إلى منابع الطاقة الرئيسية في الشرق الأوسط والمعادن النادرة في دول أفريقية.
 
وقال مايكل كولغمان، مدير معهد جنوب آسيا بمركز ويلسون، في منشور عبر منصة “إكس” إن “الاتفاق يمكن أن يغير قواعد اللعبة، ويعزز الاتصال بين الهند والولايات المتحدة والشرق الأوسط، بهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية”.
 
وتتزايد المنافسة والصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة، في العديد من المجالات، خاصة في مجال التكنولوجيا.
 
وبينما يتزايد التوتر بين بكين وواشنطن مع التصريحات المتبادلة بشأن تايوان، فإن الخطوات المتبادلة التي تتخذها الدولتان في مختلف المجالات، تتسبب في تسليط الضوء على التوتر بشكل أكبر.
 
وتواصل الولايات المتحدة جهودها لتطوير علاقات التحالف والشراكة مع دول المنطقة، من أجل خلق توازن ضد نفوذ الصين المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
 
فالنزاعات على السيادة، والتي تتحول في الكثير من الأحيان إلى توترات بين الدول الساحلية في بحر الصين الجنوبي، تعمل على جعل دول المنطقة الأخرى، المنزعجة من الوجود العسكري المتزايد للصين وموقفها التدخلي في المنطقة، أقرب إلى الولايات المتحدة.
 
وبالإضافة إلى النفوذ الإقليمي، هناك أيضا سلسلة من التوترات بين البلدين في المجال التكنولوجي حيث تتزايد المنافسة بين الإدارة الأميركية والصين في مجال إنتاج الرقائق.
 
واتخذت إدارة واشنطن سلسلة من الخطوات لمنع الصين من الوصول إلى الرقائق والمعدات المستخدمة في إنتاجها، مبررة ذلك بأسباب “الأمن القومي”.
 
وفرضت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة قيودا على استيراد واستخدام منتجات بعض شركات التكنولوجيا الصينية، وخاصة شركة هواوي.
 
ووسط عدم تأكيد رسمي، أفادت الصحافة الدولية الأسبوع الماضي، بمنع الصين الموظفين العموميين من استخدام أجهزة iPhone الأميركية.