كُتّاب الموقع
الهجمات الفدائية"الأربعة"في العمق الإسرائيلي:مسار جديد للصراع

أدهم مناصرة

السبت 9 نيسان 2022

جاءت العملية الرابعة في قلب إسرائيل خلال ثلاثة أسابيع، بتنفيذ العشريني رعد حازم ليل الخميس، لتؤكد أن ثمة تحولاً ميدانياً مختلفاً عما سبق، قد تحقق في الآونة الأخيرة، وإن كانت إرهاصاته قد بدأت في شهر رمضان 2021.
 
تبدو إسرائيل غير قادرة، حتى اللحظة، على إيجاد عنوان مشترك لهذه العمليات، سوى أنها منفردة، علاوة على محاكاتها لبعضها البعض، عبر انتهاج الطريقة المشهدية ذاتها في التنفيذ والنتيجة، إضافة إلى كونها تجسد انفجاراً لبرميل البارود، الذي حذرت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، قبل سنتين، من أنه كان، فقط، ينتظر عود ثقاب.
 
وبتقريب المجهر على منفذ عملية تل أبيب، فإنه، بالرغم من اعتبار "كتائب الأقصى" في مخيم جنين، ذراع حركة "فتح" العسكرية، أن رعد هو أحد أبنائها، فإن مصادر محلية في المخيم أكدت ل"المدن"، أن الشاب رعد ليس ناشطاً في أي فصيل. وأكدت أن المخابرات الإسرائيلية قد اتصلت بوالد رعد في أعقاب عملية تل أبيب، لتسليم نفسه هو وأبناؤه، لكنه رفض ذلك. 
 
ومما يعزز مقولة عدم تبعية رعد لأي فصيل، هو إقرار الأمن الإسرائيلي نفسه، بعد وجود "سوابق أمنية" له، وعدم تعرضه للإعتقال أو لأي متابعة أمنية في الماضي، وهو ما دفع الإحتلال إلى الاعتقاد بأنه خطط للعملية، ثم نفذها من تلقاء نفسه، في إطار محاكاته للعمليات الأخيرة.
 
ولم تستبعد مصادر "المدن" أن ينفذ جيش الإحتلال عملية عسكرية في جنين ومخيمها، لكسر حالة جنين؛ خشية امتدادها إلى بقية مناطق الضفة الغربية، خاصة وأن منفذي العمليتين الأخيرتين، يتحدران من محافظة جنين. علاوة على اغتيال ثلاثة شبان من جنين قبل أيام، واعتقال رابعهم من طولكرم، بزعم أنهم عبارة عن خلية محلية ل"الجهاد الإسلامي"، كانت تنوي تنفيذ عملية داخل الخط الأخضر.
 
وبقراءة أعمق في العمليات الثلاث الأخيرة (الخضيرة، بني براك، تل أبيب)، على وجه الخصوص، فإنها تمثل تحولاً أمنياً مُغايراً عن سابقاتها، لإعتبارات عديدة: أولاً، اعتمادها على السلاح الناري، وهو بات أكثر انتشاراً في الضفة الغربية وأراضي-48، مقارنة بالسنوات السابقة. وثانياً، قدرة المنفذ على التنفيذ بطريقة خالية من أي إرباك، ثم التحرك والتنقل في مكان العملية، بطريقة تسبب تخبطاً لدى الأمن الإسرائيلي، الذي احتاج إلى تسع ساعات من المطاردة، حتى وجد منفذ هجوم تل أبيب في مدينة بافا. ناهيك عن تضارب تقديراته في تحديد عدد المنفذين خلال الساعة الأولى لوقوع العملية. ففي السابق، درجت العادة أن يتم تحييد منفذ عملية الطعن أو إطلاق النار خلال دقائق قليلة من وقت التنفيذ.
 
وأما المفارقة الثالثة، فهي أن شباناً فلسطينيين يعملون على محاكاة هذه العمليات من تلقاء أنفسهم، خاصة في ظل توفر بيئة اجتماعية واسعة للإشادة بهم، وهو ما يجعل صعوبة كبيرة أمام إسرائيل، للتنبؤ بها، والعمل على إحباطها قبل وقوعها. 
 
في حين، يكمن العامل الرابع المستجد، بالنسبة للعمليات سالفة الذكر، في عدم قدرة الأمن الإسرائيلي على تعريف هذه العمليات في إطار موجة تصعيد، كما اعتاد؛ ذلك أنّ الموجة تعني أن تزداد العمليات الفردية حيناً، ثم تهدأ حيناً آخر.. بينما جاءت هذه العمليات صادمة، ولا يُمكن معرفة النهاية لهذا النوع من العمليات وسبل تطورها الدراماتيكي، من حيث الطريقة، والكثافة، وحتى الجغرافيا.
 
الواقع، أن أكثر ما يقلق جيش الإحتلال، في هذه الأثناء، هو انتشار السلاح الأوتوماتيكي بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي-48، بكميات كبيرة، ومن مصادر متنوعة، بينها التهريب عبر الحدود الأردنية والمصرية، وحتى اللبنانية. إضافة إلى السلاح الذي يتم تسريبه من معسكرات الجيش الإسرائيلي، ثم بيعه لجهات مختلفة، وصولاً إلى أيادي شبان ينفذون عمليات ضد أهداف إسرائيلية. 
 
ولعلّ ادعاء الإحتلال بأن السلاح الرشاش الذي استخدمه العشريني ضياء حمارشة في تنفيذ عملية بني براك قبل الأخيرة، هو "مهرب إما عبر الحدود الأردنية أو المصرية"، قد زاد قلقه أكبر، مُلوّحاً بحملة لجمع هذا السلاح من الضفة ومناطق الخط الأخضر. فما دام هذا السلاح متوفراً، فإن هناك سهولة في الحصول عليه، ثم استخدامه في تنفيذ عمليات مسلحة تحاكي بعضها، من دون قدرة على كشفها مسبقاً، بمنظور إسرائيل.
 
اللافت، أن رعد حازم استخدم مسدساً في هجوم تل أبيب، وهو ما وفر مبررا لأمن الإحتلال، لتسويغ عدم تمكنه من رصده مسبقاً؛ لأن حجم المسدس صغير، ويمكن له أن يخبئه وينتقل به بسهولة.
 
في غضون ذلك، تنظر السلطة الفلسطينية إلى العمليات المسلحة الأخيرة بحرج وقلق في آن، من منطلق قناعة متوفرة لدى رئيس السلطة محمود عباس، ومفادها "أن أي عسكرة للمواجهة، من شأنها أن توفر لخصومها، لاسيما حركة حماس، بيئة يمكن استثمارها للصعود، والإضرار بمكانة السلطة وقدرتها على السيطرة". عدا أنّ أي انفجار للشارع، على نحو غير مسيطر عليه، من شأنه أن يضر بعملية الترتيب لمرحلة ما بعد عباس، والتحضير لقيادة من داخل البيت، من أجل خلافته.
 
لذا، بدت إدانة عباس لعملية تل أبيب الأخيرة، ولسابقتها أيضاً، في سياق توجيه تعليمات ضمنية للمؤسسة الأمنية، بضرورة إتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع أي عسكرة للمواجهة مع الاحتلال، ولتعزيز السيطرة، بموازاة تحذير نشطاء "فتح" من مغبة الإنخراط في هذه الحالة.
 
 
المصدر: المدن