كُتّاب الموقع
إيران في مواجهة الجنون الأميركي

سركيس أبوزيد

الإثنين 28 أيار 2018

يثبت الرئيس الأميركي دونالد ترامب من خلال ممارسته وسياسته أمرين: الأول أنه في بعض المسائل “يعد ويفي” . هذا ما حصل في موضوع نقل السفارة الأميركية الى القدس ، وهذا ما يحصل الآن في موضوع الاتفاق النووي الإيراني الذي كان هدد بالانسحاب منه ونفذ تهديده. والأمر الثاني أن ترامب ماضٍ قدما في تدمير الإرث السياسي الخارجي للرئيس السابق أوباما، وها هو الآن يطوي الصفحة الأهم من كتاب أوباما الشرق أوسطي ويلغي الإنجاز الأهم في عهده وهو الاتفاق النووي مع إيران، معيدا العلاقة معها الى ما قبل أوباما والى حالة المواجهة وأسوا مما كانت عليه، ومعيدا العلاقة مع” إسرائيل” الى سابق عهدها من الإلتزام الكامل بأمنها القومي، و”الشراكة” مع السعودية مع زخم أقوى، وما يريده ترامب من إلغاء الاتفاق النووي إفتتاح مرحلة جديدة يكون عنوانها تطويق إيران وإضعافها ووقف أنشطتها ومشروعها في المنطقة.

كما يُظهر ترامب “ميزة ثالثة” وهو العناد والأنانية في تفكيره وسلوكه، وأنه لا يقيم وزنا للحلفاء الأوروبيين الذين أخفقوا في إقناعه بالبقاء في الاتفاق النووي بعد إضافات عليه تتعلق بالبرنامج الصاروخي لإيران . وبالتالي لم يعد أمام الأوروبيين الآن إلا التحوّل في اتجاه طهران لإقناعها بالبقاء داخل الاتفاق والاستمرار في التزاماتها وعدم التذرع بالانسحاب الأميركي. فالأوروبيون يراهنون على حاجة إيران لاستمرار العمل بالاتفاق واستمرار الأوروبيين في تطبيع علاقاتهم الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع طهران، من دون الرضوخ للأوامر الأميركية. وأيًا يكن الرد الإيراني على القرار الأميركي، فإن منطقة الشرق الأوسط دخلت في مرحلة جديدة شديدة التوتر والتأزم، وسط صراعات قائمة وتعقيدات مزمنة ومشاريع آتية.

وهنا لا ننسى، التداعيات الاقتصادية حيث تظهر المؤشرات والمعطيات الى أن التوقعات الاقتصادية لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران هي كبيرة، كونها لن تقتصر على ايران بل إنها تنسحب على أوروبا وروسيا، وتطال أسواق النفط وحتى إنفاق المستهلك الأميركي.

والسؤال هنا، كيف يمكن للدول الأوروبية وشركائها أن تتعاطى مع هكذا انسحاب، خصوصا وأن شركات كبيرة مثل رينو الفرنسية كانت أكثر جنوحاً في الاستثمار أو توقيع اتفاقيات منذ رفع القيود المفروضة. ومن ضمن الشركات الاميركية تبرز بوينغ على سبيل المثال والتي أبرمت عقودا بقيمة 20 مليار دولار مع طهران . ويجري أيضاً تداول أنباء عن دراسة تعامل أوروبا مع إيران باليورو بدلا من الدولار، خاصة فيما يتعلق بتعاملات النفط في محاولة لتخطي عقبة التعامل مع النظام المصرفي الأميركي الذي يهيمن على تعاملات الدولار حول العالم. ويرجح محللون أن تخسر الشركات الأميركية والأوروبية مليارات الدولارات في الصفقات التجارية الملغاة، مع توقف سوق تصديرية رئيسية جديدة.

أما ” إسرائيل” التي تصفق لترامب وقراره الشجاع والصحيح بإلغاء “الاتفاق الكارثة”، فإنها تعتبر أن هذا القرار يخدم الأمن القومي لـ”إسرائيل” لأنه سيؤدي الى وقف التدهور في المنطقة وكبح جماح إيران ونفوذها. وتراهن” إسرائيل” على أن تساهم عودة العقوبات الى الضغط على الشارع والرأي العام في إيران للتحرك ضد النظام وحمله على التراجع عن سياساته الإقليمية. وهذا الرهان على تطورات داخل إيران يكمله رهان آخر على تطورات خارجها وعلى مسار تصادمي بين إيران وأميركا في المنطقة. لذا فإن الحسابات الإسرائيلية تتحرك بين حد أدنى هو فرض طوق اقتصادي على إيران من العقوبات والمضايقات الاقتصادية والمالية ، وحد أقصى هو استدراج الولايات المتحدة الى حرب مع إيران أو الى تغطية أي حرب إسرائيلية معها.

وهنا يبرز السؤال، ماذا تريد واشنطن من العقوبات على طهران؟
واشنطن تريد تغيير النظام الإيراني، لا سلوكه، ولذلك حدّ د وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، 12 شرطا أميركيا للتوصل الى اتفاق جديد معها، وهي:
1- الكشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التفاصيل العسكرية السابقة لبرنامجها النووي.
2- وقف جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم وعدم إنتاج البلوتنيوم وإغلاق مفاعل المياه الثقيلة (آراك).
3- السماح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول غير المشروط إلى جميع المواقع النووية في البلاد.
4- إنهاء نشر الصواريخ الباليستية والصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية.
5- إطلاق سراح المواطنين الأميركيين ومواطني الدول الحليفة المعتقلين في إيران.
6- إنهاء دعم الجماعات الاسلامية في الشرق الأوسط، بما فيها حزب لله و”حماس” و”حركة الجهاد الإسلامي”.
7- احترام سيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الشيعية.
8- وقف دعم الميليشيات الحوثية والعمل على تسوية سياسية في اليمن.
9- سحب جميع القوات الإيرانية من سوريا.
10- إنهاء دعم طالبان والإرهابيين الآخرين في أفغانستان والمنطقة وعدم تقديم مأوى لقادة “القاعدة”.
11- إنهاء دعم “فيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري” للإرهابيين عبر العالم.
12- وقف تهديد دول الجوار، بما يشمل تهديدها بتدمير “إسرائيل”، والصواريخ التي تستهدف السعودية والإمارات، فضلا عن تهديدها الملاحة الدولية.

في الخلاصة، إن إدارة ترامب لا تطرح أمام النظام الإيراني إلا خيارا واحدا هو “التغيير”، ولا تفتح إلا طريقا واحدا يقود الى تغيير النظام. فما تطرحه اميركا في شروطها الـ 12 ، لا يوصل الى تغيير سلوك النظام وإنما الى تغيير النظام الإيراني، ونظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية لا يمكنه أن ينفذ الشروط الأميركية. المواجهة مستمرة بين الجنون الاميركي والدهاء الايراني .


 (ان كافة الآراءَ الواردة تعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع)