كُتّاب الموقع
مجموعة فاغنر في أفريقيا: مستقبل مزدهر لكن بأي شكل؟

العرب اللندنية

الأربعاء 26 تموز 2023

هل يمكن لمجموعة فاغنر المسلحة ان تستمر في أفريقيا بدون قائدها يفغيني بريغوجين وبعد التمرد الأخير لرجاله في روسيا؟ إذا كان مستقبل هذه المجموعة شبه العسكرية الروسية معلقا فإن زوالها يبدو غير وارد. وبعد شهر من زحف رجاله المقتضب باتجاه موسكو ثم المنفى المعلن لقائدها إلى بيلاروسيا، فإن الثقل الاقتصادي والجيوسياسي في القارة لأشهر شركة عسكرية خاصة يحميها على ما يبدو من أن تشطب عن الخارطة.
 
والأسبوع الماضي وفي شريط فيديو نشرته حسابات تلغرام تقول إنها مقربة من فاغنر لكن لم يتسن التحقق من صحتها، طلب بريغوجين من عناصره الاستعداد "لرحلة جديدة إلى أفريقيا". ويشير مراقبون إلى أن إعادة توجيه الجهود نحو أفريقيا قد تؤدي إلى زيادة طفيفة في تدفق المرتزقة، لدعم إطالة عمر الحكم العسكري للقادة في القارة السمراء من خلال تعزيز الدعم الأمني الشخصي لهم، في حين أن تداعيات النزاعات المستمرة التي تمتد من ليبيا إلى السودان ستكون أكثر تنوعا.
 
تقدم مجموعة فاغنر مجموعة خدمات للأنظمة التي تواجه صعوبات. في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، تقوم بحماية السلطة القائمة وتعرض تدريبات عسكرية أو حتى نصائح قانونية لإعادة صياغة الدستور.
 
وفي المقابل تتقاضى المجموعة أجرها من الموارد المحلية لاسيما مناجم الذهب ومعادن أخرى. وفي السودان، نشطت فاغنر في تجارة الذهب غير المشروعة. وفي ليبيا "هناك المئات من العناصر اليوم لضمان أمن القواعد العسكرية والبنى التحتية المرتبطة بالنفط" في مناطق نفوذ المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق البلاد، كما تقول بولين باكس مساعدة مدير برنامج أفريقيا في مجموعات الأزمات الدولية.
 
خدمات كاملة
 
هناك وفي أماكن أخرى، تواجه المجموعة اتهامات بالتأثير على الرأي العام وتقويض سمعة الغرب والتأثير على العمليات الانتخابية. وأسلوبها على الصعيد العسكري وحشي ولا يولي اهتماما يذكر لحقوق الإنسان والتمييز بين المدنيين والعسكريين كما يقول الغرب. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على بريغوجين وصنفت مجموعته في يناير على أنها منظمة إجرامية عابرة للحدود.
 
واتهم خبير مستقل لدى الأمم المتحدة جيش جمهورية أفريقيا الوسطى وحلفاءه الروس بارتكاب فظاعات. وأعلن الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة على عدد من مسؤولي فاغنر في البلد. والخميس فرضت بريطانيا عقوبات على 13 شخصية وشركة متهمة بالضلوع في فظاعات فاغنر بينها “إعدامات وأعمال تعذيب في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وكذلك تهديدات للسلام والأمن في السودان”.
 
وتأسست مجموعة فاغنر في مطلع سنة 2010 خارج أي إطار شرعي. ثم أصبحت المجموعة الذراع المسلحة شبه الرسمية للمطامع الروسية في أفريقيا، مع السماح في الوقت نفسه لموسكو بإنكار أي مسؤولية عن عملياتها.
 
ويقول ماكسيم أودينيه، الباحث في معهد الأبحاث لدى المعهد العسكري في باريس، إن “فاغنر ليست فرعا من الجيش ولا كيانا خاصا بحد ذاته. هي تخدم المصالح الرسمية لموسكو لكنها تستجيب أيضا للطموحات الشخصية لبريغوجين”. وأضاف “لم يسبق أبدا أن اتخذت جهة غير رسمية مثل هذه الأهمية في العمل الدولي لروسيا”.
 
وبعد تمرد مجموعة فاغنر، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن مستقبلها في أفريقيا سيكون رهنا فقط بـ”الدول المعنية”. لكن الروابط بين الكرملين وفاغنر تجب إعادة التفكير بها. لكن أينما حلت، تتسلم هذه المجموعة رجالا ومعدات من الجيش الروسي. وقالت بولين باكس إن “نموذج فاغنر يخضع لتمويل ذاتي، على الأقل لدفع أتعاب العناصر، لكن يجب عليه الحصول على الدعم والتجهيزات اللوجستية من وزارة الدفاع”.
 
هل ستقود المجموعة شخصية أكثر ولاء لموسكو؟ هل سيكون عليها تغيير اسمها أو حتى إعطاء مكانها لشركة عسكرية روسية أخرى؟ وتقول أديتيا باريك، الخبيرة في شركة الاستخبارات البريطانية الخاصة “جاينز”، إنه “من غير المرجح” أن تبقى فاغنر خاضعة بشكل كامل لأوامر روسيا. يمكن للطرفين أن يدخلا أحيانا في منافسة “في دول لم تكن موسكو تحظى فيها بعد بوجود قوي” أو حتى نسج “تحالفات مؤقتة".
 
في مطلق الأحوال، يرتقب أن تزدهر مبادئها. وقالت بولين باكس "قدمت فاغنر نموذجا يبدو أنه يعمل في دولتين على الأقل" (مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى)، مضيفة "حتى لو لم تعد فاغنر موجودة، فإن شركات أخرى ستسعى لاستغلال هذا الفراغ".
 
وسبق أن لجأت الأنظمة الأفريقية منذ عقود إلى مرتزقة لاسيما لتعويض الضعف في قواتها المسلحة. وقالت الباحثة أماندا بروك كادليك على موقع مجلة "نيو لاينز" إن "المصطلحات القانونية الدولية الغامضة التي تحدد من هم المرتزقة… تجعل من أفريقيا واحدة من أكثر الوجهات جاذبية لممارسة مثل هذه الأعمال بدون الكثير من الأخلاق".
 
النموذج المكرس
 
وأضافت "إذا كان ينظر إلى مجموعة فاغنر أو منافسين روس آخرين على أنهم غير كفؤين أو غير موثوقين بسبب الفوضى (في روسيا)، فهناك الكثير من الخيارات الأخرى". ويتوقع محللون أن توسع فاغنر في أفريقيا قد يشمل دخول قوات شبه عسكرية إلى دول جديدة، العديد منها قد يتقبل وجود المجموعة وقد يكون مهتما بمساعدتها الأمنية.
 
ومن هذه الدول غينيا، التي يحكمها حاليا العقيد مامادي دومبويا، الذي من المحتمل أن يسعى إلى تأجيل الانتقال إلى الحكم الديمقراطي. والكاميرون، حيث حكم الرئيس بول بيا منذ عام 1982 ويحاول إنهاء التمرد في المناطق الناطقة بالإنجليزية في البلاد منذ عام 2017.
 
ويقول المحلل السياسي يوليان راديماير خلال حضوره مؤتمر ميونخ للأمن مؤخرا إنه “بمرور الوقت، تطورت فاغنر إلى ما وراء الخدمات العسكرية الخاصة، إلى شبكة من العلاقات والشراكات مع شركات في مختلف البلدان الأفريقية". وأضاف "إنهم يعملون في تلك المنطقة الرمادية بين الأنشطة غير القانونية إلى حد ما، ويغطون المنطقة بأكملها جيدا".
 
ويبدو أن الأنشطة الاقتصادية لشبكة فاغنر في أفريقيا تتزايد بشكل كبير، على الرغم من حقيقة أن مرتزقتها يقاتلون الآن بشكل علني لصالح روسيا في حربها ضد أوكرانيا.
 
وقال راديماير، المحلل في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان، "في بعض الحالات، تم سحب أعداد كبيرة من مرتزقة فاغنر للذهاب والقتال في الحرب في أوكرانيا، لكن لا يزال هناك آخرون. الأنشطة مستمرة، بالتأكيد على مستوى أدنى. لكن ليس هناك ما يشير إلى أن الحرب في أوكرانيا تؤدي إلى الانسحاب الكامل لمرتزقة فاغنر من أفريقيا".
 
وعلى العكس من ذلك، قبل وقت قصير من ذكرى بدء الحرب في الرابع والعشرين من فبراير، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر استخباراتية أميركية، أن مجموعة فاغنر كانت تعمل مع المتمردين المحليين للتخطيط لانقلاب في تشاد. وقال راديماير "المقلق هو أن فاغنر سوف تستمر في الانتشار والنمو في سياق أفريقي، طالما لم يتم التدخل لمواجهة تلك التأثيرات، ويجب أن تعمل أوروبا وشركاؤها بشكل أفضل مع أفريقيا لتحقيق ذلك".