كُتّاب الموقع
عكس التوقعات 2022: غاز لبنان.. الحرب وسيلة وإخضاع "إسرائيل" غاية

فاطمة فتوني

الخميس 29 كانون لأول 2022

"المقاومة والتهديد بالحرب كانا عاملين حاسمين في إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية".. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بتاريخ 29 تشرين أول/أكتوبر.
 
تصاعدت حدة التوترات بين لبنان و"إسرائيل" خلال فترة ما قبل التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود البحرية. في تلك الفترة، رُسمت عدة سيناريوهات، في هذا الإطار، وذلك بسبب تزايد الأطماع الإسرائيلية بالثروات اللبنانية البحرية، إذ كان يتوقع أن تحصل حرب شاملة، ولكن انتهى عام 2022، مع بداية اقتصادية جديدة للبنان، بعيداً عن التصعيد العسكري مع الاحتلال.
 
ما كان متوقعاً
 
 
نشوب حرب بين "إسرائيل" وحزب الله كان احتمالاً وارداً، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية وبدأت "إسرائيل" باستخراج الغاز من حقل "كاريش". لم تكن تهديدات حزب الله لـ"إسرائيل" بالحرب مجرد كلام، إنما كانت واقعاً مطروحاً في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي وازدياد أطماعه بالثروات البحرية الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
 
وكان سيناريو الحرب وارداً جداً، خصوصاً بعد الرسائل التي أرسلها حزب الله بعبور 3 طائرات مسيّرة تابعة له، البحر في لحظة واحدة في اتجاه منصات الغاز في "كاريش"، وقال الحزب حينها إنها أنجزت مهمتها "بنجاح".
 
مشهد الحرب كان حاضراً في التوقعات الإسرائيلية، إذ ترجم القلق الإسرائيلي باستنفار قوات الاحتلال على الحدود مع لبنان. وهذا تدبيرٌ تتّخذه " إسرائيل" عادةً بهدف إخافة الطرف الآخر وتوجيه الرسائل بأنها "مستعدة" للحرب. ولكن، هل حقاً كان الاحتلال جاهزاً للدخول في دوامة حرب جديدة؟.
 
في حزيران/يونيو 2022، وبخطاب "تمهيدي" ربط السيد نصر الله ترسيم الحدود بضمان استخراج الثروات النفطية والغازية، هذا الأمر تبعه تهديد الأمين العام لحزب الله "بقلب الطاولة على العالم"، إذ قال إن "لبنان أمام مرحلة جديدة، خلاصتها أنّ ما جرى خلال الأيام الماضية، وتنصيبَ الشركة البريطانية اليونانية منصةً في حقل كاريش لاستخراج الغاز خلال 3 أشهر، مثّلا اعتداءً على لبنان، ووضعاه أمام موقفٍ صعب".
 
في هذا الإطار، يكمن مغزى حديثه عن أن لبنان أمام "فرصة ذهبية"،  في تشديده على "ضرورة أن يثق الشعب اللبناني بأن لدى المقاومة ما يكفي من القدرات البشرية والعسكرية والمادية كي تخضع إسرائيل لإرادة لبنان".
 
ما حصل؟
 
 
من تابع أداء المستويات السياسية في "إسرائيل"، يلحظ جدّية في التعاطي مع التهديدات اللبنانية، إذ تصرّف المسؤولون على أساس "السيناريو الأسوأ"، لا سيما أن الطرف المتضرّر من التهديد، أي "إسرائيل"، أظهرت قلقاً من نوع جديد، حسب وصف الإعلام الإسرائيلي.
 
القلق الإسرائيلي بدا واضحاً من خلال التصريحات الإسرائيلية "المترددة" بشأن الجهوزية للحرب، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أن الداخل الإسرائيلي غير مستعد للدخول في مواجهة عسكرية مع حزب الله، تحديداً في هذا التوقيت (مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية حينها). نظراً لما سيكون لهذه المواجهة من تداعيات سلبية على المؤسسة الأمنية، وتحديداً الجيش الذي يعاني من أزمات داخلية. وأعرب عدد من كبار الضباط في "الجيش" الإسرائيلي عن قلقهم من عدم جهوزية الجيش لأي حرب شاملة، وحذروا من كارثة ستحل به إذا باغتته الحرب قبل سد الفجوة بين النظريات والأفكار وبين الواقع السيئ في أغلب تشكيلات "الجيش"  ومستوياته.
 
ومع التركيز على الجانب الإسرائيلي، كانت الحكومة، قبل أشهر، تعاني من أزمات سياسية عدة، فهي واجهت معارضة شديدة ترأسها الرئيس الحالي بنيامين نتنياهو. وسعياً لاستقطاب الجمهور الداخلي،  وعد رئيس حكومة الاحتلال السابق يائير لابيد ناخبيه ببدء استخراج الغاز من حقل كاريش في الأول من أيلول/ سبتمبر، لكن تم الإعلان عن تأجيل ذلك إلى منتصف تشرين أول/ أكتوبر وذلك من دون ذكر سبب التأجيل رسمياً، وقالت الحكومة إن قرار التأجيل أتى من قبل شركة "إنرجيان"، التي تشغل منصة استخراج الغاز في حقل كاريش.
 
ورداً على ما أثير من أن سبب التأجيل هو التوتر مع حزب الله، وتريثاً وانتظاراً لنتيجة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قالت جهات  إسرائيلية، حينها، إن "الخوف من حزب الله لا ينتهي هنا".
 
وعلى الرغم من "القلق والخوف" الإسرائيليين، لم تتوقف التهديدات الإسرائيلية في العلن، وهذا ما جعل الاحتلال يدخل  مرحلة جديدة عنوانها  "التخبط الإسرائيلي" جراء تهديدات الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله. محلل الشؤون العسكرية في قناة "كان" الإسرائيلية، روعي شارون، قال، في هذا الصدد، إنه "لم يولد بعدُ لا القائد ولا رجل الاستخبارات الإسرائيلي أو الغربي، الذي يستطيع دخول رأس السيد نصر الله، وينجح في تحليل ما يخططه. هذا فشل مرة بعد أخرى، أيضاً بخصوص حماس وبخصوص نصر الله".
 
استمر القلق الإسرائيلي من المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله العلنية والصريحة تجاه الكيان المحتل، فبعد كل خطاب كان الإعلام الإسرائيلي يغوص في تحليلات حول "واقع الأمور التي باتت مفروضة عليه". إضافة إلى أنّ "إسرائيل" ضغطت أكثر من مرة على الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق قبل البدء في استخراج الغاز من حقل "كاريش"، في الفصل الأخير من هذا العام.
 
وأخيراً، وقع الرئيس اللبناني، ميشال عون، على تسلّم لبنان  الرسالة الأميركية وموافقته على  ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، والذي وصف بـ"اليوم التاريخي". وبهذه الخطوة يكون لبنان قد أنهى موضوع الترسيم باستثناء أمر واحد بقي عالقاً، إذ قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن "لبنان في معركة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، التي بدأت مع وصول السفينة اليونانية وانتهت بتسليم الوثائق في الناقورة، حصل على كل ما أراده، باستثناء أمر واحد بقي عالقاً".
 
لماذا لم يحصل تصعيد؟
 
 
تراجع الحديث عن حرب بين لبنان و"إسرائيل"، لم يكن وليد اللحظة بل نتيجة عوامل وظروف وأسباب أدت إلى تحقيقه، أثبتها الحزب من خلال معادلة الردع وفرض قواعد الاشتباك على المحتل الإسرائيلي على طول الحدود المحتلة برياً وبحرياً.
 
لم تحصل الحرب لأن حزب الله استخدم قوة الردع في مواجهة الاحتلال، الذي كان متأكداً من أنه إذ لم يخضع لشروط الحزب، فستذهب الأمور إلى "تصعيد لن يحمد الاحتلال عقباه".
 
هذه المعادلة غيّرت لغة الخطاب الرسمية مع الكيان الإسرائيلي، إذ كان لبنان الرسمي ينتظر دائماً جواباً من "إسرائيل" عبر الوسيط الأميركي، وإذا تأخر إلى ما بعد أيلول/سبتمبر، فقد يصبح لبنان "لا يملك وسائل ضغط سوى قوة المقاومة، التي هي الوسيلة الرئيسية التي يستفيد منها لبنان الرسمي".
 
والأهم أن حزب الله، التهديد الرئيسي لـ"إسرائيل"، باتت لديه قدرة العمل ضدها في كل وقت، على الرغم من السعي الإسرائيلي  لاستثمار الأزمة الاقتصادية  اللبنانية، والعوامل الضاغطة على حزب الله، في محاولة تحسين قواعد الاشتباك لمصلحته. وهذا ما فشل فيه الإسرائيلي، كما ذكرت التقارير الإسرائيلية، قائلةً إن "السيد نصر الله وضع معادلة جديدة، وهدد بحرب تطال كل مشاريع النفط والغاز في أنحاء البحر الأبيض المتوسط إذا لم تحترم حقوق لبنان في الأسابيع القريبة".
 
التصريحات الإسرائيلية أثبتت أن هناك معادلة لبنانية رسخها الحزب بأنه "لا يمكن استخراج الغاز من حقل كاريش في فلسطين المحتلة إذا لم يتم استخراجه من حقل قانا اللبناني أو من المنطقة الاقتصادية اللبنانية". إذ وضع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله معادلة زمنية محكمة،  أمام مناورات الطرفين الأميركي والإسرائيلي. في أيلول/سبتمبر، كان يفترض أن يبدأ الطرف الإسرائيلي باستخراج الغاز من "حقل كاريش"، لكن هذا لم يحصل بل تم توقيع الاتفاق، وسط عراك سياسي داخلي في "تل أبيب". 
 
وسائل إعلام إسرائيلية قالت إنّ قادة المؤسستين الأمنية والعسكرية يفهمون أن لا أحد يستطيع حقاً معرفة ما الذي يفكر فيه الأمين العام لحزب الله، ودخول رأسه، فهم أصحاب خيبات في الاستخبارات الإسرائيلية من هذه المحاولات". وأشارت إلى أنّ  "إسرائيل تصلّبت خلال المفاوضات مع لبنان إلى أن جاءت تهديدات نصر الله فتراجعت"، مضيفةً أنّ "تهديدات نصر الله بشأن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية فعلت فعلها وأدخلت إسرائيل في حالةٍ من الضغط".
 
"هزيمةٌ جديدةٌ" أقرّ بها الاحتلال الإسرائيلي، واعترف بفشل رهاناته وسقوط معادلاته أمام تهديدات حزب الله في كاريش والخضوع لشروط لبنان. أسلوب حزب الله بالتعاطي مع التهديدات الإسرائيلية الأساس فيه كان الانتصار في معركة كي الوعي لدى الجمهور الإسرائيلي، والتي نجح فيها الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وفقاً للإعلام الإسرائيلي.
 
تصريحات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، عن "إمساك المقاومة باللحظة التاريخية لإنقاذ لبنان"، في ما يتعلق بمسألة ترسيم الحدود وثروات الطاقة، إضافة إلى التهديدات التي أطلقها في الفترة الماضية، شكلت مصدر قلقٍ للكيان المحتل، إذ كرر في أكثر من مناسبة، تهديده للاحتلال الإسرائيلي، بقصف حقل الغاز المتنازع عليه بين لبنان و"إسرائيل"، "كاريش"، مؤكداً أن "صواريخ  الحزب وعيونه موجهة إلى هناك".
 
إضافة إلى هذه التهديدات، لجأ حزب الله من خلال إعلامه الحربي، إلى بث مشاهد، تندرج في إطار الحرب النفسية، تُظهر إحداثيات منصات استخراج الغاز على ساحل فلسطين المحتلة، في رسالة واضحة إلى الاحتلال الإسرائيلي. وحملت المشاهد التي بثها الإعلام الحربي عنوان: "في المرمى، واللعب بالوقت غير مفيد".
 
ما زخّم هذا الفيديو هو خطاب الأمين العام لحزب الله قبلها ببضعة أيام، عن "كاريش" والتهديد العلني للكيان في حال قامت "إسرائيل" باستخراج النفط قبل أن يأخذ لبنان حقه من الثروات البحرية المتنازع عليها، إضافة إلى المسيّرات التي ذكرناها سابقاً والتي أرسلها حزب الله إلى "كاريش" في جولة حملت معها رسائل عسكرية للكيان المحتل.
 
واستخدم الحزب أيضاً، المناورات الصامتة بشكل ميداني، على الحدود، وفي البحر أكثر من مرة على امتداد الساحل اللبناني. وكشف  نصر الله، عن إجراء الحزب مناورات صامتة في الفترة الماضية، مهدداً "إسرائيل" بالرد مباشرة على أي "خطأ أو حماقة". ونتيجة لهذه الأساليب والتهديدات التي خلقت معادلات جديدة، أدرك الاحتلال أن "المواجهة مع المقاومة خطيرة وكبيرة، وأن قدرات المقاومة باتت تتجاوز المواجهة عند الحدود".
 
 
المصدر: الميادين