كُتّاب الموقع
هل تنجح مبادرات مصر والإيقاد في تهدئة القتال في السودان؟

يوسف بشير

الأربعاء 19 نيسان 2023

تسعى كل من مصر والإمارات والهيئة الحكومية المعنية بالتنمية "منظمة الإيقاد"، إلى التوسط بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإنهاء القتال العنيف المندلع بينهما داخل العاصمة الخرطوم والمدن الأخرى، منذ السبت 15 أبريل/نيسان الحاليَّ.
 
وتشير تطورات الوضع الميداني إلى أن طرفي النزاع لن ينخرطوا في أي تفاوض قبل إلحاق أكبر قدر من الضرر في العتاد والبنية التحتية العسكرية ووسط صفوف القوات، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية لقائدي الجيش والدعم السريع اللذين يسعيان للانفراد بحكم السودان وإن كان ذلك على حساب الأمن والاستقرار.
 
 
تطورات الوضع الميداني
 
 
استمرت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، فجر الثلاثاء 18 أبريل/نيسان الحاليّ، في محيط قيادة الجيش ومطار الخرطوم والأحياء السكنية القريبة منهما، وذلك بعد أن نفذ الطيران الحربي طلعات جوية، ليلًا، على قواعد قوات الدعم السريع ومقر إقامة قائدها.
 
وتدور اشتباكات بين القوتين على قاعدة مروي العسكرية الجوية، شمال السودان، فقد ظل الطرفان منذ اندلاع القتال يدعيان السيطرة عليها.
 
وتحدث الجيش عن سيطرته على القيادة العامة والقصر الرئاسي ومقر التليفزيون الحكومي وجميع المقار العسكرية في الولايات، لكن الفيديوهات التي نشرتها قوات الدعم السريع تشير إلى أنها تضع يدها على القصر الرئاسي وعلى بعض مقرات القيادة العامة ومقر التليفزيون الحكومي وبعض المناطق في ولاية دارفور، كما أعلنت استيلاءها على صواريخ من مخازن الجيش. 
 
ويفيد ناشطون بأن قوات الدعم السريع تضع يدها فعليًا على مقر التليفزيون الرسمي، فيما يمتلك الجيش إشارة البث ولهذا استأنف بثه بمحتوى يتحكم فيه، لكن في الواقع تدور اشتباكات عنيفة في مقره الذي يقع في أم درمان. 
 
يقول المتحدث باسم الجيش العميد نبيل عبد الله، إن قوات المرحلة الأولى نجحت في امتصاص الصدمة وتأمين الموقف وأصبحت الظروف مهيأة للانتقال إلى المرحلة الثانية بقوات جديدة، وفيها يتسع نطاق عمليات التأمين.
 
وأفاد بأن القوات الخاصة سيطرت على قاعدة الشهيد حمودة التابعة للدعم السريع بمدينة أم درمان شمال العاصمة الخرطوم، وأعلن في وقت سابق الاستيلاء على مقرات الدعم السريع في الفاشر بولاية شمال دارفور غرب السودان، وهي مدينة تشهد انتشار واسع لعمليات النهب والإجرام والنزوح منذ اندلاع الاشتباكات.
 
ولم تنجح إستراتيجية الدعم السريع، كليًا، في تفادي القصف بالطيران الحربي بعد فشلها في تحييده، وربما هذا ما دفعها إلى الابتعاد عن قواعدها في العاصمة الخرطوم والتركيز على السيطرة على قيادة الجيش والمطار، إضافة إلى الانتشار في الشوارع التي تدور فيها اشتباكات عنيفة تضرر منها السكان بصورة مباشرة.
 
استهداف الدبلوماسيين
 
 
أعلن سفير الاتحاد الأوروبي بالخرطوم جوزيف بوريل، عن تعرضه لاعتداء بمقر إقامته، دون الكشف عن هوية المعتدين، مشيرًا إلى أن هذا الاعتداء يُشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية فيينا، إذ يعد أمن المباني الدبلوماسية والموظفين مسؤولية أساسية للسلطات السودانية والتزام بموجب القانون الدولي. 
 
كما تعرضت سيارة مصفحة تابعة للسفارة الأمريكية في الخرطوم لوابل من الرصاص، تقول تقارير صحفية إنها بلغت 100 رصاصة بواسطة قوات الدعم السريع، دون أن تقع إصابات. 
 
وكان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الذي يُقدم مساعدات غذائية لملايين السودانيين، قد علق أنشطته الإنسانية بعد مقتل ثلاثة من موظفيه في قاعدة للجيش بمنطقة كبكابية بولاية شمال دارفور برصاص قوات الدعم السريع. 
 
واتهم المتحدث باسم الجيش، قوات الدعم السريع باستهداف البعثة الأمريكية والاعتداء على منزل سفير الاتحاد الأوروبي واستهداف مقار برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في الفاشر، كما اتهمها بنهب أسواق ثلاث مدن في إقليم دارفور وممتلكات المواطنين في الخرطوم والتعدي على المنشآت الصحية وضرب محطات الكهرباء والمياه وتدمير طائرات مدنية في مطار الخرطوم.
 
وقالت قوات الدعم السريع إن جميع قواتها منخرطة في المعارك وتعمل على تأمين المواقع التي استولت عليها، ولا توجد قوة مُكلفة بالاعتقالات أو دخول منازل المواطنين.
 
واتهمت، بدورها، الجيش والنظام السابق بتنفيذ جرائم وحشية ضد المواطنين الأبرياء، من بينها الهجوم غير المبرر على مقار البعثات الدبلوماسية ومثالًا على ذلك مقر سفير بعثة الاتحاد الأوروبي في الخرطوم في محاولة مكشوفة لإجبارهم على مغادرة منازلهم لتنفيذ عمليات عسكرية بالطيران.
 
جانب من الأزمات الإنسانية
 
 
تضررت عشرات المباني السكنية في مدن العاصمة الخرطوم الثلاثة، من القصف العشوائي بقذائف المدفعية والرصاص الطائش، ما أدى لمقتل 180 شخصًا وإصابة 1800 آخرين وفقًا للأمم المتحدة، لكن يرجح أن عدد الضحايا أكبر من ذلك بكثير.
 
ويتحدث مواطنون، على مواقع التواصل الاجتماعي، عن عدم قدرتهم على إسعاف المصابين إلى المستشفيات أو دفن القتلى الذين قُتلوا جراء الاشتباكات، ودائمًا ما يعززون حديثهم بصور وفيديوهات تُظهر تعرض بعضهم للقصف في أثناء محاولات الوصول إلى المستشفيات.
 
وأعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء خروج 16 مشفى من الخدمة، نتيجة استهدافها بالقصف أو بالإخلاء قسرًا بواسطة القوات العسكرية المتصارعة، إضافة للتأثر بانقطاع الإمداد البشري والدوائي والماء والكهرباء.
 
وكان النظام الصحي، يُعاني قبل اندلاع الاشتباكات، من شح حاد في أكياس نقل الدم دفع السلطات إلى اقتصاره على الحالات الحرجة، ومع تزايد الإصابات وحاجتهم لتدخل جراحي يتطلب نقل الدم فإن مصير المئات هو الموت ببطء.
 
وتطوع أطباء، في ظل تزايد الإصابات والنقص في دواء منظم السكر لمرضى السكر "الأنسولين" وعدم قدرة مصابي الفشل الكلوي على الوصول للمشافي، في تقديم نصائح طبية وتوجيهات علمية لتقليل الوفيات.
 
وتُعاني أحياء واسعة في الخرطوم من انقطاع مياه الشرب والكهرباء وتضرر شبكات الصرف الصحي، علاوة على شح الإمدادات الغذائية في ظل استمرار إغلاق المحلات التجارية والمخابز.
 
 
مبادرات إنهاء الأزمة
 
 
نظرًا لتأثير عدم استقرار السودان على الدول المجاورة خاصة مصر ودول القرن الإفريقي، أسرعت كثير من الدول إلى دعوة طرفي النزاع لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة الحوار، فيما أسرعت دول إلى عرض الوساطة على الطرفين.
 
وقررت الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا "الإيقاد"، إرسال رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي إلى السودان في أسرع وقت ممكن لإجراء مصالحة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
 
وعطلت الاشتباكات العنيفة وصول مفوض الاتحاد الإفريقي موسى فكي، وفريق من مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى الخرطوم، حيث يحملان مبادرة لوقف إطلاق النار.
 
وفي اليوم الثاني لاندلاع الاشتباكات، عرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت، التوسط بين طرفي القتال في السودان، بعد تحدثهما هاتفيًا، كما طرحت القاهرة، بشكل منفصل، مبادرة لتسوية الأوضاع في السودان تتضمن وقف إطلاق نار فوري والتوصل لاتفاق مكتوب لمنع تكرار المواجهات المسلحة وتشكيل لجنة عسكرية تجتمع برعاية دولية وأممية وإزالة النقاط العالقة بإطار زمني، إضافة إلى سحب القوات العسكرية من الشوارع والعودة للثكنات.
 
وقالت وكالة رويترز إن مصر والإمارات تعملان على اقتراح وقف إطلاق النار في السودان مع استمرار الاشتباكات، دون أن يسفر عن نتائج بعد.
 
 
ويبدو أن طرفي النزاع مهتمان بالتفاوض، لكن جهودها تنصب أولًا على إلحاق خسائر عسكرية فادحة قبل الحديث عن الحوار بصورة مباشرة، وهذا يظهر جليًا في الدعوة التي وجهها قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان "حميدتي"، أمس الإثنين، إلى المجتمع الدولي للتدخل فيما وصفها بجرائم قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان.
 
هذه الدعوة دفعت وزارة الخارجية، ربما بإيعاز من الجيش، إلى إصدار بيان موجه إلى المجتمع الدولي قالت فيه إن قائد الجيش حل قوات الدعم السريع وإعلانها قوات متمردة على الدولة ويتم التعامل على هذا الأساس.
 
وأفادت بأنها تُقدر جهود الدول العربية والإفريقية والمجتمع الدولي الرامية للمساعدة في تهدئة الأوضاع، لكن هذا الأمر شأن داخلي ينبغي أن يترك للسودانيين لإنجاز التسوية المطلوبة فيما بينهم بعيدًا عن التدخلات الدولية.
 
وأكد رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، في تصريح بعد تقديمه إحاطة في جلسة مغلقة إلى مجلس الأمن الدولي، أن طرفي الصراع لا يعطيان انطباعًا بالرغبة في وساطة فورية من أجل السلام، لكن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قال إنه مستعد لقبول الوساطة، في وقت شدد فيه على أن الجيش سيهزم قوات الدعم السريع، ومع ذلك "كل حرب تنتهي على طاولة المفاوضات حتى لو تمت هزيمة الخصم، حتى لو حدث استسلام، لا يزال هناك تفاوض".
 
هناك ثلاثة أسباب تدفع الجيش والدعم السريع إلى قبول الوساطة، تتمثل في: الخسائر البشرية في صفوف القوات المتقاتلة والإمداد العسكري للقوات وضغوط المجتمع الدولي وتفاقم الأزمة الإنسانية وسط المدنيين، لكن الأهم من ذلك على ماذا يتفاوضان؟
 
يدرك الجميع أن الحرب التي يخوضها قائدا الجيش والدعم السريع، شُنت على أساس المصالح الشخصية، ولهذا فإن أي محتوى للتفاوض لا يتضمن تأمينها سيكون مرفوضًا منهما.
 
 
 
المصدر: نون بوست