كُتّاب الموقع
خلق التوازنات: سياسة تركيا في علاقاتها مع الشرق والغرب

ناثان بريدينغ

الجمعة 6 أيار 2022

على مدار العقد الماضي، نأت تركيا بنفسها عن الغرب، سواء من خلال سياساتها الداخلية أو سياستها الخارجية، لكنها في الوقت نفسه، تمكنت من تجنب الدخول في فلك روسيا، وحافظت على روابطها الأساسية مع الغرب. وفي ظل حكم أردوغان، نرى أن تركيا تمكنت من تحقيق توازن بين الشرق والغرب، ونأت بنفسها بما يكفي عن كليهما لتجنب الوقوع كليًّا في فلك أي منهما.
 
مما يثير الاهتمام أن تركيا ـ الدولة العضو في الناتو ـ تستضيف أسلحة نووية أمريكية وتشتري في نفس الوقت أنظمة أسلحة من روسيا، وهذا مجرد مثال واحد. وتمكنت تركيا من ترسيخ نفسها على أنها أكثر من مجرد جسر جغرافي بين الشرق والغرب، بل أيضًا نموذج سياسي، مما سمح لها باتباع سياسة خارجية مستقلة إلى حد كبير.
 
هناك أربع مناطق رئيسية تمكنّت فيها تركيا من تمييز نفسها عن روسيا والغرب: سوريا ومبيعات الأسلحة وجنوب القوقاز وأوكرانيا. وقد شكّل هذا التوازن أهمية قصوى بالنسبة لتركيا؛ سواء لترسيخ نفسها كلاعب إقليمي رئيسي مستقل أو للحفاظ على علاقاتها التجارية الأساسية مع روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وربما تكون المواجهة المستمرة في أوكرانيا هي أكبر اختبار لهذا التوازن حتى الآن، لكن يبدو أن تركيا قادرة على الحفاظ عليه حتى الآن.
 
يتمتّع توازن تركيا ببعض التفرّد؛ فعلى الرغم من تأزّم العلاقات بين الشرق والغرب، إلا أنها تمكنت من تجنب أي عواقب حقيقية من أي طرف منهما. وتتجلّى السياسة الخارجية التركية المستقلة عن الشرق والغرب في سوريا؛ حيث شكّلت الحرب الأهلية السورية لحظة فاصلة بالنسبة للسياسة الخارجية التركية، لا سيما أنها أدت في الوقت نفسه إلى تأزّم العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا مع زيادة نفوذ تركيا وصورتها كقوة إقليمية، وبدأ ذلك بمساعدة عسكرية لجماعات المعارضة السورية، وتطوّر إلى عمل عسكري مباشر ضد القوات المدعومة من روسيا والولايات المتحدة، وهو ما أدى في النهاية إلى استيلاء تركيا على شمال سوريا، وفي حين أن ظهور تنظيم الدولة وفّر مجالًا واحدًا على الأقل من مجالات الاهتمام المشترك هناك، فإن أهداف تركيا كانت في نهاية المطاف ضد أهداف كل من الولايات المتحدة وروسيا.
 
من وجهة نظر روسيا، بدأت الأزمات بمساعدة تركيا لجماعات المعارضة السورية التي تقاتل حكومة الأسد منذ بداية الحرب، ومع زيادة الدعم الروسي لسوريا؛ زادت أيضًا احتمالية نشوب مواجهة مباشرة مع تركيا، وكان الشكل الأبرز لهذه المواجهة هو إسقاط طائرة روسية في سنة 2015 بالقرب من الحدود التركية السورية، وهي الحالة الأولى والوحيدة بعد الحرب الباردة لإسقاط دولة عضو في الناتو طائرة روسية مما أدى إلى أزمة في العلاقات الثنائية. وعلى الرغم من أن العلاقة الشخصية التي تربط بين الرئيس بوتين والرئيس أردوغان فعلت الكثير لتطبيع العلاقات والتوافق الذي توصلت إليه روسيا وتركيا في نهاية المطاف في سوريا، إلا أنها لا تزال تمثل منطقة إشكالية لعلاقاتهما الثنائية.
 
وصبّت صفقة "الملكية المشتركة" التي توصلت إليها تركيا وروسيا في سوريا في مصالح الطرفين إلى حد ما، لكنها عملت على منع التصعيد والمواجهة المفتوحة أكثر من الوصول إلى توافق بينهما. وفي الوقت الذي سلّطت فيه الضوء على الدوريات المشتركة منذ اتفاق وقف إطلاق النار؛ اتهمت روسيا تركيا علانية بانتهاك الاتفاقات المبرمة في سوريا عندما شنّت تركيا هجومًا آخر ضد القوات الحكومية السورية في سنة 2020. وفي الوقت نفسه، توجّه تركيا نفس الاتهامات ضد القوات المدعومة من روسيا. وبالتالي؛ يمكن المبالغة في أهمية التوافقات التي تم التوصل إليها إذا لم نعتبر أن هناك حدودًا متأصلة للتعاون في هذه الحالة، حيث تدعم الدول الأطراف المتقابلة في النزاع، ولدعم هذه النقطة؛ صرّحت تركيا سابقًا أن هدفها هو تغيير النظام في سوريا، الأمر الذي يتعارض مع أهداف روسيا في البلاد. وما لم يحدث تغيير كبير في السياسة في أي من الجانبين، ستستمر سوريا في كونها منطقة يسود فيها التوتر بدلًا من التعاون بين تركيا وروسيا.
 
عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية سنة 2015 بالقرب من الحدود التركية السورية؛ أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لحق تركيا في الدفاع عن مجالها الجوي وقبلت عمومًا رواية تركيا للأحداث التي سبقت عملية الإسقاط. لكن في السنوات الأخيرة، وجدت تركيا نفسها على خلاف مع الغرب أيضًا بشأن الحرب في سوريا، فبينما اشتركت كل من الولايات المتحدة وتركيا في دعم بعض الجماعات المسلحة، مثل الجيش السوري الحر، فإن الولايات المتحدة وشركائها يتحالفون بشدة مع قوات سوريا الديمقراطية، التي وصفتها الحكومة التركية بأنها منظمة إرهابية.
 
وعلى هذا النحو؛ في حين أن هناك صراعات بالوكالة بين القوات المدعومة من تركيا والقوات المدعومة من روسيا، هناك أيضًا صراعات بين هاتين المجموعتين والقوات المدعومة من الغرب. ووصلت التوترات الناتجة عن ذلك إلى ذروتها عندما أعلنت القوات المسلحة التركية هجومًا في شمال شرق سوريا؛ حيث كانت القوات الأمريكية تعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائها الأكراد، ومما اعتُبِر ضربة كبيرة للمصداقية الأمريكية هو قيام الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية، تاركًا الأكراد للدفاع عن أنفسهم ضد الهجوم التركي. وردًّا على خسارة هذه اللعبة الدبلوماسية، فرضت الولايات المتحدة بعض العقوبات القطاعية على الحكومة التركية، لكنّ التوصل إلى وقف إطلاق النار مع روسيا في نهاية المطاف سمح برفع العقوبات واشترط من قوات سوريا الديمقراطية الانسحاب من مواقعها.
 
وعلى الرغم من رفع العقوبات؛ إلا أن الضرر كان قد لحق بالفعل بالعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا. ولم يتسبب هذا الهجوم في مشاكل مع الولايات المتحدة فحسب، بل مع دول غربية أخرى أيضًا، فعلى سبيل المثال
 
واتهم القادة في الاتحاد الأوروبي تركيا بمحاولة تسليح حوالي 3.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا للحصول على نفوذ على أوروبا. وعلى هذا النحو؛ يمكننا القول أن سياسات تركيا فيما يتعلق بسوريا قد خلقت بعضًا من أكبر نقاط الخلاف بين الغرب وتركيا بينما لا تزال في الوقت نفسه منطقة خلافية بين روسيا وتركيا أيضًا.
 
ولعل أبرز نقاط التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا هي اختيار تركيا شراء نظام الصواريخ S-400 من روسيا بدلاً من نظام صواريخ باتريوت من الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات عليها بموجب قانون مكافحة الإرهاب. كما  استبعدت الولايات المتحدة تركيا من برنامج تصنيع طائرات "إف-35"، بدعوى أن تشغيل "إس-400"جنبًا إلى جنب مع "إف-35" سيكشف تقنيتها السرية لروسيا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة خففت في وقت لاحق موقفها من مبيعات الأسلحة، وعرضت على تركيا بيع نظام صواريخ باتريوت إذا تخلّت عن نظام "إس-400"، استمرت تركيا في استخدامه. وكتعويض لاستبعادها من برنامج تصنيع طائرات "إف-35"، تُجري الولايات المتحدة محادثات لتزويد تركيا بمقاتلات "إف-16" جديدة إلى جانب مجموعات ترقية لأسطول تركيا الحالي من طائرات "إف- 16 إس".
 
إذا تم تنفيذ هذه الصفقة، فقد يؤدي ذلك إلى تخفيف بعض التوتر بين الولايات المتحدة وتركيا، حتى عندما أعلنت تركيا أنها ستمضي قُدمًا في شراء مجموعة ثانية من صواريخ "إس -400". ولكن إذا توقفت هذه الصفقة، فمن الممكن أن تسعى تركيا للحصول على خيارات أخرى مثل "سو-25" أو "سوـ57" من روسيا والتي ستُخضِع تركيا لمزيد من العقوبات وتؤدي إلى تفاقم تدهور العلاقات الأمريكية التركية. وفي حين أن هذه الأزمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وتركيا في قطاع الأسلحة تسمح بتعزيز علاقات تركيا مع روسيا، فإن مبيعات الأسلحة توفر مجالًا أظهرت فيه تركيا ميلًا لإحداث توترات في علاقاتها مع روسيا أيضًا.
 
ووجدت الأسلحة التركية الصنع نفسها بشكل متزايد على الجانب الآخر من الصراع كمعدات روسية، وهذا الاتجاه يتجاوز سوريا، فقد خلقت صناعة الأسلحة التركية المتنامية اسمًا لنفسها في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي، وهذا ليس بسبب العلاقة الوثيقة مع روسيا. في الواقع؛ تزعزعت العلاقات التركية الروسية من خلال تدخلها في "البلدان المجاورة" لروسيا وتسليحها لهم.
 
في جنوب القوقاز، مثل سوريا، يتم تحقيق التوازن بين الشرق والغرب في تركيا مرة أخرى من خلال السعي لتحقيق أهداف تتعارض مع أهداف كل من الولايات المتحدة وروسيا. في ناغورني كاراباخ، تحاول كل من الولايات المتحدة وروسيا أن تكونا وسيطين محايدين بشكل عام، ويدعمان حق الشعب في تقرير المصير، ومبدأ السلامة الإقليمية، وعدم استخدام القوة.
 
ونأت تركيا بنفسها عن هذا المجال من الاتفاق النادر بين الولايات المتحدة وروسيا من خلال دعمها الكامل والعلني لأذربيجان. ومن خلال الدعم السياسي وكذلك من خلال توفير المواد، شجعت تركيا أذربيجان على أن تكون أكثر حزما في حل هذا الصراع. وخلال حرب ناغورني كاراباخ 2020، دعمت تركيا أذربيجان ماديًّا بطائرات مسيّرة ومعدات عسكرية أخرى وكذلك سياسيًا من خلال خطابها فيما يتعلق بالنزاع واختيار أذربيجان لتحقيق مطالبها الإقليمية من خلال استخدام القوة.
 
وفيما يتعلق بالدعم التركي لأذربيجان؛ هناك نقاط توتر متعددة مع روسيا؛ حيث تعتبر مخصصات الأسلحة أحد العوامل المهمة في استخدام المعدات التركية ضد أرمينيا، حليفة روسيا في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. وتم عرض الأسلحة التي قدمتها تركيا في صراع 2020 من خلال فعاليتها ضد المعدات الأرمنية التي قدمتها روسيا.
 
وكان يُنظر إلى الطائرات التركية المُسيّرة على وجه الخصوص على أنها لعبت دورا رئيسيًا في العمليات القتالية في أذربيجان وكذلك في مجال المعلومات. وكانت علاقة تركيا بأذربيجان بمثابة نعمة حتى الآن لنفوذها حيث حققت تركيا تدخلات ناجحة في البلدان المجاورة لروسيا. وعلى الرغم من حقيقة أن روسيا تمكنت من استيعاب بعض المصالح التركية هنا، إلا أن التأثير لا يزال متعدد الأقطاب وأقل استقرارًا بعد الاتحاد السوفييتي مما يخلق سيناريو أكثر تحديًا لروسيا. ورغم أن هذا التدخل التركي يمكن اعتباره بالتأكيد أفضل من التدخل الأمريكي، إلا أن تنامي النفوذ التركي في القوقاز يمارس بعض الضغط على روسيا
 
في هذه الحالة؛ ما يعتبر سلبيًّا بالنسبة لروسيا لا تراه الولايات المتحدة بالضرورة نصرًا لها، فقد صرحت الولايات المتحدة بوضوح أنها تريد من تركيا أن تبقى خارج الصراع، وعلاوة على ذلك؛ قبلت الولايات المتحدة بشكل عام روسيا باعتبارها "الوسيط الرئيسي" في هذا الصراع وأظهرت استعدادًا لدعم جهود صنع السلام الروسية ضمنيًّا. وبالتالي؛ فإن تعطيل تركيا للوضع الراهن بقيادة روسيا لا يمثل مشكلة لروسيا فحسب، بل للولايات المتحدة أيضًا.
 
كما هو الحال في سوريا؛ يتسبب التدخل التركي في هذا الصراع في إثارة التوتر مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، مما يسمح لتركيا بتنصيب نفسها كلاعب مستقل. ومع ذلك، في مناطق أخرى من فترة ما بعد الاتحاد السوفييتي، فإن التوترات الناجمة عن السياسة الخارجية المستقلة لتركيا هي أكثر من جانب واحد.
 
على الرغم من أن الغزوات التركية في القوقاز مهمة بالتأكيد للعلاقات الروسية التركية، إلا أن القضية الأكثر أهمية بالنسبة للطرفين في الوقت الحالي هي علاقة تركيا بأوكرانيا. وكما ذكرنا سابقًا، فإن الأسلحة التركية في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي تحبط روسيا لسببين: التدخل في "البلدان المجاورة" واستخدام تلك الأسلحة.
 
ويواجه عمل التوازن التركي في أوكرانيا التحدي الأكبر، فلقد سعت تركيا إلى إقامة شراكات مع أوكرانيا في مجموعة متنوعة من المجالات بما في ذلك التعاون العسكري. وعلى الرغم من أن تركيا حاولت طمأنة روسيا بالقول إن التعاون مع أوكرانيا لا يهدف إلى استهداف روسيا، إلا أن هذه الشراكة لا تزال تثير عداء روسيا حاليًا أكثر من أي وقت مضى.
 
في سنة 2021، ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن صادرات الأسلحة التركية إلى أوكرانيا تعتبر "قضية خطيرة"، واستمرت عمليات التسليم هذه بسبب اعتراضات روسيا. وقد أصبحت هذه القضية اليوم أكثر أهمية بالنسبة لروسيا حيث لا يتم استخدام هذه الأسلحة فقط ضد القوات المدعومة من روسيا، ولكن ضد القوات المسلحة الروسية نفسها، وفي ظل استمرار المواجهة المسلحة بين روسيا وأوكرانيا، واصلت تركيا بيع الأسلحة لأوكرانيا.
 
ولا بد من الاعتراف بأهمية هذه الشحنات باعتبارها مختلفة بطبيعتها عن المناطق الأخرى التي تجد فيها المعدات التركية نفسها مستخدمة ضد المعدات الروسية. وفي حين يتم استخدام المعدات التركية في سوريا وناغورني كاراباخ ضد القوات المدعومة من روسيا، فإنه يتم استخدامها في أوكرانيا ضد القوات الروسية نفسها. وترى روسيا أن تركيا تزود أوكرانيا عن قصد بأسلحة ستستخدم لقتل الروس. وعلى الرغم من أن تركيا حاولت تهدئة الغضب الروسي من خلال توضيح أن المعدات العسكرية المرسلة إلى أوكرانيا هي مبيعات وليست مساعدات، إلا أنه من غير المرجح أن تجعل مخصصاتها أقل أهمية.
 
وفي إشارة إلى ذلك؛ أعرب السفير الروسي في تركيا عن غضب روسيا من عمليات التسليم هذه، رافضًا تفسير "العمل يبقى عمل" على أساس أنه تم شراء الطائرات المسيّرة لغرض صريح يتمثل في قتل الجنود الروس.
 
ومع أخذ هذه التصريحات بعين الاعتبار؛ يمكننا تحديد انفصال بين التصورات التركية والروسية عن شحنات الأسلحة هذه، فلم تعد شحنات الأسلحة التركية محبطة فحسب، بل لها بعد شخصي إضافي لروسيا لا تحدده تركيا. وفي ظل تقدم المواجهة العسكرية في أوكرانيا، ستظل قضية الأسلحة نقطة شائكة للعلاقات الروسية التركية بينما توفر في نفس الوقت مجالًًا لتركيا للتعامل بشكل تعاوني مع الغرب. وبالإضافة إلى مسألة إمدادات الأسلحة؛ صوتت تركيا لإدانة روسيا في الأمم المتحدة وقررت إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن العسكرية. ومع أخذ كل هذه العوامل بعين الاعتبار؛ من الواضح أنه يمكن تصنيف تركيا على أنها مؤيدة لأوكرانيا، لكن هذا لا يعني أن تركيا تؤيد بالكامل التحالف الغربي عندما يتعلق الأمر بقضية أوكرانيا.
 
على الرغم من شحنات الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، لا تزال تركيا تضع نفسها كطرف فاعل مستقل في السياسة الخارجية في هذا الوضع. وقد نأت تركيا بنفسها عن أعضاء الناتو الآخرين باعتبارها الدولة العضو الوحيدة التي لم تفرض عقوبات اقتصادية على روسيا. كما أن تركيا لا تقدم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، ومن هنا توضح أن شحنات الطائرات المسيّرة هي مجرد مبيعات وليست مساعدات.
 
علاوة على ذلك؛ تجري تركيا حوارًا مستمرًّا رفيع المستوى مع روسيا حول قضايا مثل إخلاء المدن وأعربت عن استعدادها للتوسط. كما استضافت تركيا محادثات بين ممثلي روسيا وأوكرانيا، في الوقت الذي يحاولون فيه أيضًا تنظيم اجتماع رفيع المستوى. وقد تمكنت تركيا من القيام بكل هذا في الوقت الذي عرضت فيه القيام بمبادلات تجارية مع روسيا بالروبل ومناقشة بدائل لنظام "سويفت". وعلى الرغم من أنه يجب بالتأكيد اعتبار تركيا مؤيدة لأوكرانيا، يمكننا أن نرى أن ذلك لا يعني أن تركيا معادية تمامًا لروسيا. وحتى في ظل هذا الوضع المحفوف بالمخاطر، فإن تركيا قادرة على تحقيق نوع من التوازن على الأقل بين الشرق والغرب.
 
لقد أدى التوازن بين الشرق والغرب في تركيا إلى تعزيز مكانتها العالمية؛ حيث نصّبت تركيا نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة. ومن الصعب تحقيق توازن مثل هذا، ومنذ 24 شباط/ فبراير، سيكون الحفاظ عليه أكثر صعوبة. وحتى الآن، يبدو أن تركيا لديها القدرة على التغلب على الصعوبات الإضافية، وبينما يسعى الغرب للضغط على الدول التي لا تزال تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا، تمكنت تركيا إلى حد كبير من تجنب مثل هذه الضغوط والإدانة.
 
في الوقت نفسه؛ تمكنت تركيا من البقاء خارج قائمة "الدول والأقاليم غير الودية" الروسية وهي على وجه الخصوص الدولة الوحيدة غير المدرجة في هذه القائمة التي تقدم أسلحة لأوكرانيا. ومع أخذ هذه العوامل بعين الاعتبار؛ يبدو من المرجح أن تركيا ستكون قادرة على شراء دفعة ثانية من صواريخ إس -400، ومواصلة تقديم الدعم لأوكرانيا، والحفاظ على علاقاتها التجارية القوية مع روسيا باستخدام الروبل في الوقت الذي تواجه فيه عواقب قليلة من الغرب أو روسيا.
 
وبالنظر إلى هذه الاتجاهات، من غير المرجح أن يقلب الوضع الراهن في أوكرانيا التوازن الذي حققته تركيا، وسيكون الحفاظ على هذا التوازن ضروريًا من أجل مصالح تركيا الإقليمية ومن أجل اقتصادها على حد سواء. وللمضي قدمًا، فإن الوضع الجيوسياسي المتطور سيمنح تركيا مساحة أقل للتنقل، ولكن تركيا أظهرت حتى الآن أنها قادرة على إدارة التوازن بين الشرق والغرب.
 
 
 
المصدر: مودرن ديبلوماسي - نون بوست