كُتّاب الموقع
خطة إماراتية مشبوهة مع العسكر لإنعاش انقلاب السودان.. ما التفاصيل؟

محمد مصطفى جامع

الجمعة 24 حزيران 2022

الأسبوع الماضي، أعلن وزير المالية في الحكومة العسكرية السودانية عن توقيع مذكرة تفاهم مع دولة الإمارات لإنشاء مشروع زراعي "ضخم"، يربطه طريق برّي بميناء جديد سوف تبنيه دولة الإمارات على البحر الأحمر، وأضاف جبريل في تصريحه لوكالة "رويترز" أن الجانبَين يعملان حاليًّا على الانتهاء من تفاصيل المشروع، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.
 
لم تمضِ سوى أيام فقط من تصريح وزير المالية المعيَّن من قبل الانقلابيين، إلا وعادت "رويترز" بتفاصيل صادمة عن الصفقة الإماراتية الضخمة -التي جرى التفاوض بشأنها سرًّا وفي الظلام-، التي ستستولي بها أبوظبي على المزيد من ثروات الشعب السوداني.
 
ويمكن أن نلخّص أبرز ما تسرّب عن بنود الصفقة المشبوهة في النقاط التالية، بحسب ما أدلى به "الشريك السوداني" رجل الأعمال أسامة داود عبد اللطيف، رئيس مجلس إدارة مجموعة دال:
 
- تبلغ قيمة الصفقة 6 مليارات دولار تتضمن إنشاء منطقة للتجارة الحرة ومشروعًا زراعيًّا كبيرًا ووديعة وشيكة في البنك المركزي السوداني بقيمة 300 مليون دولار.
 
- من بين الـ 6 مليارات دولار تمَّ تخصيص 4 مليارات دولار لإنشاء الميناء الجديد الذي يقع على بُعد نحو 200 كيلومتر إلى الشمال من بورتسودان، وهو مشروع مشترك بين مجموعة دال ومجموعة موانئ أبوظبي المملوكة لشركة أبوظبي القابضة.
 
- سيشمل الميناء أيضًا منطقة تجارية وصناعية حرة على غرار جبل علي في دبي، إضافة إلى مطار دولي صغير، وسيكون الميناء قادرًا على التعامل مع كل أنواع السلع ومنافسة الميناء الرئيسي في البلاد بورتسودان.
 
- الصفقة الإماراتية تشمل كذلك أعمالًا توسعية وتطوير مشروع زراعي بتكلفة 1.6 مليار دولار تنفّذها الشركة العالمية القابضة (آي إتش سي) وشركة دال للزراعة في مدينة أبو حمد بشمال السودان.
 
- سيتمّ زراعة البرسيم الحجازي والقمح والقطن والسمسم ومحاصيل أخرى في مساحة تبلغ 400 ألف فدان من الأراضي المستأجَرة، كما سيجري رصف طريق بطول 500 كيلومتر (برسوم عبور) يربط المشروع بالميناء بتكلفة 450 مليون دولار، بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية.
 
- المشروع وصل "مرحلة متقدمة" بالفعل مع اكتمال الدراسات والتصاميم، أي أنه تجاوز "مذكرة التفاهم" التي تحدّث عنها وزير مالية السلطة الانقلابية.
 
من الاستيلاء على ميناء بورتسودان إلى تدميره وإنشاء ميناء بديل 
لطالما سعت دولة الإمارات إلى الاستيلاء على ميناء بورتسودان الذي يتكوّن من عدة موانئ فرعية، ويتميّز بموقعه الاستراتيجي على ساحل البحر الأحمر، حيث يمكن أن يخدم 3 دول أخرى بخلاف السودان، مثل إثيوبيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
 
كانت البداية عام 2008، عندما تقدّمت شركة موانئ دبي بعرضٍ لتشغيل ميناء بورتسودان، وتمَّ رفضه في ذلك الوقت من الحكومة السودانية، وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017 قدّمت موانئ دبي طلبًا جديدًا لهيئة الموانئ البحرية في السودان، يتضمّن إدارة الميناء بالكامل لمدة 50 عامًا، إلا أن الهيئة رفضت ذلك واقترحت عليها مناصفة الإدارة مع الشركة الفلبينية التي تدير الميناء منذ عام 2013، وهي شركة الخدمات الدولية لمحطات الحاويات (آي سي تي إس آي) المملوكة لرجل الأعمال الفلبيني إنريك ريزون. 
 
لكن موانئ دبي رفضت العرض مطالِبة بتسليم الميناء كاملًا وخاليًا من العمالة السودانية، بينما ردَّ الأمين العام لجبهة شرق السودان، محمد بري، معلنًا رفض الجبهة تشريد أي من العمّال الذين يُشغّلهم الميناء وعددهم 3 آلاف عامل.
 
وفي منتصف سبتمبر/ أيلول من العام 2019، قام عضو مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو بزيارة سرّية للإمارات بعيدًا عن أعين الإعلام ودون أجندة معلومة، حيث فوجئ الشارع السوداني بخبر نشرته "الجزيرة مباشر" يؤكد سفره المفاجئ السرّي.
 
المصادر حينها كشفت أن حميدتي عرضَ على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اصطحابه في هذه الزيارة لتكون الإمارات أول دولة يزورها بعد تولّي منصبه، إلا أن رئيس الحكومة الجديد رفض هذا المقترح وقرر التوجُّه صوب مصر ومنها نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
 
بعد أن تسرّب الخبر، أبدى عدد من المراقبين مخاوفهم من وجود مفاوضات سرّية مع دولة الإمارات التي لديها أطماع في موانئ البحر الأحمر، لاحتكار ورهن الموانئ السودانية، خاصة أن وزير الطاقة والصناعة الإماراتي، سهيل المزروعي، كشفَ بعد زيارة حميدتي السرّية عن رغبة دولة الإمارات بالاستثمار، في إعادة تأهيل وتطوير الموانئ البحرية السودانية، خاصة ميناء بورتسودان الواقع على ساحل البحر الأحمر. وأضاف المزروعي، في تصريحات محدودة، مشيرًا إلى أهمية تأهيل الموانئ البحرية في السودان وتنمية منطقة بورتسودان، باعتبارها منطقة سياحية.
 
كشف موقع "المونيتور" الأمريكي في يناير/ كانون الأول 2020 عن ضغوط تقوم بها أبوظبي على واشنطن، لدعم تحركات شركة موانئ دبي، للسيطرة على الموانئ السودانية عبر شركة "ديكنز آند ماديسون" الأمريكية.
 
وأشارت الوثائق إلى أن الشركة التي يرأس مجلس إدارتها ضابط مخابرات إسرائيلي سابق يُدعى آري بن ميناشي تفاوضت نيابة عن شركة موانئ دبي مع مسؤولين وقادة عشائريين في السودان، لتسهيل الاتفاق الذي يمكّن الشركة الإماراتية من إدارة محطة حاويات الميناء الجنوبي في بورتسودان.
 
يحدّد العقد أن موانئ دبي تسعى للحصول على ميناء بشاير في بورتسودان، ويصفه القعد بـ"بوابة النفط" في الميناء، ولكن باقي أنشطة بن ميناشي متعلقة بميناء بورتسودان كاملًا لا بالبوابة فحسب.
 
استغلال مجلس البجا لتمرير الانقلاب وتدمير الميناء
لعب المجلس الأعلى لنظارات البجا (كيان قَبَلي في شرق السودان) دورًا كبيرًا في الانقلاب الذي نفّذه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، إذ قام المجلس -الذي يرأسه الناظر ترك، وهو أحد أبرز قيادات نظام البشير في المنطقة- بإغلاق ميناء بورتسودان والطريق القومي الرابط بين الميناء والعاصمة الخرطوم لـ 6 أسابيع، بهدف فرض الحصار على حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك والتعجيل بإسقاطها.
 
كان لإغلاق الميناء الذي استمرّ لشهر ونصف آثار ضارة بشكلٍ مباشر وغير مباشر على الميناء، إذ مُني بخسائر كبيرة وتضررت أعمال البنية التحتية، كما ساءت سمعته وأصبحت العديد من شركات الشحن الدولية تتجنّب المرور ببورتسودان لخشيتها من إعادة إغلاق الميناء، هذا بخلاف الخسائر التي تكبّدتها الشركات والمورّدون وحتى عمّال الميناء أنفسهم.
 
بمرور الوقت، ثبت أن قرار إغلاق الميناء الذي تضرر منه الجميع كان الهدف الأساسي منه هو دعم الانقلاب العسكري، فمجرد أن تمَّ الانقلاب أعلنَ مجلس الناظر ترك عن إعادة فتح الميناء، دون أن تتحقق أي من المطالب التي رفعها المجلس سابقًا في وجه الحكومة المدنية من إلغاء نهائي لـ"مسار الشرق" في اتفاق سلام جوبا، إضافة إلى المطالب التنموية الأخرى المتعلقة بشرق السودان.
 
بطبيعة الحال، أسهمَ حليف الانقلابيين، الناظر ترك، ومجموعته إسهامًا كبيرًا في خطة تجفيف الميناء الحالي وإنشاء ميناء جديد باتفاق جديد تُطبخ بنوده السرّية في الظلام، من دون عطاءات ولا مشاورة أصحاب الأرض، ومن دون الكشف عن بنود الصفقة المشبوهة، كما لا يوجد مجلس تشريعي يجيز الاتفاقية الخطيرة، ولا حتى حكومة مدنية.
 
فسواء كان مجلس البجا متواطئًا بشكل مباشر في الصفقة (وهو احتمال ضعيف رغم شكوك البعض)، أو غير متواطئ، فإنه وقع في موقف لا يُحسَد عليه، فقد كان مجلس الناظر ترك يصوّر لشعب البجا أنه المُنافح الأول عن حقوق أهالي الشرق وعمّال الموانئ، فالصفقة الإماراتية مع مجموعة دال كفيلة بالقضاء نهائيًّا على ما تبقّى من ميناء بورتسودان المتهالك، والذي يشكو من رداءة البنية التحتية والمشاكل اللوجستية بعد الإغلاق الذي سبق انقلاب البرهان.
 
فالميناء الجديد المُزمع إنشاؤه وفق الصفقة سيوظِّف عمالة جديدة من الخارج، كما سيُبنَى باستخدام أحدث التقانات والخدمات اللوجستية، وهذا ما سيجعل الموانئ المجاورة، وخاصة ميناءي بورتسودان وسواكن، خاوية على عروشها، تصديرًا واستيرادًا.
 
الأهالي يرفضون الصفقة 
في أول رد فعل على أنباء الصفقة الإماراتية المشبوهة، أبدى أهالٍ في شرق السودان رفضهم إنشاء ميناء جديد تموّله الإمارات، في منطقة مقرسم الغنية بالشعب المرجانية على ساحل البحر الأحمر، شرقي السودان.
 
وأبلغ قيادي أهلي صحيفة "سودان تربيون": "اعتراض مكونات قَبَيلة تقطن جزيرة مقرسم على إنشاء ميناء جديد في المنطقة بتمويل إماراتي"، وقال إن قوات الدعم السريع تراجعت عن إنشاء قاعدة عسكرية في المكان ذاته بسبب الضغط الشعبي، بعد أن مُنحت تصديقات لأراضٍ بتسهيل من والي البحر الأحمر المستقيل علي عبد الله أدروب، وأضاف: "الآن عادوا مرة أخرى ويتحدثون عن إنشاء ميناء ضخم في المنطقة، وهو لن يُنشأ لأننا لا نسمح بذلك".
 
وقال القيادي الأهلي، الذي رفضَ ذكر اسمه، إن الغرض من إنشاء الميناء هو خصخصة الموانئ وفتح المجال لـ"الشركات الأجنبية لتسهم في تشريد العمّال والتدخل في الشأن السوداني، لكون الموانئ تُعتبر قضية أمن قومي".
 
من جهة أخرى، وجّه مقرر المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، عبد الله أوبشار، انتقادات لاذعة لوزير مالية حكومة الأمر الواقع جبريل إبراهيم، حيث وصف أوبشار في تعميم صحفي قادةَ الحركات المسلحة بالخطر الماثل، واتهمهم بالعمل بسياسة المغبون للسيطرة على مفاصل الدولة الاقتصادية، على حد قوله.
 
وقال: "ما يقوم به وزير المالية من إعفاءات جمركية ورسوم أرضيات وتصديقات أمر غير مقبول، وقد يعجّل بالعجز في إدارة دولاب العمل، وربما هذه السياسية لتجفيف الموانئ من أجل مشروع آخر بدأ يلوح في الأفق". وأضاف لـ"الترا سوان" قائلًا: "إن حصر أمر الموانئ في درج وزارة المالية سياسة خاطئة، ويجري الحديث عن موانئ جديدة دون إشراك المجتمع المحلي، وشرعنا في تكوين لجان رفضًا للخصخصة والموانئ الجديدة".
 
من جانبه، أعلن رئيس نقابة العاملين بالموانئ الشرقية، عبود الشربيني، رفض الاتفاق بين السلطات والإمارات المتعلق بإنشاء ميناء جديد، وهدد الشربيني بحسب "القدس العربي" بإغلاق الموانئ السودانية حال قيام السلطات بأي محاولة لبيع السواحل. وقال: "إن الإمارات تحاول منذ سنوات السيطرة على الموانئ السودانية، وظلت تتخفّى خلف واجهات عديدة ومشاريع وهمية لتنفيذ مخططاتها في هذا الصدد".
 
وأضاف: "السودان لا يحتاج موانئ جديدة، ولكن تطوير البنية التحتية للموانئ القومية التي ظلت تدخل إلى خزينة البلاد تريليونات الجنيهات دون أن تقدّم لها شيئًا بالمقابل".
 
الاستيلاء على 400 ألف فدان من أراضي ولاية نهر النيل 
بخلاف الميناء الجديد والمنطقة الحرة التي نصّت عليها الصفقة المشبوهة بين الإمارات وشركة دال، فإن هناك بندًا آخر لا يقلّ خطورة، هو الاستيلاء (بإيجار طويل المدى) على 400 ألف فدان من أراضي ولاية نهر النيل عند مدينة أبو حمد، سيتمّ فيها زراعة البرسيم الحجازي والقمح والقطن والسمسم ومحاصيل أخرى.
 
كما سيجري رصف طريق بطول 500 كيلومتر (برسوم عبور) يربط المشروع الزراعي في أبو حمد بالميناء بتكلفة قدرها 450 مليون دولار بتمويل من صندوق أبوظبي للتنمية، سيتم استرداد التمويل بالطبع من جيوب مستخدمي الطريق بواسطة بوابات العبور.
 
وعن المشروع الزراعي، علّقت الأكاديمية الأمريكية من أصل سوداني نسرين الأمين بقولها: " أبو حمد ليست بالقرب من بورتسودان، لقد تسلّلوا واستولوا على أراضٍ كبيرة أخرى من أجل مشروع زراعي كجزء من هذه الصفقة".
 
كما علّق الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، على الصفقة معتبرًا أنها رهان طويل المدى من رجل الأعمال أسامة داود ودولة الإمارات على الجيش السوداني وقدرته على الصمود في المستقبل (رغم المقاومة المستميتة التي يجدها)، مشيرًا إلى أن الإمارات قامت بكسر الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على السلطة الانقلابية في السودان.
 
ونلفت هنا إلى أن واشنطن حذّرت في بيان أصدرته الخارجية الأمريكية الشهر الماضي الشركات والأفراد الأميركيين الذين ينشطون في العمل التجاري في السودان من مخاطر متعلقة بالتعامل مع الشركات التي يسيطر عليها الجيش.
 
القواعد العسكرية الإماراتية: مخاوف أبعد من الموانئ والمشاريع الزراعية
بخلاف جشع ومطامع دولة الإمارات في ثروات المنطقة، فإنها لا تكتفي فقط بالاستيلاء على الموانئ، بل تقوم أيضًا بإنشاء قواعد عسكرية ضخمة في الموانئ التي تستولي عليها، مثل الميناء الذي شيّدته على جزيرة ميون اليمنية.
 
فقد ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" في تقرير لها العام الماضي، أن الإمارات تقوم (دون أن تعلن عن ذلك) بتشييد قاعدة جوية في جزيرة ميون اليمنية الاستراتيجية الواقعة في قلب مضيق باب المندب، والتي تربط بين البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن.
 
وفي ميناء عصب الإريتري مثال آخر على انتهاكات دولة الإمارات، حيث استولت منذ عام 2016 على الميناء وقامت بإنشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر، حيث لعبت الطائرات المسيَّرة -التي كانت تنطلق منه- دورًا كبيرًا في حسم حرب إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا لصالح رئيس الوزراء آبي أحمد وحليفه الرئيس الإريتري إسياس أفورقي في بداية الحرب.
 
في العام الماضي، قامت الإمارات بتفكيك عدة أجزاء من قاعدتها العسكرية في ميناء عصب وفقًا لـ"أسوشيتد برس"، ربما بضغطٍ أمريكي، لكنّ عقد إيجار القاعدة ما زال ساريًا لمدة 30 عامًا، وبالتالي بإمكان الإمارات أن تعود لاستئناف نشاطها العسكري المشبوه في أي وقت.
 
قطعًا ستكون أهداف أبوظبي من الصفقة التي تضمّ الميناء الجديد والمشروع الزراعي الضخم بعيدة المدى، ستشمل على الأرجح نهب الثروات الموجودة في أعماق البحر الأحمر، واستغلال المطار الصغير المضمّن في الصفقة لنهب المزيد من الذهب والمعادن بالشراكة مع المؤسسات الضخمة المملوكة لمحمد حمدان دقلو "حمديتي"، إلى جانب إمكانية توسعة الصفقة لتشمل إقامة مشاريع سياحية أخرى في السواحل السودانية التي تتميز بالعديد من المقومات السياحية، كالجزر والشعب المرجانية والشواطئ الخلابة.
 
أخيرًا، لا يتوقع أن تمرَّ هذه الصفقة المشبوهة التي جرت في الظلام بين السلطة الانقلابية وحليفتها دولة الإمارات بمشاركة أسامة داود بسهولة على الإطلاق، فمن المؤكد أن الحراك الرافض لها سيتعاظم بشدة في الأيام المقبلة، خصوصًا أن إقليم شرق السودان يشهد بالفعل توترات وصراعات عرقية متفاقمة، خاصة إذا تذكرنا الحوادث الغامضة التي جرت في الإقليم خلال الأيام الماضية: حريق مخازن في ميناء سواكن، ثم غرق سفينة تحمل 16 ألف رأس ضأن، مرورًا بتصادُم باخرتَين في الميناء الشمالي، وأخيرًا خروج قطار عن مساره في بورتسودان.. فهل كانت كل هذه الحوادث التي أعقبت إغلاق ميناء بورتسودان مصادفة؟ 
 
ستكون هذه الصفقة المريبة دافعًا لخروج المزيد من سكان ولاية البحر الأحمر في التظاهرات الكبرى المخطَّط لها من قبل لجان المقاومة في السودان يوم 30 يونيو/ حزيران، رفضًا للانقلاب العسكري وللتسوية السياسية معه، وبالتأكيد رفضًا لهذه الصفقة المريبة التي تمّت مناقشتها بين قائد الانقلاب وحليفه رئيس الإمارات، محمد بن زايد، في زيارة للأول إلى أبوظبي قبل أشهر، وفق ما ذكرت "رويترز".
 
حتى الذين يتحجّجون بأن الصفقة جيدة وأن البلاد تحتاج إلى استثمارات جديدة وميناء جديد، بعيدًا عن سيطرة مجلس الناظر ترك الذي يتحكم بالميناء الحالي، فإنّ حجّتهم ضعيفة للغاية، نظرًا إلى اختيار الإمارات هذا التوقيت المريب للتفاوض (في الظلام) مع الطغمة العسكرية التي لم تتوانَ عن سفك دماء ما يزيد عن 100 مواطن سوداني بينهم 21 طفلًا، كما أُصيب نتيجة القمع المفرط نحو 5 آلاف شاب بعضهم بعاهات مستديمة والبعض الآخر فقدوا أطرافهم، هذا بخلاف جرائم الاغتصاب والتعذيب التي ارتكبتها الميليشيات التي يُطلق عليها اسم "قوات نظامية".
 
كما لم يتمَّ طرح المشروع في عطاءات للمستثمرين داخل البلاد وخارجها، ولم يتمَّ الكشف عن بنوده أو الإفصاح عن تفاصيل الصفقة في سوق الخرطوم للأوراق المالية أو غيرها، فما الضمان من أنه لن تكون هناك بنود سرّية كارثية لم يكشف عنها أسامة داود لوكالة "رويترز"، طالما أن بنود الصفقة ووثائقها قيد السرية لم تُطرح للعامة أو لمجلس تشريعي أو حتى لحكومة مدنية؟ فالثابت دائمًا أن من أهم أهداف الانقلابات هو تمرير مثل هذه الصفقات الفاسدة.
 
يراهن الانقلاب وداعموه الإقليميون والمنتفعون منه على قدرة الطغمة العسكرية على إخماد المقاومة الشعبية الشرسة، ووضع القوى الدولية أمام الأمر الواقع للتعامل مع سلطة الأمر الواقع، لكن الأيام ستبيّن لهم أنهم راهنوا على جوادٍ خاسرٍ كما فعلوا من قبل وخسروا. 
 
 
 
 
المصدر: نون بوست