كُتّاب الموقع
عين السّعودية على الصين... ماذا عن لبنان؟

تمارا برو

الأربعاء 28 كانون لأول 2022

اختتم الرئيس الصيني شي جين بينغ في الآونة الأخيرة زيارة للسعودية استمرت 3 أيام، عقد خلالها 3 قمم، ووقع مع السعودية "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة"، ما يشير إلى تعميق العلاقة بين الرياض وبكين.
 
تعمل السعودية على تنويع علاقاتها مع الشرق والغرب، ولا يعدّ تعاونها مع الصين جديداً، إذ تطورت العلاقات بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة على المستويات كافة، ولا سيما مجال الطاقة، وبلغ حجم التبادل التجاري بينهما عام 2021 نحو 87.3 مليار دولار أميركي، وكانت السعودية أكبر مورد للنفط للصين خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بزيادة 12% على أساس سنوي، بنحو 1.87 مليون برميل يومياً. وستساهم زيارة الرئيس الصيني للرياض والاتفاقيات التي وقعت في زيادة التبادل التجاري بين الجانبين.
 
وجدت الرياض مصلحتها في التقرب إلى الصين، وإن كانت العوامل الخارجية قد سرعت هذا التقارب، ولا سيما بعد تدهور العلاقات السعودية الأميركية. أمّا لبنان الذي يئنّ من الأزمات، ويعاني أوضاعاً اقتصادية خانقة، فما زال يمتنع عن قبول العروض الصينية لانتشاله من أزماته وتحقيق التنمية فيه.
 
عرضت الشركات الصينية مراراً استعدادها للاستثمار في لبنان في مشاريع البنى التحتية والكهرباء ومعالجة النفايات والطاقة المتجددة وتوسعة المرافئ وتطويرها. أيضاً، قدمت الصين هبة بتأمين الطاقة الشمسية لهيئة الاتصالات "أوجيرو".
 
وكانت السفارة الصّينية لدى لبنان تعرب دائماً عن استعدادها للتعاون معه، وتشجّع الشركات الصينية على الاستثمار فيه، إلى أن جاءت العروض الجديدة لمساعدته من أعلى سلطة في الصين، عندما أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال لقائه رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي على هامش القمة العربية الصينية التي عقدت في الآونة الأخيرة استعداد الصين للعمل مع لبنان بهدف تعميق التعاون في مشروع "الحزام والطريق" وتشجيع الشركات الصينية القادرة على المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في لبنان.
 
الصين الصاعدة بقوة، التي يُتوقع أن يصبح اقتصادها الأول عالمياً خلال السنوات المقبلة، والدولة التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية المنافس الأساس لها، تعرض على لبنان انتشاله من أزماته الاقتصادية عبر الاستثمار فيه ضمن مبادرة "الحزام والطريق" التي انضمّ لبنان إليها عام 2017، والتي من شأنها أن تساهم في تطوير البنى التحتية المتهالكة وإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل لمئات اللبنانيين، فضلاً عن تأمين الكهرباء وتطوير المرافئ.
 
تنشط الشركات الصّينية بكثرة في مجال إنشاء الموانئ وصيانتها في الخارج، وتملك خبرة واسعة في هذا المجال. ووفقاً لمجلة "Container Management Magazine"، من بين أكبر 15 ميناء في العالم لعام 2022، تمتلك الصين 8 منها، ويعتبر ميناء شنغهاي أكبر مرافئ العالم وأكثرها ازدحاماً.
 
حالياً، تقوم الصين بالاستثمار في العديد من الموانئ العالمية؛ ففي الآونة الأخيرة، حصلت بكين على نسبة 25% من محطة حاويات في ميناء هامبورغ بألمانيا، وهو أول ميناء تجاري في ألمانيا والثالث في أوروبا، ولدى الشركات الصينية استثمارات في موانئ السخنة والدخيلة وأبو قير في مصر، وميناء خليفة في أبو ظبي، وميناء الحمدانية في الجزائر، وغيرها من الموانئ في مختلف دول العالم.
 
من جهة أخرى، تعدّ الصين رائدة في مجال الطاقة الشمسية، إذ تحتل حالياً المرتبة الأولى عالمياً في توليد الطاقة الكهربائية من الطاقة الشمسية، وتهيمن على تصنيع الألواح، وتورد شركاتها حالياً نحو 3 أرباع تلك الألواح، وتعمل على بناء محطة طاقة شمسية في الفضاء بحلول عام 2028، بهدف تحويل ضوء الشمس في الفضاء الخارجي إلى مصدر كهربائي لدعم تشغيل الأقمار الصناعية في المدار أو إرسال الطاقة إلى الأرض.
 
ليس خافياً أنَّ تمنّع المسؤولين اللبنانيين عن قبول المساعدات الصينية ناتج من خوفهم من غضب الإدارة الأميركية وفرض عقوبات عليهم، ولكن للصين استثمارات في مختلف الدول العربية والعالم، وفي "إسرائيل" حليفة الولايات المتحدة الأميركية، ولم تقم الأخيرة بفرض عقوبات على أيٍّ منها.
 
يقوم الإعلام الغربي بالترويج لاستخدام الصّين ما يُسمى "دبلوماسية فخ الديون"، أي أن بكين تثقل كاهن الدول الفقيرة بالديون. وعندما تعجز عن تسديد ديونها، تستولي الصين على مرافئها العامة، والمثال المنتشر عن هذا الموضوع هو مرفأ هامبانتوتا في سريلانكا، إذ يُزعم أنَّ الصين استولت على الميناء لاستثماره لمدة 99 عاماً، بعدما عجزت سريلانكا عن دفع ديونها، ولكن بحسب دراسات عن الديون الصينية، تبيَّن أن الصّين خفّفت عبء الديون عن الدول المدينة عبر شطبها كلياً أو شطب جزء منها. مثلاً، أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي في منتدى التعاون الصيني الأفريقي الذي عقد في شهر آب/أغسطس الماضي إلغاء بعض الديون عن 17 دولة أفريقية.
 
لبنان اليوم بأمس الحاجة إلى الاستفادة من العروض الصينية وعدم الخضوع لشروط الدول المانحة وصندوق النقد الدولي الذي يفرض عليه شروطاً في مقابل مساعدته، فيما تعرف الصين بأنها لا تفرض شروطاً في مقابل توفيرها المساعدة، بل تقوم علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس المنفعة المتبادلة والكسب المشترك ومبدأ رابح ـــ رابح، أي أن مشاريعها واستثماراتها في الدول الأخرى تعود بالنفع على الجانبين.
 
وإذا كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد قال خلال لقائه الرئيس الصيني في الآونة الأخيرة إن لبنان يسعى لتعزيز التعاون مع الصين في مجالات الطاقة الشمسية والكهربائية ويرحب بالاستثمارات الصينية، فهل تتحول أقواله إلى أفعال؟ وإذا كان يرى في الرئيس الصيني قائداً عظيماً في عالم اليوم، قاد الصين إلى تحقيق إنجازات مرموقة، فهل يحذو حذوه وينتشل البلد من أزماته عبر التقدم نحو الصين على غرار باقي الدول العربية؟
 
 
المصدر: الميادين