كُتّاب الموقع
التصعيد الإسرائيلي.. ماذا ينتظر حلفاء تل أبيب العرب؟

صابر طنطاوي

الثلاثاء 11 نيسان 2023

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها اليومية بحق الشعب الفلسطيني على أكثر من مسار، بين قتل وتنكيل واعتقال وتضييق خناق على أداء الشعائر الدينية في شهر رمضان المبارك، وسط تحذيرات إقليمية ودولية من تفاقم الوضع وخروجه عن السيطرة بعدما تجاوز كل الخطوط الحمراء.
 
صباح اليوم اقتحم المئات من المستوطنين باحات المسجد الأقصى في القدس المحتلة (أكثر من 1500 مستوطن بحسب دائرة الأوقاف الإسلامية الفلسطينية)، تحت حماية قوات الاحتلال، حيث أدوا طقوسًا وصلوات تلمودية وحلقات رقص وغناء صاخبة في المنطقة الشرقية من المسجد وعلى بواباته الرئيسية، مقابل منع الفلسطينيين ممن هم دون سن الأربعين من أداء الصلاة ودخول المسجد، فيما دعا وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى تكثيف الاقتحامات خلال العشر الأواخر من رمضان.
 
تأتي تلك الانتهاكات التي تعكس رغبة ملحة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينة المتطرفة بإشعال الموقف لصالح حسابات سياسية داخلية، في ظل رد فعل عربي باهت، لا يتناسب مطلقًا مع حجم تلك الاعتداءات الوحشية المتكررة ليل نهار، فيما اكتفى حلفاء تل أبيب العرب وعلى رأسهم القاهرة وأبو ظبي ببيانات الشجب والإدانة، ذرًا للرماد فى العيون، دون أي تحرك عملي قبل انفجار المشهد.
 
إصرار على التصعيد
 
 
تقدم أعضاء من الكنيست وعلى رأسهم الليكودي المتطرف موشيه فيجلين، لصفوف المستوطنين المقتحمين للمسجد الأقصى، مرتدين ملابس الكهنوت الخاصة، وتأمينهم من قوات الأمن التي يشارك بعض أفرادها في تلك الصلوات التلمودية كما نقلت بعض الصور والمقاطع المنقولة على منصات التواصل الاجتماعي، يشير إلى خطة ممنهجة لإبقاء الوضع في دائرته الحمراء المشتعلة.
 
الدعوات المتكررة الصادرة عن متشددين منتمين للصهيوينة الدينية لزيادة أعداد المستوطنين والاقتحامات للأقصى خلال أيام عيد الفصح الذي من المقرر أن ينتهي بعد غد الأربعاء 12 أبريل/نيسان الحاليّ، في مقابل تشديد الخناق على الفلسطينيين وطردهم من المسجد ووضع قيود مشددة على دخولهم، تنذر بمرحلة جديدة من التصعيد المتعمد.
 
 
الأمر لم يتوقف عند حاجز الاقتحامات المتكررة للمسجد وأداء الطقوس التلمودية بداخله وفي باحاته واستفزاز الفلسطينيين بتلك الممارسات، فضلًا عن الاعتداءات المتكررة على المصلين واعتقال العشرات منهم، بل تجاوز ذلك إلى السماح للمستوطنين بتنظيم مسيرات داخل الضفة وخارجها في تحد سافر لمشاعر الفلسطينيين ودفعهم دفعًا نحو الصدام والمواجهة.
 
ومن المقرر أن تنطلق اليوم مسيرة للمستوطنين من حاجز زعترة جنوبي نابلس، باتجاه بؤرة "أفيتار" الاستيطانية المقامة على جبل صبيح في بلدة بيتا، تحت عنوان "أرض إسرائيل جميعها لنا.. عائدون" بعد حصولها على ترخيص من الجيش الإسرائيلي، ومن المقرر أن يشارك فيها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلى جانب وزراء وأكثر من 20 عضوًا بالكنيست، فيما خصص جيش الاحتلال كتيبة كاملة لتأمينها في مواجهة أي استهدافات فلسطينية.
 
وتشهد الضفة الغربية من بداية العام الحاليّ موجات متصاعدة من الانتهاكات الإسرائيلية، زادت وتيرتها بعد اقتحام قوات الاحتلال المصلى القبلي بالمسجد الأقصى الأربعاء 5 أبريل/نيسان الحاليّ والاعتداء على المصلين والمرابطين بالضرب واعتقال مئات منهم.
 
وفي ذات السياق، فتحت حكومة الاحتلال جبهات المواجهة على أكثر من مسار، في الجنوب اللبناني والجولان السوري، بجانب قطاع غزة، حيث قامت بقصف جوي ومدفعي وحشي على الجبهات الثلاثة خلال الأيام الماضية بعد استهداف الداخل الإسرائيلي برشقات صاروخية من تلك الجبهات في آن واحد، بجانب عمليتي إطلاق نار ودهس في الضفة و"إسرائيل" في السابع من الشهر الحاليّ، أسفرتا عن 3 قتلى بينهم سائح إيطالي وإصابة 5 آخرين.
 
تحذيرات من الانفجار
 
 
هذا التصعيد المتعمد قوبل بتحذيرات فلسطينية وإقليمية ودولية جراء ما يمكن أن يسفر عنه من انفجار للوضع الداخلي، حيث حملت حركة المقاومة الإسلامية حماس المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه الحرب العدوانية التي يقوم بها الاحتلال، معتبرة أنه ما زال يمارس أبشع صور الإجرام والإرهاب بحق الشعب الفلسطيني، فيما اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أحمد المدلل الاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى هو اعتداء على كل عربي ومسلم.
 
وانضم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد إلى زمرة المحذرين من تفاقم الوضع بسبب سياسات حكومة نتنياهو التصعيدية، حيث شدد على أن الحكومة غير مؤهلة للتعامل مع الوضع الأمني الراهن وتطوراته المستمرة، مطالبًا بتغيير بعض القيادات الأمنية الحاليّة التي كانت سببًا في انفجار الموقف في إشارة إلى وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير الذي وصفه "بالمهرج"، فيما وصف الحرم القدسي خلال شهر رمضان بأنه المكان الأكثر انفجارًا في العالم، ولا يمكن أن يديره "مهرج تيك توك"، على حد قوله.
 
وتتصاعد التحذيرات بالتزامن مع سخونة الوضع على الساحة الإقليمية حيث ربط البعض بين ما يحدث في الأقصى والسيولة السياسية والأمنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال الأيام القليلة الماضية، وهو ما ألمحت إليه صحيفة "نيويورك تايمز" بما نشرته بشأن إرسال الولايات المتحدة الغواصة "يو إس إس فلوريدا" الحاملة لصواريخ ذات رؤوس نووية موجهة إلى المنطقة بهدف ردع طهران بعدما كشف الجيش الأمريكي تحضير الحرس الثوري الإيراني هجمات بمسيّرات على سفن تجارية مدنية إسرائيلية تبحر في منطقة الخليج وبحر العرب، يأتي ذلك قبل أيام من تمركز حاملة الطائرات الأمريكية "جورج دبليو بوش" في البحر الأبيض المتوسط بالقرب من السواحل السورية، بعد الهجوم الذي تعرضت له قواعد أمريكية في سوريا من ميليشيات محسوبة على إيران.
 
تزامن إرسال الغواصة وحاملة الطائرات الأمريكيتين إلى الشرق الأوسط مع الوضع الملتهب في الأقصى يشيران إلى أن المنطقة مقبلة على مرحل جديدة من تصاعد التوتر، ليس بين "إسرائيل" وفلسطين فقط، بل بين أمريكا (الحليف الأكبر للاحتلال) وإيران (التي تتخذ من القضية الفلسطينية ساحة نفوذ لها)، وعليه وبجانب العوامل الإقليمية الأخرى فإن الوضع بات فوق فوهة بركان، ويتطلب التدخل العاجل لنزع فتيل الأزمة قبل تجاوزها للخطوط الحمراء وإشعال المنطقة بأسرها.
 
حلفاء "إسرائيل".. الاكتفاء بالشجب والتنديد
 
 
لم تفارق ردود الفعل في مجملها حاجز الإدانة والشجب والتنديد، سواء كانت إقليمية أم أممية، لتبقى الأمور في نطاقها الآمن بالنسبة لدولة الاحتلال التي ترتاح كثيرًا لهذا النوع من ردود الفعل التي لم تفارق الحناجر والبيانات الإعلامية دون أي تحرك عملي أو الضغط لإثنائها عن جرائمها المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
 
ومع كل انتهاك تقوم به قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين تتجه الأنظار في الغالب إلى حلفاء تل أبيب من العرب المطبعين، ممن يتمتعون بعلاقات حميمية دافئة مع حكومة نتنياهو، هؤلاء الحلفاء الذين شمروا عن سواعدهم خلال قمتي العقبة وشرم الشيخ الأخيرتين لضمان أمن "إسرائيل" في مواجهة أي تصعيد من المقاومة خلال شهر رمضان، وتوفير الغطاء السياسي للانتهاكات التي تمارسها ميدانيًا، لكنهم وجدوا اليوم أنفسهم في مأزق حقيقي بعد ضرب الاحتلال بكل مخرجات القمتين عرض الحائط بالاستمرار في السياسات ذاتها وعدم تجميدها كما كان متفق عليه.
 
فعلى الجانب الأردني، اكتفت كالعادة عمّان ببيان شجب وإدانة، لكن في المقابل خرج آلاف الأردنيين في مسيرة شعبية الجمعة السابع من الشهر الحاليّ انطلقت من أمام المسجد الحسيني في العاصمة الأردنية، منندة بالانتهاكات ومؤازرتهم للمرابطين، مطالبين حكومة بلادهم بإلغاء كل المعاهدات الموقعة مع دولة الاحتلال، ومستنكرين الصمت العربي إزاء العدوان على المصلين.
 
ومشددين على أن "اكتفاء الأنظمة الرسمية العربية بالتنديد والشجب والاستنكار يعكس حالة الفشل والذل التي وصلت إليها الأمّة العربية وحكوماتها أمام حكومة نتنياهو الأشد تطرفًا بتاريخ الكيان الصهيوني".
 
الأمر لم يختلف كثيرًا على الجانب المصري، حيث أعربت الخارجية المصرية على لسان المتحدث باسمها أحمد أبو زيد عن "قلق مصر البالغ نتيجة التصعيد المتسارع والخطير الذي تشهده المنطقة على مدار الـ48 ساعة الماضية، على إثر اقتحام القوات الإسرائيلية للمسجد الأقصى واعتدائها على المصلين والمعتكفين، وإطلاق صواريخ تجاه إسرائيل وتوجيه ضربات إسرائيلية لمناطق في قطاع غزة وجنوب لبنان"، مطالبًا جميع الأطراف بـ"ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والتجاوب مع الجهود المبذولة للتهدئة وحقن الدماء وحماية الأرواح".
 
إماراتيًا.. دعت أبو ظبي تل أبيب إلى "وقف التصعيد وعدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر"، معربة عن إدانة الدولة للاقتحامات على المسجد والاعتداء على المصلين، مجددة "موقف الإمارات الثابت بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى، ووقف الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية فيه"، كما شددت على أهمية "دعم كل الجهود الإقليمية والدولية المبذولة لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط قدمًا".
 
من جانبه أدان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو الهجوم الإسرائيلي على القدس، مضيفًا خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده الجمعة، مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة أنقرة "أدين الهجوم الإسرائيلي الذي ينتهك حرمة المسجد الأقصى في شهر رمضان ووضعه التاريخي"، مضيفًا "لا يمكن قبول المعاملة غير الإنسانية للشرطة الإسرائيلية تجاه المعكتفين في المسجد الأقصى".
 
أوغلو ذكّر خلال المؤتمر الصحفي بتعهدات وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين عند زيارته الماضية لأنقرة بالحفاظ على وضع المسجد الأقصى، وتابع: "تركيا بدأت حوارًا جديدًا مع إسرائيل، ولكن ليعلم الجميع، وفي مقدمتهم إسرائيل، لا يمكن أن يكون هذا مقابل القضية الفلسطينية، فالمسجد الأقصى والقدس خط أحمر بالنسبة لنا دائما، وفي هذه المسائل لا يمكننا المساومة أبدًا".
 
 
اللافت هنا أن معظم ردود الفعل الصادرة عن حلفاء "إسرائيل" في المنطقة اكتفت بالبيانات، حتى لو كان بعضها شديد اللهجة كما هو الحال التركي، لكنها في النهاية خلت تمامًا من أي تحرك رسمي لوقف تلك الاعتداءات وممارسة الضغط على تل أبيب كما حدث في المرات السابقة حين كان قطاع غزة وتل أبيب ساحة كبيرة لاستقبال مسؤولي الاستخبارات والدبلوماسية من العديد من الدول من أجل التوصل إلى اتفاق عاجل لمنع الانفجار.
 
يتحرك نتنياهو في مساره التصعيدي مدفوعًا بعاملين رئيسيين: الأول يتعلق بالاحتقان الشعبي الداخلي الذي بلغ مستويات غير مسبوقة بسبب التعديلات القضائية المزعومة، وهو الاحتقان الذي لم يتوقف حتى بعد التصعيد الأخير بحق الفلسطينيين، الثاني: الضغوط التي تمارسها الصهيونية الدينية وأعضاء اليمين المتطرف داخل الحكومة، مع الوضع في الاعتبار حالة الطمأنينة التي يحياها إزاء ردود الفعل العربية منذ اتفاق أبراهام الموقع مع الرباعي العربي (الإمارات - البحرين - المغرب - السودان) وحالة الميوعة التي باتت عليها القضية الفلسطينية على قائمة أولويات معظم الأنظمة العربية.
 
وفي المقابل تحولت رؤية العديد من الأنظمة العربية - خاصة المطبعة مع الاحتلال - إلى القضية الفلسطينية من قضية وجود ضاربة بجذورها في عمق مرتكزات السياسة العربية، إلى ورقة ضغط يتم توظيفها لتحقيق مكاسب بين الحين والآخر، وهو ما أضعفها كثيرًا خلال الآونة الأخيرة، وكان لذلك تداعيات عدة على رأسها إحياء المقاومة الفردية مرة أخرى بعيدًا عن التنظيمات والسلطة أصحاب المواءمات والحسابات السياسية الخاصة.
 
ماذا ينتظر حلفاء "إسرائيل" العرب من أجل التحرك لإنقاذ الموقف قبل خروجه عن السيطرة؟ ولماذا هذا الصمت المخزي؟ أسئلة عدة تفرض نفسها على ألسنة الشارع العربي دون إجابات مقنعة أو شافية، في الوقت الذي وجه فيه آخرون الاتهام لتلك الحكومات بأنها تدعم حكومة نتنياهو بالصمت لتحقيق أهدافها في إشغال الرأي العام الإسرائيلي بالتصعيد مع الفلسطينيين وغض الطرف عن الغضب الشعبي المتفاقم، وأن تلك الكيانات لن تتحرك إلا في حالتين، الأولى: حين يواجه نتنياهو مأزقًا خطيرًا أمام المقاومة يتطلب التدخل لإنقاذه عاجلًا، الثانية: تعقيد المشهد بشكل يجعل منه ورقة ضغط قوية بأيدي الأنظمة يمكن من خلالها تحقيق مكاسب عدة.
 
 
 
المصدر: نون بوست