كُتّاب الموقع
ليستمر العالم، لا بد من التعاون بين الصين والولايات المتحدة

العرب اللندنية

الجمعة 12 آب 2022

تنظر الصين والولايات المتحدة كل منهما للآخر على أنه المنافس الأكبر على مستوى النفوذ العالمي، لذلك ترفضان التعاون في العديد من الملفات، لا بل تتنافسان على التصعيد وتبادل الاتهامات والتهديدات بالدخول في مواجهات عسكرية قد تقود العالم إلى حرب عالمية جديدة.
 
شهدت الأيام القليلة الماضية وصول التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة إلى مرحلة غير مسبوقة على خلفية زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان رغم الرفض الصيني القوي لهذه الخطوة، وردت بكين على ذلك بحشد قواتها العسكرية بصورة غير مسبوقة حول جزيرة تايوان بدعوى إجراء مناورات عسكرية.
 
ومع ذلك، يرى المؤرخ والمحلل الاستراتيجي الأميركي هال براندز أن المعضلة المركزية التي تواجه السياسة الخارجية الأميركية اليوم هي أن الدولة التي تمثل أكبر تهديد للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، يجب التعاون معها حتى يظل العالم مكانا صالحا للحياة. وهذه المعضلة تجسدت بوضوح عندما ردت الصين على زيارة بيلوسي لتايوان بوقف المحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة حول قضية التغير المناخي وغيرها من القضايا.
 
ويرى براندز أستاذ كرسي هنري كيسنجر للشؤون العالمية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز والباحث المقيم في معهد المشروع الأميركي، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يختبر بهذه القرارات نظرية نظيره الأميركي جو بايدن التي تقول إن واشنطن تستطيع التعاون مع بكين في بعض القضايا، رغم تنافسهما الشديد في قضايا أخرى.
 
لكن سياسة الرئيس الصيني تنطوي على مخاطر. فقد يفاجأ برد فعل عالمي سلبي أقوى مما يتصور.  ومنذ أيامها الأولى تقول إدارة بايدن إن التعاون والتنافس ليسا متناقضين تماما. فاستراتيجية الأمن القومي الأميركية لإدارة بايدن تقول صراحة إن الصين هي “المنافس الوحيد” القادر على أن يمثل “تحديا مستمرا لنظام عالمي مستقر ومنفتح”. وعلى الولايات المتحدة تعزيز تحالفاتها والاستثمار في نقاط قوتها الأساسية لمنع الصين من فرض إرادتها على العالم.
 
 وفي الوقت نفسه، تؤكد الإدارة الأميركية حاجة واشنطن للعمل الجاد من أجل إقامة علاقات مثمرة في القضايا التي تحقق مصالح مشتركة للجانبين.
 
وقال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في مايو الماضي “لا يمكننا ترك الخلافات بيننا لكي تمنعنا من المضي قدما نحو تحقيق الأولويات التي تحتاج إلى العمل المشترك من جانب الدولتين”.
 
وتستهدف هذه الرؤية محاكاة إحدى موروثات فترة الحرب الباردة عندما تعاونت واشنطن مع موسكو في قضايا مثل الصحة العالمية والحد من التسلح رغم الصراع المحتدم بين الجانبين.
 
ويعتبر ملف التغير المناخي أحد أهم ملفات التعاون المحتمل بين الولايات المتحدة والصين باعتبارهما أكبر دولتين مصدرتين للانبعاثات الغازية في العالم، وعدم إمكانية تحقيق أي تقدم ملموس على صعيد مواجهة ظاهرة التغير المناخي في العالم دون مشاركة تقليص أكبر للاعتماد على الطاقة التقليدية من جانب بكين التي تنتج حوالي 25 في المئة من إجمالي الانبعاثات العالمية.
 
وقال بلينكن بوضوح “لا توجد طريقة لحل مشكلة التغير المناخي دون قيادة صينية”.
 
لكن براندز يقول إن تقسيم العلاقات الأميركية - الصينية إلى مجالات يمكن التعاون فيها وأخرى ستتواصل فيها المنافسة لن يكون مهمة سهلة. ولا يمكن لملف التغير المناخي أن يكون “واحة” للتعاون في ظل “صحراء” التنافس بين البلدين. وفي عام 2021 قال وزير خارجية الصين وانج يي إنه على الولايات المتحدة خلق مناخ مناسب للدبلوماسية البيئية من خلال تخفيف السياسات الأميركية المناهضة للصين في ملفات تايوان وهونغ كونغ وغيرها. 
 
 ويعني هذا أن الصين تربط تعاونها في ملف التغير المناخي بمجموعة من المشكلات الجيوسياسية، بما يعني أنها تطلب ثمنا لتعاونها في ملف التغير المناخي، لكن إدارة الرئيس بايدن رفضت تقديم هذه التنازلات.
 
وتأمل الإدارة الأميركية أن تعود الصين إلى التعاون في ملف التغير المناخي لتحقيق مصالحها الذاتية، عندما تدرك أن واشنطن لن ترضى بالربط بين هذه الملفات. لكن الرؤية الأميركية تعرضت لضربة قوية مؤخرا عندما أغلقت الصين العديد من قنوات الاتصال الدبلوماسي والعسكري مع الولايات المتحدة وعلقت الحوار الثنائي معها بشأن المناخ ردا على زيارة بيلوسي لتايوان.
 
ويقول براندز إن قرار شي يذكرنا بأن الصين تتبنى رؤية قاتمة بالنسبة إلى العلاقات العسكرية مع واشنطن، لأن الصينيين يعتقدون أن الولايات المتحدة ستكون أقل استعدادا للقيام بتحركات جريئة في غرب المحيط الهادئ، إذا كانت تشعر بالقلق من صعوبة إدارة التوترات الناجمة عن مثل هذه التحركات بطريقة آمنة. كما أن الموقف الصيني يهدد أيضا بوضع الإدارة الأميركية أمام مفاضلة حادة بين اثنتين من أولويات سياستها الخارجية.
 
ويحاول شي بشكل مؤكد تكثيف التوترات داخل الإدارة الأميركية والحزب الديمقراطي، من خلال وضع صقور ملف التصدي للتغير المناخي في مواجهة صقور التصدي للصين على أمل انتصار المعسكر الأول، ولكن قد لا تحقق هذه المناورة أهداف شي.
 
وسوف يلحق انسحاب الصين من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي الضرر بصورتها لدى الدول الأفقر والأشد تضررا من التغير المناخي. فارتفاع درجات الحرارة يضر باقتصادات تلك الدول، ويغذي الهجرة غير الشرعية، ويؤدي إلى اضطرابات عسكرية وسياسية واجتماعية.
 
أخيرا، يمكن أن تؤدي سياسة “الابتزاز المناخي” التي تمارسها الصين إلى تخلي إدارة بايدن عن السياسات المتوازنة تجاه الممارسات الصينية بشكل عام، على المدى القصير، لكن على المدى الأطول يمكن أن تخسر الصين أكثر، وهو ما يعني أن العالم يحتاج إلى التعاون بين بكين وواشنطن لحماية البيئة وتجنب التداعيات الكارثية للتغير المناخي.