كُتّاب الموقع
واشنطن وبكين ومنافسة القوى العظمى في الشرق الأوسط

تشاس فريمان

الأربعاء 16 تشرين الثاني 2022

فقدت القوى الكبرى في العالم، بما في ذلك واشنطن، قبضتها على الشرق الأوسط. إذن ما الذي سيحدث في المنطقة المتغيرة باستمرار؟
 
تتفق إدارة بايدن مع إدارة ترامب على أن كل ما يحدث تقريبًا في الشؤون العالمية يمكن تفسيره من خلال منافستين متشابكتين بلا محصّلة؛ إحداهما جيوسياسية، كما هو الحال في "التنافس بين القوى العظمى"، والأخرى أيديولوجية، كما هو الحال في "الديمقراطية مقابل الاستبداد".
 
ما يسمى بـ"الشرق الأوسط" هو منطقة فرعية من غرب آسيا تحتل المساحة الإستراتيجية؛ حيث تتصادم إفريقيا وآسيا وأوروبا، وشهدت منافسات جيوسياسية على الهيمنة بين الحيثيين والمصريين، وبين الإغريق والفرس، وبين الرومان واليونان الرومانيون والبارثيين، وبين العرب والفرس، وبين العرب والأتراك واليونان الرومانيبن، وبين الأوروبيين والأتراك والعرب، وبين البريطانيين والفرنسيين، وبين الأمريكيين والسوفييت.
 
وهي أيضًا مسقط رأس الأديان الثلاثة الأكثر إثارة للجدل في العالم، بسجل تاريخي طويل من الحروب الأيديولوجية فيما بينها، كما كان المكان الذي دارت فيه المعارك الحاسمة بين تعدد الآلهة الهندو-أوروبية والتفرّع المسيحي من اليهودية، وحيث أرسل العالم المسيحي الصليبيين لمحاربة دين التوحيد الإسلامي. وفي الآونة الأخيرة؛ كافحت المُثُل الأوروبية الأطلسية للسيطرة، بما في ذلك الماركسية اللينينية، مع بعضها البعض هناك وسعت بنجاح محدود لتحل محل التقاليد الاسلامية والقبلية الأصلية.
 
لكن وبدرجة ملحوظة، فإن الوضع في الشرق الأوسط المعاصر يدحض عقيدة السياسة الخارجية الحالية لواشنطن، فالقليل جدًا مما يحدث الآن في المنطقة يمكن تفسيره إما بالتنافس بين القوى العظمى أو التنافس الأيديولوجي بين الديمقراطية والسلطوية. لقد فقدت القوى العظمى؛ لا سيما الولايات المتحدة، قبضتها على المكان، ولم يعد أحد يحاول فرض أنظمة حكم جديدة عليها.
 
من اللافت للنظر أن واشنطن أصبحت بشكل أو بآخر معزولة عن جميع الجهات الفاعلة الرئيسية في الشرق الأوسط. مع استثناءات قليلة؛ حيث تتخذ دول المنطقة الآن قراراتها الخاصة دون محاولة تلطيفها للجمهور الأمريكي، فقد فقدت الولايات المتحدة معظم نفوذها في تركيا، وهي على خلاف مع إيران، ولديها الآن علاقات متوترة مع السعودية، كما لم يعد لواشنطن روابط مثمرة مع المؤسسات الفلسطينية، وتزداد علاقاتها مع "إسرائيل" تعقيدًا بسبب القيم المتباينة والحسابات المختلفة للمصالح الوطنية فيما يتعلق بالتعامل مع روسيا والصين، والاستقطاب السياسي الأمريكي المحلي، وأصبحت مصر أقل احترامًا لآراء الولايات المتحدة مما كانت عليه منذ أربعة عقود، وبرزت دولة الإمارات العربية المتحدة كممارس عالمي المستوى للسياسة الواقعية، مما يضمن أن علاقات الولايات المتحدة معها مجرد معاملات صريحة. وهكذا تسير الأمور.
 
ليست أمريكا وحدها هي التي فقدت نفوذها في المنطقة، فكذلك بريطانيا وفرنسا - القوى الإمبريالية الأوروبية السابقة - والتي تسلطت في السابق على "الشرق الأوسط"؛ وهم الآن يشعرون بأنهم مضطرون إلى الإذعان إلى ما كانت تعتبر مقاطعات سابقة تابعة لهم حتى يتمكنوا من بيع ما يكفي من الأسلحة والذخيرة لإبقاء خطوط إنتاج صناعات الأسلحة مفتوحة. ولقد دفعت محاولاتهم وغيرهم من البائعين الأجانب لاستخدام مبيعات الأسلحة للضغط على دول المنطقة إلى تنويع مشترياتهم والبدء في تطوير صناعاتهم العسكرية الخاصة.
 
وبعد أن رفضها الاتحاد الأوروبي؛ تخلت تركيا عن سعيها المستمر منذ قرنين لإعادة تعريف هويتها على أنها أوروبية؛ حيث تنتهج أنقرة مسارًا مستقلاً مع روسيا والصين في السعي وراء النزعة الإسلامية القومية والطورانية - وإن كان غير منتظم - في الفضاء العثماني السابق. ويمثل تدهور العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة ضعفًا كبيرًا في التأثير الغربي في العديد من الساحات وليس فقط الشرق الأوسط، كما لم يعد بإمكان الغرب الاعتماد على تركيا في دعم أو قبول سياساتها تجاه القضية الإسرائيلية الفلسطينية وتجاه قضايا سوريا والعراق وإيران وروسيا والقوقاز والبلقان واليونان وقبرص ومصر وليبيا ودول مجلس التعاون الخليجي وأفغانستان وأعضاء منظمة التعاون الإسلامي أو حلف الشمال الأطلسي أو المغرب العربي. وهذا له تداعيات هائلة على الصعيدين العالمي والإقليمي.
 
ولم تعد تركيا متحالفة مع بقية دول الناتو أو واشنطن أو لندن أو باريس أو برلين فيما يتعلق بأهداف دبلوماسية غربية طويلة الأمد في المنطقة، فالسياسات التركية تعقد مهام حماية إسرائيل، من خلال استبعاد النفوذ الروسي في منطقتي الشرق الأوسط والبحر الأسود؛ ومعارضة إيران، وبعيدًا عن الانضمام إلى الحرب بالوكالة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مع روسيا في أوكرانيا، فقد لعبت تركيا بمصالحها دورًا وسيطًا واستغلت المحنة الروسية لتعزيز اقتصادها.
 
في هذه الأثناء لا تزال العلاقات الأمريكية مع إيران متناقضة بشكل عميق، وتعكس واشنطن التفضيلات السياسية من القدس والرياض وأبو ظبي بدلاً من استقراء السياسات من مصالحها الوطنية، كما شجعت "إسرائيل" ودول الخليج على ارتكاب الأخطاء الإستراتيجية الأمريكية في العراق وسوريا بعد الحرب الباردة وساهمت في حدوثها، ثم سهلت هذه الأخطاء الفادحة إنشاء منطقة نفوذ وقوى بالوكالة لإيران في منطقة الهلال الخصيب، مما ترك "إسرائيل" ودول الخليج يشعران بالحصار.
 
لقد عالجت "خطة العمل الشاملة المشتركة" قصيرة الأمد الهستيريا الإسرائيلية حول البرامج النووية الإيرانية، لكنها لم تتناول المخاوف الأكثر إلحاحًا لدول الخليج بشأن تطلعاتها للهيمنة الإقليمية، وقد أدت مخاوف "إسرائيل" من إطلاق النووي الإيراني وقلق دول الخليج من التطويق إلى الضغط على السياسيين الأمريكيين لإلغاء الاتفاق، وهو ما فعلوه، وكما كان متوقعًا؛ فقد دفع ذلك إيران الآن إلى استئناف محاكاتها - التي كانت المتوقفة سابقًا - لبرنامج "إسرائيل" النووي شبه السري، ومن المفارقات أن "إسرائيل" ساعدت في وضع احتكارها النووي في المناطق المجاورة لها موضع شك.
 
إن المزيج من الحقد الطائش والعقوبات الدنيئة والمواجهات والهجمات العسكرية المتقطعة التي تميز سياسة الولايات المتحدة الحالية تجاه إيران لا تفعل شيئًا للحد من النفوذ الإقليمي الإيراني؛ حيث تقر أحدث مراجعة للوضع النووي للولايات المتحدة بأن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، لكن "إسرائيل" وإدارة بايدن تواصلان التهديد بعمل عسكري لمنعها من الحصول على سلاح نووي. وهذا فقط يضغط على طهران لتصبح نووية، كما تشير نتيجة السياسات الأمريكية المماثلة المطبقة على كوريا الشمالية إلى أن النهج القائم على "الضغط الأقصى" من المرجح أن يحفز إيران على بناء صواريخ باليستية عابرة للقارات مسلحة نوويًا لإبقاء الولايات المتحدة في مأزق بدلاً من ردعها.
 
وفي الوقت الحالي، يؤدي افتقار أمريكا إلى علاقة عمل مع طهران إلى جعلها غير قادرة على تشكيل توازن إقليمي للقوى أو التأثير على لاعب رئيسي في المنطقة من خلال إجراءات لا تصل إلى حد الحرب. ولقد سقطت الولايات المتحدة في الممارسات السيئة المتمثلة في تأطير تفاعلاتها مع الدول الأخرى من حيث الوساوس بـ "التنافس بين القوى العظمى" و"الديمقراطية مقابل الاستبداد"، بدلاً من الانخراط معهم بشأن قلقهم واهتماماتهم التي أعربوا عنها.
 
في غضون ذلك؛ ظلت ردود الفعل الأمريكية على التحديات الإيرانية في مضيق هرمز أقل من توقعات دول الخليج. لذلك، فليس من المستغرب أنه بعد الضغط غير المجدي على قطر لتجاهل الجغرافيا من خلال تقليص التعاون مع إيران، أدركت السعودية والإمارات حاجتها للتعامل مع إيران، وأقامت حوارًا دبلوماسيًا معها، وبدأت تقاربًا محسوبًا معها.
 
وفي السنوات الأخيرة؛ عانت العلاقات الأمريكية السعودية من خيبة الأمل المتبادلة وإحساس كل دولة بأن الطرف الآخر قد خانها، ولقد رسخت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كراهية الإسلام في الولايات المتحدة والاستياء في السعودية من الصورة النمطية الأمريكية للمملكة باعتبارها وكرًا للإرهابيين. وتراكم نقاد النسخة السعودية للإسلام، وربطوا في كثير من الأحيان بين التبشير السعودي والمتطرفين الدينيين المحليين، وقد كانت البدوقراطية السعودية - وهو نظام سياسي قائم على قواعد حكم قبلي من قبل شيخ أو أمير ملتزم بالحكم من خلال التشاور والإجماع والتزكية - دائمًا غامضة بشكل عدواني بالنسبة للأيديولوجيين الديمقراطيين، أما الآن فقد طغى عليها الاستبداد الإصلاحي الأكثر وضوحًا لولي العهد محمد بن سلمان المعروف أيضًا باسم "إم بي إس".
 
وتشبث السعوديون بالقواعد الدينية حتى عندما نفذ بن سلمان إصلاحات دعا إليها الغرب منذ فترة طويلة، مما أسفر عن تحرير اجتماعي سريع في السعودية. ومع ذلك؛ تطورت القيم الأمريكية للتأكيد على الحركة النسوية الجامحة، والموافقة على العلاقات بين الجنسين، وقبول الحرية الجنسية كمفاهيم مركزية لـ"حقوق الإنسان"؛ حيث تصر الولايات المتحدة على أن الأجانب يتوافقون مع هذه المعايير الأمريكية الراسخة حديثًا. مثل العديد من الشعوب الأخرى غير الغربية، يعتبر معظم السعوديين ممارسات "الصحوة" الأمريكية الأخيرة على أنها غير أخلاقية وتطالب الولايات المتحدة باحترامهم وأن لا تعاملهم من منطلق الغطرس، وحتى عندما أصبحت المملكة أكثر "غربية"، فإن الاختلافات بين القيم السعودية وتلك الموجودة في الولايات المتحدة لا تزال قائمة.
 
لقد ولّد الإصدار الثاني من سياسة "الأمريكي أولاً" لإدارة بايدن أنانية متبادلة في الخارج، بما في ذلك في السعودية، ولقد وثّقت المواقف السياسية والدبلوماسية العامة المتعالية من قبل الولايات المتحدة القطيعة بين واشنطن والرياض. ومن الغريب أن تتوقع مزايا سياسية من زعيم دولة خارجية كنت قد قمت بإدانته باعتباره مستنكراً أخلاقياً وسعيت إلى نبذه.
 
في الماضي؛ كانت المملكة توافق غالبًا على القيام بأشياء ضد مصالحها قصيرة المدى بدافع الصداقة مع الولايات المتحدة. لكن في غياب مثل هذه الصداقة، ليس من المستغرب أن تصر على وضع مصالحها الخاصة في المقام الأول. وقد كان الطلب الأخير من قبل الرئيس بايدن بأن تعدل المملكة العربية السعودية مستويات إنتاجها من النفط لخفض سعر الغاز في المضخة ومساعدة مرشحي الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي غير معقول ومضللًا؛ حيث إن الحجة القائلة بأن المملكة يجب أن تساند الولايات المتحدة في تنافسها مع الصين وروسيا ليست جذابة، ولا يهدد أي منهما أي دولة في الخليج. والسعوديون، مثلهم مثل معظم دول العالم خارج أوروبا واليابان، ينظرون إلى الغزو الروسي لأوكرانيا على أنه غير شرعي، ولكنه مدفوع بتوسع الناتو والدبلوماسية الأمريكية غير الكفؤة. وهم يتذكرون العدوان الإسرائيلي على لبنان وسوريا والغزو الأمريكي للعراق وتدخل الناتو في ليبيا والعمليات السرية الأمريكية في سوريا ويستبعدون الغضب الأمريكي من السلوك السيء المشابه لروسيا.
 
ويستغل خصوم الولايات المتحدة من القوى العظمى المعينين ذلك في تحسين العلاقات مع المملكة؛ حيث إن إصدار التهديدات التي تسهل ذلك هو أمر سخيف من الناحية التكتيكية ولا معنى له من الناحية الإستراتيجية، وإذا نفذ الرئيس بايدن تهديداته بمعاقبة محمد بن سلمان لرفضه معاقبة ميزانية التنمية السعودية عن طريق خفض سعر النفط، فإن لدى المملكة الكثير من الخيارات للانتقام.
 
ويقودني هذا إلى الحديث عن الصين ودورها في الشرق الأوسط؛ فلطالما كانت العلاقات مع دول المنطقة مصدر قلق ضئيل للصين. وبالمثل، كانت العلاقات مع الصين ذات أولوية منخفضة لدول الخليج العربي وإيران، لكن هذا تغير خلال العقود الأخيرة؛ حيث تأتي ثلث واردات الصين من الطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي، ويأتي الجزء الأكبر منها من المملكة العربية السعودية. وتشتري الشركات الصينية سدس صادرات النفط الخليجية وخمس صادرات إيران ونصف صادرات العراق، وأصبحت الصين أكبر شريك تجاري ومستثمر أجنبي في المنطقة.
 
وتريد دول المنطقة زيادة المشاركة مع الصين، وليس تقليلها، ونظرًا لأن الصين تتصدر الابتكار التكنولوجي العالمي، فقد أصبحت متعاونة وعميلًا مهمًا لشركات التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل، وشريكة في جهود المملكة العربية السعودية لتطوير صناعة أسلحة محلية، وقد وانضمت 17 دولة عربية إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية. وربما كانت تفضيلات إيران غير ذلك، لكن العقوبات الأمريكية أجبرتها على الابتعاد عن أوروبا، أولاً للصين، ومؤخرا إلى خصمها الجيوسياسي التقليدي، روسيا.
 
وتحاول معظم دول المنطقة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، تخفيف ما يعتقدون الآن أنه اعتماد مفرط على الولايات المتحدة. ولهذه الغاية، فقد تواصلوا مع دول مثل الصين والهند وروسيا، وهم لا يسعون إلى التخلي عن علاقاتهم مع الولايات المتحدة أو استبدالها بعلاقات مع الآخرين؛ حيث إنهم يتصرفون وفق مصلحتهم الخاصة، ولا ينحازون لإعادة التوازن في علاقاتهم الدولية، ولم يرغبوا في أن يجبروا على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة، ولا يتفاعلون بشكل جيد مع الإصرار الأمريكي على تقليص علاقاتهم مع الصين، خاصة وأن الولايات المتحدة لا تقدم لهم أي تعويضات أو حوافز للقيام بذلك.
 
ولم يكن للصين، مثل أمريكا قبل قرن من الزمان، أجندة إمبريالية أو أيديولوجية واضحة في الشرق الأوسط. وعلى عكس الولايات المتحدة اليوم، لا تطلب الصين من دول المنطقة تغيير أنظمتها وقيمها السياسية، أو معاقبتهم لفشلهم في القيام بذلك، أو المطالبة بعلاقات حصرية معهم، كما أنها لا تجعل موقفهم من سلوك دول ثالثة - مثل روسيا في أوكرانيا - اختبارًا أساسيًا للعلاقات الجيدة معهم. ولا تهينهم أو تهين قادتهم.
 
وحتى هذه اللحظة، كانت الصين حريصة جدًا على تركيز سياساتها في غرب آسيا على التجارة والاستثمار والابتعاد عن النزاعات السياسية في المنطقة. ونتيجة لذلك؛ تمكنت من الحفاظ على علاقات ودية مع كل دول الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران والعراق و"إسرائيل" وكذلك الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والفلسطينيين وسوريا.
 
وبينما ينصب تركيز السياسة الأمريكية في المنطقة الآن على استبعاد النفوذ الصيني، لم تعلن الصين بعد عن معارضتها لاستمرار التدخل الأمريكي. وبدلاً من ذلك؛ اقترحت بكين تشكيل حوار متعدد الأطراف حول القضايا الأمنية، وعندما يحين الوقت، اقترحت آلية أمن جماعي لمنطقة الخليج تُدار إقليميًّا. باختصار؛ بدلًا من فرض تفضيلاتها الخاصة أو الانحياز إلى أحد الأطراف، اقترحت الصين المساعدة في التوفيق بين وجهات النظر الإيرانية والخليجية العربية. في غضون ذلك؛ وجد شركاء الصين في الخليج أن رأسمالية الدولة في بكين، وجيوبها العميقة، والصعود السريع إلى الحداثة أمر جذاب.، وهم يرون الصين ومبادرة الحزام والطريق الخاصة بها كمساهم محتمل في رؤية 2030 وخطط التنمية الاقتصادية الأخرى.
 
لكن الولايات المتحدة جعلت من هزيمة تطلعات الصين لتجديد الثروة والسلطة الهدف الرئيسي لإستراتيجيتها للأمن القومي العالمي، فالعلاقات الصينية الأمريكية في حالة شبه حرب. وبسبب العديد من العوامل غير ذات الصلة، أصبحت العلاقات الصينية مع الولايات المتحدة أكثر خطورة مما كانت عليه في أي وقت مضى. والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان العداء الحاد بين الولايات المتحدة والصين سيؤدي ببكين إلى توسيع أهدافها لتشمل الحد من نفوذ واشنطن على حكومات المنطقة.
 
وتناقش الصين والمملكة العربية السعودية مؤخرًا العديد من القضايا، وقد تؤتي بعض هذه النتائج ثمارها في القمة المقبلة، وتشمل هذه القضايا:
 
- مقايضات العملات واستخدام اليوان الصيني والعملات الأخرى غير الدولارية لتسوية التجارة الدولية في الطاقة والسلع الأخرى.
 
- استثمار سعودي في المصافي الصينية ومنشآت تخزين النفط.
 
- مبيعات الأسلحة الصينية والمساعدة في تطوير صناعة أسلحة محلية في المملكة.
 
- مشاريع البنية التحتية الصينية واستثمارات أخرى في السعودية والمنطقة.
 
- عضوية السعودية في دول البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وكلاهما منخرط في إنشاء أنظمة نقدية جديدة وعملات تهدف إلى الالتفاف حول إساءة استخدام الولايات المتحدة لسيادة الدولار لفرض عقوبات أحادية الجانب وبالتالي غير قانونية.
 
- التبادلات التعليمية المبنية على القرار السعودي بجعل دراسة اللغة والثقافة الصينية جزءاً من المناهج الدراسية الأساسية في المملكة.
 
- السياحة والحج في حقبة ما بعد الجائحة.
 
ولن يكون من المستغرب أن نرى الصين والمملكة العربية السعودية يبرمان اتفاقية تعاون استراتيجي مع أهداف استثمارية مثل تلك التي اتفقت عليها بكين مع طهران سنة 2021.
 
وهناك احتمال واضح أنه، مثلما خلفت الولايات المتحدة على مضض بريطانيا باعتبارها القوة المهيمنة في الشرق الأوسط في القرن العشرين، فإن الصين ستنتهي في نهاية المطاف بالتغلب على أمريكا هناك في القرن الحادي والعشرين، وتعكس مصالح الصين صدى تلك المصالح التي دفعت أمريكا إلى الانخراط في الشرق الأوسط:
 
- بكين لديها مصلحة مقنعة في تأمين وصول موثوق إلى موارد الطاقة الغنية بشكل فريد في الخليج الفارسي.
 
- تعتبر الصين المنطقة كمستودع مهم ومفترق طرق للتجارة والسفر بين آسيا وأوروبا وشرق إفريقيا، مما يجعل استقرارها مسألة ذات أهمية استراتيجية كبيرة.
 
- هناك طلب متزايد بسرعة على الخدمات الهندسية للشركات الصينية، وقدرات البناء، ومعدات السيارات والاتصالات السلكية واللاسلكية، والأسلحة، والمنتجات الاستهلاكية.
 
- يؤسس المواطنون ورجال الأعمال الصينيون وجودًا أكبر من أي وقت مضى في المنطقة. (يوجد الآن ملايين الآلاف من الصينيين في دول الخليج العربية وإيران.)
 
حتى هذه النقطة؛ يبدو أن بكين ليس لديها مصلحة في استبدال الولايات المتحدة كضامن للاستقرار والأمن الإقليميين. لكن علاقتها العسكرية المتنامية مع دول الخليج العربية كانت عاملًا في قرار الولايات المتحدة بوقف بيع طائرات أف 35 متعددة المهام التي وعدت الإمارات العربية المتحدة بها من أجل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبذلت واشنطن جهدها لتقليص التعاون التكنولوجي الإسرائيلي مع الصين، وكذلك لعرقلة مشاريع البنية التحتية الصينية هناك وفي أماكن أخرى في المنطقة.
 
لا توجد دولة واحدة في الشرق الأوسط ترى أن شبه الحرب التي أطلقتها الولايات المتحدة مع الصين في مصلحتها، فمن وجهة نظرهم، فإن هذا يشكل عقبة أمام التقدم مصحوبة بقلق أمريكي مزعج من تعاونهم مع الصين لا يقدم بديلاً أو تعويضا لهذا التعاون؛ حيث إن النهج الأمريكي الحالي لا يمكن اعتباره وسيلة قابلة للتطبيق للحفاظ على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. ومن بين أمور أخرى؛ يظهر القلق غير اللائق الذي يقوض الإيمان بالحكمة الأمريكية والثقة بالنفس.
 
المحزن أن الصين والولايات المتحدة تشتركان في العديد من المصالح المشتركة مع دول المنطقة، وسيكون من السهل وضع قائمة بمقترحات للتعاون من أجل المنفعة المتبادلة، لكن شبه الحرب الأمريكية مع الصين لن تسمح بمتابعة مبادرات المنفعة المتبادلة.
 
وحتى الآن؛ اختارت الصين المضي في أعمالها على الرغم من الجهود الأمريكية لوقفها، لكن هذه المقاومة السلبية قد تكون على وشك الانتهاء، فقد خلق فن الحكم الأمريكي غير الكفؤ فرصة للصين لتسريع زوال الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط. فهل ستفعل ذلك الآن؟ سنعرف ذلك قريبًا.
 
 
 
المصدر: رسبانسيبول ستيتكرافت  نون بوست