كُتّاب الموقع
سقف سعر النفط الروسي.. ما آلية عمله وتأثيره؟ وكيف ستردّ موسكو؟

بتول دياب

الأربعاء 7 كانون لأول 2022

دخل الحد الأقصى للأسعار الذي حددته مجموعة الدول الصناعية السبع والاتحاد الأوروبي على النفط الروسي المنقول بحراً حيز التنفيذ الإثنين، في محاولة من الكتلتين لزيادة الضغوط الاقتصادية وتجفيف صادرات روسيا، التي تخوض حرباً ضد الأطلسي في أوكرانيا.
 
وقالت المفوضية الأوروبية إن وضع حد للسعر النفط الروسي، الذي يأتي على رأس حظر استيراد الاتحاد الأوروبي المنتوجات النفطية الروسية المنقولة بحراً، والحظر المقابل لشركاء مجموعة السبع، سيقللان على نحو كبير الإيرادات التي تجنيها روسيا من النفط، وسوف يعملان أيضاً على استقرار أسعار الطاقة العالمية ومعالجة التضخم.
 
وحددت الكتلتان سعر برميل النفط الروسي عند 60 دولاراً، لكنهما تقولان إن هذا السعر ليس ثابثاً، بل ستتم مراجعته كل شهرين، ابتداءً من منتصف كانون الثاني/يناير، للتأكد من بقائه أقل بنسبة 5% على الأقل من متوسط ​​سعر الخام الروسي على النحو الذي تحدده وكالة الطاقة الدولية.
 
كيف ستعمل آلية تحديد سقف سعر النفط الروسي؟
 
 
يمنع الحد الأقصى الشركات في الدول المشاركة من تقديم خدمات الشحن والتأمين وغيرها من الخدمات، بما في ذلك التجارة والسمسرة لشحنات النفط الخام الروسي، والتي يتم بيعها فوق سعر معين للبرميل، والمحدَّد في هذه الحالة بستين دولاراً.
 
لن تتمكن شركات التأمين والشركات الأخرى لشحن النفط من التعامل مع الخام الروسي، إلا إذا تم تسعير النفط بالسقف الأقصى أو أقل منه. 
 
تقدم دول مجموعة السبع - كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - خدمات التأمين إلى 90% من شحنات العالم. والاتحاد الأوروبي هو لاعب رئيس في الشحن البحري.
 
هذا يعني أنه يجب أن تكون هذه الدول قادرة على تمرير الحد الأقصى إلى أغلبية عملاء روسيا في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي يجعل سقف الأسعار موثوقاً به. ويقع على عاتق هؤلاء المزودين مسؤولية مطالبة عملائهم بإثبات أنهم اشتروا بسعر متوافق مع الحد الأقصى.
 
يمكن للدول الاستمرار في شراء النفط الروسي فوق الحد الأقصى للسعر، لكن من دون استخدام الخدمات الغربية للحصول عليه أو تأمينه أو نقله.
 
تقول المفوضية الأوروبية إنه إذا نقلت سفينة تحمل علم دولة ثالثة، عن قصد، نفطاً روسياً أعلى من الحد الأقصى للسعر، فسيُحظر على مشغلي الاتحاد الأوروبي التأمين والتمويل لهذه السفينة، لنقل النفط أو المنتوجات البترولية الروسية لمدة 90 يوماً بعد أن يتم تفريغها.
 
وإذا انتهكت سفينة تابعة للاتحاد الأوروبي سقف السعر، فستخضع للعواقب التي تتبع بموجب التشريعات لكل دولة عضو.
 
يُسمح بتقديم الخدمات المالية وخدمات الشحن للنفط الخام الروسي إذا تم شراؤه بالسعر المحدد أو أقل من الحد الأقصى للسعر، وكذلك في حالات الطوارئ. وقد يتم إعفاء المشاريع المحددة التي تُعَدّ ضرورية لأمن الطاقة في بعض البلدان الخارجية من سقف السعر.
 
ورأت وزارة الخزانة الأميركية، أنه يجب اعتبار سياسة الحد الأقصى للأسعار مكملاً لتنفيذ عقوبات الاتحاد الأوروبي المقبلة، التي أعلنها في حزيران/يونيو الماضي. لذا، تم تصميم سقف السعر كاستثناء لتلك القيود، الأمر الذي يسمح للشركات الموجودة في دول التحالف بتقديم الخدمات المتعلقة بالنقل البحري لتجارة النفط الروسي فقط إذا تم تداول النفط بسعر 60 دولاراً للبرميل أو أقل منه.
 
الجدير ذكره أن الحظر النفطي الغربي لا ينطبق على واردات النفط الروسية التي تدخل الكتلة عبر خطوط الأنابيب.
 
من جهة أخرى، فإن معظم مقدمي الخدمات المتأثرين ليسوا أميركيين بل شركات أوروبية. لكن واشنطن بدورها ستؤدي الدور المركزي في تحديد سقف الأسعار. ويرجع ذلك إلى أن البنوك العالمية، التي تعتمد على النظام المالي الأميركي، ستعمل كوسطاء في معاملات النفط الروسي. 
 
ما تأثير الخطة الغربية في سوق النفط العالمي وأمن الطاقة؟
 
 
تقول الكتلتان؛ الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، إنّ أحد أهداف خطوتهما هو فرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، تتمثل بمحاولة استقرار أسعار الطاقة العالمية، إلا أن البيانات تفيد بعكس ذلك، إذ ساهمت الإجراءات المعلنة حديثاً في قفزة في أسعار النفط العالمية في التعاملات المبكرة، أمس الإثنين، لكن الأسعار تراجعت في وقت لاحق اليوم.
 
خطوة الكرتالات الغربية تخاطر في تعطيل إمدادات النفط العالمية، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعارها، وخصوصاً في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة في مجمل البلدان الغربية، ومحاولة الحكومات للحد منها، بالإضافة إلى تحذيرات من شتاء قارس في أوروبا.
 
نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أكد أن فرض سقف سعر على النفط الروسي ستنتج منه قفزة في الأسعار في الغرب، في حين أن التأثير الدقيق لسقف السعر لا يزال غير واضح. ويتوقع بعض المحللين أن تؤدي هذه الخطوة إلى ارتفاع أسعار النفط في الأشهر المقبلة، بحيث تضغط السوق العالمية على إمدادات النفط الروسية المفقودة.
 
في الوقت نفسه، قبل الحرب في أوكرانيا، كانت دول الاتحاد الأوروبي تعتمد بصورة كبيرة على صادرات النفط الروسية. في عام 2021، استورد الاتحاد الأوروبي 74.8 مليار دولار من النفط الخام والمنتوجات النفطية المكررة من روسيا.
 
بلغت هذه الواردات من النفط الخام الروسي 2.2 مليون برميل يومياً، منها 700 ألف برميل يومياً عبر خطوط الأنابيب، فضلاً عن 1.2 مليون من المنتوجات النفطية المكررة، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
 
ومع دخول الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الخام الروسي المنقول بحراً حيز التنفيذ، أمس الإثنين، وعلى المنتوجات النفطية المكررة، في شباط/فبراير، قالت وكالة الطاقة الدولية أيضاً إن الكتلة ستحتاج إلى استبدال مليون برميل من الخام و 1.1 مليون برميل من المنتوجات النفطية يومياً. وستستمر موقتاً نحو 10% من واردات النفط القادمة من خط أنابيب النفط، دروجبا.
 
هل ستؤثر هذه الخطوة في اقتصاد روسيا؟
 
 
من جهة روسيا، قد تؤدي هذه الخطوة إلى إخراج كثير من النفط الخام الروسي من السوق، بحيث ترتفع أسعار النفط، وستعاني الاقتصادات الغربية، وستشهد روسيا زيادة في الأرباح من أي نفط تصدره.
 
بالفعل، حوّلت روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط في العالم، كثيراً من إمداداتها، إلى الهند والصين ودول آسيوية أخرى بأسعار مخفَّضة، بعد أن تجنبها العملاء الغربيون حتى قبل حظر الاتحاد الأوروبي.
 
في الوقت نفسه، يظلّ الحد الأقصى، البالغ 60 دولاراً، أعلى من تكلفة الإنتاج الروسية التي تتراوح بين 30 و40 دولاراً للبرميل، الأمر الذي يمنح موسكو حافزاً على مواصلة بيع النفط.
 
وقال كبير الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي في واشنطن، روبن بروكس، في تغريدة في "تويتر"، الأسبوع الماضي، إن حداً أقصى قدره 30 دولاراً من شأنه أن "يوقع روسيا في الأزمة المالية التي تستحقها". وهذا الأمر طالبت به بولندا، لكنها عادت وتراجعت عنه.
 
من جهة أخرى، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن ينخفض ​​إنتاج النفط الروسي بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً العام المقبل بعد دخول حظر الاتحاد الأوروبي على الصادرات المنقولة بحراً من الخام الروسي حيز التنفيذ، الأمر الذي سيضغط أيضاً في اتجاه رفع الأسعار، وهو ما لا يريده الغرب، وتحديداً واشنطن.
 
كيف ستردّ روسيا على تحديد سقف سعر نفطها؟
 
 
يشكّل الحظر وحظر الخدمات وحدود الأسعار، مجتمعة، إعادة تنظيم سياسي غير مسبوق لتدفقات النفط العالمية. ومع ذلك، سيعتمد تأثير العقوبات على التحركات التالية من جانب روسيا والغرب، والدول التي تحاول البقاء على الحياد بشأن الحرب في أوكرانيا.
 
تقول روسيا إنها سترفض البيع للدول التي تلتزم بسقف السعر. وإذا تم سحب كميات كبيرة من النفط الخام من السوق، فقد ترتفع الأسعار بصورة كبيرة.
 
ومع ذلك، ستحكم "أوبك +"، في هذه الحالة، على ما إذا كان ارتفاع أسعار النفط الجديد في مصلحتها. قرر الكارتل عدم تغيير الإنتاج في عطلة نهاية الأسبوع، الأمر الذي يشير إلى أنه يفضل المحافظة على استقرار الأمور. وكانت "أوبك +" قررت، في تشرين الأول/أكتوبر، خفض إنتاج النفط بمعدّل مليوني برميل يومياً، الأمر الذي كان يُعَدّ كارثة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وموقفاً مؤيداً لموسكو.
 
لدى روسيا خيارات بشأن كيفية الرد، وتدرس خطواتها للالتفاف على الحظر الغربي. وقال ريابكوف إن روسيا لن تكشف الآن مضمون الإجراءات المضادة لسقف أسعار النفط الذي تفرضه الدول الغربية، لكن يجب أن تكون هذه الدول مستعدة لكل شيء.
 
تميل روسيا إلى إنشاء أسطولها الخاص من الناقلات، وتشغيلها والتأمين عليها بنفسها، كما فعلت فنزويلا وإيران. وأشارت تقارير إلى نجاح روسيا في جمع أسطول من نحو 100 سفينة لتجنب العقوبات النفطية، الأمر الذي سيسمح لموسكو ببيع نفطها من دون الحاجة إلى تأمين من مجموعة السبع أو دول أخرى.
 
يمكنها أيضاً نقل الزيت من سفينة إلى أخرى وخلطه بزيت من نوعية مماثلة لإخفاء مصدره. ويمكن لروسيا والصين محاولة إنشاء شركات تأمين خاصة بها لاستبدال تلك الممنوعة من جانب الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا.
 
يمكن لروسيا أن ترد أيضاً بإغلاق الشحنات، على أمل الاستفادة من ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية، على كل ما يمكنها بيعه .
 
المستوردون الأساسيون للنفط الروسي في آسيا، مثل الصين والهند، أشاروا إلى أنهم لن يلتزموا الحد الأقصى الغربي. الهند قالت إنها لن تتأثر بالقرار وستواصل شراء النفط من روسيا، بينما علّقت الصين بأنها تتعاون مع روسيا في مجال الطاقة "على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلين".
 
توضح معالم خطوة الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، عبر فرض حد لسعر النفط الروسي، أنها سوف ترتد سلباً على الاقتصاد العالمي على عكس أهدافها، وسيهتز أمن الطاقة المهتز أصلاً بفعل العقوبات الغربية على صادرات النفط الروسية. وهذا الأمر كانت أكدته وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق، وحذّرت من تأثير هذه الخطوة في الأسواق.
 
ولعل ما قاله وزير الخزانة الأميركي الأسبق، ستيف منوشين، يعبّر بصورة دقيقة عن هذه الخطوة، من خلال قوله إنها فكرة "سخيفة"، بينما ذهبت وكالة "بلومبرغ"، المعنية بالاقتصاد، إلى أبعد من ذلك، عبر توضيحها أن الخطوة تُظهر ضعف الغرب.. والسبب أنه (الغرب) يعتمد بصورة أساسية على موارد الطاقة الروسية، انطلاقاً من أنه يؤكد، في جوهره، الحاجة الماسّة إلى النفط الروسي.
 
 
 
 
المصدر: الميادين