كُتّاب الموقع
الغزو الروسي لأوكرانيا ليس إلا نهاية البداية

العرب اللندنية

الثلاثاء 21 شباط 2023

تدخل حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا عامها الثاني بعد أيام قليلة. ويقول يورجن رومر ضابط الاستخبارات السابق في شؤون روسيا وأوراسيا بمجلس الاستخبارات القومي الأميركي، إن روسيا وبعد عام من الحرب لحقت بها هزيمة إستراتيجية كبيرة، فيما حققت أوكرانيا نصرا إستراتيجيا مهمّا، وأظهر الغرب مزيجا من العزم والوحدة والتماسك، وهو ما توقعه قليلون في بداية الحرب.
 
ويضيف رومر وهو زميل بارز ومدير برنامج روسيا وأوراسيا بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أنه يمكن رغم ذلك وصف الوضع، بما قاله وينستون تشرشل “الآن ليست النهاية. إنها ليست حتى بداية النهاية، لكنها ربما تكون نهاية البداية”.
 
ويقول الخبير العسكري إن الحرب تتواصل دون نهاية تلوح في الأفق، فالطرفان ليسا مستعدين للتفاوض، بل يستعد كل منهما لشن هجوم كبير في المستقبل القريب وأشارت تعليقات مؤخرا إلى الوصول لطريق مسدود.
 
ويرى أن الأوكرانيين، الذين لم يذوقوا طعم الانتصار في ميدان المعركة، وهم متحدون في رغبتهم في الانتقام وتحقيق العدالة، لن يقبلوا حلا وسطا يدور حول “الأرض مقابل السلام”. أما بالنسبة إلى بوتين، فإن الحل الوسط ليس خيارا مفتوحا بعد المهانة التي تعرضت لها حملته الفاشلة في السعي لتحقيق أهدافه المتطرفة عبر الحرب. ولم تكن الحرب وجودية بالنسبة إليه عندما بدأها، ولكنها صارت كذلك الآن، وقد راهن عليها بشكل كامل، ويرى أنه يجب أن ينتصر فيها، ولذلك فإنه يستعد لحرب طويلة.
 
ويصب خيار الحرب الطويلة في صالح روسيا، حيث كان إجمالي الناتج المحلي للبلاد في العام الذي سبق الحرب (2021) أكبر من أوكرانيا بتسعة أمثال. وبعد انكماش بنسبة تتراوح بين 2 و4 في المئة في 2022، يتوقع أن يعاود الاقتصاد الروسي تحقيق النمو في 2023، وإن كان ببطء. وذلك رغم أن موجات العقوبات المتتالية غير المسبوقة ألحقت الضرر بالاقتصاد الروسي، وبآفاق النمو على المدى الطويل.
 
وفي الوقت الحالي تعتمد قدرة أوكرانيا على الاستمرار في القتال على الدعم العسكري والمالي من الغرب.
 
ويقول رومر إن خسائر أوكرانيا أكبر من خسائر روسيا، وهو ما يؤيد بقوة الداعين في الغرب إلى توفير زيادة كبيرة، وفورية في المساعدات لكييف، حتى تتمكن من تحقيق نتائج حاسمة سريعا، وإرغام بوتين على قبول التفاوض بشروط تناسب أوكرانيا.
 
ويبدو أن هذه الخطة تستند إلى الأمل، بقدر ما تقوم على التجربة، فقد قدم الغرب كميات ضخمة من المساعدات العسكرية لأوكرانيا خلال 12 شهرا، وزودت الولايات المتحدة وحلفاؤها الجيش الأوكراني بمعدات ودعم متزايد أكثر فتكا. ويتزايد الأمل في أن يحقق الجيش الأوكراني تقدما وأن يحول مسار الحرب، ولكن الحسم يستعصى عليه حتى الآن.
 
ومن المتوقع أن تكون المرحلة المقبلة صعبة للغاية على أوكرانيا، فالعمليات الهجومية هي أصعب من الدفاع.
 
ويرى رومر أن لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يدفع بوتين إلى استخدام الأسلحة النووية، ولكن احتمال خسارة شبه جزيرة القرم قد يكون سببا مهما لذلك، فهذه ستكون هزيمة مخزية لبوتين. وبذلك فإن تحقيق الجيش الأوكراني تقدما كبيرا في جنوب البلاد من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد مثير في الحرب، بقدر ما سوف يؤدي إلى إنهائها.
 
لقد بدأ بوتين الحرب قبل عام وهو يراهن على حملة قصيرة حاسمة، حيث كان يعتقد أن روسيا ستنتصر سريعا، ولكنه يراهن الآن على عكس ذلك، أي على شن حرب طويلة ضد أوكرانيا، استنادا للمزايا التي يوفرها اقتصاد روسيا القوي، والشعور بأمان نسبي من الانتقام.
 
وربما يراهن بوتين على أن أوكرانيا لن تستطيع في النهاية تحمل حرب استنزاف حقيقية، وأن الغرب سيفقد صبره ويقلص دعمه لكييف.
 
وبعد مرور عام على اندلاع الحرب، كانت نتيجتها الأساسية هي تحقيق بوتين بالضبط ما كان يأمل ألا يحدث: فلقد أوجد على أعتاب بلاده دولة متحدة في كراهيتها لروسيا، ويملؤها العزم على مقاومة الغزو، والالتزام بهزيمة موسكو، دون النظر إلى تكلفة ذلك.
 
وسوف يغادر بوتين الساحة يوما ما، وسيتعين على خليفته مواجهة إرث حكمه لروسيا، وهو ما سيشمل وضعا لا يمكن الدفاع عنه على الحدود الجنوبية الغربية للبلاد.
 
وقد عانت روسيا من نكسات إستراتيجية عديدة في حرب أوكرانيا، فعلى سبيل المثال، خسرت وضعها كمورد بارز للطاقة لأوروبا، ربما إلى الأبد. كما تضاءل النفوذ الروسي على نحو كبير، وتضررت سمعة موسكو كقوة عسكرية تعاود الظهور مجددا، وتعرض موقعها في بحر البلطيق لصفعة قوية عندما أعلنت السويد وفنلندا عن خططهما للانضمام لحلف الأطلسي.
 
ورغم ذلك، ليس من الممكن ترجمة خسائر موسكو بأنها مكاسب لواشنطن وحلفائها.
ويؤكد خبير الاستخبارات الأميركي رومر أن هذا النهج يتجاهل واقع الحرب طويلة الأمد في أوروبا، والجانب الأخلاقي المتمثل في التظاهر بشن حرب ضد روسيا، ولكن عن بُعد، فحياة الأوكرانيين هي التي على المحك. كما أنه يتجاهل خطورة التصعيد، حتى ولو لم يكن نوويا، وإمكانية انخراط الناتو في القتال بشكل مباشر، كما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية عندما دخلت واشنطن في الحرب مباشرة، ولم يقتصر الأمر على توفير مساعدات الأسلحة.
 
ولا تبدو روسيا مستعدة للتوصل إلى حل وسط، حيث أن شروط أوكرانيا للتفاوض، العودة لحدود عام 1991، والتعويضات، ومحاكم جرائم الحرب، ليست سوى مطالب استسلام غير مشروط، وقبول روسيا لهذه الشروط أمر مستحيل.
 
وبعدما تعهدت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا بدعم أوكرانيا، تركت واشنطن وحلفاؤها فعليا مهمة تحديد أهداف هذه الحرب للقيادة الأوكرانية.
 
ويمكن أن تستمر الحرب وفق ثلاثة سيناريوهات: الجمود، أو انتصار أي من طرفي الصراع. ويدور السيناريو الأول فعليا عن حالة حرب تستمر للأبد، بما يشبه الموقف المتأزم في شبه الجزيرة الكورية. أما الثاني، فهو يحمل في طياته خطورة تصعيد مثير من جانب روسيا، مما قد يدفع حلف الأطلسي إلى الانخراط في الحرب مباشرة. ويحمل السيناريو الثالث أيضا خطورة مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو، حيث أن هيمنة موسكو على ميدان المعركة سوف تؤدي إلى دعوات بتدخل الحلف لإنقاذ أوكرانيا.
 
ويعد السيناريو الأول المسار الأقل مقاومة والمرتبط بأقل المخاطر المباشرة. ورغم ذلك، فإن المراهنة على حالة الجمود دون التفكير بشكل جدي في السيناريوهين الآخرين، ليست إستراتيجية صائبة.
 
وبالإضافة إلى ذلك، يقول رومر إن سيناريو الحرب الأبدية يحمل في طياته تهديدات وتحديات أخرى عديدة لواشنطن وحلفائها، بداية من تدخل روسيا في الأزمات الإقليمية، والدول الضعيفة، إلى انهيار جهود الحد من التسلح، والجهود العالمية لاحتواء انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل توصيلها: فالعيش مع “روسيا المارقة” يعني الحياة في أحضان الخطر.