كُتّاب الموقع
هجمات وإخفاقات اليمين في أميركا اللاتينية

كلاوديو كاتز

الخميس 26 كانون الثاني 2023

كتب الكاتب الأرجنتيني كلاوديو كاتز مقالة مطولة في موقع "الميادين إسبانول" تناول فيها اليمين في أميركا اللاتينية وإخفاقاته. وفي ما يلي ترجمة كاملة للمقالة:
 
واجه اليمينيون في المنطقة ثلاث انتكاسات كبيرة في الآونة الأخيرة؛ سبق الانقلاب الفاشل في البرازيل الانقلاب الفاشل في بوليفيا، وغرق سفينة المؤامرات في فنزويلا.
 
هذه الهزائم لا تلغي هجمات التشكيلات الرجعية المستمرة؛ لقد تمكنوا من ترسيخ وجودهم في الأرجنتين، ويحاولون إعادة تثبيت أوضاعهم في كولومبيا، ويعاد تبني تراث البينوشيتية في تشيلي، وأصبح واضحاً ظهورهم في المكسيك، ويشاركون في عمليات القمع العنيفة الذي أطلق العنان لها في البيرو؛ تحليل كل حالة يوضح ملامح هذا التيار في أميركا اللاتينية. 
 
مغامرة فاشلة
 
 
قاد الرئيس البرازيلي بولسونارو التجربة الأبرز لهذه الموجة الرجعية؛ لم يحقق إعادة انتخابه، لكنه حصل على دعم كبير في الانتخابات؛ وكان يستعد للعب دور سياسي قيادي، قبل أن تؤثر عليه محاولة الانقلاب التي قام بها أتباعه.
 
هناك بالفعل وثائق دامغة تثبت وجود خطة وضعها النقيب السابق لعدم الاعتراف بهزيمته الانتخابية؛ وقد تم التخلي عن هذه المؤامرة. لكن الاستعدادات للانقلاب استمرت مع إقامة مخيم في برازيليا لمطالبة العسكر بعرقلة حفل تنصيب الرئيس المنتخب لولا دي سيلفا؛ تمركزوا لمدة شهرين خارج ثكنة الجيش الرئيسية، وروجوا لخططهم على شبكات التواصل الاجتماعي، وحاولوا القيام بهجوم كبير، وقطعوا العديد من الطرقات. 
 
سعى الهجوم على الكونغرس، ومقر رئاسة الجمهورية (Planalto)، والمحكمة العليا، إلى إجبار الجيش على التدخل؛ افترض المهاجمون أن شرارة واحدة كانت كافية لحمل الجنرالات على إخراج الدبابات إلى الشارع؛ لقد تصوروا أن الفوضى الناتجة عن حركتهم ستحقق هذا التدخل (Arcary, 2023)؛ وكانت الخطة "ب" هي فرض سيناريو يضعف حكومة لولا في بداية تسلمه لمهامه الرسمية (Stedile؛ Pagotto ، 2023).
 
واستندت هذه الحسابات الوهمية إلى التواطؤ المخزي للعسكر الذين زاروا المخيم لتسهيل عملية الهجوم، وهو ما سانده أيضًا حاكم المقاطعة الفيدرالية. احتل المهاجمون المباني الحكومية الرئيسية من دون حسيب ولا رقيب، وفي غضون ثلاث ساعات من التخريب دمروا الأثاث والديكورات والأعمال الفنية؛ وقام عدد كبير من رجال الشرطة بمرافقة المهاجمين، وشاركوا في الاعتداء، وتم تصويرهم خلال أعمال النهب. 
 
حملت الهجمة العلامة المميزة لبولسونارو، الذي حقق في الثمانينيات شهرة من خلال قيامه بأعمال مماثلة. فللضغط من أجل زيادة الأجور، قام بوضع عبوات ناسفة وهو عمل كلفه حياته المهنية؛ من موقع الرئاسة، استمر بهذا المسار داعماً الميليشيات، التي استمرت في محاولات التصعيد بعد الهجوم غير المسبوق في برازيليا.
 
وافق العسكريون على المغامرة بهدف إدامة الامتيازات التي حصلوا عليها في السنوات الأربع الماضية؛ لقد سعوا إلى ضمان إفلاتهم من العقاب على الأفعال المشينة التي ارتُكبت خلال تلك الفترة؛ قاموا إلى جانب قادة العصابات "البولسونارية" بتسهيل هذا العمل الأخرق، والغاية من ذلك هو العمل على توحيد جميع القطاعات اليمينية المتطرفة.
 
كشف محتلو المباني الحكومية الرئيسية الثلاثة، عن نزعة عنصرية، من خلال قيامهم بتدمير لوحة فنية لا تقدر بثمن تصوّر فتيات منحدرات من أصول أفريقية؛ كما أكدوا أيضًا على نهج المسيحية الفاشية عند قيامهم بـ"الحرب المقدسة" ضد حزب العمال.
 
حاول بولسونارو التهرب من المسؤوليات بصمته والبقاء في الخارج. لكن كل التحالف الذي أحاط به يتعثر ويتهاوى إثر الانقلاب الفاشل؛ نواب وأعضاء في مجلس الشيوخ ومحافظون من حزبه استنكروا المحاولة الانقلابية، ووافقوا على التدخل الفيدرالي في برازيليا، كما أنهم وقفوا إلى جانب لولا في عملية إعادة تسيير المؤسسات التي تعرضت للاعتداء.
 
البولسوناريون الذين يشغلون مناصب في المحافظات والهيئات التشريعية يعيدون النظر بالفعل في عودتهم إلى صفوف اليمين الكلاسيكي، وإلى التفاوض التقليدي على منح الصوت في مقابل بنود في الميزانية. فهذا النوع من المفاوضات هو ما يضمن حسن سير الرئاسة الائتلافية، متمكنة بهذه الحالة من استيعاب اليمين المتطرف، هذا إذا ما تم تهميش زعيمها كنتيجة لهذه المحاولة الانقلابية الفاشلة. 
 
 
تغيّر المشهد
 
 
هجمة برازيليا هي نسخة عن الهجوم الذي قام به "الترامبيون" على مبنى الكابيتول قبل عامين؛ في كلتا الحالتين، حاول اليمينيون المتطرفون إثبات أن مجموعة صغيرة وحازمة بإمكانها الاستيلاء على المقار الرئيسية للدولة (بورون، 2023)؛ وعلى شاكلة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ألقى بولسونارو الحجر وعند الشدائد أخفى يده.
 
أكد تتبع العملية على العلاقة الوثيقة بين كلا التشكيلتين تحت القيادة الواضحة للجانب الأميركي؛ لكن النسخة البرازيلية وسعت الهجوم لتشمل السلطات الثلاث وحصلت على مباركة من الجيش (وحكام مقاطعات)، وهذا لم يحصل في نسخة الولايات المتحدة (ميولا، 2023). وفي البرازيل، كان هناك أيضًا رد فعل قوي من قبل لولا، وهو ما حدد فشل التمرد.
 
كان هذا الرد حاسماً من الناحية الخطابية والعملية؛  ومن غير المعروف ما إذا كان الأمر مع معرفة مسبقة بخطة الانقلاب؛ فقد ندد لولا بـ"المخربين النازيين" ووصف بولسونارو بـ"المجرم" واتهم المهاجمين بـ"الإرهابيين". لقد تصرف بسرعة؛ وبدلاً من أن يطلب من الجيش القيام بدوريات في الشوارع، أجبرهم على إخلاء المخيم؛ ووضع يده على حكومة برازيليا وسيطر على الشرطة.
 
دفع هذا الموقف القضاة إلى اتخاذ إجراءات عقابية، وأمروا باعتقال 1200 متورط في الهجوم واعتقال المشتبه به الرئيسي في تنظيم الاعتداء لدى عودته من فلوريدا. هذا القرار قد يؤثر إيجاباً على الضغط الذي يمارسه يسار الحزب الديمقراطي لطرد بولسونارو من الولايات المتحدة؛ فلم يعد بولسونارو ذاك النقيب السابق الذي لا تطاله يد العدالة، ولاحقاً قد تجمد حساباته، وقد يتم اتهامه بالتحريض على الانقلاب. 
 
تم الدفع باتجاه تبني هذه القرارات داخل الحكومة الجديدة من قبل وزير العدل (فلافيو دينو) في نزاع مع زميله في الدفاع (هوسيه موسيو)، الذي يتعاطف مع العسكر ويقترح عفوًا عاماً عن المخربين.
 
إنها فرصة عظيمة لهزيمة اليمين المتطرف، الذي تم لجمه مؤقتاً ولكن لم يتم سحقه؛ وإذا لم يتم القضاء عليه فسوف يعاود هذا اليمين تكرار الهجمة، وهذه المرة قد تنتقل هذه المحاولة إلى الشوارع. لقد أصيبت "البولسونارية" بضربة هزت مواقعه، واستأنف الحزب الحاكم المراسم التي تلت النصر الانتخابي، ونظم المسيرات استنكاراً للمحاولة الانقلابية.
 
سوف يمكن هذا السيناريو الجديد تعديل موازين القوة مع الخصوم، الأمر الذي لم يحصل بفعل هزيمة بولسونارو الانتخابية؛ والرابط بين كلا المتغيرين ليست فريدة من نوعها، فعام 1989 خسر لولا الانتخابات ضد كولور، ولكنه حصل على نصر سياسي. وفي عام 2014 انتصرت ديلما في صناديق الاقتراع، لكنها عانت من هزيمة سياسية سمحت بتتويج العسكري السابق (بولسونارو) (أركاري، 2022). الآن يمكن أن يقترن النصر الانتخابي بنتيجة مباشرة إيجابية في موازين القوة، فاليمين مشوش وهذا يسمح للحراك الشعبي بأن يأخذ زمام المبادرة.
 
إنها فرصة عظيمة لهزيمة اليمين المتطرف، الذي تم لجمه ولكن لم يتم سحقه، وإذا لم يسحق، فسيعود ليكرر محاولته، ولكن هذه المرة قد يكون مسرح هذه الهجمة الشوارع". 
 
نقاط قوة ونقاط ضعف الـ"بولسونارية" 
 
 
 
ما حدث في برازيليا يصوّر تناقضات اليمين المتطرف، لقد وصل بولسونارو بشكل مفاجئ إلى الرئاسة الأولى، مستغلاً الاستياء من حكومة حزب العمال التي ظهرت لأول مرة بمسيرات في الشوارع (2013). وعزز هذا المنحى الانقلاب القضائي البرلماني على ديلما (2016)، الأمر الذي قاد إلى هيمنة بيئة محافظة على الجو السياسي (2016-2018).
 
حظر لولا، سمح لبولسونارو بقيادة رد الفعل ضد العهد السابق، التي روجت لها المؤسسة ووسائل الإعلام، بدعم من الطبقات الوسطى المحبطة من الحركة التقدمية.
 
لكن الكوارث المتراكمة خلال إدارة بولسونارو أحبطت إعادة انتخاب الرجل العسكري الغاضب، الذي عوقب بسبب تعامله الإجرامي مع الوباء. كان لهذه العدوى عدد قتلى أعلى بكثير من تلك الناجمة عن الفيروس وحده، لم ينسَ أحد أنه رفض شراء اللقاحات وإجراء الاختبارات، بحجة أنه يمكنها تحويل الأفراد إلى تماسيح (بولس، 2022).
 
لم يتمكن بولسونارو أيضاً من عكس الركود الهيكلي للاقتصاد، وقد تفاقم تدهور الوضع الاجتماعي، مما أعاد إلى الواجهة مأساة الجوع التي تؤثر على 33 مليون شخص، وهذه الآفة مروعة بشكل خاص في بلد يحتل المرتبة الثالثة في التصنيف العالمي لمنتجي الغذاء.
 
لقد أدت تقلبات العسكري التائه إلى تآكل مصداقية الدولة، وقد عجل الإفراج عن لولا بسقوطه، فلم يكن قادرًا على إبقاء خصمه الكبير خلف القضبان، وهذا قاد حزب العمال إلى خوض منافسة ناجحة في انتخابات الرئاسة.
 
قدم بولسونارو أدلة وافية على نزعته الفاشية، لكنه فشل في وضع أي دعامة لمساندة هذا النظام؛ ضاعف منسوب العنف اليومي، وسمح بممارسة الترهيب في مكان العمل، وزرع الخوف، ووصلت نسبة الجريمة إلى أربعين جريمة قتل في الأسبوع في المرحلة التي سبقت الانتخابات. لكنه فشل في خلق إطار الإرهاب لترسيخ النزعة الفاشية، ولم يتمكن من استبدال النظام السياسي الحالي بأي نسخة من نسخ الأنظمة الاستبدادية.
 
حافظ على قيادته بوصاية عسكرية وتوازن مع باقي السلطات؛ ولقد تحملت الطبقات المهيمنة افتقاره إلى الرصانة في ممارسة وظيفته التنفيذية، والمظهر الكرنفالي لظهوره الإعلامي، لكنها لم تصادق على استمرارية نهجه.
 
بنفس الوقت كشف الاقتراع الحجم الكبير لقاعدته الانتخابية، فقد تمكن من فرض استقطاب سياسي غير مسبوق قسّم البلاد إلى نصفين؛ فاز لولا في 13 ولاية، وبولسونارو فاز في 14 ولاية، وفاز حزبه بولاية ساو باولو، وحصل على 15 من أصل 27 مقعداً متنازع عليها في مجلس الشيوخ، كما حصل على عدد غير قليل من النواب (أغويو، 2022). ولكن تطرح الآن علامة استفهام جدية حول تأثير مغامرته الفاشلة على الركائز الأربع لقوته السياسية: الجيش، وفرق العصابات، والأعمال التجارية الزراعية، وحركة التبشير الإنجيلية.   
 
خلال فترة ولايته، تضاعف عدد عناصر الجيش في المناصب الرسمية، وتمكن أصحاب البزة العسكرية من الحصول على مقعدين في مجلس الشيوخ، وعلى 17 نائباً، قدموا أنفسهم كمرجعية للهوية الوطنية أو ورثة مرحلة التصنيع في الستينيات؛ كما عزز الجنرالات التسعة الأقرب إلى النقيب السابق، تجارتهم للمعدات الحربية.
 
ولكن الآن هناك سيناريو من شأنه أن يجعل من الممكن تفكيك تلك المجموعة، هذا إذا ترجم لولا عملياً إدانته للعسكر بالتواطؤ في الانقلاب؛ ومطروح عملية استبدال وزير الدفاع، وتطهير القيادة، وإلغاء الامتيازات، والتحقيق في عمليات الفساد التي تطال تلك القيادة.
 
أصبح بقاء العصابات التي يرعاها بولسونارو مهددًا بنفس القدر بعد الهجوم في برازيليا؛ تم التحضير لهذا العمل الإجرامي بشكل رسمي في السنوات الأخيرة مع منح الإذن باستخدام الأسلحة تحت غطاء نوادي الصيادين والرماة؛ تركز الجزء الأكبر من الاتهامات بمحاولة الانقلاب على الجماعات المخربة، واليوم يوجد عدد كبير من أعضائها في السجن.
 
دعمت المناطق التي تغذّي نشاط الأعمال التجارية الزراعية قوائم القبطان السابق، مما يدل على تأثير قطاع يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي؛ وحصل الإثراء والاستفادة من النشاطات الاستخراجية والتي توسعت على إيقاع الأزمة الصناعية المستمرة؛ لكن الآن يجري التحقيق مع قادة هذه الشبكة بشأن تمويلهم للانقلاب ومن الممكن أن يتورطوا في اتهامات خطيرة.
 
يؤثر السياق الجديد أيضًا على القيادة الإنجيلية التي دعمت بولسونارو، في مقابل حصول الكنيسة الخمسينية (إنجيلية) على 82 نائبًا؛ وقد واصل رجال الدين من القساوسة الإنجيليين إثرائهم، بالوقت الذي حث دعاتهم على التصويت لصالح اليمين تجنباً للعقاب الإلهي.
 
لقد جمع مراسلو الـ"البولسونارية" هذا النوع من الرسائل المجنونة مع تبرير أكاذيب الرئيس السابق اليومية. في أحد الأيام، وصف القبطان السابق المهاجرات الفنزويليات بالمومسات، واتهم لولا بالقيام بعهد مع الشيطان؛ ولم يُستثنِ أي نوع من الجنون في خطابه الذي تبناه بهدف ترسيخ قيادة "إنقاذية"، وهو خطاب وموجّه للناخبين المحبطين من النظام السياسي.
 
هذا السند الأيديولوجي قد يتآكل إذا أصبح بولسونارو زائرًا دائمًا للمحاكم، في هذه الزيارات، يتوجب على الناقد الكبير لـ"فساد لولا" أن يشرح كيف حصل على 107 عقارات في الثلاثين سنة الماضية، براتبه المتواضع كنائب؛ أنظار كل اليمين في أميركا اللاتينية شاخصة في الوقت الحاضر على مصير بولسونارو.
 
 
انقلاب محبط في بوليفيا
 
 
فشل محاولة الانقلاب في بوليفيا في بداية العام استبق ما حصل في البرازيل؛ هناك أيضًا، تمت محاولة انقلابية فاشلة، لتكرر انتفاضة "أرسي" التي أطاحت بإيفو موراليس عام 2019. 
 
في تلك المناسبة، استخدم اليمين المتطرف عصابات مسلحة لخطف قيادات اجتماعية، والاعتداء على المؤسسات العامة، وإذلال المعارضين؛ وجدد سلوكه القديم الداعم للتدخلات العسكرية ضد حكومات تتواجه مع الـ"استبلشمنت" "establishment"،  أو تحكم عليها السفارة الأميركية بالصلب. 
 
كان هذا الانقلاب أكثر تدخل عسكري فج في أميركا الجنوبية خلال العقود الأخيرة، لم يحاول التنكر خلف ستار مؤسسي، ولا حاول التنكر خلف قناع ناعم؛ أُجبر إيفو على الاستقالة تحت تهديد السلاح، عندما رفض الجنرالات طاعته، ولم يستقِل بسبب أعباء الحكم، طردته قيادة الجيش من رئاسة الجمهورية.
 
لكن الميزة الرئيسية لتلك العملية كانت الصبغة الفاشية البدائية التي ساهم بها الشركاء اليمينيون؛ لقد أقاموا عهدًا من الإرهاب في المناطق التي "حررها" الضباط النظاميون، وتحت قيادة "كاماتشو" ووضعوا تصريحات بولسونارو موضع التنفيذ. مستخدمين الأناجيل وصلوات الإنجيليين، أحرقوا المنازل، وحلقوا رؤوس النساء، وقيّدوا الصحافيين بالسلاسل.
 
كما أطلق المعتدون صيحات عنصرية ضد التشولو cholo (اسم يطلق بازدراء على ابن الشعوب الأصيلة)، بينما كانوا يسخرون من الـ"كوياس" Coyas (الشعوب الأصيلة) وأحرقوا علم "الويابالا"  Whipala (علم الشعوب الأصيلة)، وضربوا المارة المنتمية لهذا العرق.
 
لقد زرعوا في مدينة لا باز La Paz  التخريب الذي تدربوا عليه في معقلهم في سانتا كروز؛ جرأة هذه الجحافل كانت مضمونة بحماية الشرطة. هذه الكراهية ضد الشعوب الأصيلة تذكرنا ببداية استفزاز هتلر ضد اليهود.
 
كاماتشو لا يخفي لا عقلانية الخطابات اللاذعة ضد الشعوب الأصلية، ويعتبر نساء هذه الأعراق ساحرات لها علاقة بالشيطان، وأن الرجال يحملون بصمة الذل. لقد نظّم جحافل مكونة من حقودين لإذلال السكان الأصليين (كاتس، 2019).
 
الطبقة الحاكمة في الألتيبلانو" Altiplano  احتفلت بانتقامها من الشعوب الأصيلة، وبما أنها لم تستوعب حقيقة تولي الرئاسة من قبل أحد أبناء الشعوب الأصيلة، أيدت اعتداءات كاماتشو غير الإنسانية؛ لكن آمالهم الرجعية تحطمت بفعل الانتصار الاستثنائي للانتفاضة الشعبية (2019)، وأدى هذا الإنجاز إلى إجراء انتخابات وتحقيق انتصار متجدد للحركة نحو الاشتراكية (2020) وسلسلة من المحاكمات كانت نتيجتها وضع المغتصبة السابقة للسلط جنين آنيتز  Jeanine Áñez خلف القضبان (2022).
 
هذه النتيجة أدت إلى تراجع اليمين المتطرف، الذي اضطر للانسحاب إلى ملاجئه في الشرق؛ ومن هناك أعاد تنظيم صفوفه واستأنف الهجوم، مستخدماً هذه المرة ميليشيات مدنية ترعاها القوة الاقتصادية المحلية. لقد أرسلت هذه الجماعات إلى الأحياء الشعبية لبث الرعب بين السكان، وقطع الطرقات، من أجل عادة خلق مناخ كفيل بزعزعة الاستقرار. وطالبوا بإطلاق سراح مدبري الانقلاب، وحوّلوا مسألة تحديد موعد الإحصاء الذي كان يهدف إلى إعادة تقييم لوزن كل منطقة، إلى ذريعة جديدة في خدمة المواجهة الكبرى، بهذا العذر روجوا لأعمال الشغب عام 2023.
 
هذه الخطة كانت شملت بين طياتها مخطط انفصال المناطق المتمردة عن السلطة المركزية، هذا في حال فشلوا في استعادة السيطرة على البلاد؛ المخطط يبدأ بالمطالبة بصيغة حكم فيديرالي لسانتا كروز؛ فإذا الغاية النهائية من التحرك هو التوصل لتحقيق الانفصال الإقليمي. لقد دعم مدنيو سانتا كروز هذه المؤامرة رافضين مبدأ الدولة متعددة القوميات، متشبثين بقناعات قديمة حول تفوق النخب البيضاء، بهذه النزعة الانفصالية الرجعية أكملوا سيناريو مستوحى من سلوك الأوليغارشية في الماضي (Acosta Reyes, 2022). 
 
لكن محاولة الانقلاب الجديدة باءت بالفشل؛ هذه المحاولة بدأت بسلسلة من الإضرابات في الشرق وشملت إعادة تنشيط المجموعات الصدامية ضد المنظمات الاجتماعية، كما أنها أعادت إلى الواجهة الخطبة الحماسية الغاضبة لأتباع الكنيسة الخمسينية (إنجيلية)، وكان هدف ذلك توحيد مجموعات الشغب (تحت مسمى ديني). وكان هناك تنافس بين الفصائل لإثبات من هو الأكثر تطرفاً، فقاموا بتنظيم منتديات بتوجيه من نفس قادة أعمال الشغب السابقة (كاماتشو، وكالفو) وتمكنوا بذلك من خلق فوضى إقليمية عارمة، وفي آخر المطاف، وبعد 36 يومًا من الأعمال العدائية الصادمة، اضطروا إلى تعليق نشاطهم الانقلابي.
 
لم يصل الدعم المنتظر من المناطق الأخرى، كما أدى نقص الإمدادات وشلل الحركة التجارية إلى تقويض الحركة؛ لم يستطع أعضاء المجتمع المدني إجبارهم على تمديد الإضراب من خلال مجرد استعراض للقوة (Paz Rada, 2022)؛ كما أنهم لم يتمكنوا من الحصول على دعم اليمين التقليدي، أو دعم قطاعات الشعوب الأصيلة المستاءة من الحكومة. وقد وافق عدد قليل فقط من شخصيات الطيف البرجوازي على مغامرة كاماتشو الجديدة (Montaño; Vollenweider, 2023). "لكن الجديد الرئيسي كان في رد الحكومة، في بداية الاستفزاز دعا الحزب الحاكم إلى التظاهر في الشارع، من أجل استنكار الإهانة الموجهة ضد بيرق التعددية الجنسيات". 
 
التحول الكبير حصل في الأسبوعين ألأخيرين، مع العملية الجريئة التي انتهب باعتقال كاماتشو ونقله إلى العاصمة لاباس؛ سُجن الزعيم الرئيسي للعصابات الرجعية وهو على ذمة التحقيق بانتظار مثوله أمام المحاكم بتهمة مشاركته في الانقلاب العسكري عام 2019. وفي حال المصادقة على هذا الإجراء، تكون الحكومة قد شنت هجوماً مضاداً يمهد الطريق لنصر كبير؛ في هذه المواجهة يكون على المحك انتعاش أو فشل اليمين المتطرف البوليفي.  
 
 
إحباط المرجعية الفنزويلية
 
 
 
هزيمة بولسونارو في البرازيل، وكاماتشو في بوليفيا، هي جزء من الانهيار المفاجئ لسفينة غوايدو في فنزويلا؛ لقد قاد غوايدو إلى جانب مرافقيه خلال فترة طويلة الحركة الهزلية الرجعية في فنزويلا؛ لقد حلوا على هذه المنصة مكان "GUSANOS" كوبا (رجعيي كوبا في ميامي)، وتمكنوا من تسطير العناوين العريضة على الصفحة الأولى من الأخبار في مناسبات لا حصر لها، افترضوا أن عودتهم إلى Miraflores ميرافلوريس (القصر الجمهوري في كراكاس) مضمونة، لكنهم حاليًا يقاسمون نظراءهم في ميامي نفس الإحباط. 
 
في البداية قاد المواجهة مع تشافيز المحافظون التقليديون، الذين فقدوا مكانتهم وتراجعوا مع اشتداد الصراع، فحلّ مكانهم أشد الجماعات ضراوة، وهي الجماعات التي وجّهت ضرباتها من الثكنات وفي أعمال الشغب في الشوارع.
 
في مشروعهم المهووس ضد "التشافزية"، حاول اليمين المتطرف أن يسير على خطى الديكتاتور بينوشيت؛ ففي البداية تمت شيطنة المسيرة البوليفارية في محاولة للقضاء عليها بحمام من الدم. وبلغت تلك الكراهية نفس حدة تشويه الفاشية لسمعة الشيوعية، انطلاقاً من ذلك تمت تعبئة وتحريك القطاعات الوسطى المناهضة للبوليفارية.
 
سعت الطبقات المهيمنة بهذه الطريقة إلى دفن التحدي الذي جسده شافيز، وحاولت تفكيك التمكين الشعبي الذي رافق إدارته، في تلك الحملة استخدموا كل النصوص الموجودة في كراس الرجعية.  
 
هذا التكرار للنصوص أكد خضوعها التام لإملاءات واشنطن؛ فقد تم تنظيم اليمين المتطرف الفنزويلي وتمويله وتوجيهه من قبل وزارة الخارجية الأميركية، بنفس قالب أسلافه الكوبيين؛ كما أنه في المشاجرات التي سببتها إدارة الأموال والعلاقة مع المافيا، هناك تشابه بين الخادمين الكاريبيين للحاكم "اليانكي".
 
راهنت "الترامبية" بكل أوراقها على هؤلاء الرعاع، كما فكر أوباما وبايدن في متغيرات أخرى لدعمهم؛ لكن كان على كلا قطاعي المؤسسة الإمبراطورية التعامل مع استحالة إرسال مشاة البحرية الأميركية إلى كاراكاس، كما كانت العادة في أيام نيكسون أو كينيدي.
 
من دون الاعتماد على المورد المنقذ للغزو الأميركي، جرّب مناهضو "التشافية" جميع أنواع العمليات البديلة، شجعوا على المؤامرات العسكرية، ودربوا فرقاً من المرتزقة لتنشط على الحدود، وتم إنزال المليشيات على الشواطئ، كما تم خطف المروحيات، وحاولوا اللجوء للاغتيالات، وأقاموا (على الحدود) مهزلة دولية للمساعدات الإنسانية، وأججوا من دون كلل انتفاضات الشوارع، لكنهم فشلوا في كل ذلك، الأمر الذي أضعف معنويات قواتهم، وتسبب بفقدان مصداقيتهم، ويواجهون حاليًا أزمة مميتة نهائية. 
 
"اليمين المتطرف الفنزويلي تم تنظيمه وتمويله وتوجيهه من قبل وزارة الخارجية الأميركية، بنفس قالب أسلافه الكوبيين".
إن إعلان تنصيب شبح اسمه غوايدو هو بالحقيقة حلقة من الماضي؛ حاول أتباعه مقاطعة الانتخابات الأخيرة بمهزلة انتخابات موازية لم تسفر عن شيء، واستعادت "التشافية" قيادة الجمعية الوطنية، وشارك القسم الأكبر من المعارضة إلى الانتخابات، مما أدى إلى إنهاء الصراع المؤسسي الطويل الذي بدأ بعدم الاعتراف بانتخابات 2018 الرئاسية.
 
ليست هذه هي المرة الأولى التي يعود فيها اليمينيون إلى صناديق الاقتراع، لكن هذه العودة تتم بطأطأة الرؤوس، غوايدو ملطخ بفضائح فساد لا تحصى ولا تعد، ومشروعه يحتضر.
 
تمكنت الحكومة الفنزويلية أولاً من إخماد دورة التمرد 2014-2017، بعد ذلك، حصلت على فوائد من أزمة الهجرة، التي شتتت المعارضة، وقضت بنهاية الأمر على كامل أطياف خصومها (Bonilla, 2021)؛ اختفت بالكامل أعمال الشغب بالشوارع، ولم يعد الانقلاب مطروحًا على أي جدول أعمال ذي صلة. 
 
فشل اليمين المتطرف ساهم بفتح مساحات واسعة لمشاركة معظم القطاعات التقليدية في النظام السياسي؛ وكان للسيناريو الجديد تأثير إقليمي كبير، لأنه إذا اعتبر في السابق اليمين المتطرف مرجعا أميركياً لاتينياً هاماً في للمشروع الرجعي؛ فقد أدى تراجعه، إلى جانب هزيمة نظيريه في بوليفيا والبرازيل، إلى خلق سيناريو جعلت من الصعب ظهور أو إعادة تكوين تيارات رجعية مماثلة في البلدان الأخرى.
 
 
وصفات قديمة يعاد تدويرها في الأرجنتين
 
 
 
يعتبر توسع اليمين المتطرف في الأرجنتين أكثر حداثة، وكما هو الحال في البرازيل، فقد برز في المواجهة مع حكومة يسار الوسط؛ استحوذ التيار المحافظ التقليدي في ومضاته الأولى في مسيرات الشوارع ضد "الكيرشنرية"، الأمر الذي دفع بـ"ماكري" إلى السلطة؛ ولكن بعد ردة قعل فرنانديس وكريستينا العنيفة، ظهرت إلى العلن قوة ميليMilei  الرجعية (وإلى حد أقل إسبيرت Espert).
 
تتغذى كلا الشخصيتين من قبل مجموعات الإنكار التي تشكلت خلال مرحلة الوباء، وتستقطب التشكيلات العنيفة وتتطلع إلى أن تصبح قوة انتخابية ذات ثقل في الانتخابات الرئاسية لعام 2023.
 
البولسونارية الأرجنتينية اختلقتها وسائل الإعلام، وخاضوا غمار العمل السياسي من دون أن يعرف لهم نشاط  سياسي سابق، وهم في هذا يتميزون عن أقرانهم التقليديين (Pichetto, Bulrich)، الذين لعبوا دورا بارزاً داخل الأحزاب وأتقنوا فن تغيير المواقع. 
 
في العامين الماضيين، أبرزت وسائل الإعلام شخصيات جديدة بهدف تعزيز يمينية الأجندة السياسية؛ وقد تسامحوا مع فضائحهم، وتجاوزتهم، وأوهامهم المجنونة (مثل قبول مسألة بيع وشراء الأطفال)، من أجل السماح بفرض موضوعات رجعية، وخاصة في المجال الاقتصادي (Katz, 2021)؛ من خلال هذه الاستراتيجية، استعادت مركزيتها الوصفات القديمة والفاشلة للأرثوذكسية الكلاسيكية.
 
ميلي (Milei) هو أبرز رجال الاستعراض في هذه العملية؛ لقد تبنى أسلوب الصراخ والغضب في خطابه نزولاً عند رغبة مستشاريه، والغاية من ذلك هو جذب الجمهور وتحويل النشاط السياسي إلى ثرثرة؛  لقد هاجم وشجب بلا كلل "الطبقة السياسية" الموالية والمعارضة للدولة والتي تستخدم بالخفاء الموارد العامة. إنه يمول نشاطاته مستخدماً المال الذي ساهمت به مؤسسات أميركية مختلفة، ولجأ إلى القيام بتصرفات هزلية مثل مسألة عرض راتبه كنائب باليانصيب، كبادرة لتحدي "الطبقة السياسية". في تعصبه الليبرالي المتطرف لم يفكر بالتبرع بهذا الراتب الشهري لأي عمل أو نشاط أكاديمي جدير بالتقدير.
 
رأى البعض بأن هذا الخيار عن طريق اليانصيب يوضح بأن رؤيته للتقدم الفردي يخضع للصدفة البحتة في عالمه الرأسمالي المتوحش، حيث أن في عالمه لا يتقدم الأصلح، بل الأكثر حظًا فقط (D’Addario, 2022)؛ بالمناسبة، حث مليون شخص على ترك بياناتهم الشخصية في قاعدة المعلومات يديرها في مقره، يختار من هذه القاعدة الأسماء الرابحة.
 
ميلي (Milei) ينتمي لفرقة من الشخصيات المجنونة التي يرعاها الأقوياء، من أجل استقطاب وتوجيه الاستياء تجاه الحكومات الفاشلة؛ إنه يهدر الديماغوجية لاستقطاب غضب الطبقة الوسطى ويأس الفقراء، لكن أولويتها الفعلية هي القضاء على ما تحقق من مكاسب ديمقراطية تم الحصول عليها بعد سنوات عديدة من النضال.
 
كل الهراء الاقتصادي الليبرالي المتطرف الذي تصرّح به، مليء بالتناقضات وينتشر بين الناس بسهولة عن طريق تواطؤ الصحافة المأجورة؛ لا أحد يطالب بأمثلة تاريخية أو توضيحات للممارسات السخيفة المقترحة، على سبيل المثال الاقتراح السخيف لإحراق البنك المركزي، وبهذه المهزلة التنكرية يتم تغذية عودة المناخ القمعي، من خلال اللجوء إلى إرهاب الدولة، وتمجيد حمل السلاح بحرية.
 
وتدعم وسائل الإعلام المهيمنة هذا النوع من التفكير والسلوك، من خلال نشر قناعات خاطئة تشير بأن الشباب غير مكترث بالمأساة الدموية التي فرضتها الديكتاتورية الأخيرة؛ يعمل الفاشيون الذين يرافقون ميلي على مضايقة الحركات الاجتماعية، محاولين تجريم الحركة المطلبية العمالية؛ ويدعم شريكه إسبيرت (Espert) نفس النشاطات العدوانية، ويزيد عليها مقترحات من أجل الحد من نسبة الولادات في المنازل الفقيرة، كما أنه يرى تحت تأثير العمى البرجوازي أن حالات الحمل هي محاولات للاستفادة من المساعدات الاجتماعية. 
 
تميز إسبيرت بالديماغوجية العقابية، وأخفى الإخفاقات المتكررة لـ"اليد الحديدية"؛ وفي ترويجه للزناد السهل، أغفل بأن عنف الشرطة لم يقلل يوماً ما من الجريمة؛ إنه يدعو ببساطة إلى الانتقام، وتجاهل العلاقة الوثيقة بين الجريمة وعدم المساواة، والعلاقة الكبيرة بين العودة إلى الإجرام والنقص في التعليم أو فرص عمل. وللتأكيد على القمع على نطاق واسع، يشارك اليمينيان المتطرفان بنشاط في حملة الصليبية ضد شعب الـ"مابوتشي" (mapuche) وما تبعها من تصعيد الهجمات ضد السكان الأصليين. 
 
توضح محاولة الاغتيال الفاشلة لكريستينا إلى أي مدى لا يقتصر عمل اليمين المتطرف الجديد على المجال الانتخابي؛ جاء الهجوم بعد حملة إعلامية مكثفة من التحريض على الكراهية (Katz, 2022)، وشاركت حفنة من المهمشين الذين نفذوا هذا العمل في تنظيم يشمل محامين وجواسيس ورجال أعمال. 
 
"ميلي ينتمي لفرقة من الشخصيات المجنونة التي يرعاها الأقوياء، من أجل استقطاب وتوجيه الاستياء تجاه الحكومات الفاشلة؛ إنه يهدر الديماغوجية لاستقطاب غضب الطبقة الوسطى ويأس الفقراء".
 
قبل استهداف كريستينا، قاموا بغارات شبيهة بهجمات مجموعات النازيين الجدد، بإلقاء المشاعل على مقر رئاسة الجمهورية في الأرجنتين (Casa Rosada)، وعرض لأكياس جنائزية ومقاصل؛ إن يد أجهزة الاستخبارات في هذه العمليات واضحة مثل علاقتها مع أعمال الشغب الفنزويلية.   وقد تم تأكيد تواطؤ المستويات العليا من السلطة القضائية من خلال عرقلة عمليات التحقيق بمحاولة الاغتيال، إنهم يعملون على حجب الاتهام عن ثلاثة أو أربعة من المتورطين بشكل مباشر، والتستر على الممولين والمحرضين على الهجوم؛ وبشكل خاص تعتبر فضيحة مسألة الحماية القانونية للسياسيين اليمينيين الذين علموا بالمحاولة وسمحوا بالسير قدماً بهذه المؤامرة. 
 
 
مخاطر وقيود
 
 
 
كانت قدرة الشخصيات البولسونارية  (Olmedo ) على العمل هامشية في الأرجنتين خلال مرحلة موريسيو ماكري Mauricio Macri، لكنها توسعت بما يتناسب مع خيبة الأمل الواسعة النطاق من الحكومة الحالية. هذه الشخصيات لم تعد تشكل تهديدًا من بعيد، بل أصبحت تتنازع مساحات مع اليمين التقليدي، إنها تحتفظ بالواقع بمساحة تهدد وحدة المعارضة في الانتخابات القادمة، وعلى هذا الانقسام المحتمل تراهن الحكومة للاحتفاظ بالرئاسة.
 
لكن في أي خيار انتخابي، يمكن لليمين المتطرف أن يصبح قوة فاعلة في ظل الأزمة الاجتماعية الخطيرة التي تمر بها البلاد. على عكس عام 2001، فإن اليمين يبرز كقناة لالتقاط الاستياء من النظام السياسي، إن الصبغة التقدمية الراديكالية التي كانت لهذه الضائقة قبل عقدين من الزمن اختفت، وتتميز اليوم بملامح متناقضة.
 
 في الواقع، يدعو ميلي إلى العودة لمرحلة إصلاحات الرئيس "كارلوس منعم"، فهو لا يروّج فقط لشكل مماثل من الخصخصة، إنما يطالب بمزيد من إلغاء من قوانين حماية العمالة والتركيز على الانفتاح التجاري، ويقترح بالإضافة مواجهة التضخم المفرط الحالي بإعادة إمكانية التحويل المالي، والتي من شأنها أن تدمر اقتصاد البلاد بشكل لا يمكن إصلاحه. في الوقت الحالي، لا تدعم الدولة هذه الإجراءات خوفًا من رد فعل شعبي لا يمكن تقدير عواقبه، لكنها بنفس الوقت لا ترفضها بالكلية.
 
انضم ميلي بحماس إلى البولسونارية كحركة، وعرض صوراً مع قادتها، وأعاد إنتاج نفس تمجيد معاداة الشيوعية؛ وقد وضعه الانقلاب الفاشل في برازيليا في موقف غير مريح ولكنه يخفيه بالتواطؤ المعتاد لوسائل الإعلام.
 
لكن الجزء الأكبر من اليمين المحلي أقر بالهزيمة الانتخابية لنظرائه البرازيليين، ورفض عملية الهجوم على المباني الحكومية، مؤكداً أنه لا يمكن أن يتكرر في الأرجنتين؛ يحتفظ الجيش بدور سياسي هامشي، في بلد طور أجسامًا مضادة هائلة ضد النزعة العسكرية.
 
تزامنت الديكتاتورية البرازيلية مع فترة طويلة من النمو الاقتصادي ولم تتم في تلك المرحلة محاكمة المسؤولين. بدلاً من ذلك، في مرحلة فيديلا Videla وغالتيري Galtieri في الأرجنتين تسارع الانهيار الاقتصادي الذي أدى إلى مغامرة مالفيناس Malvinas  وكل محاولات اليمين المحافظ لإعادة الاعتبار لهؤلاء المجرمين ووجهت بالرفض والشجب الشعبي. وفي الوقت نفسه لم يكن للركود الشعبي، وفقدان مصداقية النزعة التقدمية التي سبقت بولسونارو، نظير مماثل في الأرجنتين.
 
الاختلافات التاريخية بين بلد يتسم بالتشنج وآخر يتسم باستمرارية النظام يجب أن يعاد النظر فيها بشيء من العناية. لم تشهد البرازيل أبداً نوعاً من المواجهات الاجتماعية والسياسية كتلك التي سادت في الأرجنتين، ولكنها تواجه تصدعات غير مسبوقة وعواقبها غير معروفة، على العكس من ذلك، فإن جارتها في الجنوب غرقت في أزمة اجتماعية كارثية، غيرت جميع معايير الماضي.
 
 
كابوس عصابات المافيا الكولومبية
 
 
 
 
اليمين المتطرف الكولومبي له تاريخ شرس من الحرب ضد الفلاحين والعمال، لقد ارتكب جرائم على درجة من الوحشية لا مثيل لها، لا يوجد في أي بلد آخر في المنطقة هذا العدد الكبير من المقابر الجماعية التي تحتوي على رفات الأشخاص الذين تم اغتيالهم.
 
تخصصت هذه العصابات في عمليات اغتيال يومي ومنهجي لا مثيل له في أميركا اللاتينية للناشطين الاجتماعيين. في العام الماضي فقط قتلوا 198 من القادة الشعبيين ومنذ توقيع اتفاقيات السلام (2016) تم اغتيال 1284 مناضلاً شعبياً؛ لقد حول رعبهم كولومبيا إلى دولة تشهد أكبر عملية تهجير قسري للسكان في القارة بأكملها.
 
تعود هذه الوحشية والضراوة إلى ظهور الجماعات شبه العسكرية التي نظمتها القوات المسلحة بإشراف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في ستينيات القرن الماضي لدعم حربها بمكافحة التمرد. من هذه التشكيلات، نشأت في حينه ما يسمى بمجموعات الدفاع الذاتي (فرق الموت)، التي تداخلت مع عصابات تهريب المخدرات تحت مظلة حكم أوريبي؛ في عام 2005 تم حل هذه المجموعات رسميًا، لكنهم عادت للظهور كقوات صدام مأجورة في خدمة النخب الإقليمية (Molina, 2022). 
 
تتنازع هذه المجموعات على تقاسم السيطرة على المناطق، وتشكل هيكلًا يسهل عملية تجارة المخدرات يعمل في جميع مستويات الدولة؛ لقد تم استبدال الأوليغارشية القديمة ببرجوازية المخدرات، التي تدير جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الخفي في البلاد؛ إن المساحات التي تشغلها حقول زراعة المخدرات أكبر اليوم مما كانت عليه في بداية مخطط كولومبيا (1999)؛ بنفس الوقت أدت عمليات استعمال المبيدات بواسطة الطائرات ببساطة إلى تسريع عملية التخلي عن الحقول الزراعية التعاونية وتركيز ملكية الأراضي بيد تجار المخدرات.
 
لقد اكتمل الهيكل الإجرامي العسكري الذي أقامته العصابات المنظمة لتجارة المخدرات، وحسّن من قدرته التشغيلية؛ وتوضح الطريقة التي نظموا بها اغتيال الرئيس الهايتي جوفينيل مويسي الثقل الإقليمي لهؤلاء المجرمين؛ لقد شكلوا جيشًا موازيًا، أثّر على مدى عقود في السياسة الكولومبية، لإبقاء البلاد في صدارة التصنيف العالمي لمصدري الكوكايين. وتحافظ الشخصيات الرئيسية لليمين الكولومبي على روابط لا حصر لها مع اقتصاد المخدرات هذا.
 
هذه الشراكة تتم بمباركة الولايات المتحدة، التي حوّلت كولومبيا إلى مركز إقليمي رئيسي لعمليات البنتاغون؛ ترتبط القواعد العسكرية السبع الموجودة في البلاد بشبكة واسعة من العسكريين من جميع أنحاء القارة. بالإضافة إلى ذلك، استخدم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كولومبيا كمنطلق لعملياته ضد الثورة البوليفارية، وعزز مكانة البلاد باعتبارها "حليفًا من خارج الناتو". ويعيد جو بايدن التـاكيد على هذه الاستراتيجية لضمان نفوذ الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربية (Pinzón Sánchez, 2021).
 
كان اليمين المتطرف جزءًا أساسيًا من النظام السياسي لعقود، لكن ازدياد عجز اليمين المدعوم من قبل أوريبي واستنفاذ قدراته، والانتفاضة الشعبية في عام 2021،  قوّضت ذلك النظام، وانتصار بترو الانتخابي يشكل تحدياً خطيراً لهذا النسيج من الطغاة. 
 
لمنع هذا التراجع، أوجد اليمين نسخة مرتجلة من ترمب في الانتخابات. توجّه رودولفو إيرنانديس Rodolfo Hernández  إلى الملأ بخطاب فارغ ضد الفساد، مستعرضاً مزاياه كمليونير باعتبار ذلك الميزة الرئيسية للوصول إلى الرئاسة. 
 
لجأ إيرنانديس إلى كل أشكال الدعاية الانتخابية التي يمكن تخيّلها وهاجم بقية السياسيين، وحاول الـتأكيد على إنه ينتمي إلى عرق مميز ومختلف؛ ولم يخفِ إيرنانديس قناعاته الذكورية وكراهيته النساء؛ لكنه تجاوز كل الخطوط الحمر عندما عبّر عن إعجابه بهتلر (Szalkowicz, 2022). لم يكن دعم الأقوياء له كافياً لاحتواء الأمل في التغيير الذي جسّده بترو، وهكذا تعرض اليمين لهزيمة تاريخية وانسحب إيرنانديس من المشهد السياسي على الفور.