كُتّاب الموقع
المسيّرات تسيطر على الأمن البحري للشرق الأوسط

العرب اللندنية

الخميس 15 أيلول 2022

تتجه دول عديدة في الشرق الأوسط إلى اعتماد المسيرات البحرية مختلفة الأحجام والمهام لتحقيق المكاسب المادية، وتعزيز التحالفات والتصدي للأعداء. ويترجم ذلك في برامج ضمان الأمن البحري في المياه الإقليمية لكل من تلك الدول، لما لتلك المياه من أهمية إستراتيجية بالغة على طريق التجارة الدولية من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق الحد المطلوب من ضبط الأنشطة البحرية المشبوهة، ومجابهة التهديدات الأمنية.
 
انطلق مشروع واشنطن لرقمنة المياه الإقليمية الذي تسعى الولايات المتحدة عبره إلى تعزيز الأمن البحري في الشرق الأوسط، من خلال زيادة الردع والوعي بالمجال البحري باستخدام الخرائط الذكية والأقمار الصناعية وشاشات المراقبة التفاعلية. وأسطول المُسيّرات البحرية الأميركي يعتبر جزءاً من مشروع “رقمنة البحار” في الإقليم، إلى جانب الطائرات من دون طيار والمركبات المُسيّرة الغائصة تحت سطح البحر.
 
الأسطول الأميركي الخامس أعلن في وقت سابق عن إطلاق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة أول قوة مُسيّرة بحرية في العالم، تضم 100 مركبة مُسيّرة فوق سطح البحر بحلول صيف العام المقبل. كما تختبر البحرية الأميركية مجموعة من المركبات غير المأهولة بهدف تنفيذ عدد من دوريات الحراسة في مياه الشرق الأوسط، وتعزيز قوة الردع في مواجهة إيران، ورصد أي نشاط مزعزع لاستقرار المنطقة لاسيما في الممرات المائية الحيوية.
 
صحيفة “وول ستريت جورنال” أشارت أواخر أغسطس الماضي إلى أن البحرية الأميركية تعمل مع إسرائيل ودول أخرى في الشرق الأوسط لبناء شبكة من المُسيّرات البحرية في إطار سعيها لتقييم نشاط الجيش الإيراني في المنطقة من ناحية، وتقديم نموذج جديد للعمليات في جميع أنحاء العالم من ناحية ثانية.
 
ستكون تلك المُسيّرات إلى جانب الطائرات من دون طيار، بحسب الأكاديمية رغدة البهي الباحثة في مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، قادرة على أن تُقدم رؤية أفضل لمياه المنطقة، وستزود مقر الأسطول الأميركي الخامس في البحرين بالمعلومات، وهو ما وصفه البعض بأنه “ثورة تكنولوجية للزوارق المُسيّرة غير المأهولة بهدف إنشاء شبكة دفاع إقليمية”.
 
مشروع إيراني وآخر تركي
 
وبالتزامن مع جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط، منتصف يوليو الماضي، كشفت البحرية الإيرانية النقاب عن الوحدة البحرية الأولى من حاملات الطائرات المُسيّرة التابعة لها، والتي تضم سفناً وغواصات قادرة على نقل كل طرازات الطائرات المُسيّرة، من القتالية إلى تلك المخصصة للرصد والتدمير.
 
أول فرقة حاملة طائرات مُسيّرة في البحرية الإيرانية قوامها سفن ووحدات غواصات يُمكنها حمل جميع أنواع الطائرات المُسيّرة للأغراض القتالية، بجانب مهام الكشف والتدمير.
 
بعد شهر من ذلك التاريخ قام الأدميرال شهرام إيراني، قائد القوات البحرية في الجيش الإيراني، بالإعلان عن أسطول من الطائرات المُسيّرة التابع للقوة البحرية الإستراتيجية للجيش على بعد 2200 كيلومتر من حدود البلاد وتحديداً في البحر الأحمر.
 
ويرى الإيرانيون أن المسيرات وسيلة قد تكون ناجعة في ردع أعدائهم في المنطقة عن القيام بأي تحركات تهدد مشروعهم، وكذلك لإبقاء خطوطهم الملاحية البحرية مفتوحة على الدوام.
 
ويسير بالتوازي وبصورة قطعت أشواطاً لافتة، مشروع المسيرات التركية الذي لم يعد يقتصر على الاستخدام المحلي، بل إن تركيا باتت مصدراً من مصادر تصنيع وتصدير المسيرات إلى دول عديدة في المنطقة والعالم، ومؤخراً تسلمت القوات البحرية التركية طائرة مُسيّرة مُسلحة جديدة من طراز “آق صونغور” تعمل بمحركين محليي الصُنع من إنتاج شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية ”توساش”.
 
المُسيّرة التركية الجديدة يمكنها نقل حمولة يفوق وزنها 750 كيلوغراماً، والتحليق على ارتفاع 25 ألف قدم لمدة 50 ساعة. كما تُطور تركيا 5 نسخ لمُسيّرات بحرية حربية؛ هي “أولاق”، و”سانجار”، و”سالفو”، و”ألباتروس”، و”مير”، كي تتيح مساحة أكبر من المناورة من دون أدنى مخاطرة بحياة الطواقم كما في السفن العسكرية التقليدية.
 
منطقة تحديات
 
الأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط تعود إلى دورها المحوري على صعيد حركة التجارة العالمية والاقتصاد العالمي، خصوصاً مع تدفق إمدادات النفط من الخليج العربي عبر مضيق هرمز من ناحية، واتساع مساحة سواحل المنطقة من ناحية ثانية. وفي ظل هذه الأهمية الإستراتيجية، لا يمكن لأي قوة بحرية مُنفردة أن تُجابه التهديدات البحرية التي تتعرض لها المنطقة. ومن هنا، تتزايد أهمية الاعتماد على المُسيّرات البحرية لتمديد مسافات الاستطلاع باستخدام الأجهزة الحديثة، وتنسيق الجهود مع الشركاء الإقليميين، وكذلك استباق مختلف التهديدات، بالإضافة إلى مراقبة تحركات القطع البحرية المختلفة باستخدام شاشات الفيديو، وتتبع السفن التي تستخدم أجهزة التعقب الإلكترونية.
 
سيؤمن ذلك حركة القطع البحرية في المنطقة، والتي تتعرض لجملة من التحديات الإستراتيجية، كان آخرها، على سبيل المثال، إحباط البحرية الأميركية في 30 أغسطس الماضي محاولة للحرس الثوري الإيراني للاستيلاء على مُسيّرة بحرية من طراز “سايلدرون إكسبلورير“ على الرغم من مهمتها الاستكشافية، إلى أن تخلت إيران عنها في نهاية المطاف في أعقاب نداءات أميركية عديدة من قِبل الأسطول الخامس الأميركي بقيادة براد كوبر الذي أطلق طائرة مروحية من سرب طائرات الهليكوبتر القتالي البحري 26 ومقره البحرين.
 
الولايات المتحدة تحرص على إبقاء المياه في الشرق الأوسط آمنة، بدمج الأنظمة المُسيّرة والذكاء الصناعي في العمليات البحرية للأسطول الخامس بالتعاون مع حلفائها الإقليميين والدوليين، لتحقيق ثورة تكنولوجية في مجال المُسيّرات البحرية العائمة بالمنطقة، إلى جانب تأمين حركة التجارة، ومحاصرة عمليات التهريب، وردع مختلف التهديدات عبر شبكة مترابطة من المركبات المُسيّرة، ومجابهة تهديدات إيران المُتكررة بعرقلة حرية الملاحة عبر مضيق هرمز.
 
أما تركيا فغرضها تحقيق نقلة نوعية في قوتها العسكرية البحرية، وزيادة نفوذها العسكري والسياسي، وتحقيق عائدات مالية كبيرة من وراء مُسيّراتها البحرية، والدفاع عن مقاتلاتها في أجواء بحر إيجة والبحر المتوسط ضد التهديدات اليونانية.
 
إمكانات متقدمة
 
يمكن لبعض المُسيرّات البحرية أن تطفو على البحر لمدة تصل إلى 6 أشهر، كما يمكنها تنفيذ مهام متعددة في الوقت نفسه بتكلفة منخفضة نسبياً بالمقارنة بتكلفة الأنظمة البشرية، فضلاً عن إرسال صور مُفصلة وبيانات متناهية الدقة، بجانب الكشف عن مواقع سفن أخرى، وعمليات النقل البحري المشبوهة.
 
وقد أسهمت المُسيّرات البحرية في عدد من المناورات الثنائية والجماعية في الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تدريب ”أم أكس 22“ الدولي في شهر فبراير الماضي، وهو أضخم تمرين بحري عسكري في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ تجاوز عدد الدول التي شاركت فيه 60 دولة، بجانب 9 آلاف فرد، و50 سفينة، وأكثر من 80 نظاماً مُسيّراً من 10 دول مشاركة، وذلك بهدف تعزيز العمل الدولي، ومواجهة التحديات الملاحية، والحفاظ على تدفقات التجارة الدولية.
 
بات مستقبل الأمن البحري في الشرق الأوسط مرهونا بالمُسيّرات البحرية، لاسيما مع تطوراتها المتعاقبة، ويبدو أن عصر حاملات الطائرات والبوارج الضخمة قد انتهى، إلا أن المسيّرات لم تخض بعد حروباً كبيرة يمكن اختبارها فيها والاعتماد الكلي عليها عوضاً عن السلاح التقليدي.