كُتّاب الموقع
أفريقيا على مشارف التحولات الكبرى!

رامي الرّيس

الجمعة 1 أيلول 2023

ثمّة من يشبّه الانقلابات بالزكام من حيث سرعة الانتقال والعدوى. في العام 2010، إنطلقت شرارة الثورة من تونس وسرعان ما توسعت نحو مصر واليمن وسوريا وسواها من البلدان التي تعاطت حكوماتها معها بطرق مختلفة. في تونس ومصر، تنحى الرئيسان زين العابدين بن علي وحسني مبارك بعد سنوات طويلة في الحكم. في سوريا، إنقض النظام على الثورة وقمعها وحولها إلى حرب أهليّة…
 
يبدو أن هذه «العدوى» انتقلت إلى أفريقيا. في المعلومات عن الانقلابات ومحاولات الانقلاب في العالم منذ سنة 1950 (أي حقبة التحرر من الاستعمار وانتشار مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها)، حصلت 486 محاولة انقلاب، منها 214 في القارة السمراء وحدها، نجح من بينها 106 انقلابات.
 
وفي دراسة لباحثَين أميركيين، أشارا إلى أن على الأقل 45 دولة أفريقية من أصل مجموعها البالغ 54 دولة، اختبرت الانقلابات نجاحاً أو فشلاً. أقله منذ شهر تشرين الأول 2021 لغاية تاريخه حصلت انقلابات في السودان، مالي، تشاد، غينيا، بوركينا فاسو، النيجر والآن في الغابون، والسكة قد تكون طويلة.
 
ثمة تساؤلات مشروعة حيال هذا المسار الإنقلابي في أفريقيا والدور المتنامي للعسكر في مختلف أرجاء القارة مع استثناءات محدودة. التحديان الأمني والاقتصادي لا يزالان يؤثران على التأخر الذي يعاني منه العديد من دول القارة لناحية عدم قدرة شعوبها على السير قدماً في الاستفادة من الثروات الهائلة وبالتالي تطوير النظم السياسيّة والمجتمعات.
 
لا شك أن التدخلات الخارجيّة في معظم دول القارة تعكس سياسات غربيّة أقل ما يُقال فيها إنها تحاكي الحقبة الاستعماريّة عندما استغلت مجموعة من الدول الأوروبّية البلدان الأفريقيّة وأحكمت سيطرتها عليها وحالت دون تقدّم شعوبها نحو الوعي والديموقراطيّة.
 
وأظهر بعض التجارب الغربيّة في دول أفريقيّة متعددة أن الشعارات التي غالباً ما ترفع في الغرب عن حقوق الإنسان والديموقراطيّة، تتحطم عند أسوار مصالح تلك الدول وحساباتها الاقتصاديّة بما يعود بالنفع عليها دون الأخذ بالاعتبار حقيقة مصالح تلك الشعوب. هذه التراكمات، مترافقة مع الفساد المستشري في العديد من دول أفريقيا (أسوة بسائر دول العالم الثالث)، جعلت من مسار الانقلابات العسكريّة خياراً ممكناً للخروج من الأزمات المتفاقمة. هل هو الخيار الأمثل؟ لا يمكن التأكد من ذلك.
 
ليست أفريقيا منزهة عن أن تكون ساحة لتصفية الصراعات الدوليّة، لا سيما بين محوري الغرب وروسيا - الصين. لقد أنفقت بكين مليارات الدولارات على مشاريع تنمويّة في أكثر من دولة أفريقيّة في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تشن الحروب في العراق وأفغانستان ومواقع أخرى حول العالم.
 
مسألة أن الغرب لم يكترث لتطوير الأوضاع المعيشيّة للشعوب الأفريقيّة طوال عقود، وحصر اهتماماته بالمصالح الاقتصادية والثروات الطبيعيّة والمعدنيّة، دفعت الأمور نحو هذه التراكمات الآخذة في التفجر في دولة تلو أخرى. هذا لا يعني بالضرورة أن المسارات الجديدة سوف تكون أكثر ورديّة على ضوء سيطرة العسكر على الحكم في العديد من العواصم الأفريقيّة.
 
إنه درس للغرب، ولكن من يدفع الثمن عمليّاً هو شعوب أفريقيا. أفريقيا المنهوبة والمحرومة!
 
 
المصدر: نداء الوطن