كُتّاب الموقع
هل يصلح المرابون ما أفسدوه ؟

غالب قنديل

الأربعاء 6 حزيران 2018

يفضل الخبراء الاقتصاديون توصيف النظام اللبناني بالريعي نسبة إلى كونه مؤسسا على تقاسم الريع وتهميش الإنتاج الذي دمرت فعليا معظم موارده وادواته ومرتكزات استنهاضه بنهج سياسي مقصود حكم البلد منذ عشرات السنين وتجلى بأبهى صوره في ما اصطلح على تسميته بالحريرية بعد اتفاق الطائف.

الحقيقة ان " النظام الربوي" يبدو هو التوصيف الأقرب لواقع النظام اللبناني الذي تتحكم به طغمة من مالكي المصارف الكبرى ووكلاء الشركات الأجنبية تحف بهم فئة بيروقراطية مترفة تضم من يدعون بالخبراء والتقنيين من مضاربي البورصات العالمية ومنفذي توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومهندسي المضاربات من حملة حقائب الأسهم والسندات المالية القدامى منهم والمستجدين.

يعمل مع هذه الشرائح المتخمة وفي خدمتها هيكل إدارة لبنانية موازية استحدثت لها سلاسل خاصة برواتب خيالية منذ التسعينيات يتصدرها مجلس الإنماء والإعمار الذي قيل بعد استحداثه ان مهامه تغني عن وزارة التخطيط او التصميم العام ليكتشف اللبنانيون بالتجربة ان هذا المجلس لم يخطط شيئا لمصلحتهم فإذا الضروريات الملحة غارقة في خراب كبير لا ماء ولا كهرباء ولا طرق ولا صرف صحي وطوفان النفايات والمجارير يغرق الانهر ويدمر ثروة لبنانية هائلة طمع فيها الكيان الصهيوني بينما طحن المرابون والمضاربون والنافذون صخور الجبال وباعوها لشركات التعهدات المحظية.

مقابل ضمور الإنتاج الصناعي والزراعي وتقلصه حتى التلاشي وتقلص السياحة التي ظلت في حلقة العلية والكازينو وخدمات النخاسة الجنسية في فنادق الخمس نجوم باتت دورة سندات الدين الحكومي المتضخم في الداخل والخارج وما بينهما هي ميدان الاستثمار والربحية الفعلية لهذه الطغمة بجناحيها المالي والبيروقراطي وبالتالي مع فرقها السياسية الفاعلة من خلال صفقات تدار عبر ادوات التحكم النقدية المتاحة حيث تسمى فصول اقتطاع الغنائم في سوق الربى العالمية "هندسة مالية " توزع عوائدها وأرباحها على الفئات الحاكمة المتعثرة المشاركة في السلطة بعد شح التمويل السياسي الخارجي ونضوب موارده.

يتحدث جميع السياسيين عن كارثة وشيكة ويدعون الناس للتضامن والتلاحم في مجابهتها وهم يعولون على تحميل الناس تبعات أفعالهم هم وخياراتهم هم مرة اخرى ليحتفظوا بآليات السيطرة الربوية المتجددة تحت الهيمنة الغربية الخليجية ومفاعيلها السياسية والأمنية المتاحة من قلب التوازنات اللبنانية الصعبة وبالمساكنة الجبرية مع القوى المحلية الداعمة للمقاومة المتمردة على الهيمنة والتي تحظى بوزن شعبي متعاظم عكسته نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة.

المرابون يفتشون عن مزيد من الضحايا ويستغلون الأزمات كعادتهم لتصيد حصص في فوائد السندات المضاعفة نتيجة الشح المالي في أسواق العالم ونضوب الموارد المحلية والخليجية المستنزفة وقد انتقل الدائنون في الغرب والخليج بصفاقة زائدة إلى ربط المزيد من الديون بوجوب الإذعان السياسي لشروطهم ولوصايتهم كما برهن بيان بروكسيل الشهير.

لن يصلح المرابون ما أفسدوه في لبنان وعبثا يحاول المراهنون بتجميع عناوين التقاسم والمحاصصة والنهج الربوي لإنتاج حل لأزمة كانوا هم من صنعها وعقد فصولها المتلاحقة منذ التسعينيات.

طريق كسر الحلقة المفرغة يقتضي رزمة توجهات جديدة لا يمكن تنفيذها بأدوات التخريب ذاتها وفي صلب التوجهات الجديدة التخلي عن أي وهم حول احادية الارتباط بالغرب والخليج والتفكير العلمي الحر بالفرص الكبرى التي تتيحها العلاقة والشراكة مع الشرق انطلاقا من سورية والعراق وإيران والأردن وروسيا والصين والهند.

في صلب التوجهات الجديدة خطط شاملة تتضمن اتفاقات مع هذه الدول لنقل الغاز والنفط وبناء محطات إقليمية ضخمة لتوليد الطاقة وإنشاء سكك الحديد العابرة للحدود لنقل البضائع والأفراد وإطلاق برامج لتنقية الأنهار وإنقاذها والشراكة الكاملة مع منظمة شانغهاي وخطة الطوق والطريق الصينية بالتوازي مع المراجعة الندية لقواعد العلاقة بالغرب والخليج وفي هذه الشراكة بجناحيها يمكن إعادة هيكلة الدين العام ربطا بخطط إنتاجية تنعش جميع قطاعات الاقتصاد المنتجة وتصحح توازن المالية العامة ويمكن بذلك العبور السليم إلى استثمار الثروة النفطية اللبنانية في خطة للبناء وليس للهدر ولذلك ينبغي التشديد على ان مشروع مكافحة الفساد الحكومي ليس منفصلا عن مكافحة فساد النهج الحكومي المبني على التبعية وعلى الانصياع لإملاءات منظومة الهيمنة التي تفرض عزل لبنان عن الشراكات الإقليمية والدولية المجزية التي تقدم له الفرص وللزمن ثمن.




 (ان كافة الآراءَ الواردة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع)