كُتّاب الموقع
تباين إسرائيلي غير مسبوق حول اتفاق الترسيم مع لبنان

سامي خليفة

الخميس 13 تشرين الأول 2022

بينما يبدي كلٌ من رئيس الحكومة والمؤسستان الأمنية والعسكرية في إسرائيل الدعم الكامل لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية، حرصاً على المصالح الاقتصادية البحرية ولتوفير الاستقرار بهذه الحدود.. تستمر وسائل الإعلام الإسرائيلية بعكس صورة الجدل السياسي الداخلي حول عواقب هذا الاتفاق التاريخي على إسرائيل وأمنها، وسط تضاربٍ في الآراء حول جدوى الاتفاق ومدى استفادة الدولة العبرية منه.
 
تعاون غير مباشر!
 
 
وفي هذا الصدد، قالت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، أن ما تسوقه الحكومة الإسرائيلية بأن الصفقة ستؤدي إلى استقرار لبنان وإضعاف قبضة إيران فيها، لهو أمرٌ مشكوك فيه. ومن وجهة نظرها، كان للنظرية التي روجتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مراراً وتكراراً عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين، والتي مفادها أنه إذا أعطيتهم شيئاً ليخسروه، فسوف يتصرفون بشكلٍ أكثر سلمية لحمايته، نتائج مختلطة.
 
وترى الصحيفة أن لبنان وحزب الله متشابكان تماماً لدرجة أن أي شيء يفيد لبنان نظرياً سيفيد حزب الله تلقائياً. وخير دليلٍ على ذلك، إعطاء الحزب الضوء الأخضر للصفقة قبل إعلان لبنان قبولها رسمياً. معتبرةً أن الميزة الوحيدة لهذا الاتفاق، هي التعاون غير المباشر مع إسرائيل، شارحةً ذلك بالقول "يمكن للبنان أن يحتج على أنه لا يعترف بإسرائيل كما يريد، ويصر على مفاوضات غير مباشرة، وأن الاتفاق يجب أن يكون مع واشنطن وليس تل أبيب. لكن لا يمكن نفي أن ما حصل ما هو إلاّ شكلٌ من أشكال التعاون مع إسرائيل، حتى لو لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليه على الورق. يتعارض ذلك مع كل ما يمثله حزب الله، وبالتالي، فإن تمكن عناصر في الحكومة الإسرائيلية من إشراك الحزب بهذه التسوية، يمثّل ميزة إضافية".
 
دعم المؤسسة الدفاعية
 
 
وتكمل الصحيفة الإسرائيلية برسم شكوكٍ حول الصفقة، فتجد في الكلام المنشور حول دعم المؤسسة الدفاعية بأكملها للاتفاق بأنه ملتبس بعض شيء وليس بالضرورة عاكساً للحقيقة. فحتى عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي مع إيران، الذي يوجد إجماع واسع ضده في إسرائيل، من المعروف أن رئيس استخبارات الجيش الإسرائيلي ينحرف إلى حدٍ ما عن الموقف الذي تتخذه بقية المستويات الأمنية العليا، فهو يعتقد أن إبرام صفقة ضعيفة لشراء الوقت مع طهران هو أهون شراً من عدم وجودها. وتشير "جيروزاليم بوست" أن عدم وجود أي اعتراض داخل المؤسسة الدفاعية، كما هو مفترض، يجب أن يطرح مخاوف بشأن التفكير الجماعي، وهو ليس شيء تتباهى به إسرائيل.
 
على أية حال، تبقى المؤسسة الأمنية، وفق الصحيفة، بعيدة كل البعد عن أن تكون معصومة من الخطأ. فلقد ارتكبت أخطاءً في الماضي. ووحده الوقت سيثبت ما إذا كان اتفاق ترسيم الحدود هو من الأخطاء الجديدة. 
 
لا استبعاد للتصعيد
 
 
من جهتها، رأت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في الاتفاق تغليباً لإرادة حزب الله، وذلك يرجع إلى ميزان الرعب، لأن صدمة حربٍ أخرى ستترك ندبة عميقة في الدولة العبرية.
 
وأوضحت "هآرتس" إن واشنطن تسعى لإبرام الاتفاق قبل انتهاء ولاية الرئيس اللبناني، ميشال عون، وقبل موعد الانتخابات للكنيست، أي قبل الأول من تشرين الثاني المقبل. لكن عملية التصديق على الاتفاق تواجه عثرات قانونية وسياسية، بينها الاستئنافات المقدمة للمحكمة العليا التي تطعن في قانونية توقيع اتفاق من قبل حكومة انتقالية خلال فترة الانتخابات العامة.
 
ورغم ترجيح  "معهد بحوث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، أن يكون الاتفاق مربحاً للجانبين، ما سيساعد مستقبلاً في التنقيب عن الغاز والنفط على الجانب اللبناني، ويضمن الهدوء بالمجال البحري، يعتقد المحلل العسكري بصحيفة "إسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تستبعد سيناريو تصعيد على الجبهة الشمالية، إذ أن إعلان غانتس للتأهب قد يخلفّ برأيه، ديناميكية سلبية، خصوصاً أن الواقع الذي يوجد فيه الطرفان قابل للاشتعال.
 
الاتفاق وصورة لابيد
 
 
في السياق، أبدى آشلي بيري، المستشار السابق لوزراتيّ الخارجية والدفاع الإسرائيليتين، في حديثٍ مع شبكة "ميديالاين" الأميركية، رضاه على الاتفاق، معتقداً أن توقيع الاتفاقية البحرية سيساعد بالتأكيد لابيد على تحسين صورته في انتخابات الأول من تشرين الثاني المقبل. وسيجعله يبدو كقائد يمكنه العمل بشكلٍ جيد على المسرح الدبلوماسي والعالمي.
 
من ناحيةٍ أخرى، يقول بيري إن الاتفاقية تخلق لأول مرةٍ فرصة لليمين لتمييز نفسه عن اليسار في إسرائيل، لأنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، إن لم يكن لفترةٍ أطول، كان أداء هذه الحكومة الحالية جيداً في الملفات الأمنية سواء كانت تتعلق بغزة والجهاد الإسلامي أو الضفة الغربية. وهكذا يمكن لليمين محاولة جذب بعض الأصوات من الناخبين اليمينيين الساخطين الذين صوتوا للوزراء في الحكومة الحالية، مثل أنصار نفتالي بينيت السابقين، وأنصار أييليت شاكيد الحاليين. معتبراً أن المعارضة السياسية، التي يرأسها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، ستصرّ مهما كانت نتائج الانتخابات على تصوير الصفقة بأنها غير شرعية.
 
الخوف من المستقبل
 
 
وفيما تعارض بعض الأصوات السياسية في إسرائيل الصفقة، بحجة أنها تعرض الأمن والمصالح الاقتصادية للبلاد للخطر، لا يزال آخرون يقولون إن طريقة اتخاذ القرار غير قانونية. وفي هذا الإطار، قال الجنرال (احتياط) أمير أفيفي، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنتدى "الدفاع والأمن الإسرائيلي"، للشبكة الأميركية "لا يمكن التنازل عن الأراضي السيادية بشكلٍ قانوني إلا من خلال عرض الصفقة على الكنيست والحصول على أغلبية خاصة من 80 من أصل 120 عضواً في الكنيست، أو من خلال استفتاءٍ عام". 
 
أضاف "عندما أرسل حزب الله المسيّرات إلى منصة استخراج الغاز في كاريش في تموز المنصرم، شعرنا بالتوتر، وتفاوضنا على صفقةٍ سريعة جداً للتنازل بشكلٍ أساسي عن ما طلبه حزب الله، ومن الواضح أن هذا سيضر بشكلٍ كبير بردع إسرائيل، وحزب الله يرى ذلك، بالطريقة التي تراها إيران. أما وقد حصل الأمر، فلا نعرف ما الذي يخبئه المستقبل، لأنه إذا استخرج لبنان الغاز، فهناك فرصة مرتفعة ألاّ تذهب الأموال لفائدة الناس بل إلى الإرهاب".
 
الترسيم ونتائج الانتخابات
 
 
أما عن انعكاس ترسيم الحدود البحرية على نتائج الانتخابات الإسرائيلية، فيعتبر الدكتور إيال لوين، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة "أرييل"، أن الاتفاقية البحرية لن تؤثر بالضرورة على نتيجة الانتخابات. معللاً ذلك للشبكة الأميركية بقوله "النتائج في صناديق الاقتراع تمليها صدامات الهويات الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، حيث أن الإسرائيليين يصوتون وفقاً للهوية مثل مشجعي كرة القدم الذين لن يتخلوا أبداً عن فريقهم بغض النظر عن مدى سوء أدائه".
 
وتابع "حظوظ نتنياهو تعتمد على تفويضيّ الكنيست اللذين ينتقلان من انتخابات إلى أخرى ومن جانب إلى آخر في الخريطة السياسية. وبذلك، من المحتمل أن يكون حجم إقبال الناخبين العامل الأكبر في تحديد فرص نتنياهو بالفوز، أكثر من أي شيءٍ مرتبط بالصفقة".
 
 
المصدر: المدن