كُتّاب الموقع
تنافس القوى على إقليم جنوب شرق آسيا

محمد نبيل الغريب

الخميس 18 أيار 2023

تأتي أهمية الكتاب لدراسته التنافس الدولي على منطقة جنوب شرق آسيا والمحيطين الهادىء والهندي نظراً لأهميتهما الجيواقتصادية والجيوستراتيجية.
 
كتاب "تنافس القوى على إقليم جنوب شرق آسيا (آسيان)" للدكتور كاظم هاشم نعمة صادر عن المعهد الدبلوماسي في الدوحة، عام 2022. وقد قدم الكتاب ليكون مرجعاً أكاديمياً بشكل عام لدارس العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الدول العربية وبشكل خاص لمتخصصي الشؤون الأسيوية حيث يقدم الكتاب مجموعة من الدراسات النظرية والتطبيقية حول تنافس القوى الدولية على إقليم جنوب شرق آسيا.
 
انطلق المؤلف من فرضية تحليلية حول أهمية إقليم شرق آسيا في السياسة الدولية وعرض التنافس  بين قوى عديدة أهمها الولايات المتحدة والصين واصطفاف قوى أخرى كالهند واليابان والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة والخيارات الميسورة لدول آسيان المتنازعة مع الصين، وخاصة فيتنام والفلبين.
 
وتتناول الدراسة واقع ومستقبل التنافس الاستراتيجي على الفضاء الآسيوي –الهادئ الذي خلف الفضاء الأوروبي – الأطلسي في الحرب الباردة، ذلك التنافس الذي تتكيف فيه سياسات الأطراف الإقليمية مع تطوراته، وعلى وجه الخصوص بين الولايات المتحدة والصين.
 
تطرق المؤلف في هذا الكتاب بشيء من الرصد والتفسير والتحليل التنافس بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وحلفائها من جهة مقابلة على إقليم جنوب شرق آسيا، من حيث واقع ومستقبل هذا التنافس الذي من الممكن أن يتحول في وقت من الأوقات إلى نوع من الصراع على هذه المنطقة نظراً لتشابك المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية بين القوى المتنافسة.
 
من هنا تأتي أهمية الكتاب للدراسين في حقل العلوم السياسية ومدى شموله لحالة التنافس الدولي على منطقة جنوب شرق آسيا والمحيطين الهادىء والهندي نظراً لأهميتهما الجيواقتصادية والجيوستراتيجية.
 
المفاهيم والمصطلحات الرئيسية
 
 
مصطلح الإقليمية: تطرقت دراسات عديدة إلى معنى الإقليمية من مقاربات عديدة. ففي السياسة الدولية ثمة إقليم دولي أو إقليم عبر قومي أو عبر الحدود، ومن الناحية الجغرافية فيحمل الإقليم على محمل خصائص جغرافية. ومن الناحية الإدارية فهو تقسيم إداري لنظام الدولة، وقد يراد من استخدام مصطلح إقليم توكيد خصائص ثقافية ومظاهر حياة ذات أبعاد تاريخية واجتماعية وقد تجمع كل هذه المعاني معاً.
 
إلا أن بعض أعضاء الإقليم قد يكونون من خارج نطاقه الجغرافي من حيث القرب الجغرافي. ولعل أوضح تعريف للإقليم وأبسطه هو إنه عدد من الدول تربطها روابط جغرافية ودرجة من الاعتمادية المتبادلة، والمنطقة الجغرافية هي الحدود الجغرافية للإقليم.
 
نظريات الإقليمية: أحصى باحثان 18 مقاربة نظرية في دراسة الإقليمية. وعلى الرغم من توسيع البحث النظري في الإقليمية، وخاصة بعدما طبقت الظاهرة خارج أوروبا إلى آسيا وأفريقيا وأميركا، فإن عدداً من الباحثين لا يزالون يرون أن هناك القليل من الجدل النظري في هذا الحقل، وأن البحث ينصب على تجربة معينة، ويأتي الباحثون على توضيحها وتقديم معلومات عن أدائها.
 
ومع أن ظاهرة الإقليمية لها أهميتها في العلاقات الدولية والدراسات بشأنها، فلا توجد دراسة شاملة عن النظريات. وتتلخص هذه النظريات فيما يلي:
 
 (1)  الوظيفية؛ وتركز على احتياجات الفرد السياسية والاقتصادية والإجتماعية. وتدعو إلى نقل بعض صلاحيات وسلطة الدولة القومية إلى هيئات أو وكلاء على مستوى فوق – قومي سواء عالمياً أو إقليمياً.
 
 (2)  الوظيفية الجديدة: وتفترض الوظيفية الجديدة أن التكامل الإقليمي عملية عقلانية يتجه فيها الفاعلون إلى جرد الحسابات المتوقعة فيما بين خيارات استراتيجية تأتي بالمكاسب من خلال الإسهام في تعاون مؤسسات في صناعة قرارات إقليمية.
 
"آسيان" في فترة الحرب الباردة
 
 
تناول المؤلف صورة إقليم شرق آسيا سياسياً وتنظيمياً، بعد الحرب العالمية الثانية، وأشار إلى أن هذا الإقليم لم يخضع لسيطرة قوة واحدة إقليمية أو من الخارج قبل الاحتلال الياباني وهزيمته أمام الغرب في الحرب العالمية الثانية. وأُستخدم المفهوم الجغرافي جنوب شرق آسيا من قبل القيادة العسكرية البريطانية خلال الحرب العالمية الثانية. وقد عمقت الهيمنة الاستعمارية البريطانية والهولندية والفرنسية هذا التنوع والاختلاف بسبب توجيه كل قوة مسيطرة إلى تطوير مناطق سيطرتها لصالحها وفي التنافس فيما بينها في الإقليم.
 
يقول المؤلف إن هذا الإقليم تأثر في خمسينيات القرن الماضي بصراعات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والغرب الاستعماري من جهة والاتحاد السوفياتي والصين من جهة أخرى. وبرزت حركات يسارية ثورية تغذّت من الثورة الصينية، وأصبح الإقليم يواجه تحديات من جهات ثلاث. أولها النزاعات والصراعات المحلية بين الحركات السياسية والنظام بعد الاستقلال، وثانيها، التهديدت ما بين دول الإقليم نفسها، وثالثها، التهديدات من النظام الدولي ثنائي القطبية.
 
وقد تطرق الكاتب  إلى المنظمات والتكتلات التي تأسست في إقليم شرق آسيا وفقاً للتالي:
 
اتفاقية منظمة جنوب شرق آسيا:  في أيلول / سبتمبر 1954 تأسس "السياتو" من كل من أستراليا ونيوزيلاند وباكستان وفرنسا وبريطانيا ومن دولتي جنوب شرق آسيا، الفلبين وتايلاند. ويعتبر نموذجاً للتنظيم الإقليمي الأمني العسكري في صيغة حلف.
 
مجموعة ماليزيا – الفلبين – إندونيسيا:  في تموز / يوليو 1963 تأسس هذا التجمع بعد اجتماع سوكارنو وتانكو عبد الرحمن وماكابال، رئيس الفلبين. ولم تنضم إليه أية دولة أخرى من جنوب شرق آسيا. وكان هدف التجمع احتواء النزاع الإقليمي بين ماليزيا من جهة وبين كل من الفلبين وإندونيسيا بشأن انضمام أراضي من بورينو إلى الفيدرالية الماليزية من دون أن يجري إقتراع حول ذلك لمعرفة رغبات سكانها.
 
تأسيس آسيان
 
 
في 8 آب / أغسطس 1967 إجتمع في بانكوك وزراء خارجية كل من إندونيسيا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة والفلبين. وصدر بيان بانكوك يرمي إلى إقامة منظمة تجمع دول جنوب شرق آسيا غير الشيوعية. وكانت وراء ذلك دوافع ذات صلة بنظرة كل دولة والتهديدات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها وقدراتها الذاتية على مواجهتها في البيئة الإقليمية والدولية.
 
منطقة سلام: في لقاء وزراء خارجية "آسيان" في عام 1971 صدر بيان "منطقة سلام وحرية وحياد". وهو إعلان عن سياسة أمن آسيانية، لكن المفهوم غير واضح، وكل دولة فسّرت مضمونه في سياق سياستها الأمنية والخارجية. ولم تتحرك الدول الأعضاء في تنفيذه بصورة جادة، واتخذ طابع الهدف للمدى البعيد. وقد رفضت الولايات المتحدة المبادرة واقترح الاتحاد السوفيتي مبادرة أمن جماعي ليكون له حضور وكطرف له مصالح في الإقليم.
 
آسيان والتعاون السياسي-الأمني: المنتدى الإقليمي الآسياني
 
 
تطرق الكاتب في هذا الفصل إلى نوعية التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين دول منظمة آسيان،  حيث أصبح المنتدى مؤلفاً من آسيان العشرة وشركاء حوار وهم "الولايات المتحدة – الصين – اليابان – الهند – روسيا – أستراليا – كندا- نيوزيلاند – كوريا الجنوبية – الاتحاد الأوروبي، كما انخرط فيه أعضاء بمنزلة مراقب وهم: باكستان – بنغلادش – سريلانكا – كوريا الشمالية – منغوليا – تيمور الشرقية". 
 
وبهذا فإن المنتدى الإقليمي الآسياني هو أول مؤسسة أو هيكل سياسي وأمني متعدد الأطراف في الفضاء الجيوبوليتيكي الآسيوي – الهادئ.
 
الولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا
 
 
يناقش هذا الفصل جذور الوجود الأميركي في إقليم شرق آسيا، والذي يعود إلى فترة ما قبل الحرب الأميركية الاسبانية في عام 1898. في تلك الفترة بدأت القوى الدولية الاستعمارية تتجه نحو آسيا حيث كانت بداية وجود مصالح ونفوذ واضحة. حينها استولت الولايات المتحدة على الفلبين وأصبح لها وجود عسكري شأنها شأن القوى البحرية الاستعمارية. بل كان نفوذ الاستعمار الأميركي يزعم أن احتلاله الفلبين سوف يكون حقلاً لتعليم السكان الأصليين فن الحكم على أسس الديمقراطية والحرية.
 
يتطرق الكاتب إلى جزئية في هذا الفصل وهو تأثير الثورة الصينية التي اندلعت في عام 1949، والتحالف الصيني السوفياتي في آسيا واندلاع الحرب الباردة، على المعالم الاستراتيجية لفضاء آسيا – المحيط الهادئ، بما فيه جنوب شرق آسيا. حيث يقول المؤلف إن  الحرب الكورية (1950 – 1953) كانت أول مواجهة عسكرية في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، والصين والإتحاد السوفياتي، من جهة أخرى.
 
وبالتالي انعكس كل ذلك على الوجود الاستراتيجي لكل القوى الدولية في منطقة جنوب شرق آسيا، وبشكل خاص على الوجود الأميركي في تلك المنطقة، مما أدى إلى انخراط الولايات المتحدة في الحرب الباردة التي اشتعلت في هذه المنطقة.
 
الصين وجنوب شرق آسيا.. المصالح والأهداف والوسائل
 
 
يشير المؤلف في هذا الفصل إلى الدور الصيني في شرق وجنوب آسيا من حيث المصالح والأهداف، حيث يقول إن هذا الإقليم من أكثر الأقاليم المحيطة بالصين أهمية من حيث المصالح والأهداف. ففي إقليم شمال شرق الصين هناك المسألة النووية لكوريا الشمالية ونظام التحالف الأميركي – الياباني – الكوري الجنوبي، وإلى شمال غرب الصين في وسط آسيا قد أفلحت الصين في تدبير علاقاتها مع دوله والقوى الأساسية ذات المصلحة كروسيا والهند من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، وفي إقليم جنوب غرب الصين في جنوب آسيا فقد صدّت الصين التهديدات من الهند بالعلاقات الوثيقة مع باكستان النووية. والأكثر من هذا كلّه، فإن التطورات في إقليم جنوب شرق آسيا لها صلة مباشرة بالأهداف والمصالح الاستراتيجية الصينية المتمثلة في بلوغ أهداف التنمية الاقتصادية هناك، وكذلك للواقع الجيوقتصادي في تلك المنطقة وذلك على النحو التالي:
 
 1-من ناحية النفط: يمر عبر بحر الصين الجنوبي يومياً 15 مليون برميل نفط، وتأتي السعودية في صدارة المصدرين للنفط 24%، والإمارات العربية المتحدة 11%، وإيران 8%، وسلطنة عمان 6%. والدول الآسيوية التي تستورد هذا النفط هي: الصين بنسبة  42% واليابان 20% وكوريا الجنوبية 18%، وتايوان 5%، وتايلاند 5%.
 
2-تتضارب التقارير في خزين الطاقة من نفط وغاز طبيعي في بحر الصين الجنوبي. ومن المؤكد أن فيه 7.7 مليار برميل وتصل التخمينات إلى 213 مليار برميل. وهذا يجعل بحر الصين الجنوبي يحتوي على 80% من خزين السعودية، وتأتي التقارير على 266 ترليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وأن في وسع الصين أن تنتج 15 مليار قدم مكعب يومياً. وتقديرات الخزين من الغاز الطبيعي تجعله في المرتبة الثالثة عالمياً أو ما يساوي خزين قطر.
 
يُعتبر إقليم شرق آسيا بوابة الصين للعالم الخارجي حيث يربط هذا الإقليم بين المحيطين الهادىء والهندي، ويذخر هذا الإقليم بأهميته الجيواقتصادية والجيوستراتيجية. ومثلما أن للصين نفوذاً سياسياً ودوراً في الأزمة النووية لكوريا الشمالية في إقليم شمال شرق آسيا، وكذلك نفوذها ودورها في وسط آسيا، فإن للصين مصلحة في أن يكون لها نفوذ وتأثير على التطورات في جنوب شرق آسيا والتي لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الأهداف والمصالح والاستراتيجية الإقليمية والدولية الصينية.
 
يوضح الكاتب الأهمية الجيواقتصادية والجيوستراتيجية لبحر الصين الجنوبي في الاستراتيجية الصينية حيث يقول إن النزاعات بين الدول في جنوب شرق آسيا الأعضاء في رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) وتايوان والصين كأطراف إقليمية على السيادة والحقوق البحرية في بحر الصين الجنوبي، من جهة، وانعكاسات تلك النزاعات على مصالح قوى خارجية آسيوية كاليابان والهند، وأخرى كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والدول النفطية في الشرق الأوسط، كل ذلك يجعل من بحر الصين الجنوبي قضية اقتصادية وسياسية وأمنية على الصعيدين الإقليمي والدولي بالنسبة للصين.
 
اليابان وجنوب شرق آسيا.. المصالح والأهداف
 
 
يتحدث هذا الفصل عن دور اليابان تاريخياً في جنوب شرق آسيا، حيث في عام 1894 اندلعت الحرب بين الصين واليابان. وكانت القدرات البحرية اليابانية متفوقة على الصين التي وقعت اتفاقية تنازلت فيها عن كوريا، التي أصبحت مستقلة. كما تخلت عن فرموزا إلى اليابان ومنحتها امتيازات اقتصادية في الصين على غرار ما كان للقوى الأوروبية والولايات المتحدة، لكن القوى الغربية قيدت النفوذ الياباني.
 
ورفضت كوريا النفوذ الياباني وسعت إلى طلب المساعدة من الإمبراطورية الروسية. وبهدف مواجهة الجبهة الأوروبية اقتربت اليابان من بريطانيا ولهدف أبعد للتصدي إلى روسيا. وفي عام 1902 وقع الطرفان تحالفاً يساعد فيه كل منهما الآخر إذا تعرض لهجوم من طرفين أو أكثر. أما في حالة الحرب بين أحدهما وطرف ثالث، فإن كلاً منهما يأخذ بموقف الحياد. 
 
وفي عام 1904، شنّت السفن اليابانية هجوماً مباغتاً على السفن الحربية الروسية في ميناء بورت هاربر ووقعت حرب 1904 – 1905 انتصرت فيها اليابان.
 
 المصالح والأهداف اليابانية
 
 
يتطرق الكاتب إلى المصالح والأهداف اليابانية في جنوب شرق آسيا وفقًا للتالي:
 
"المصلحة الجيوبوليتيكية":
 
 
مثلما كان جنوب شرق آسيا فضاء جيوبولتيكياً للقوة الإمبراطورية الاستعمارية اليابانية التي بسطت هيمنتها عليه في الحرب العالمية الثانية، فإن أهميته أخذت أبعاداً اقتصادية في عودة الدور الياباني الإقليمي خلال فترات بعد الحرب العالمية الثانية. وكان للعامل الأميركي الأثر الأساسي في أن تصبح اليابان طرفاً في الحرب الباردة، وإن كان حذراً ومقيداً في خمسينات وستينات القرن العشرين، في التفاعلات الإقليمية والدولية. فعلى الصعيد الإقليمي، اقتربت اليابان من دول جنوب شرق آسيا في سياق علاقات ثنائية، قبل إنشاء رابطة آسيان في عام 1967، وتعاظمت القيمة الجيوبولتيكية لجنوب شرق آسيا في الحرب الباردة من حيث أنه جزء من قوس تحالف عسكري أمني يبدأ من نيوزيلاند إلى أستراليا فالمحيط الهادي إلى المحيط الهندي، ليكون طوق احتواء للاتحاد السوفياتي والصين ولدرء تساقط دول الهند الصينية في نفوذ الشيوعيين.
 
"المصلحة الأمنية":
 
 
ينطلق الكاتب في هذه النقطة من بعدين وفقاً للتالي:
 
1-إن اليابان هي ثاني اقتصاد آسيوي بعد الصين، ويعتمد نموها الاقتصادي ورخاؤها على التجارة الإقليمية والدولية والوصول واستيراد الطاقة من نفط وغاز. وترتبط شركة التجارة اليابانية بالشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين الجنوبي وأهم مضايقه في مالقا. وبالتالي تتعاظم الأهمية الأمنية  لخطوط النقل البحرية عبر مضايق بحر الصين الجنوبي لدى اليابان.
 
2-إن تعاظم القدرات العسكرية الشاملة الصينية، وخاصة قوتها البحرية من حاملات طائرات وفرقاطات ومدمرات وغواصات وتسليحها بالصواريخ البالستية النووية، يجعلها أكثر جهوزية لتوسيع نفوذها، إما بالإرغام أو باستخدام القوة تجاة مصالح اليابان.
 
الهند وجنوب شرق آسيا
 
 
يبحث هذا الفصل عن مكانة  الهند في منطقة جنوب شرق آسيا حيث  كان غرب آسيا الجوار غير المباشر للهند. ففيه العلاقات التجارية والاقتصادية من حيث أنه مصدر النفط وتحويلات العمالة الهندية في دول الخليج العربية، وكذلك السوق الأكبر إقليمياً للصادرات الهندية من نسيج وصناعات أخرى. ولقد انفتحت الهند على جنوب شرق آسيا كبوابة استراتيجية اقتصادية لبلوغ أهداف الاصطلاحات الاقتصادية التي حددت فيما بعد طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع رابطة "آسيان" من حيث المستوى الثنائي والجماعي والمؤسساتي.
 
وترمي سياسة التوجه شرقاً التي اتبعتها الهند إلى انخراط الهند في التنمية الاقتصادية التي كانت تقع في "آسيان" وتحقيق التكامل الاقتصادي معها.
 
يشير الكاتب إلى أن ما يهم الهند من تعاونها مع منظمة آسيان هو التبادل التجاري مع دوله، حيث يمثل الاستثمار الركن الثاني المهم في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الهند وآسيان. وقد أتاحت مبادرة "صنع في الهند"   لحكومة ناريندرا مودي الفرص لجذب الاستثمار من آسيان. ولا تتساوَ دول آسيان في اندفاعها للاستثمار في الهند، بل إن سنغافورة تحتل المركز الأول بنسبة 97% ويعود ذلك إلى أن الهند كانت قد اتخذت من سنغافورة البوابة الأولى لولوجها إلى جنوب شرق آسيا في سياسة التوجه شرقاً. وقد وقع البلدان اتفاقية التعاون الاقتصادي الشاملة بين الهند وسنغافورة. وبلغ مجموع الاستثمار الآسياني في الهند ما بين عامي 2000 –2020، 102 مليار دولار، وحصة سنغافورة منه 88.337 مليون دولار.
 
نتائج الدراسة
 
 
توصل المؤلف في هذا الكتاب إلى عدة استنتاجات أهمما ما يلي: 
 
-إن غياب نسق واحد للتعامل مع السلع في التجارة البينية لدول آسيا، قد أدى إلى تعدد مناطق التجارة الحرة وهو الأمر الذي يعيق التبادل التجاري، وإن طبيعة الإنتاج والتصدير تكاد أن تكون متشابهة مما يعيق التكامل.
 
-اعتمدت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استراتيجيتها تجاة آسيا مقاربة تقوم على أن المصالح الاقتصادية في العلاقات الثنائية ذات أهمية وقيمة أعلى، بينما انتهج الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مقاربة تحقق هدف المنتدى "آسيان"، وهو أن تكون عملية تلاقي في شبكة علاقات بين القوى الأساسية كالولايات المتحدة والصين.
 
-إن تعزيز القدرات العسكرية لواشنطن وحلفائها في جنوب شرق آسيا هي وسيلة للردع بالعقاب، من جهة. ومن جهة أخرى، إن للولايات المتحدة الإرادة السياسية للرد على الفعل الصيني العسكري غير المرغوب فيه، رداً من النوع والحجم والمدى ذا كلفة ترغم القرار الصيني على العدول عن الإقدام على فعل استفزازات في بحر الصين الجنوبي أو القيام بعمل عسكري تجاة تايوان.
 
-إن المباحثات الدبلوماسية واللجوء إلى التحكيم الدولي والمراسلات عن طريق الأمم المتحدة في مسألة تقاسم الحقوق الاقتصادية في بحر الصين الجنوبي من قبل الفلبين وماليزيا تجاة الصين، لم تجدِ ولم تثمر عن شيء في ظل استمرار الصين في توسع عمليات الصيد والتنقيب ونشر قوات بحرية.
 
-إن الداعم الأساسي للسياسة والاستراتيجية اليابانيتين في جنوب شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي هي واشنطن، وذلك كعامل محدد في سياق علاقات حلف دفاعي ثنائي يضمن لليابان أمنها الاقليمي.
 
-إن الهند تبقى حذرة من التورط في علاقات تراها الصين مساعي لتحالف ضدها، وذلك لأن للصين مزايا إيجابية لا مثيل لها عند الهند، وخيارات الصين في الرد على أفعال تراها بكين عدائية ذات كلف باهظة تفوق منافع الابتعاد عن الموقف الحيادي للهند.
 
قراءة نقدية
 
 
توقف هذا الكتاب عند حقبة زمنية معينة وهي استراتيجية إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب 2017-2021 تجاة آسيا، فهي فترة لم تواكب التنامي الصيني المتزايد في ظل الإدارة الأميركية الحالية، إدارة الرئيس جو بايدن. فقد شهدت السياسية الصينية تنامياً في النفوذ داخل مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأميركية سواء في بحر الصين الجنوبي عن طريق النفوذ العسكري أو خارج نطاق هذا الإقليم في الشرق الأوسط وأوروبا، وذلك سياسياً واقتصادياً، عن طريق تقديم الصين نفسها راعياً للسلام العالمي والشريك الاقتصادي  الأجدر، على غرار التوسط لإستئناف العلاقات الإيرانية السعودية في آذار / مارس 2023، وتقديم مبادرة السلام الصينية للحرب الأوكرانية-الروسية في شباط / فبراير 2023.
 
فهذا النفوذ العالمي للصين يضعف الحضور الأميركي في منطاق نفوذها في آسيا، وكذلك ينعكس على تبدل المكانة السياسية والاقتصادية والعسكرية في هذا الإقليم بين الصين وبين الولايات المتحدة ومن ثم على ديناميكية الأحلاف السياسية.
 
 
المصدر: الميادين