كُتّاب الموقع
مستقبل خريطة الطاقة العالمية.. ما الذي سيتغير؟

إسراء سيد

الأربعاء 28 كانون لأول 2022

سيظل عام 2022 راسخًا في ذاكرة قطاع الطاقة لأجيال قادمة، نظرًا إلى التحولات التاريخية التي تسارعت خلاله، واضطرار الدول الكبرى لإعادة رسم خريطة جديدة لمستقبل الطاقة في العالم، تتبنّى بشكل متزايد نظامًا خاليًا من انبعاثات الكربون، وتمنح مساحة أكبر لمصادر الطاقة النظيفة.

الحدث الأهم الذي حرّك سلسلة من التطورات كان اندلاع الحرب في أوكرانيا ونشوب أزمة الغاز الأوروبية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل كبير، واضطر العديد من الدول مخالفة القواعد والعودة إلى أشكال الطاقة التقليدية، ومنها الفحم الذي سجّل مستويات استهلاك قياسية بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية.

في ضوء هذه التقلبات الحادة بين تسارع الخطى نحو التحول للطاقة النظيفة والعودة المفاجئة إلى الوقود الأحفوري، من الصعب التنبُّؤ بمستقبل الطاقة، لكن يمكن التأكُّد من أن هذا القطاع سيبدو مختلفًا بشكل ملحوظ بعد 20 عامًا من الآن عمّا هو عليه اليوم.

مستقبل غامض

تقدّر التوقعات الحالية أنه في عام 2050 سيكون هناك ما يقرب من 10 مليارات إنسان على الأرض، هذا النمو السكاني وارتفاع مستويات المعيشة سيؤديان إلى مضاعفة احتياجاتنا من الطاقة تقريبًا، و3 أمثال هذا الاحتياج في القرن القادم.

رغم هذا الطلب المتزايد، ستستمر الشركات في إنتاج الوقود الأحفوري، في حين تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) أن تبلغ ﺣﺻﺔ الطاقة اﻟﻣﺗﺟددة 21% ﻓﻘط ﺑﺣﻟول ﻋﺎم 2030، ﻣﻊ نمو مصادر اﻟطﺎﻗﺔ اﻟﻣﺗﺟددة إﻟﯽ 15%، وھو ﻣﺎ ﯾﻘلّ ﻋن اﻟزﯾﺎدة الكبيرة التي يتطلبها تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة، والذي يهدف إلى إتاحة مصادر طاقة حديثة ومستدامة يمكن الاعتماد عليها بتكلفة معقولة للجميع.

تشير التقديرات إلى أن الوصول إلى مستقبل أمن الطاقة ليس بالسهل، فجميع حلول الطاقة المتجددة تواجه تحديات عديدة، ليس أقلها حقيقة أننا بحاجة إلى الطاقة على مدار 24 ساعة في اليوم.

تشير هذه التوقعات إلى أن العالم لا يسير على الطريق الصحيح لتحقيق أهداف الطاقة العالمية لعام 2030، إذ لم يتمكن حوالي 15% من سكان العالم -مليار شخص تقريبًا- من الحصول على الكهرباء، ولا تزال المناطق الريفية في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء ووسط وجنوب آسيا تمثّل مناطق العالم التي تعاني من أكبر حالات العجز في الحصول على الكهرباء.

كذلك ليس بمقدور 3 مليارات شخص -أو ما يزيد على 40% من سكان العالم- الوصول إلى حلول الطهي النظيفة، ويتسبّب تلوث هواء المنازل الناتج عن حرق الكتلة الحيوية لأغراض الطهي والتدفئة في وفاة 4 ملايين شخص كل عام بسبب استنشاق دخان الطهي، مع تعرُّض النساء والأطفال لأكبر المخاطر.

ويشير تقرير التتبُّع الإقليمي للهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة إلى أنه ما لم يتم تعزيز الجهود بدرجة كبيرة في البلدان التي تعاني من أكبر حالات العجز في الحصول على الكهرباء، فإن العالم سيعجز عن تحقيق هذا الهدف، وما لم تُتخذ إجراءات سريعة للتوسع في حلول الطهي النظيف، فإن العالم سيسجّل عجزًا بنسبة 30% بحلول عام 2030.

بيد أن هناك تقدمًا حقيقيًّا يجري تحقيقه في بعض المجالات، لا سيما التوسع في الحصول على الكهرباء في البلدان الأقل نموًّا، ويتزايد عدد من يحصلون على الكهرباء منذ عام 2010، غير أن استمرار الاتجاهات الحالية يعني أن 785 مليون شخص سيظلون يعيشون بلا كهرباء في عام 2030.

وغالبًا ما يروَّج للكهرباء على أنها طريقة مهمة لعزل الكربون من الطاقة، لكن لسوء الحظ، في الوقت الحالي، لا يزال الوقود الأحفوري يشكّل نسبة كبيرة من توليد الكهرباء في العديد من البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث الوقود الأحفوري مسؤول عن 60.3% من توليد الكهرباء.

وبحسب تقرير لوكالة الطاقة الدولية، فإن توفير الكهرباء والوصول إلى حلول الطهي النظيفة يكلّف حوالي 40 مليار دولار في السنة، أي ما يعادل حوالي 1% من متوسط الاستثمار السنوي في قطاع الطاقة، كما أنه يجلب فوائد صحية كبيرة من خلال تقليل تلوث الهواء الداخلي، ما يقلل من عدد الوفيات المبكرة بمقدار 2.5 مليون سنويًّا.

ولهذا السبب تشير التقديرات إلى أن الوصول إلى مستقبل أمن الطاقة ليس بالسهل، فجميع حلول الطاقة المتجددة تواجه تحديات عديدة، ليس أقلها حقيقة أننا بحاجة إلى الطاقة على مدار 24 ساعة في اليوم، ومع ذلك ليس لدينا الشمس والرياح على مدار 24 ساعة في اليوم.

ولا يُخفى على أحد عيوب طاقة المستقبل، حيث تبعث الطاقة النووية القليل من ثاني أكسيد الكربون لكنها تمثل مخاطر على الصحة والسلامة، والطاقة الشمسية والرياح مقيدتان بإنتاجهما المتقلب ومسألة التخزين، أما الغاز الحيوي فلا يزال غير فعّال لاستبدال النفط على نطاق كبير.

رغم ذلك، تتحدث وكالة الطاقة الدولية في أول دراسة شاملة لها حول كيفية الانتقال إلى نظام صافي صفر للطاقة بحلول عام 2050، عن امتلاك العالم مسار قابل للتطبيق لبناء قطاع طاقة عالمي خالٍ من الانبعاثات الصافية في عام 2050، لكنه يتطلب تحولًا غير مسبوق في كيفية إنتاج الطاقة ونقلها واستخدامها على الصعيد العالمي.

ومع تعهُّد العديد من البلدان بأن تصبح محايدة للكربون خلال العقدَين المقبلَين، هناك ضغط على الشركات في جميع القطاعات لخفض انبعاثاتها، لحسن الحظ وافق بعض أكبر المرافق في العالم، مثل شركة Duke Energy في الولايات المتحدة وشركة الطاقة السويدية Vattenfall، على أن تصبح محايدة للكربون في غضون الـ 20 عامًا القادمة.

في الطريق لتحقيق مثل هذه الشركات انبعاثات صفرية، ستظهر تحديات جديدة لأمن الطاقة، بينما ستظل التحديات طويلة الأمد، حتى مع تقلص دور النفط والغاز، وسيكون لانكماش إنتاج النفط والغاز الطبيعي آثار بعيدة المدى على جميع البلدان والشركات التي تنتج هذا الوقود.

وتشمل التحديات المتزايدة لأمن الطاقة الناتجة عن الأهمية المتزايدة للكهرباء، تنوع الإمداد من بعض مصادر الطاقة المتجددة ومخاطر الأمن السيبراني، بالإضافة إلى ذلك فإن الاعتماد المتزايد على المعادن الهامة اللازمة لتكنولوجيات الطاقة النظيفة الرئيسية والبنية التحتية، يجلب مخاطر تقلب الأسعار واضطراب الإمداد الذي يمكن أن يعيق التحول.

اتجاهات الطاقة.. هل يؤمِّن المال والعلم المستقبل؟

في تقديرات أكثر تفاؤلًا نشرتها المؤسسة المالية الدولية (ING)، يمكن أن تمثل مصادر الطاقة المتجددة ما يقرب من 70% من مزيج الطاقة في العالم عام 2040، في حين ستقلّ انبعاثات الكربون في الهواء بنسبة 80%، وسيرتفع الطلب العالمي على الطاقة بحوالي 28%.

وتتوقع دراسة لمجموعة من الباحثين، نشرتها جامعة ستانفورد، أنه من الممكن التحول إلى مشهد طاقة عالمي مستدام بالكامل في غضون الـ 30 عامًا القادمة، هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى منع ما بين 4 إلى 7 ملايين حالة وفاة بسبب تلوث الهواء سنويًّا، مع إبطاء آثار الاحتباس الحراري، وبذلك تحقيق الاستقرار في قطاع الطاقة العالمي.

لكن الوصول إلى كوكب خالٍ من الكربون يعمل بالطاقة المتجددة لن يكون سهلًا، سوف يتطلب الأمر مليارات الدولارات من الاستثمارات في التقنيات الجديدة، والتزامات من الشركات والمؤسسات المالية لتمويل كل من المشاريع منخفضة الكربون ومشاريع الطاقة المتجددة، والكثير منها يفعل ذلك، ففي الولايات المتحدة وحدها هناك أكثر من 2500 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا النظيفة.

الاستثمارات المستمرة في تكنولوجيا الطاقة النظيفة مطلوبة أيضًا، ووفقًا لمؤسسة التمويل الدولية، فإن اتفاقية باريس للمناخ، التي تعهّدت فيها 189 دولة بالحدّ من الزيادات في درجات الحرارة العالمية، ستجلب 23 تريليون دولار في فرص الاستثمار الجديدة المتعلقة بالمناخ في الأسواق الناشئة من الآن وحتى عام 2030.

في عام 2019، تجاوزت استثمارات الطاقة النظيفة العالمية 363 مليار دولار، بينما تجاوزت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة بشكل أكثر تحديدًا 282 مليار دولار في عام 2019، وفقًا لوكالة "بلومبرغ"، وبالنظر إلى المستقبل يجب أن تستمر هذه الأرقام في الارتفاع عامًا بعد عام.

قد نرى بدائل أخرى للطاقة النظيفة تؤتي ثمارها، على سبيل المثال لدى المفوضية الأوروبية استراتيجية لتعزيز الهيدروجين الأخضر لاستخدامه من عام 2030 إلى عام 2050، وهو قطاع من المتوقع أن يجذب استثمارات تصل إلى 470 مليار يورو، حيث يسعى الاتحاد الأوروبي جاهدًا لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وتشمل بدائل الطاقة المثيرة الأخرى طاقة الصهارة المختزنة في باطن الأرض، والتي تتضمن استخدام البخار الساخن الناتج عن الصهارة في أعماق الأرض لتوليد الكهرباء، إذا كان هذا يبدو بعيد المنال، فإن آيسلندا لديها بالفعل نظام حراري أرضي معزّز بالصهارة لتوليد الكهرباء.

تتضمن اتجاهات الطاقة المستقبلية أيضًا الانتقال بعيدًا عن النظام الحالي لشبكات الطاقة شديدة المركزية التي يديرها مزوّدو الطاقة الاحتكاريون، نحو أنظمة إنتاج الطاقة الموزعة. بعبارة أخرى، بفضل مزيج من الطاقة المتجددة والشبكات المحلية الصغيرة، يمكن للمستهلكين توليد الكهرباء الخاصة بهم لتلبية احتياجاتهم الخاصة.

وخير مثال على ذلك يأتي من غلاسكو، في إسكتلندا، حيث توجد كمية صغيرة لكن متزايدة من توليد الطاقة المحلية من المولدات المحلية في المدينة وحولها، وتشجّع المدينة أيضًا مطوري الإسكان ليس فقط على النظر إلى إنتاج الطاقة المحلي الخاص بهم بالتطورات الجديدة، لكن أيضًا إنشاء موارد طاقة مشتركة مع التطورات المجاورة.

في كتابه "الاتجاهات التقنية في الممارسة"، يتحدث برنارد مار عن الحلول الرقمية كاتجاه آخر لمستقبل الطاقة، ويدور هذا الاتجاه حول استخدام الآلات والأجهزة الرقمية والتكنولوجيا لتحسين إنتاج الطاقة والبنية التحتية واستخدامها، وتشمل الأدوات الرقمية الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية وإنترنت الأشياء.

ويشير الكاتب في مقال نشرته مجلة "فوربس" إلى أن إصلاح قطاع الطاقة لن يكون سهلًا، فشركات الطاقة التقليدية يمكن أن تكون بطيئة في التغيير، ربما لأنها تواجه بعض التعقيدات الفريدة، مثل مخاطر الصحة والسلامة، والكمّ الهائل من رأس المال المستثمَر في أصول الطاقة الحالية، لكن لا بديل عن التغيير، إذا كانت تريد البقاء على صلة في قطاع يتزايد فيه التنافس.

السيطرة على طاقة المستقبل.. الصين مثالًا

مع بدء العالم في الابتعاد عن الوقود الأحفوري، تنصّب الصين نفسها كـ"ملك" للطاقة النظيفة في المستقبل، ليس فقط بتحويل نظام الطاقة الخاص بها، ولكن أيضًا ببناء سلسلة التوريد التي يمكن أن تجعل بقية العالم تعتمد عليها لتلبية احتياجاتها من الطاقة.

ما تخطط الصين لتحقيقه بحلول عام 2040 يمكن أن يحدَّ من شكل نظام الطاقة العالمي في المستقبل، فقد ساعدت استثماراتها في مصادر الطاقة المتجددة في إحداث انخفاضات مذهلة عبر الصناعة، ما أدّى إلى مستويات قياسية من منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية الجديدة في جميع أنحاء العالم في السنوات الأخيرة.

تتزايد خطة الانتقال من ذروة الكربون في الصين تدريجيًّا مع زيادة انبعاثات الوقود الأحفوري لبضع سنوات قبل أن تبلغ ذروتها عام 2030، ومن هناك منحوا أنفسهم 3 عقود للوصول إلى صافي انبعاثات صفر، حيث تأتي 80% من الطاقة من مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2060، بينما ستستغرق الدول المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة 50-60 عامًا لتحقيق الحياد الكربوني بحسب التوقعات في هذا المجال.

بحلول عام 2030، تخطط الصين لإنتاج ما يصل إلى 1.2 تيراواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهو ما يكفي لتلبية احتياجات الولايات المتحدة من الكهرباء اليوم، كما تخطط لبناء 150 مفاعلًا جديدًا في السنوات الـ 15 القادمة، وهو أكثر ممّا بناه العالم بأسره في السنوات الـ 35 الأخيرة.

من المرجّح أن يكون لجهود الصين في إزالة الكربون آثار إيجابية عديدة على إمدادات الطاقة المحلية، لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي دفع الصين بذل قصارى جهدها في مجال الطاقة النظيفة، فهي تريد أن تكون المتحكّمة في سلسلة التوريد للتكنولوجيا الخضراء والاقتصاد الأخضر بشكل عام.

كان الاعتماد على الصين في هذا المجال في الآونة الأخيرة مصدر ضغط، ففي العام الماضي تسبّبت مشكلات الإنتاج الناتجة عن تفشي جائحة كورونا في ارتفاع سعر الألواح الشمسية لأول مرة منذ عقود، ولأول مرة تعهّدت بعض الشركات بنقل أعمالها إلى أماكن أخرى، بسبب تقارير عن انتهاكات حقوق الإنسان بحقّ أقلية الإيغور في مقاطعة شينجيانغ، والتي تنتج معظم البولي سيليكون في العالم، وهي مادة رئيسية في تصنيع الألواح الشمسية.

كما يشعر البعض بالقلق من هيمنة الصين على المواد اللازمة لتصنيع بطاريات الليثيوم، مثل الكوبالت، وهو معدن نادر ينتَج بشكل رئيسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث اشترت الصين معظم الإمدادات، وقد تراجعت الحكومة الكونغولية عن هذا الأمر مدّعية ظروف العمل السيئة والديون غير المسددة من قبل شركة تعدين صينية، لكن غالبية المناجم المنتجة للكوبالت هناك لا تزال مملوكة جزئيًّا للصينيين.

وبشكل عام، يقود التحول إلى الطاقة المستدامة إلى تغيُّر موازين القوى، لكن الانتقال القادم لن يكون استثناءً، فهناك بلدان لطالما اعتمدت على النفط والغاز تجد اليوم طرقًا جديدة لتوليد طاقة بديلة داخل حدودها، وأخرى غنية باحتياطات الوقود الأحفوري نفوذها آخذ في الانخفاض، ما سيؤدي إلى عواقب وتبعات خلال السنوات القادمة.

اقتراب نهاية عصر النفط.. ماذا عن الدول العربية؟

الوقود الأحفوري مصدر 85% من إنتاج الطاقة في العالم، إذ يصل الاستهلاك إلى 320 مليار كيلوواط لكل ساعة من الطاقة يوميًّا، أي لكل شخص على هذا الكوكب 22 مصباحًا مشتعلًا بلا توقف على مدار الساعة.

بحلول عام 2027، سيصبح توليد الطاقة من الشمس والرياح أقل تكلفة من الفحم والغاز، وإذا وجدنا البترول الذي يضيء المصابيح، فإن تقديرات الشركات الكبرى تحدد بداية عام 2025 لوصول الطلب العالمي على النفط إلى الذروة، ومن ثم يبدأ في الانهيار.

هنا ربما تواجه الدول العربية التي تعتمد على النفط كمصدر رئيسي للدخل تحدي التعرض لأزمات اقتصادية متكررة، تنتج عن تذبذب أسعار النفط بسبب آليات السوق والصراعات بين المنتجين، ما يؤثر على مسارات التنمية المستدامة لديها.

العراق الأكثر تضررًا بالمنطقة العربية من اختفاء النفط، إذ يشكّل النفط 90% من الميزانية وتذهب معظم الإيرادات للإنفاق والرواتب، تليه الكويت التي يشكّل النفط نحو 60% من ناتجها المحلي، ثم السعودية حيث يشكّل النفط نحو 50% من الناتج المحلي، ثم بقية دول الخليج، وأكثرها تضررًا البحرين، وفي نهاية طابور الخاسرين العرب تقف مصر والأردن، وكل الدول التي تعيش على تحويلات أبنائها العاملين في دول النفط.

ومع تنامي التوجه العالمي نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وإيجاد بدائل نظيفة خالية من انبعاثات الكربون، تؤكد وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر في مايو/ أيار 2021، أن الطلب على النفط يجب أن ينخفض إلى 24 مليون برميل يوميًّا بحلول عام 2050، وألا يتجاوز حاجز الـ 100 مليون برميل يوميًّا الذي شهدناه قبل عامَين.

إذا رغب العالم في الوصول إلى أهدافه في كبح جماح الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الطاقة التقليدية، فإن هذا يفرض على العالم العربي، بشقَّيه النفطي وغير النفطي، ضرورة التوجه نحو مسارات جديدة لتنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة، ما يتيح لهذه الدول فرصًا كبيرة لتسخير إمكاناتها للاستفادة من الموارد المتجددة.

على سبيل المثال، يهدف المغرب إلى رفع حصة الطاقة المتجددة إلى نحو 52% من إجمالي احتياجاته وفقًا لاستراتيجية 2030، ويعدّ هذا البلد إلى جانب الأردن من الدول العربية التي قطعت شوطًا كبيرًا في إنتاج الكهرباء من مصادر متجددة، وفق تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة.

في عام 2012، أصدر الأردن قانون الطاقة المتجددة الذي يهدف إلى تغيير المزيج الطاقي عبر إنشاء عدة مشاريع، أبرزها محطة رياح الطفيلة التي تهدف إلى توفير الكهرباء لـ 83 ألف منزل، وتوفّر نحو 3% من احتياج الأردن للكهرباء.

قد يُعزى السبب في بدء التحول الطاقي في بعض الدول العربية غير النفطية إلى عدم كفاية مصادرها من النفط للوفاء بالطلب المتزايد على الطاقة وارتفاع تكلفة استيرادها، إلا أن المخاطر المتكررة من الاعتماد على المصادر الأحفورية دفعت الدول الغنية بالنفظ والغاز إلى اللحاق بركب الطاقة النظيفة.

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، تسعى السعودية إلى أن يصل إنتاجها من الطاقة البديلة إلى 31 غيغاواط بحلول عام 2030، لتلبّي أكثر من 30% من حاجتها الكهربائية، كما تهدف سلطنة عُمان لرفع حصة الطاقة المتجددة إلى 30% من إجمالي احتياجاتها وفق استراتيجية 2030، وفي هذا الإطار تزوّد الدولة المدارس بألواح الخلايا الشمسية.

تكشف الجهود المبذولة نحو التحول الطاقي في العالم العربي إلى التوسع وتزايد الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، كما توقّع الأمين العام للهيئة العربية للطاقة المتجددة، محمد الطعاني، أن يصل حجم الاستثمارات إلى نحو 700 مليار دولار بحلول عام 2040.

في المجمل، تشير الخارطة الجديدة التي تتشكّل لمستقبل أسواق الطاقة العالمية إلى تحرُّك العالم نحو مصادر نظيفة للطاقة، ما ينبئ بتراجع أحد أهم مصادر الدخل بالعالم العربي، والذي سيترك أثره على الدول النفطية وغير النفطية، فالدول النفطية تحتاج إلى تنويع اقتصاداتها وزيادة مرونتها، والدول غير النفطية تحتاج إلى سدّ عجز ميزانها التجاري الناتج عن تكلفة استيراد الطاقة، فهل العالم العربي مستعدّ لمستقبل التحول في الطاقة البديلة؟

 

 

 

المصدر: نون بوست