كُتّاب الموقع
لبنان لم يبلغ بعد سن الرشد السياسي: 9 سنوات من الفراغ بعد انكسار المظلّة الدولية

محمد علوش

الأربعاء 21 حزيران 2023

خرج لبنان من حرب دموية، ليجد مظلة دولية–عربية تحكم تفاصيل حياته السياسية، فشكّل الوجود السوري في لبنان، بدعم عربي وغربي، ضابط إيقاع يُنتج الرئاسات ويشكل الحكومات ويقرّر قوانين الانتخاب ويحدد أسماء النواب، وبقي الحال على ذلك الشكل حتى العام 2005 تاريخ الانسحاب السوري من لبنان، وانكسار المظلة العربية الدولية التي كانت تظلله.
 
لم يُطبّق اتفاق الطائف بشكل كامل قبل الخروج السوري من لبنان، كما لم تُلعب اللعبة السياسية دون تدخلات خارجيّة منذ تاريخ ولادة "اتفاق الطائف" حتى العام 2005، لذلك لم يملك اللبنانيون رؤية واضحة حول كيفية التعامل مع الاتفاق ومدى قدرته على ضبط موازين اللعبة.
 
صراع 8 و14 آذار
 
 
بعد العام 2005 نشأ في لبنان صراع سياسي جديد عنوانه 8 و14 آذار لا زلنا نعيش تداعياته حتى اليوم، وثبُت أن النظام اللبناني بواقعه الطائفي غير قابل للحياة، فامتلاك كل طرف قدرة التعطيل، جعل البناء صعباً، لذلك سيطر الفراغ على المؤسسات الدستوريّة.
 
قبل اتفاق الطائف كانت المعاناة بتشكيل الحكومات وانتخاب الرؤساء محدودة للغاية، فحصلت تجربة على صعيد تشكيلها عام 1964 مع رشيد كرامي، تكرر ما يشبهها خلال ولاية أمين الجميل الرئاسية، والتي نتج عنها حكومة ميشال عون العسكرية. اما بعد العام 2005، فالتجارب الفاشلة لا تُعد ولا تُحصى.
 
أولى الفراغات الكبرى كانت بعد استقالة الوزراء الشيعة من حكومة فؤاد السنيورة عام 2006، فاستمر الصراع، يوم كان إميل لحود رئيساً ممدداً له ومُقاطعاً من قبل فريق سياسي عريض، من العام 2006 حتى منتصف العام 2008.
 
في هذه المرحلة حصل الفراغ الرئاسي الاول، عند انتهاء ولاية لحود في تشرين الثاني عام 2007، واستمر حتى 25 أيار 2008، بعد اتفاق الدوحة الذي تلى أحداث 7 أيار الشهيرة. ورغم الاتفاق احتاجت حكومة العهد الأولى برئاسة السنيورة الى 4 أشهر ونصف لولادتها، وسقطت في 11 كانون الثاني 2011 وبقينا في مرحلة فراغ حكومي 5 أشهر قبل أن تتشكل حكومة نجيب ميقاتي التي عُرفت بحكومة الفريق الواحد، ثم حكومة تمام سلام التي حققت رقماً قياسياً لولادتها بعد 11 شهراً.
 
نصف عهد عون... فراغ
 
 
عامان و7 أشهر هو عمر الفراغ منذ العام 2007 حتى العام 2014، وهو ما يمكن اعتباره وقتاً قصيراً مقارنة مع الفراغ الذي سُجّل منذ العام 2014 حتى اليوم، فبعد انتهاء ولاية ميشال سليمان دخل لبنان مرحلة فراغ طويلة بلغت 29 شهراً انتهت بانتخاب ميشال عون بعد تسويات غريبة عجيبة، لم تتمكّن من حلّ ازمة تشكيل الحكومات، فاحتاجت الحكومة الأولى برئاسة سعد الحريري الى شهر ونصف لتتشكل، والثانية برئاسته ايضًا 9 أشهر، ثم جاءت "ثورة تشرين عام 2019"، فدخلنا فراغاً حكومياً لثلاثة أشهر قبل تشكيل حكومة حسّان دياب التي سقطت بعد انفجار مرفأ بيروت، ليتمكّن عندها نجيب ميقاتي من كسر رقم حكومة تمام سلام القياسي، فاحتاج الى 13 شهراً لتشكيلها، فعاشت حتى الانتخابات النّيابية في أيار العام الماضي، ودخلنا الفراغ الحكومي، ليُستكمل بفراغ رئاسي بدأ في تشرين الأول الماضي ولا يزال مستمراً.
 
 
منذ بداية عهد عون حتى اليوم عاش لبنان 43 شهراً من الفراغ، سواء على صعيد تصريف الاعمال الحكومية، او الدعوة لاستشارات نيابية، او فراغ رئاسي، ما يعني أن الفراغ حكم لبنان منذ العام 2007 حتى اليوم قرابة 105 أشهر، أي أقل من 9 سنوات بثلاثة أشهر، فهل نحتاج الى دليل إضافي لنُدرك أن "لبنان" لم يبلغ سن الرشد السياسي، وأنه بحاجة الى تسويات دولية تحكمه، أو تعديل نظامه؟!.
 
 
المصدر: النشرة