كُتّاب الموقع
حرب باردة بين الصين والغرب على جزر المحيط الهادئ

العرب اللندنية

السبت 28 أيار 2022

تسعى الصين لإبرام اتفاق أمني اقتصادي إقليمي شامل مع دول المحيط الهادئ من شأنه أن يوسع نفوذها بشكل كبير، ويمتد إلى تلك البلدان، في اتفاقية تثير قلق الدول الغربية وتحيي معالم الحرب الباردة.
 
أطلقت الصين مبادرة كبرى تهدف إلى توسيع التعاون في المجال الأمني والتبادل الحر مع دول المحيط الهادئ، فيما عبرت عدة دول في المنطقة مثل أستراليا والولايات المتحدة عن قلقها من الآن إزاء هذه الخطوة.
 
وتعرض مسودة اتفاق واسع النطاق وخطة على خمس سنوات احتمال إبرام اتفاق إقليمي للتجارة الحرة وآخر للتعاون الأمني. وستجري مناقشتهما أثناء زيارة يجريها وزير الخارجية الصيني وانغ يي لدول في منطقة الهادئ اعتبارا من الخميس.
 
وتعرض الاتفاقيات على عشر دول جزرية صغيرة مساعدات صينية بالملايين من الدولارات وإمكان إبرام اتفاق للتجارة الحرة بين الصين وجزر الهادئ للوصول إلى السوق المربحة للصين التي تعد 1.4 مليار نسمة.
 
وفي المقابل، ستدرّب بكين الشرطة المحلية وستتدخل في الأمن الإلكتروني المحلي وتوسع العلاقات السياسية. كما ستجري عمليات مسح بحري حساسة وستحصل على حق الوصول بشكل أكبر إلى الموارد الطبيعية المحلية.
 
وعند وصوله إلى جزر سليمان الخميس طالب الوزير الصيني بعدم “التدخل” أو “عرقلة”، “التعاون بين الصين وجزر المحيط الهادئ”.
 
وقال وانغ في مؤتمر صحافي بعد لقائه نظيره في جزر سليمان جيريمايا مانيلي إن هذا الاتفاق “لا يُفرض على أحد، لا يستهدف أي طرف آخر، ولا نية على الإطلاق لبناء قاعدة عسكرية”.
 
وأصبح جنوب المحيط الهادئ في الأشهر الماضية مسرحا لتنافس قوي بين الصين والولايات المتحدة، القوة الكبيرة في المحيط الهادئ منذ عقود.
 
وتحاول بكين تعزيز نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي هناك، لكنها لم تحرز حتى الآن غير تقدّم محدود وغير متساو.
 
وفي حال الاتفاق عليها، ستمثّل خطة التعاون تغييرا وتسهّل أمورا بدءا من نشر الشرطة الصينية وصولا إلى زيارات من “فرق فنية” صينية.
 
وستزيد الرحلات الجوية بين الصين وجزر الهادئ، وستعيّن بكين مبعوثا إقليميا وتقدّم تدريبا لدبلوماسيين شباب من منطقة الهادئ وتوفر 2500 “منحة دراسية” حكومية.
 
لكن مشروع الاتفاق الإقليمي يثير قلق بعض العواصم. وحذر رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي الخميس من أن هذا المشروع يدل على أن “الصين تسعى لزيادة نفوذها في منطقة بالعالم كانت فيها أستراليا شريكا اختياريا في مجال الأمن منذ الحرب العالمية الثانية”.
 
وأعلن عن “تكثيف” التزام أستراليا في المحيط الهادئ مع حوالي 500 مليون دولار أسترالي كمساعدة للتدريب على الدفاع والأمن البحري والبنى التحتية لمكافحة آثار التغير المناخي. والخميس حلت وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ في جزر فيجي لبحث هذه الخطط.
 
وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الأربعاء “نشعر بالقلق من أن يتم التفاوض بشأن هذه الاتفاقات في عملية متسرعة وغير شفافة”.
 
وفيما أشار إلى أن دول المحيط الهادئ هي سيدة قرارها، قال برايس إن الصين “تتبع نمط تقديم صفقات مبهمة وغامضة مع القليل من الشفافية أو المشاورات الإقليمية”.
 
وفي رسالة إلى نظرائه من قادة منطقة الهادئ، حذّر رئيس ولايات مايكرونيسيا المتحدة ديفيد بانويلو من أن الاتفاقيات تبدو “جذّابة” للوهلة الأولى، لكنها ستسمح للصين “بدخول منطقتنا والسيطرة عليها”.
 
وقال بانويلو الذي وصف المقترحات بأنها “مخادعة” إنها “ستضمن امتلاك الصين نفوذا في الحكومة” و”سيطرة اقتصادية” على القطاعات الرئيسية بينما تسمح “برقابة واسعة” للاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني.
 
وأشار إلى أنها “تعكس نية الصين تحويل ولاء منطقة الهادئ باتّجاهها” وأن النتيجة ستكون “شق السلم والأمن والاستقرار الإقليمي”.
 
ومايكرونيسيا من بين أقرب حلفاء واشنطن في المنطقة وتستفيد منذ ثمانينات القرن الماضي من وضع شراكة حرة مع الولايات المتحدة تضمن لها تعاونا في مجال التنمية وكذلك حماية عسكرية.
 
لكنّ دولا أخرى في المنطقة يمكن في المقابل أن تغريها النتائج الإيجابية المحتملة من مشروع اتفاق مع الصين.
 
وأعلنت جزر سليمان والصين في نهاية أبريل عن توقيع اتفاق أمني غامض الملامح، ما أثار قلقا دوليا لاسيما من جانب الولايات المتحدة وأستراليا اللتين تتخوفان من أن يتيح إقامة وجود عسكري صيني في الأرخبيل.
 
وكانت جزر سليمان، التي تتبع التاج البريطاني كإحدى دول الكومنولث، قد تصدرت الأحداث عالميا خلال نوفمبر من العام الماضي، حين اندلعت فيها أحداث شغب وأُحرقت مبان حكومية، على خلفية إدارة الحكومة لأزمة الوباء وملفات أخرى.
 
وبالتالي فإن الاتفاقية الأمنية مع الصين فاجأت أستراليا ونيوزيلندا، الشريكين الأمنيين التقليديين لجزر سليمان، بالإضافة إلى دول المحيط الهادئ الأخرى والولايات المتحدة.
 
ويقول ريتشارد ماكغريغور الباحث في معهد لوي الأسترالي “عندما تفكر في مدى المصالح العالمية للصين والحجم الصغير نسبيا لدول المحيط الهادئ، فإن هذا يخبرك على الفور أن بكين لديها خطط طموحة طويلة الأجل في المنطقة”.
 
وتتبنى واشنطن وحلفاؤها سياسة التطويق الاستراتيجي للصين عبر عدة تحالفات دولية في المحيطين الهادئ والهندي، على غرار تحالف “أوكوس” بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا (2021)، ومؤخرا تحالف “كواد”، بين الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا (2022).
 
وتحاول هذه التحالفات تطويق بكين في بحري الصين الشرقي والجنوبي، ليس فقط عبر الأساطيل البحرية بل أيضا من خلال القواعد العسكرية في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان.