كُتّاب الموقع
تغيرت الأولويات.. الطاقة تفضح "النفاق" الغربي

عائد عميرة

الإثنين 26 أيلول 2022

طيلة السنوات الأربعة الماضية، ظل قادة الغرب ينددون بوضع حقوق الإنسان في السعودية وخطورة ولي العهد محمد بن سلمان على الحريات في المملكة والمنطقة ككل، خاصة بعد إثبات علاقته بحادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
 
لكن ما إن اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية وبداية أزمة الطاقة في الأسواق العالمية، حتى بدأ الخطاب يتبدل ونبرة النقد تخفت شيئًا فشيئًا، ذلك أن مصالح الغرب الآن تكمن في تحسين علاقاته بالسعودية التي يحكمها فعليًا ولي عهدها، حتى إن تطلب الأمر غض الطرف عن جرائمه بحق حقوق الإنسان، وهو ما يكشف النفاق الغربي.
 
قادة الغرب يطلبون ود السعودية
 
 
يقوم المستشار الألماني أولاف شولتس بجولة خليجية تشمل السعودية، اليوم السبت وتمتد ليومين، بعد 5 سنوات من آخر زيارة أدتها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في أبريل/نيسان من عام 2017 إلى هذه الدولة العربية الواقعة في منطقة الخليج.
 
تعتبر السعودية شريكًا بارزًا لألمانيا منذ سنوات طويلة، ففي سنة 2021 وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 4.4 مليار يورو، حسب تقرير مؤسسة المعلومات الاقتصادية الألمانية للتجارة والاستثمار، ويحتل النفط القسم الأكبر من الواردات الألمانية تليه المنتجات الكيماوية والمواد الخام.
 
فيما تستورد السعودية من ألمانيا الأسلحة رغم قرار حكومة المستشارة ميركل في سنة 2018 وقف تصدير الأسلحة إلى المملكة لأسباب عديدة منها مشاركتها في حرب اليمن، كما تستورد المنتجات الكيماوية إلى جانب الآلات والسيارات.
 
تأتي زيارة المستشار الألماني للسعودية بعد أقل من شهرين من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة قادمًا مباشرة من الكيان الصهيوني، ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان إلى جانب عقده مجموعة من اللقاءات مع قادة المملكة، في مسعى منه لضمان عدم انسياق السعودية للحلف الروسي الصيني.
 
وفي ختام الزيارة، أصدرت الولايات المتحدة والسعودية بيانًا مشتركًا، أكدتا فيه على تعزيز مصالحهما المشتركة والدفع برؤية مشتركة من أجل تحقيق مزيد من السلام والأمن بما يفضي إلى شرق أوسط مزدهر ومستقر.
 
في نفس الشهر، أي يوليو/تموز الماضي، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على العشاء، خلال أول زيارة يقوم بها الأخير لأوروبا منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، لذلك اعتبرت بمثابة "رد الاعتبار" لابن سلمان.
 
الطاقة تغير الأولويات
 
 
رأينا كيف تحولت السعودية في الأشهر الأخيرة، إلى قبلة القادة الغربيين الذين يأملون في كسب ود قادة المملكة العربية، بعد أن كانوا يعتبرونها "دولة منبوذة" وجب التصدي لقيادتها و"تلقينهم" كيفية احترام حقوق الإنسان.
 
ويشهد واقع حقوق الإنسان في السعودية ترديًا كبيرًا، إذ تتهم جماعات حقوقية الرياض بمواصلة التضييق على الحريات بما في ذلك حرية التعبير والإعلام والتنظيم السياسي وتواصل الاعتقالات التعسفية على خلفية الممارسة السلمية للحقوق الأساسية، والاستخدام التعسفي لمنع السفر ضد النشطاء الذين أفرج عنهم أو أنهوا محكومياتهم بالسجن، كما لا يزال العمال المهاجرون عرضة لسوء المعاملة والاستغلال بسبب نظام الكفيل الذي يفرض كفالة كل شخص من مواطن سعودي.
 
إذا نظرنا إلى جداول أعمال هذه اللقاءات سنعرف سبب هذا التغيير الكبير الحاصل في مواقف قادة الغرب من القيادة السعودية، فالجميع مهتم الآن بمسألة الطاقة ولا شيء غيرها، خاصة في ظل تواصل الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة الكبيرة التي تسببت فيها هذه الحرب في سوق الطاقة العالمي.
 
وتستخدم روسيا سلاح الطاقة لمجابهة دول الغرب ودفعهم إلى عدم تقديم المساعدات لأوكرانيا، إذ قلصت موسكو تسليم شحنات الغاز إلى أوروبا، وقطعت فعلًا إمدادات الغاز لعدد من الدول الأوروبية كبولندا وهولندا وبلغاريا وفنلندا وغيرها، وهو ما ساهم في ارتفاع أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، ويتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر وتصل مستويات قياسية بداية من شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع الطلب على الغاز.
 
وتستورد الدول الأوروبية ما نسبته 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا التي بلغت العام الماضي ما قدره 155 مليار متر مكعب، وفي ظل تواصل الحرب تسعى هذه الدول إلى تعويض هذه الكميات الكبيرة وترى في السعودية أحد الحلول المهمة.
 
حاجة الغرب إلى السعودية ورغبتهم في إيجاد بديل للغاز والنفط الروسي، جعلتهم يغيرون أولوياتهم من حقوق الإنسان إلى الطاقة، فلكل مقام مقال ولكل زمان قول، وقد أفلح الغرب في هذا الأمر وبرعوا فيه منذ عقود طويلة.
 
وتأمل الدول الغربية في "تكثيف التعاون" مع القيادة السعودية وإزالة عوائق التعاون من أجل تخفيف آثار الحرب في أوكرانيا على أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة أن الأسواق الغربية مهددة بالركود في حال تواصل الحرب وبقاء الوضع على حاله.
 
يُذكر أن السعودية تعتبر تاسع أكبر منتج للغاز، كما تمتلك ثامن أكبر احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي في العالم، بعد روسيا وإيران وقطر المتصدرة للقائمة، أما النفط، فتُعرف السعودية بكونها ثالث أكبر منتج بعد الولايات المتحدة وروسيا بمتوسط يومي 10 ملايين برميل.
 
النفاق الغربي
 
 
قبل توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية تعهد جو بايدن بجعل المملكة العربية السعودية "دولة منبوذة" بسبب الانتهاكات ضد حقوق الإنسان، خاصة أنه يؤمن بأن خاشقجي قُتل وقُطعت أوصاله بأمر من ولي العهد ابن سلمان، كما تعهد بوقف بيع الأسلحة إلى السعودية حتى لا تستعملها في حربها باليمن.
 
بايدن نفسه رد الاعتبار الدبلوماسي للحاكم الفعلي للسعودية، وجلس معه على نفس الطاولة وتحدثا طويلًا عن مستقبل العلاقات بين البلدين، كأن شيئًا لم يكن، ذلك أن النفط أهم من حقوق الانسان ولا شيء أهم من مصالح الغرب.
 
تغيرت حسابات الرئيس الأمريكي ومعه باقي قادة الغرب بشأن التعامل مع السعودية بارتفاع أسعار النفط وندرة الغاز بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، فالمهم عندهم الاقتصاد والمصالح وما الدفاع عن حقوق الانسان إلا مطية للحصول على امتيازات أكثر.
 
لم تكن الحرب الروسية الأوكرانية أولى المحطات التي فضخت "النفاق" الغربي، فالحرب اليمنية فضحتهم قبل ذلك، ورغم إدانتهم المتكررة لتلك الحرب، فإن السلاح الغربي لم يتوقف عن الوصول لدول الخليج المشاركة في هذه الحرب على رأسها السعودية.
 
أدت حرب اليمن إلى مقتل عشرات الآلاف وتدمير مدن بأكملها وتشريد مئات الآلاف وتعريض حياة الملايين من اليمنيين إلى خطر الموت، والغريب أن السلاح المستعمل هو سلاح غربي حديث تدعي الحكومات التي تبيعه أنها تعمل على حماية حقوق الإنسان.
 
ليس هذا فحسب، فالتعامل مع القادة المستبدين في القارة الإفريقية والآسيوية فضح "نفاقهم" أيضًا، إذ تجدهم ينتقدون وضع حقوق الإنسان في العديد من الدول مثل مصر، لكنهم يدعمون قادة تلك الدول ويقدمون إليهم الدعم الاقتصادي والدبلوماسي، ما وطّد حكمهم.
 
أكدت أزمة الطاقة أن لا هم للغرب وقادتهم إلا مصالحهم، وما الدفاع عن حقوق الإنسان إلا مطية لهذه الدول لفرض توجهاتها والضغط على الدول لدعم نفوذهم والسيطرة على قرارهم السيادي وثرواتهم العديدة.
 
 
 
المصدر: نون بوست