كُتّاب الموقع
هل يتجه لبنان نحو السيناريو العراقي

العرب اللندنية

السبت 28 أيار 2022

فرضت نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية تغيرا ملموسا في موازين القوى بالبرلمان، ما دفع بعض الخبراء إلى التحذير مما أسموه بـ”عرقنة لبنان”، وسط تخوف من فراغ حكومي ورئاسي شبيه بما حل بالعراق مؤخرا.
 
ووفق نتائج الانتخابات باتت موازين الكتل البرلمانية وتحالفاتها موزعة بين عدة قوى سياسية، بعدما كان حزب الله (حليف إيران) والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما يستحوذون بالانتخابات الماضية (2018) على الأغلبية النيابية.
 
وتراجع عدد مقاعد حزب الله وحركة أمل (شيعيتان) والتيار الوطني الحر (مسيحي) وحلفائهم من 71 إلى نحو 60، فيما توزعت المقاعد الـ68 المتبقية على قوى مختلفة، بعضها قريب من الرياض وواشنطن والبعض الآخر مستقل.
 
ومع وجود ثلاثة تكتلات أساسية ونواب آخرين مستقلين، فإن الأغلبية البرلمانية لم تعد محصورة بيد فريق سياسي معين، إنما بات الثقل موزعا في عدة اتجاهات، وهو ما يراه خبراء أنه قد يعقد المشهد السياسي بالبلاد.
 
ويتألف البرلمان من 128 نائبا، وتتوزع مقاعده مناصفة بين المسلمين والمسيحيين بواقع 27 للسنة و27 للشيعة و8 للدروز، و2 للعلويين، مقابل 34 للموارنة و14 للأرثوذكس و8 للكاثوليك و6 للأرمن، و1 إنجيلي، و1 أقليات مسيحية.
 
وهذا التغير سيكون له انعكاس على الحياة السياسية اللبنانية التي تنتظرها استحقاقات عديدة في المرحلة المقبلة، أبرزها تشكيل حكومة وانتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط توقعات بدخول البلاد في دوامة من الجمود والفراغ.
 
وقال المحلل والكاتب السياسي طوني بولس إن “القوى الممسكة حاليا بالسلطة، وهي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، لم تعد تملك الأكثرية النيابية، وبالتالي قد تلجأ إلى عرقلة الاستحقاق الدستوري”.
 
وتوقع بولس أن “يكون هناك صدام داخل البرلمان، إذ إن القوى الجديدة التي دخلته ستحاول إثبات نفسها، كما أن الفريق المهزوم سيحاول التخفيف من الأضرار الواقعة عليه ولن يتخلى عن الحكم بسهولة”.
 
وعقب صدور نتائج الانتخابات، دعا أمين عام جماعة حزب الله في لبنان حسن نصرالله الأربعاء الماضي إلى “الشراكة والتعاون”، محذرا من أن “البديل هو الفراغ والفوضى والفشل”.
 
ورجح بولس ألا تتشكل الحكومة خلال الأشهر الخمسة المتبقية من ولاية رئيس البلاد ميشال عون، مشيرا إلى أن عون يريد الإبقاء على مكاسب فريقه السياسي (التيار الوطني الحر)، خصوصا في بعض الوزارات كالطاقة والخارجية.
 
وتنتهي ولاية الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر 2022، حيث انتخبه أعضاء البرلمان عام 2016 وأنهى آنذاك فراغا رئاسيا استمر 29 شهرا.
 
وعن انتخاب رئيس للبرلمان، رأى بولس أن الرئاسة ستكون لصالح حركة أمل وحزب الله، كون جميع النواب الشيعة الـ27 المنتخبين ينتمون إلى الجماعتين.
 
والأحد، انتهت ولاية البرلمان الذي انتخب عام 2018، ومن المفترض خلال مهلة 15 يوما أن يدعو رئيس السنّ (الرئيس الحالي لمجلس النواب نبيه بري) إلى جلسة لانتخاب رئيس لمجلس النواب.
 
 
 
واعتبر الكاتب والباحث السياسي وائل نجم أن أبرز مفاجأة بالانتخابات كانت عدم فوز أي قوّة سياسية بالأكثرية المطلقة، وهذا ما سينعكس بكل تأكيد على تشكيل الحكومة.
 
وأضاف نجم أن “في ظلّ الانقسام السياسي القائم بين بقايا فريقي 8 و14 آذار، وفي ظلّ صعود قوى جديدة تمثّل المجتمع وتناصب كلا الفريقين الخصومة أو المنافسة، فإنّ تشكيل الحكومة ليس بالأمر السهل واليسير”.
 
وهذا الواقع سيصّعب عملية تشكيل الحكومة، وقد يُدخل لبنان في دوّامة من الفراغ أو المراوحة التي ستزيد بكل تأكيد من تعميق أزمته السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ نحو عامين ونصف العام، وفق المتحدث ذاته.
 
وشكّل دخول لاعبين جدد إلى البرلمان تحت اسم قوى “التغيير”، كسرا للتمثيل التقليدي لقوى السلطة، الذي كان محصورا طيلة عقدين بين فريقي 8 آذار (حلفاء طهران ودمشق) و14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن).
 
وبرز مصطلح “قوى التغيير” بشكل لافت خلال العامين الماضيين، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد أواخر 2019 واستمرت عدة أشهر، حيث حمّل المتظاهرون الطبقة السياسية مسؤولية الفساد وطالبوها بالرحيل.
 
وأشار نجم إلى وجود أزمة في تكليف شخصية سُنّية لتشكيل الحكومة، وذلك بناء على الدستور الذي ينصّ على قيام رئيس الجمهورية باستشارات نيابية ملزمة له لتكليف شخصية بهذه المهمة.
 
وأجريت الانتخابات النيابية اللبنانية في ظل مقاطعة تيار المستقبل، أبرز مكون سني في لبنان، بزعامة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري الذي اعتبر في يناير الماضي أنه “لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة”.
 
وإذا فرضنا أنّ هناك شخصية سنّية وسطية ومقبولة من معظم الأطراف، فإن تبعثر القوى السياسية داخل البرلمان سيؤدي إلى تشظي الأصوات، وهذا لن يساعد على تسهيل تشكيل الحكومة.
 
ولفت نجم إلى أن ذلك مطروح بغض النظر عما إذا كان رئيس البلاد سيدخل هذا الاستحقاق في بازار المساومات، بالنظر إلى اقتراب موعد مغادرته القصر الجمهوري، وسعيه غير المعلن لتوريث صهره جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) هذا الموقع.
 
ورأى نجم أن استحقاق تشكيل الحكومة المقبلة يوازي بحجمه وإشكاليته كل الاستحقاقات الأخرى، ومن غير المتوقع تشكيلها بسهولة في ظلّ التجاذبات القائمة محليا في لبنان وخارجيا على المستويين الإقليمي والدولي.
 
واعتبر نجم أن في ظل غياب التفاهمات الإقليمية والدولية، لاسيما في ما يتصل بمفاوضات الملف النووي بين طهران وواشنطن، فإن الوضع في لبنان قد يتجه خلال المرحلة المقبلة للدخول في ما يشبه الحالة العراقية، حيث الشلل التام الذي أصاب الاستحقاقات الدستورية المنتظرة بعد انتخابات خريف 2021.
 
وفي أكتوبر 2021 أدت الانتخابات النيابية في العراق إلى خسارة ائتلاف الحشد الشعبي المؤيد لإيران، ولم تنجح البلاد منذ ذلك الحين إلى اليوم في عملية إعادة تكوين السلطة، نظرا إلى الفشل في انتخاب رئيس جديد للبلاد وعدم تشكيل حكومة.
 
وعلى الصعيد المعيشي لاحت في الأفق مؤشرات على ثورة الجياع في لبنان وانفجار اجتماعي نتيجة تفاقم الأزمات المعيشية التي تتحرك على وقع الدولار، وشهد الشارع تحركات للقطاع الاستشفائي والطبي وتوقّفا عن العمل وانتقادا “للسياسة النقدية المتوحشة التي تمارسها الدولة”، وسط تحذير من انقطاع الدواء والعلاج عن المرضى كان قد سبقه مطلع الأسبوع إضراب للقطاع الصيدلاني، فيما نفذ أصحاب الأفران والمخابز اعتصاما الخميس في مؤشر على أزمة خبز.
 
وأكد خبراء أنّ الانهيار الذي يتواصل في لبنان منذ أكثر من عامين لم يصل بعد إلى القعر، ولكن مع تسارع وتيرة ارتفاع الدولار ستزداد سرعة الانهيار، لأن التثبيت المصطنع لسعر الدولار الذي اعتمد خلال الأشهر الماضية بدأ بالتفلّت، وهو ما يفسر التقلبات الحادة في سعر الصرف.