كُتّاب الموقع
كوريا الشمالية في ميدان التحولات: استطلاع المصير بالنار

عباس الزين

الخميس 10 تشرين الثاني 2022

من الخطأ محاولة تجنب النضال ضد الإمبريالية بذريعة أن "السلام" أثمن وأهم من الاستقلال والثورة - كيم إل سونغ، رئيس ومؤسس جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية (1912 - 1994).
 
عام 2019، زار وفد من منظمة الغذاء العالمية جمهوريةَ كوريا الديمقراطية الشعبية. ومن مقاطعة هوانغهاي الجنوبية، تحدث الوفد عن المزارعين الذين ينشغلون بحراثة الحقول قبل موسم زراعة الأرز والذرة، إذ إن العمل في تلك المناطق كان بمعظمه يتم بواسطة المحاريث التي تقودها الثيران. 
 
كانت الأعلام الحمراء ترفرف مع رياح الربيع في هوانغهاي. وفي الحقول، كان الفلاحون ينحنون فوق مجارف ومعاول بدائية، ويعملون ضمن مناطق محددة، وتحت لوحات كتب عليها: "حافظ على البلاد بمحصول جيد من الحبوب.. لإطعام الأمة".
 
داخل الحقل، جرار زراعي نادر يُسأل أحد الفلاحين عن سبب خروج النيران المكشوفة منه، فيجيب أنه يعمل بالبخار. هو "تكيّف محزن"، وفق المترجم الكوري، لكنه ضروري بعد سنوات من العقوبات. 
 
وفي الحديث عن العقوبات التي تطال محصول الأرز والذرة في كوريا الشمالية، أي الطعام الأساسي للشعب، فإنَّ واحداً من كلّ 5 أطفال يعاني "التقزم" أو قصير جداً بالنسبة إلى عمره. يقول باحثون إن الشماليين أقصر في المتوسط ​​بثلاث بوصات من نظرائهم الجنوبيين، ويعيشون في المتوسط ​​11 عاماً أقل، والسبب الأساسي هو نقص الغذاء الذي تتسبب به العقوبات.
 
المصير
كوريا الجنوبية التي يعيش سكانها أعواماً أطول لأنهم يأكلون بصورة أفضل، بسبب كونها خارج دائرة العقوبات، كانت قد ذكرت منذ مدة أنها مستعدة للمساهمة في رفع العقوبات عن الأرز والذرة في كوريا الشمالية وتقديم مساعدة اقتصادية على مراحل، إذا أوقفت بيونغ يانغ تطوير الأسلحة النووية وبدأت بالتخلي عن السلاح النووي.
 
في رد "أولي"، توجهت كيم يو جونغ، شقيقة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، إلى الرئيس الكوري الجنوبي بالقول: "أغلق فمك.. ولا تتكلم بالهراء"، ثم تابعت: "ساذج حقاً ولا يزال صبيانياً، لاعتقاده أن بوسعه مقايضة التعاون الاقتصادي بشرف كوريا الشمالية وأسلحتها النووية.. لا أحد يقايض مصيره بكعكة ذرة".
 
تمتلك كوريا الشمالية كعكة الذرة هذه، وإن كان محصولها يتأثر بالعقوبات ويؤثر في شعبها، لكن رد جونغ أون أبعد من كوريا الجنوبية ومن "عرض" رئيسها.
 
المصير عادةً في النظام الدولي تحدده خطوط النار، وهذا فعلياً ما رسمته الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي. قوات كوريا الشمالية المنظمة والمدربة هزمت قوات كوريا الجنوبية المشتتة، وعبرت "خط العرض 38"، ووصلت إلى سيؤول وتجولت فيها، وكانت الأمور على مشارف الانتهاء، حتى تدخلت واشنطن بكل ترسانتها في أقصى الشرق ووقفت في وجه توحيد البلاد.
 
 لذا، وبما أن سيؤول باعت في ذلك العقد المشتعل بـ"الحرب الباردة" مصيرها للولايات المتحدة الأميركية، سيبقى "إطعام الأمة بشرف" من قبل الشيوعيين في كوريا الشمالية مرتبطاً بقدرتها على حماية سلاحها من خلال 3 خطوات: إظهاره في اللحظة المناسبة، والمناورة والردع به في اللحظة الأنسب، واستخدامه في "لحظة التحولات التاريخية" التي تضمن عبرها أنَّ زعماء سيؤول لن يستطيعوا ابتزازها بمقايضة الذرة بالسلاح.
 
اختارت كوريا الشمالية اللحظة المناسبة، في ردٍّ ثانٍ عملي على سيؤول وواشنطن، لإعلان نفسها على المستوى التشريعي دولةً نوويةً، وإعطائها كيم جون أونغ الحق في التصرف بالسلاح النووي، وفق قرار اعتمده مجلس الشعب الأعلى الكوري الشمالي في 7 أيلول/سبتمبر الماضي. وبحسب القانون، فإن كوريا الشمالية يمكنها تنفيذ ضربة نووية وقائية، "فإذا كان نظام القيادة والسيطرة للقوة النووية الوطنية يواجه خطر التعرض لهجوم من قوات معادية، فإنّ الضربة النووية تكون على نحو تلقائي وفوري". 
 
بعد القرار، تحدث الغرب، سواء عبر تصريحات رسمية أو ضمن وسائل الإعلام، عن "دولة شمولية" و"نظامٍ ديكتاتوري" يمتلك "زعيمها" صلاحيات واسعة، بما فيها إطلاق النووي، ويهدد العالم والاستقرار الدولي وغيرها من الاتهامات. 
 
ولكن في سياق الحرب المستمرة، وإن بأوجه متعددة، فإن ردّ الفعل الكوري هذا جاء متأخراً سنوات عن فعل الولايات المتحدة، عندما هدد رئيسها دونالد ترامب، الذي يملك "حقاً قانونياً" لا يمكن نقضه باتخاذ قرار استخدام السلاح النووي، ومن منبر الأمم المتحدة عام 2017، أن "الولايات المتحدة لديها قوة كبرى، وتتحلى بالصبر، لكن إذا اضطرت إلى الدفاع عن نفسها، فلن يكون أمامها خيار سوى تدمير كوريا الشمالية بالكامل".
 
وفي الولايات المتحدة، ما هو شمولي أكثر بمعناه العملي، في حال اتخاذ قرار استخدام السلاح النووي من قبل الرئيس: أولاً، رأي المستشارين غير ملزم للرئيس، وثانياً، حتى التشاور غير ملزم له، إن كان مع وزير الدفاع أو هيئة الأركان المشتركة أو مستشار الأمن القومي.
 
الدفاع عن المصير
بمعزلٍ عن ذلك، تحدّد كوريا الشمالية مصيرها وفق مصالحها ومصالح شعبها. وفي خطوات متتالية، وبعد تحولها إلى دولة نووية، شرعت بيونغ يانغ خلال الأسابيع الأخيرة بالقيام بعدة تجارب صاروخية، بعضها في البحر الشرقي، كما جرت العادة، وبعضها كان للمرة الأولى منذ سنوات بعبور الصواريخ مجال اليابان الجوي.
 
آخر تلك التجارب بين 4 – 5 تشرين الثاني/نوفمبر كان مكثفاً. وقد قالت الأمم المتحدة في اجتماعٍ طارئ إن بيونغ يانغ أطلقت "عدداً غير مسبوق" من صواريخ كروز والصواريخ البالستية على مدار 48 ساعة فقط. ووصل عدد الصواريخ التي أطلقتها بيونغ يانغ خلال 24 ساعة إلى رقم قياسي هو 23 صاروخاً من أنواع متعددة، بينها صاروخ بالستي عابر للقارات.
 
في الصورة، يظهر كأن كوريا الشمالية هي من يصعّد، في حين تجري إحدى أكبر القوى العسكرية في العالم، على مقربة من سواحلها، مناورات مشتركة مع جارتها الجنوبية واليابان (بدأت في أيلول/سبتمبر) منذ أسابيع. تعهدت بيونغ يانغ برد عسكري "حازم" على التدريبات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، ولا سيما أنها وصفت المناورات بين سيؤول وواشنطن بأنّها تدريبات على "الغزو".
 
وفيما شارك في التدريبات الجوية المشتركة أكثر من 240 طائرة، كان لافتاً إجراء قاذفتين استراتيجيتين أميركيتين من طراز "بي - 1 بي لانسر" تدريبات مشتركة مع مقاتلات شبح كورية جنوبية من طراز "أف - 35 أيه" فوق شبه الجزيرة الكورية، مع الإشارة إلى أن تلك القاذفات من ضمن عقيدة الردع النووي الأميركية.
 
هذه الاختبارات الصاروخية كانت رداً على مناورات "عاصفة اليقظة" العسكرية المشتركة بين الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة، التي تعدّ أكبر تدريبات للقوّات الجوّية، والتي أجريت في المنطقة التي تعتبرها بيونغ يانغ استفزازاً مكشوفاً يهدف إلى زيادة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. 
 
لذا، إن بيونغ يانغ، ومن خلال تجاربها في الأيام الأخيرة، كانت تجاري التصعيد الأميركي على مقربةٍ منها. وقد اعترف بذلك قائد الأسطول السابع للبحرية الأميركية بقوله إن النشر النادر لحاملة طائرات في كوريا الجنوبية (تعمل بالوقود النووي) "ربما عجّل" في جزء من "نوبة غضب" كيم جونغ أون.
 
تستمر الولايات المتحدة بالضغط في العقوبات على كوريا الشمالية التي تطال جميع المراكز الحيوية في البلاد وصولاً إلى الغذاء. وبالتوازي، تصعّد حضورها العسكري في شبه الجزيرة الكورية وفي بحر اليابان  بمناورات تستخدم فيها أسلحة وذخائر ذات طابع نووي. هنا، تخرج كوريا الشمالية في محاولة لحماية نفسها، والضغط في اتجاه رفع العقوبات من خلال تجارب صاروخية أو مناورات أو حتى التهديد بتجارب نووية جديدة.
 
يرسم هذا المشهد الواقع الذي تعيشه بيونغ يانغ رغماً عنها بطبيعة الحال، منذ أن حاولت القوات الأميركية احتلالها خلال الحرب الكورية، لكن ما تسعى إليه كوريا الشمالية، ليس حماية نفسها من أي غزوٍ خارجي فحسب، بل الضغط أيضاً في اتجاه رفع العقوبات السياسية والاقتصادية عنها ومواجهة محاولات عزلها في الساحة الدولية. 
 
وبما أن موازين القوى والردع هي التي تشكل القاعدة الأساسية لموقع الدول في الخريطة السياسية، فإن كوريا الشمالية تكون قد تمسكت بمصيرها الذي اختارته سابقاً أكثر في لحظة دولية فارقة، وحددت مستقبل توجهاتها السياسية وشكلها، وقررت مواجهة النار بالنار، والتصعيد بتصعيد أكبر منه أحياناً.
 
ميدان التحولات
في الوقت الذي تتحدد معالم جديدة للتوازنات الدولية، ترصد قيادة بيونغ يانغ برويّة وبدقة المؤشرات التي تصب في مصلحتها. في أوكرانيا، تخوض روسيا حرباً ضد "الناتو". وفي شرق آسيا وجنوبها، تخوض الصين حرباً غير عسكرية حتى الآن ضد الولايات المتحدة. 
 
تلقفت كوريا الشمالية في الأشهر الماضية الرسائل المبعثرة بين الشرق والمغرب، وتحركت ضمن الهوامش التي تمكنها من المناورة بما تملك من أوراق ضغط أمنية وعسكرية. وبينما كان التصعيد يأخذ منحى خطراً في بحر الصين الجنوبي، وفي شرق أوروبا، كانت بيونغ يانغ تضع إستراتيجية مواجهة قائمة بشكلٍ أساسي على جر الولايات المتحدة إلى خيارين كلاهما صعب بين التفاوض أو التصعيد. وبالتوازي، تجيير ما يحصل في الساحة الدولية لمصالحها، ولا سيما مع الصين وروسيا.
 
وكان ذلك واضحاً من خلال مسارَين
 
المسار الأول (الخيار الأصعب): الارتباك الأميركي في تحديد موقف واضح من التجارب الصاروخية الكورية ووصولها إلى مستويات تنم عن جديّة في الذهاب أبعد من مجرد تجارب.
 
واشنطن كانت تدعو إلى مفاوضات من دون شروط مع كوريا الشمالية، وترسل في الوقت ذاته قاذفاتها الإستراتيجية للتحليق على مقربة من بيونغ يانغ. وإن كانت هذه سياسة أميركية متبعة دائماً بالتفاوض تحت النار، لكن كِلا الخيارين، المفاوضات أو التصعيد، والقدرة على تحديد أيهما أفضل أميركياً في هذا الوقت، يبدو صعباً ضمن دوائر القرار في واشنطن. 
 
صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية تحدثت عن ذلك أخيراً، بدعوتها البيت الأبيض إلى الاعتراف بالهزيمة في حملتها لإقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية، ونقلت عن محللين قولهم إن "الإيماءات العسكرية والكلمات القتالية الصادرة عن واشنطن وسيؤول وطوكيو تكذب حقيقة نفاد الأفكار والخيارات لاحتواء برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية".
 
أنكيت باندا، وهو خبير الأسلحة النووية في مؤسسة "كارنيغي" في واشنطن، ذكر بدوره أن "الإصرار على نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية ليس مجرد فشل. لقد تحول إلى مهزلة"، متابعاً: "إنهم يختبرون ونستجيب ونمضي قدماً في حياتنا.. لقد فازت كوريا الشمالية بالفعل... إنها حبة مريرة، لكن في مرحلة ما سنضطر إلى ابتلاعها". 
 
ويحاجج خبراء أميركيون في المجال النووي أن انتظار واشنطن فترة أطول للاعتراف بحقيقة أن الأسلحة النووية الكورية وجدت لتبقى سيعطي بيونغ يانغ وقتاً لتطوير تلك الأسلحة، ما سيرفع تكلفة المفاوضات. وكانت تصريحات كيم عن هذا الأمر واضحة بتأكيده أنه "لن يكون هناك أبداً أي إعلان عن التخلي عن أسلحتنا النووية أو نزع السلاح النووي، ولا أي نوع من المفاوضات أو المساومة لتلبية شروط الطرف الآخر".
 
المسار الثاني (الصين وروسيا): كان التصريح الأخير لسفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، بأن روسيا والصين توفران "حماية شاملة" لكوريا الشمالية من أي إجراءات إضافية لمجلس الأمن الدولي علامة فارقة في مسار الأحداث السياسية والعسكرية. التصريح الأميركي مبني على معطيات عملية خارج أروقة الأمم المتحدة، فالأمر يتعدى الفيتو من موسكو وبكين ضد عقوبات جديدة على بيونغ يانغ. 
 
الصين ذهبت بعيداً في تصريحاتها منذ أيام، ودعت عبر مبعوثها تشانغ جون واشنطن إلى وقف "إثارة التوترات والمواجهة من جانب واحد" وإبداء صدقها من خلال الرد على "مخاوف كوريا الشمالية المشروعة والمعقولة"، رافضةً أي عقوبات جديدة على بيونغ يانغ بعد تجاربها الأخيرة.
 
الموقف الروسي تقاطع بصورة كبيرة مع موقف بكين، إذ صرّح السفير الروسي لدى الولايات المتحدة بأن الوضع في شبه الجزيرة الكورية ساء بشكل كبير في الآونة الأخيرة، والسبب، وفق موسكو، واضح: "رغبة واشنطن في إجبار بيونغ يانغ على نزع سلاحها من جانب واحد باستخدام العقوبات والضغط".
 
قبل ذلك، وفي 15 آب/أغسطس الماضي، أرسل كيم رسالة إلى بوتين وأشاد بتنامي "التعاون الإستراتيجي والتكتيكي والدعم والتضامن" بين البلدين. وقبلها بأسبوعين، في الأول من آب/أغسطس، عندما احتفلت الصين بتأسيس جيش التحرير الشعبي، أرسل وزير الدفاع الكوري الشمالي ري يونغ جيل رسالة إلى نظيره الصيني وي فنغي، أكدت أن الجيش الشعبي الكوري "سيشن عمليات منسقة إستراتيجية وتكتيكية مع الجيش الصيني".
 
كانت اللغة في كلتا الرسالتين لافتة للنظر، وفق "فورين بوليسي" الأميركية، باعتبار أن "هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها بيونغ يانغ عبارة تعاون "إستراتيجي وتكتيكي" (التأكيد مضاف) لوصف علاقاتها الأمنية مع موسكو وبكين".
 
الأمر لا يتعلق بالمصالح المشتركة بين روسيا والصين وكوريا الشمالية فحسب، بل المصير المشترك في اللحظة الدولية الحالية. لذا، فإنّ مواقف بكين وموسكو الداعمة لبيونغ يانغ جاءت تعبيراً عن تحولات في ميدان النظام الدولي، لم تعد فيها واشنطن قادرة على التصعيد في جبهة وتحييد جبهة أخرى، كما كانت تفعل سابقاً. الآن، الخطر المحدق بروسيا هو خطر على الصين أيضاً، وعلى كوريا الشمالية. هي لحظة الحقيقة التي أدركتها القيادة الكورية وعملت على تجييرها لمصلحتها.
 
استطلاع بالنار
في 3 أيلول/سبتمبر 2017، أجرت كوريا الشمالية سادس اختبار نووي في تاريخها، مؤكدةً أنها "فجرت قنبلة هيدروجينية يمكن تحميلها على صاروخ بالستي عابر للقارات ذي قوة تدميرية كبيرة". غرّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حينها عن الأمر، قائلاً إن أفعال بيونغ يانغ "معادية وخطرة جداً تجاه الولايات المتحدة". وعندما سُئِل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستهاجم كوريا الشمالية أجاب: "سنرى"، لكن بعدها أجرى ترامب 3 لقاءات تاريخية مع كيم. وفي واحدة منها، عبر الرئيس الأميركي الحدود في اتجاه كوريا الشمالية ضمن المنطقة المنزوعة السلاح!
 
لم تسفر تلك اللقاءات عن نتائج مؤثرة في مسار العلاقات أو القضية الكورية بشكلٍ عام، لكنها تعبّر عن أمرين مهمين:
 
الأول، هو قدرة كوريا الشمالية على رفع السقف إلى حد التجربة النووية ضمن التهديد الحذِر، والرهان على ردع الولايات المتحدة، واكتفاء الأخيرة بتصريحات وتهديدات.
 
الثاني، يتعلّق بعدم وجود إستراتيجة أميركية واضحة بالتعامل مع بيونغ يانغ، فيما العقوبات وصلت إلى حدّها الاقصى، ولم تَرتدِع كوريا الشمالية، والخيارات المتبقية، ومن ضمنها العسكرية المباشرة، بقيت "تعليقات على تويتر".
 
خلال الأسابيع الماضية، عاد الحديث في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة عن تجربة نووية جديدة ستكون السابعة لبيونغ يانغ إن حصلت. وفي حال صحّت الادعاءات بشأن التجربة النووية أم لا، فإن بيونغ يانغ أجرت على مدى أشهر ما يمكن تسميته "استطلاعاً بالنار" من خلال تجاربها البالستية وعروضها العسكرية، في محاولةٍ لرصد سقف تحركات اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وذلك في ظل ما يحدث في الساحة الدولية.
 
إن حدثت تلك التجربة، فإن العقل السياسي الكوري الشمالي سيكون قد التقط إشارات حاسمة، إما بجنوح واشنطن وحلفائها نحو الحرب والغزو، وإما استقدامهم إلى مفاوضات تكون فيها بيونغ يانغ صاحبة الكلمة العليا.
 
في كلتا الحالتين، فإن المسألة لا ترتبط بما تريده بيونغ يانغ فحسب، بل بما لا تريده واشنطن أيضاً، وهو الدخول في مواجهة عسكرية معرضة خلالها للانزلاق إلى صدام مع موسكو والصين بنسبةٍ أعلى بكثير من جبهة أوكرانيا ذاتها.
 
وبما أن الحرب في أوكرانيا لم تكشف بعد رغبة أميركية في هذا الصدام، فإنَّ هذه الرغبة قد تكون معدومة، على الأقل في المدى المنظور، في حال كوريا الشمالية التي تحدها روسيا عند نهر دومان، والصين عند نهر أمنوك.. لنرَ. 
 
 
المصدر: الميادين