كُتّاب الموقع
تداعيات الاتفاق السعودي الإيراني على مسار التطبيع مع "إسرائيل"

عماد عنان

الإثنين 13 آذار 2023

لا تزال أصداء الاتفاق السعودي الإيراني على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتنسيق في الملفّات الإقليمية ذات الاهتمام الأمني والسياسي المشترك، الذي تم برعاية صينية، تخيم على الأجواء، وسط ردود فعل متأرجحة بين الترحيب والترقب والقلق.
 
ويمثل هذا الاتفاق الذي جاء تتويجًا لجهود دبلوماسية استمرت ثلاث سنوات بين العواصم الثلاثة (مسقط - بغداد - بكين) لإعادة العلاقات المنقطعة بين الرياض وطهران منذ عام 2016، جرعة سياسية دسمة ستحرك بلا شك المياه الراكدة في الكثير من الملفات الإقليمية الحساسة التي وضعت منطقة الشرق الأوسط فوق فوهة بركان طيلة السنوات الماضية.
 
ومن أكثر الملفات التي من المتوقع أن يكون لهذا الاتفاق تدعاياته عليها، تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، التي شهدت خلال الآونة الأخيرة هرولة لم تشهدها منذ نشأة دولة الاحتلال، وذلك بانضمام 3 دول عربية دفعة واحدة لما يسمى بـ"اتفاق أبراهام"، فيما كان يؤمل الإسرائيليون أنفسهم بانضمام دول أخرى وعلى رأسها السعودية، فأي تأثير محتمل يمكن أن يحدثه التقارب السعودي الإيراني على هذا الملف؟
 
مفاجأة لـ"إسرائيل" وصدمة لنتنياهو
 
 
"الصفقة السعودية مع إيران تفاجئ إسرائيل وتهز نتنياهو"، تحت هذا العنوان نشرت صحيفة New York Times الأمريكية، الجمعة 10 مارس/آذار 2023، تقريرًا مطولًا، استعرضت فيه حالة القلق التي خيمت على دولة الاحتلال وهي تستقبل أنباء إعادة التقارب الدبلوماسي بين الرياض وطهران.
 
وتشير الصحيفة إلى أن الاتفاق من شأنه أن يضاعف مشاعر الخطر القومي التي أثارتها الانقسامات الإسرائيلية الأخيرة إزاء ملف القضاء والموقف من حكومة بنيامين نتنياهو ذات الهوى اليميني المتطرف، فيما وصفت استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي لتلك الأنباء بأنها فاجأته على حين غرة.
 
ويستند التقرير على فرضية تقويض تلك الخطوة لآمال تل أبيب في تدشين تحالف إقليمي ضد طهران، أو ما كان يعرف بـ"الناتو العربي الإسرائيلي" وهو المشروع الذي حارب لأجله نتنياهو وصقور دولة الاحتلال طيلة السنوات الماضية، الذي بات بعد هذا الاتفاق على المحك، وربما يذهب أدراج الرياح إذا ما تُرجمت بنود الاتفاق إلى ممارسات عملية تدفع دول الخليج إلى إعادة النظر في التعامل مع إيران كتهديد محتمل يتطلب عزله إقليميًا والدخول في تحالفات لتقليم أظافره.
 
واتساقًا مع ما نشرته الصحيفة الأمريكية ترى صحيفة بيزنس ستاندرد (Business Standard) الهندية، الصادرة باللغة الإنجليزية، أن اتفاقات التطبيع الإسرائيلية التي توسطت فيها الولايات المتحدة عام 2020 مع أربع دول عربية، بما في ذلك البحرين والإمارات العربية المتحدة، لا تزال أحد أعظم انتصارات السياسة الخارجية لنتنياهو، لقد كانوا جزءًا من حملة أوسع لعزل إيران في المنطقة.
 
لقد صور نتنياهو نفسه على أنه السياسي الوحيد القادر على حماية "إسرائيل" من البرنامج النووي المتسارع لطهران والوكلاء الإقليميين مثل حزب الله في لبنان وحماس في قطاع غزة، وكان يرى في صفقة التطبيع مع السعودية، أكثر دول المنطقة ثراءً، الهدف الثمين الذي سيحقق أحلامه ويعيد تشكيل المنطقة بما يعزز مكانة "إسرائيل" بطرق تاريخية، بحسب الصحيفة التي نقلت عن نتنياهو إيماءاته المستمرة منذ عودته إلى المنصب أواخر العام الماضي بأن تدشين تحالف ضد إيران بمشاركة السعودية أمر وشيك.
 
من جانبه علق الخبير في شؤون الخليج العربي في معهد دراسات الأمن القومي (مركز أبحاث إسرائيلي) يوئيل على خطوة التقارب السعودي الإيراني بـ"أنها ضربة لفكرة "إسرائيل" وجهودها في السنوات الأخيرة لمحاولة تشكيل كتلة مناهضة لإيران في المنطقة"، ويتفق مع هذا الرأي السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة والمقرب من نتنياهو، داني دانون، الذي يرى في هذا التقارب استهدافًا واضحًا لجهود دولة الاحتلال في المنطقة فيما يتعلق بمحاصرة طهران.
 
الضربة الموجهة لنتنياهو عبر هذا الاتفاق لن تكتفي بفشل السياسة الخارجية لحكومته وإجهاض مشروعه الإقليمي في مواجهة إيران فقط، بل من المحتمل أن تكون ورقة ضعط داخلية يمكن للمعارضة توظيفها للإطاحة به من منصبه، في ظل الاحتقان الشعبي ضده والمستمر للأسبوع التاسع على التوالي، وهو ما بدت إرهاصاته تلوح في الأفق مع أول رد فعل من زعيم المعارضة، يائير لبيد، الذي غرد على مواقع التواصل الاجتماعي قائلًا: "يمثل الاتفاق بين السعودية وإيران إخفاقًا كاملًا وخطيرًا للسياسة الخارجية في الحكومة الإسرائيلية، وهذا ما سيحدث عندما تتعامل مع الجنون القضائي طوال الوقت بدلًا من تأدية وظيفتك".
 
اتفاق أبراهام.. تجميد مؤقت
 
 
كان التحالف ضد إيران ووأد طموحها الإقليمي وتقليم أظافر تمددها على حساب الجيران والمنطقة هو المرتكز الأساسي الذي كانت تعتمد عليه تل أبيب في مساعيها لإقناع السعودية والدول العربية للانخراط في اتفاق أبراهام، وكلما ارتفعت درجة حرارة التهديدات الإيرانية ارتفع بالتبعية منسوب قرب التوصل إلى اتفاق تطبيع بين البلدان الخليجية تحديدًا ودولة الاحتلال.
 
ومن ثم يأتي هذا الاتفاق واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين ليجهض هذا المرتكز ويفرغه من مضمونه، على الأقل في الوقت الراهن، ما قد ينعكس بالفعل على فكرة التطبيع العلني بين المملكة و"إسرائيل"، وهو ما يتفق معه الباحث بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، براين كاتوليس، الذي يرى أن هذا الاتفاق "قد يؤدي إلى إحداث فجوة أوسع بين "إسرائيل" والسعودية إذا أسفر ذلك عن انفتاح دبلوماسي أوسع بين المملكة وإيران.. "إسرائيل" تقابل بالتشكيك أي تعامل دبلوماسي مع النظام في طهران"، بحسب تصريحاته لـ"فرانس 24".
 
أما زميله في معهد نيو لاينز للإستراتيجيات والسياسات، نيكولاس هيراس، فيصف تلك الخطوة بأنها "نصر دبلوماسي واضح لإيران، وضربة لنتنياهو"، مضيفًا "السعودية التي تخطب "إسرائيل" ودها، أرسلت للتو إشارة قوية إلى الحكومة الإسرائيلية الحاليّة مفادها أن الإسرائيليين لا يمكنهم الاعتماد على الرياض لدعم أي عمل عسكري إسرائيلي ضد إيران في أي مكان في المنطقة".
 
غير أن فكرة الربط الحصري بين التطبيع السعودي الإسرائيلي والملف الإيراني قد لا تروق للبعض، فالأمر أكبر وأعمق من هذا الإطار الضيق، بحسب المحلل السعودي عزيز الغشيان، الذي يصف هذا الربط بـ"السطحي"، مضيفًا "الفكرة القائلة بأن عدو عدوي هو صديقي.. نادرًا ما تصرفت السعودية على هذا الأساس، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمسائل الإستراتيجية".
 
معتبرًا أن الإعلان عن هذا الاتفاق دلالة على أن المملكة تعطي الأولوية للتقارب مع إيران على التقارب العلني مع "إسرائيل"، مختتمًا حديثه بقوله: "هذا لا يعني أن مواصلة العلاقات الهادئة جدًا مع "إسرائيل" ستتوقف.. الآن العلاقة مع إيران هي أحد المتغيرات وهو جزء من الحسابات".
 
مرحلة تقييم
 
 
من السابق لأوانه استقراء تداعيات هذا الاتفاق بشكل جازم، فالأمر أقرب لإعلان حسن النوايا بين الجانبين أكثر منه اتفاق رسمي لإعادة تطبيع العلاقات المفخخة بعشرات الملفات القادرة على نسفها في أي وقت، فالمهلة الشهرين المقدمة من الصين لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما يمكن قراءتها في ضوء منح فرصة زمنية مناسبة لكل طرف من أجل إثبات نواياه الحقيقية قبل المضي قدمًا في ترجمة الاتفاق إلى خطوات عملية.
 
قد تتوافر النية لدى كل من الرياض وطهران لتخفيف حدة التوتر بينهما خاصة في ضوء التحديات الراهنة والتغيرات الطارئة على سياسة البلدين التي دفعتهما إلى إعادة النظر في كثير من المواقف السابقة، لكن النية وحدها ليست كافية لإدراك تلك الغاية في ظل استمرار فتح الملفات العالقة بين البلدين في اليمن وسوريا والخليج العربي ولبنان والعراق وفي الشرق السعودي، وكلها ملفات لم تغلق بعد، وفي حال استمرارها - دون التوصل لحلول عاجلة لها - ستكون قنابل موقوتة قادرة على نسف أي جهود دبلوماسية للتقارب.
 
ثمة دوافع تقود الصين لبذل المزيد من الجهود لمرور الشهرين المقبلين بسلام تمهيدًا لاستئناف العلاقات بين طهران والرياض، لما لتلك الخطوة من نجاح دبلوماسي يحسب للعملاق الآسيوي الطامح في البحث عن دور سياسي إقليمي ينافس به خصمه الأمريكي ويقوض حضوره في تلك المنطقة الإستراتيجية التي تتشابك فيها المصالح الصينية الأمريكية، غير أن ذلك يتوقف على سلوكيات كل من المملكة وإيران فيما يتعلق بالملفات والقضايا المتشابكة، وهو ما يجعل المهمة صعبة للغاية، خاصة أن القلق الأمريكي الإسرائيلي من هذا التقارب ربما يقف حجر عثرة أمام تنفيذ تفاهمات الاتفاق.
 
أما على الجانب السعودي فمن المستبعد أن تلقي المملكة براية العلاقات مع "إسرائيل" على الأرض، إذ تسعى إلى إحداث حالة من التوازن في العلاقات، خاصة في ظل عدم الثقة في استجابة طهران ووفائها بالتفاهمات العامة المتفق عليها، والتجارب السابقة السلبية في هذا الاتجاه أكبر شاهد على ذلك، وهو ما يجعل المبالغة في تقييم هذا التحرك غير موضوعي بالمرة.
 
وفي الأخير، قد لا تمثل تلك الخطوة تهديدًا مباشرًا لاتفاق أبراهام بين الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مع دولة الاحتلال، في ضوء تقديم المصالح المشتركة بين الطرفين على فكرة استهداف النفوذ الإيراني، عكس السعودية التي من المتوقع أن تجمد أي مفاوضات بشأن خطوة تقارب علني مع تل أبيب مع الإبقاء على قنوات التواصل المفتوحة، ومما يزيد الأمر صعوبة الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة وتصعيد العنف بحق الشعب الفلسطيني، ما يقوض فرص الالتقاء في الفترة الحاليّة على أقل تقدير.
 
 
 
المصدر: نون بوست