كُتّاب الموقع
كيف يمكن للصفقة السعودية مع إيران أن تغير الشرق الأوسط؟

إسراء سيد

الخميس 16 آذار 2023

قبل خمس سنوات فقط، سخر ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، من المرشد الأعلى لإيران، ووصفه بأنه "هتلر جديد في الشرق الأوسط"، وفي تطور مفاجئ قبل أيام قليلة، لم يعد السعوديون العلاقات الدبلوماسية مع طهران فحسب، بل تحدثوا أيضًا عن "دول يجمعها مصير واحد وقواسم مشتركة". 
 
كانت العلاقات بين السعودية وإيران متوترة منذ سنوات، لكن البلدين اتخذا خطوة نحو تخفيف حدة العداء بينهما، واتفقا - بوساطة صينية - على إعادة تطبيع العلاقات التي قُطعت قبل عدة سنوات، في خطوة مفاجئة تردد صداها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. 
 
تجاوز إكراهات الجغرافيا
 
 
أعطت السعودية وإيران بعضهما البعض شهرين فقط لإثبات جديتهما بشأن الاتفاق المفاجئ لتطبيع العلاقات بعد جهود الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي زار السعودية في ديسمبر/كانون الأول الماضي، واستضاف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الشهر الماضي.
 
قبل إعادة السفراء إلى مناصبهم، من المرجح أن تناقش الدولتان سبل إنهاء ما يقرب من 7 سنوات من العداء، وهي مهمة كبيرة بالنظر إلى المدى الذي يمكن أن تكون عليه الآثار المترتبة على ذلك.
 
تحدث المصالحة فيما تجد إيران نفسها معزولة بشكل متزايد عن المسرح العالمي، وتغير السعودية مسار سياستها الخارجية لصالح الدبلوماسية بدلًا من المواجهة، فإلى جانب التركيز على التنمية الاقتصادية، تحركت المملكة وجارتها الإمارات، في السنوات الأخيرة لإصلاح العلاقات مع معظم خصومهما الإقليميين.
 
تراجعت الرياض عن السياسة الخارجية المتشددة التي تبنتها عندما ظهر ولي العهد محمد بن سلمان في المشهد عام 2015، وتصالحت مع تركيا، وانخرطت مجددًا مع سوريا، ودعمت وقف إطلاق النار في اليمن، لكنها تركت أصعب الملفات، وربما الأهم من ذلك كله، حتى النهاية، لتفاجئ العالم باتفاق مع إيران بعد سنوات من المحادثات التي بدا أنها لم تؤت ثمارها. 
 
لم يُظهر أي من المسؤولين الإيرانيين أو وسائل الإعلام المرتبطة بالدولة تشاؤمًا علنيًا لأن المحادثات، التي بدأت في أبريل/ نيسان 2021، أثمرت أخيرًا، ولاقى الاتفاق ترحيبًا بشكل عام وأشاد به كبار المسؤولين كخطوة نحو الحد من التوترات وتعزيز الأمن الإقليمي. 
 
ركزت وسائل الإعلام المحافظة بشكل أساسي على أن الصفقة تشير إلى "هزيمة" الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وكانت بعض المنافذ الإعلامية نفسها قد احتفلت عام 2016، عندما قطعت الرياض علاقاتها السياسية مع طهران بعد تعرض بعثاتها الدبلوماسية للهجوم.
 
منذ ذلك الحين، كان للحرب الباردة بين البلدين تأثير على كل صراع في المنطقة تقريبًا، لذلك يمكن أن يكون لحلها تداعيات قوية بنفس القدر، خاصة مع تأكيد كلا البلدين على "حرصهما على بذل كل الجهود لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي، والتأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
 
في السطور التالية، نلقي نظرة على بعض البلدان التي قد تتأثر بالاتفاق الذي ما زالت تفاصيله غير واضحة حتى تلك اللحظة، لكن يُحتمل أن يكون له تداعيات على الملفات الخلافية بين البلدين المتنافسين في أجزاء من المنطقة حيث تورطا في حروب بالوكالة يمكن أن تتأثر بصفقة إعادة العلاقات بين القوتين الإقليميتين.
 
اليمن.. الاختبار الجاد
 
 
تورطت كل من السعودية وإيران بعمق في الحرب اليمنية المستمرة منذ سنوات، ما يجعل من حلحلة الوضع المتأزم في هذا البلد الاختبار الأصعب للتنافس الذي كان بمثابة خط الصدع الرئيسي في الشرق الأوسط.
 
دخلت السعودية الصراع عام 2015، حين دعمت القوات الموالية للحكومة الشرعية، بينما دعمت إيران الحوثيين الذين يسيطرون على شمال اليمن وحدوده مع السعودية، واستولوا منذ سبتمبر/أيلول 2014 على العاصمة صنعاء بعد الإطاحة بالحكومة المعترف بها دوليًا، وتشن الجماعة هجمات عبر الحدود إلى السعودية وتقاتل للسيطرة على اليمن كله.  
 
 
ومن المقرر أن يشهد اليمن، أكثر الدول تضررًا من خلاف الرياض وطهران، إجراء الاختبار الأول والنتيجة النهائية الأهم للاتفاق الجديد، لكن هذا الهدف سيكون بحسب البعض صعب التحقيق بسبب المستوى المرتفع من عدم الثقة وشدة التنافس الجيوسياسي بين البلدين.
 
ومن المرجح أن يكون للاتفاق تداعيات كبيرة على حرب اليمن، التي قيل إنها كانت الأولوية على جدول أعمال البلدين، وربما يسرِّع محادثات السلام بين الحوثيين والرياض التي كانت تبحث عن مخرج من الصراع اليمني لفترة طويلة، مع توالي ضربات الحوثيين المتكررة بالصواريخ والطائرات المسيرة على أراضيها. 
 
وشهدت البلاد هدوءًا نسبيًا في أعقاب هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل/نيسان الماضي، وانتهت في أكتوبر/تشرين الأول، لكن يبدو أنها صمدت إلى حد كبير، وتنخرط السعودية - بوساطة عمانية - في محادثات مباشرة مع الحوثيين تثير تكهنات بشأن صفقة قد تسمح للرياض بالانسحاب جزئيًا. 
 
ووسط توقعات إيرانية بأن الاتفاق "سيسرع وقف إطلاق النار ويساعد في بدء حوار وطني وتشكيل حكومة وطنية شاملة في اليمن"، قد يوفر الاتفاق السعودي الإيراني دفعة للجهود المبذولة لإنهاء الصراع، إذ يسعى الدبلوماسيون إلى إيجاد طريقة لإنهاء الصراع الذي كلَّف الحكومة السعودية مليارات الدولارات، وكان نقطة توتر مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس جو بايدن التي فرضت قيودًا على مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة، وتسبب في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، وتحول إلى حرب بالوكالة بين الرياض وطهران.
 
ومن المحتمل أن تستخدم طهران نفوذها للضغط على حلفائها الحوثيين ليكونوا أكثر استعدادًا لإنهاء الصراع في اليمن، وضمان تخفيف هجماتهم على الأراضي السعودية، حينها ربما ستكون الرياض منفتحة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مباشرة.
 
يعزز من هذه الفرضية ردود فعل الحوثيين التي كانت أكثر رصانة ودبلوماسية، وتوحي بقرب التوصل لاتفاق ينهي الحرب، خاصة أن الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام علق بعد ساعات من الإعلان عن الاتفاق في تغريدة قال فيها: "المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها".
 
لكن يبدو من غير المرجح بحسب مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية أن تتوصل السعودية إلى اتفاق مع إيران ما لم يكن هناك بعض التفاهم على أن إمداد طهران بالسلاح للحوثيين سينتهي، خاصة أن الاتفاق يتضمن بندًا واضحًا يتم التعهد فيه بعدم التدخل في شؤون الطرف الآخر، وهذا يعني أن الصراع بين الحوثيين والتحالف المدعوم من السعودية سيستمر وستستمر المطالب الانفصالية في جنوب اليمن.
 
لبنان.. فرصة لتجاوز الطائفية
 
 
كما هو الحال في اليمن، يقع لبنان في قلب الخلافات الإقليمية بين السعودية وإيران، وعلى مدى سنوات، انقسمت السياسة اللبنانية بين تحالف مؤيد لإيران بقيادة تنظيم "حزب الله"، بينما دعمت الرياض السياسيين السُنَّة في البلاد، الأمر الذي يجعل هذا الانقسام الحاد إحدى أكثر الأزمات التي تختبر التقارب السعودي الإيراني.
 
بخلاف السياسة، يواجه لبنان انهيارًا ماليًا غير مسبوق، فقد انسحبت السعودية، الحليف العربي الأقرب له في السابق، إلى حد كبير في أعقاب خلاف دام سنوات بسبب نفوذ "حزب الله" المدعوم من إيران في البلاد.
 
وصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها عام 2021، عندما سحبت المملكة وبعض حلفائها العرب في الخليج سفراءهم من بيروت في أعقاب انتقادات سابقة لوزير الإعلام اللبناني آنذاك جورج قرداحي لحرب التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ورغم عودة المبعوثين في وقت لاحق، ظلت العلاقات السعودية اللبنانية فاترة. 
 
بالنظر إلى ردود فعل الأطراف المختلفة، قد يؤدي التقارب بين طهران والرياض إلى دفع الأطراف المتنازعة نحو مصالحة سياسية في لبنان، فقد أشاد "حزب الله" بهذه الصفقة، وهذه حالة نادرة، وقال إنها "تطور جيد"، لكنه حذر من أن تداعياتها الكاملة لا تزال غير معروفة، فقد دعم الحزب الوزير السابق سليمان فرنجية لمنصب الرئاسة الشاغر منذ العام الماضي لكن بعض المصادر تقول إن السعودية تعارضه. 
 
رغم ذلك، أثار تخفيف حدة التوترات بين الرياض وطهران الأمل في إنهاء حالة الجمود السياسي والاقتصادي، فقد أشاد رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بالاتفاق، ووصفه بأنه "فرصة لكي نتنفس في المنطقة وننظر إلى الأمام"، لكن هذا لا يعني وفق محللين أن علاقات لبنان مع الرياض ستتحسن تلقائيًا. 
 
يستشهد هؤلاء بقول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، في حديثه لقناة "العربية" السعودية إن لبنان بحاجة إلى "تقارب لبناني لتحسين الوضع في لبنان، وليس التقارب السعودي الإيراني"، الأمر ذاته ذكره بالنص السفير الإيراني في لبنان مجتبي أمان معقبًا على استئناف العلاقات الإيرانية السعودية.
 
في حين يستهدف حديث المسؤولين في طهران والرياض في المقام الأول حث اللبنانيين على تجاوز الخلافات بينهما، لا يستبعد مراقبون أن تشير هذه الردود إلى أن لبنان ليس على رأس أولويات صناع القرار في الرياض، التي ربما تفصل خلافاتها مع لبنان عن صراعها مع إيران.
 
العراق.. تجدد آمال الانفراجة 
 
 
بعد الإطاحة بصدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، عمقت إيران نفوذها السياسي والأمني والاقتصادي في العراق، حتى أصبح هذا البلد الغني بالنفط ساحة للتنافس الإيراني السعودي.
 
في عام 2019، شنت إيران هجومًا بطائرة دون طيار على منشآت نفطية سعودية حلقت عبر الأجواء العراقية، وفي العام التالي، عززت إعادة فتح المعبر الحدودي السعودي العراقي بعد أكثر من عقدين الآمال في تحسين العلاقات.
 
وسارع العراق، الذي استضاف عدة جولات من المحادثات بين جارتيه إيران والسعودية خلال العامين الماضيين - لكنها توقفت العام الماضي حين واجه أزمة سياسية - بالترحيب بالتقارب السعودي الإيراني باعتباره علامة واضحة على استعداد البلدين لطي الصفحة بعد سنوات من الاضطراب.
 
ومن المحتمل أن ينعكس الاتفاق الجديد إيجابيًا على الوضع في العراق في ظل الصراع الدائم على النفوذ بين السعودية وإيران في هذا البلد، والأكيد أن هدوء الخصومة التقليدية بين القوتين الكبيرتين في المنطقة سيصب في مصلحة جارهما العراق، ويتوقع مراقبون أن تتراجع نبرة العداء ضد السعودية من الفصائل الموالية لإيران.
 
ويأمل العراقيون في انفراجة إقليمية عامة من شأنها أن تسمح لبلدهم بإعادة البناء، بدلاً من زعزعة الاستقرار من الولايات المتحدة ودول الخليج العربي والإيراني، خاصة أن العراق شهد اتساعًا للنفوذ الإيراني في الداخل خلال فترة القطيعة مع الرياض، وخلال هذه الفترة فاته تحسين العلاقات مع السعودية والاستثمارات الكبيرة المحتملة في البلاد.
 
السعودية تريد من إيران كبح جماح بعض حلفائها في العراق، لا سيما الجماعات المسلحة شبه العسكرية التي تعتبرها تهديدًا أمنيًا، وعلى رأسها فصائل الحشد الشعبي المسلحة التي تجمعها روابط وثيقة مع طهران. 
 
لكن هذا قد يكون مجرد حلم كما يقول رئيس المركز العراقي للفكر السياسي إحسان الشمري في تصريحات لشبكة "سي إن إن"، لأن إيران ترى العراق دولة تابعة، ولها سطوة ونفوذ لا تخطئه عين على أبرز الأحزاب والفصائل، وتسببت بأكثر من مأزق سياسي. 
 
سوريا.. مزيد من التطبيع
 
 
دعمت إيران رئيس النظام السوري بشار الأسد عسكريًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا منذ حملته القمعية على الاحتجاجات عام 2011، بينما دعمت السعودية في وقت مبكر، المعارضين الذين يحاولون الإطاحة بالأسد، لكن وفيما ساعد دعم إيران النظام السوري على قلب المد، تضاءل الدعم السعودي للمعارضة المسلحة والسياسية.
 
ويأتي الاتفاق السعودي الإيراني مع تقرب دول عربية من الأسد، خاصة بعد الزلزال الذي دمَّر كل من سوريا وتركيا، وتقول السعودية إن المزيد من التقارب قد يؤدي إلى عودة سوريا لجامعة الدول العربية، وهذا قد يمتد حتى إلى إعادة الاندماج الإقليمي لسوريا، وهو ما عارضته السعودية في السابق بسبب العلاقات الوثيقة للرئيس السوري بإيران.
 
ويرى آرون لوند من "مركز أبحاث القرن الدولي" أن قلة العداء السعودي الإيراني يمكن أن يخفض عتبة التقارب السعودي السوري، ويجعل من المقبول بالنسبة للرياض التطبيع الكامل مع الأسد، ما يزيد من تقوية قبضته، وهو ما يفسر حفاوة النظام السوري بالاتفاق، ووصفه بأنه "خطوة مهمة" من شأنها تعزيز الاستقرار الإقليمي.
 
أمريكا و"إسرائيل".. تهديد النفوذ
 
 
يجري تقييم اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بالنظر إلى تأثيره الإقليمي المحتمل، وكذلك كيفية تأثيره على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، الذي يرى العديد من خبراء السياسة في واشنطن أنه تضاءل أمام التدخل الصيني في المنطقة. 
 
على الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال لديها قواعد عسكرية ضخمة في المنطقة، فإن دول الخليج العربي تشعر بالقلق منذ سنوات من أن التزام الولايات المتحدة بالأمن ليس قويًا كما كان من قبل، وأن الصين مستعدة لتقديم الأسلحة والتكنولوجيا والاستثمار دون قيود.  
 
ويقول محللون إن ولي العهد السعودي لا يريد أن يقتصر على العمل لضمان أمن بلاده مع الولايات المتحدة فقط، التي انتقدته بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، لكن آخرين تنقل عنهم صحيفة "نيويورك تايمز" حذروا من أن ابن سلمان يميل ببساطة إلى النهج الأكثر براغماتية في السياسة الخارجية الذي اتبعه خلال السنوات القليلة الماضية. 
 
وبينما تظل الولايات المتحدة الشريك الأمني المهيمن للمملكة، فإنهم يقولون إن واشنطن لم يكن بإمكانها التوسط في صفقة بين السعودية وإيران على أي حال، بالنظر إلى علاقاتها المتوترة للغاية مع إيران.
 
تصر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على أنها كانت دائمًا تؤيد أي اتفاق يهدئ التوترات الإقليمية، بما في ذلك استعادة العلاقات الإيرانية السعودية، لكن خبراء السياسة الخارجية الأمريكيين منقسمون، ويقولون إنهم يشككون في أن إيران ستفي بالتزاماتها، لكنهم يقولون إنهم سيراقبون عن كثب منح طهران فرصة للتغيير، خاصة أن الصين تتولى هذا الدور التقليدي في المنطقة. 
 
قد يكون دور الصين في التقارب مصدر قلق من حيث صلته بمعركة النفوذ بين واشنطن وبكين في المنطقة وخارجها، لكن المسؤولين قالوا إنه من غير الواضح ما إذا كانت الجهود الصينية ستنجح.
 
كما تثير التطورات الأخيرة تساؤلات عن مبادرة دبلوماسية أمريكية تتضمن محاولة للتوسط في تطبيع دبلوماسي رسمي بين السعودية و"إسرائيل"، فقبل ساعات من الإعلان عن الاتفاق، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إيطاليا، يمجد أحد أهدافه الرئيسية: تطبيع العلاقات مع السعودية.
 
هذا التحرك الذي سعت إليه "إسرائيل" ربما يتعين عليها الآن إعادة التفكير فيه، إذ يبدو أن الاتفاق مع إيران سيعقد ذلك، ويمكن أن يجعلها تشعر بمزيد من العزلة إذا قررت توجيه ضربة عسكرية ضد برنامج إيران النووي مع امتلاك طهران ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع العديد من الأسلحة النووية إذا اختارت ذلك، ويخشى المسؤولون السعوديون من أن المملكة قد تكون هدفهم الأول. 
 
بالنسبة لتل أبيب، يُنظر إلى السلام مع الرياض على أنه ذروة اتفاقيات التطبيع، وعلى الرغم من استمرار العلاقات من وراء الكواليس لسنوات، فإن السلام الشامل سيكون إنجازًا كبيرًا، وأحد العناصر الرئيسية في تشكيل تحالف إقليمي لمواجهة إيران، لكن هذا ليس ضمانًا كافيًا، فقد سعت الإمارات، التي طبَّعت العلاقات مع "إسرائيل" وتوجه الاتهامات منذ فترة طويلة لطهران، لتخفيف التوترات مع إيران.
 
الرياض وطهران.. البحث عن الفرص الضائعة
 
 
كان التقارب الدبلوماسي بين السعودية وإيران بعد سنوات من المواجهة في صراعات بالوكالة في جميع أنحاء الشرق الأوسط إنجازًا دبلوماسيًا غير مسبوق لبكين التي لطالما اقتصر وجودها في المنطقة على الاقتصاد والتجارة، وكان ذلك مصدر ارتياح لإيران التي تعاني من اضطرابات داخلية واقتصاد يرزح تحت وطأة العقوبات القاسية.
 
واجهت إيران عقوبات دولية قاسية وسط انهيار اتفاقها النووي لعام 2015 مع القوى العالمية، ما جعلها أقل قدرة على ممارسة النفوذ خارج حدودها، وإلحاق أي ضرر بخصومها في الولايات المتحدة و"إسرائيل" التي تعدها إيران عدوها الأول. 
 
يمكن أن يوفر الاتفاق السعودي الإيراني لطهران سبلًا جديدة للالتفاف على العقوبات وتجاوز عقبة الصعوبات الاقتصادية، ويمنحهما سيطرة أكبر على أسعار النفط، حيث يُشكِّلان معًا 35.5% من احتياطيات "أوبك" النفطية. 
 
في الوقت نفسه، اجتذب الغزو الروسي لأوكرانيا تركيز القوى العالمية في أماكن أخرى، تاركًا لحكومات الخليج شعورًا أقوى بضرورة الاعتماد على نفسها، في حين عمَّقت إيران علاقاتها مع روسيا، وسلَّحت موسكو بطائرات مسيرة تستخدمها في حرب أوكرانيا، وتحدث تقرير استخباراتي عن توصلها إلى اتفاق لبدء إنتاج مسيّرات هجومية في روسيا، ما عرضها لعقوبات جديدة فرضها عليها الاتحاد الأوروبي.
 
السعودية أيضًا لديها الكثير لتكسبه في حال سرت المصالحة السعودية الإيرانية بالفعل، حيث يمكن أن يساعد الاتفاق في تهدئة التوترات الإقليمية التي أشعلت الحروب وأثارت الخلافات الإعلامية وأرسلت صواريخ وطائرات مسيرة عابرة إلى قلب الرياض. 
 
أصبح حل النزاعات التي استنزفت ميزانية الحكومة السعودية وتلطيخ سمعتها وردع المستثمرين المحتملين أولوية قصوى لولي العهد السعودي الذي ينفق عشرات المليارات من الدولارات على مشاريع عملاقة لتنويع مصادر الاقتصاد وتقليل الاعتماد الكلي على النفط الخام وسط التهديدات التي يفرضها تغير المناخ، وتغيير المجتمع السعودي المحافظ، على أمل تحويل المملكة إلى مركز عالمي للأعمال والثقافة.  
 
كما تسعى المملكة لخلق أنماط جديدة من الشراكات والمنافسات الإقليمية، لكن القلق بشأن الهجمات العابرة للحدود يضع هذه المشاريع محل شك، ما يدفع المملكة في هذا الوقت بالتحديد إلى إعادة النظر في علاقتها المشحونة مع إيران، لكن من المرجح أن تظل السعودية حذرة في التعاملات الاقتصادية مع إيران لأنها لا تريد التعرض للعقوبات الأمريكية. 
 
من ناحية أخرى، ستُظهر كيفية اندلاع الحرب الإعلامية جدوى الاتفاق الإيراني السعودي لتطبيع العلاقات، وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن السعودية وافقت على تخفيف حدة التغطية الانتقادية لإيران من "إيران إنترناشونال"، وهي قناة إخبارية باللغة الفارسية تجري بانتظام مقابلات مع خصوم طهران وتغطي الاحتجاجات ضد الحكومة، وقالت القناة، في الشهر الماضي، إنها ستنقل عملياتها من لندن إلى واشنطن بسبب "تهديدات إيران".
 
وتأمل الرياض أن يقلل الاتفاق مع طهران من فرص نشوب نزاع مسلح بينهما، وأن تقيها الدبلوماسية شر الهجمات الإيرانية المباشرة أو هجمات حلفائها الحوثيين في اليمن لضمان عدم تعطيل التنقيب عن النفط أو نقله أو بيعه، فضلًا عن الحد من تعرضها للآثار الجانبية الناتجة عن تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية من ناحية، والتصعيد العسكري المتبادل مع "إسرائيل" من ناحية أخرى.
 
 
المصدر: نون بوست